الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة ودورها فى تغيير السلوك البشرى

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2020 / 8 / 5
المجتمع المدني


منذ عدة سنوات كتب الدكتور مصطفى الفقى مقالا بعنوان "بورصة البشر" حيث أوضح أن المناصب قد تغير الإنسان وتصيبه بالغرور حيث يشعر أنه أصبح مركز الكون وأن الملتفين حوله أقزام لا حول لهم ولا قوة. يقول المثل الإنجليزى: إذا أردت أن تعرف حقيقة الإنسان فأعطه سلطة. ومن الواضح أن هذه النظرة للمناصب وما تصاحبها من سلطة باتت شائعة فى العالم العربى. وأقصد بالمنصب هنا أى وظيفة حكومية يتمتع من يشغلها بسلطة على من حوله.

من المعروف أن السلطة لها بريق وتمتلك قوة مغناطيسية تنجذب إليها فئات عديدة من هواة النفاق وأصحاب المصالح. فهذه الفئات تلعب دورا فى تفخيم صاحب السلطة وتبجيله لدرجة أنه يصدق كل الكلمات التى تشير إلى ذكاءه الخارق وحكمته وقدراته غير الطبيعية التى لا يمتلكها أحد سواه. وهذا الإطراء الزائف كفيل بأن يؤدى إلى فقدان نصف العقل بعد أن يتولى المرء منصبه. لا شك أن دوام الحال من المحال كما جاء فى قول الله تعالى فى سورة آل عمران: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾. فالمنصب قد يزول يوما ما حينئذ يكتشف المرء أن المنافقين قد توقفوا عن النفاق والإطراء والتبجيل. وقبل أن يفيق صاحبنا يكتشف أن المبجلين والمنافقين تحولوا إلى نقاد ولا يتوقفون عن كشف سوءاته وحصر العيوب والأخطاء التى ارتكبها أثناء توليه الوظيفة حينئذ يفقد صاحبنا النصف الآخر من عقله.

الجدير بالذكر أن المسئول فى بلادنا معذور لأنه يتعرض لموجات عنيفة من التبجيل وضربات موجعة من النفاق لدرجة انه لا يستطيع أن يقاومها أو يتصدى لها فيترنح يمنة ويسرة حتى تقذفه الأمواج—أمواج النفاق-- جثة هامدة على رمال الشاطئ. ومن المؤكد أن شلة المنافقين أصبحوا خبراء فى سرقة العقول والقلوب. وقد يتساءل أحدهم: إذا نجح النفاق قى تحقيق الهدف أول مرة فما المانع من تكراره لتحقيق هدف أكبر وأسمى؟ أعرف مسئولا جامعيا كان يتطلع لمنصب أعلى فلجأ إلى الوسيلة التى يتقنها حيث علم أن عقيلة مسئول كبير فى العقد الأول من القرن الحالى بصدد القيام بزيارة المدينة وحين تأكد أن طائرة السيدة سوف تحط فى المطار الرئيسى للمدينة قام بتكليف كل عمال المؤسسة التى يديرها لتعليق "يفط" وإعلانات الترحيب على أعمدة وأشجار الطريق المؤدى إلى المطار. ولم تمر فترة طويلة حتى علم المسئول أن السيدة لن تمر من الطريق لأن طائرتها سوف تتوجه إلى موقع آخر بعيد عن المدينة. فماذا فعل المسئول الجامعى إياه؟ أمر بخلع وفك كل إعلانات الترحيب المعلقة على الأشجار والأعمدة ووضعها فى سيارة المؤسسة ثم أنطلق إلى الموقع الجديد حيث تبدأ السيدة زيارتها وكان قد عقد النية على تعليق "يفط" الترحيب على أشجار وأعمدة الموقع الآخر إلا أن مسئولى تلك المدينة رفضوا ذلك فأضطر أن يعود من حيث أتى وهو يجر أذيال الخيبة.

لعل مسئول المؤسسة إياها أخفق فى عزف أوتار النفاق ومن ثم فشل فى الوصول إلى غايته المنشودة. دعنا نتخيل أن مسئولا ما نجح فى عزف أوتار النفاق واستطاع أن يصل إلى أهدافه حينئذ سينسى أو يتناسى الطريقة التى حصل بها على السلطة فيبدأ أيامه الأولى متنكرا لأصدقائه وزملائه. لقد روى لى أحد الأصدقاء والعمداء السابقين عن صديق له كان يعمل وكيلا للكلية فى جامعة جنوبية أخرى حيث كان الوكيل لا يتوقف عن الاتصال به عدة مرات فى الأسبوع لاستشارته فى بعض الأمور وكان فى كل مرة يكرر على مسامعه كلمات المديح والإطراء منها إن العميد مصدر من مصادر فن الإدارة. المهم أن هذا الوكيل بين طرفة عين وانتباهتها أصبح رئيسا لهذه الجامعة الجنوبية. وتشاء الأقدار أن يتواجد العميد فى اجتماع بمكتب رئيس جامعته حين دخل رئيس الجامعة الجنوبية. الغريب أن هذا الرئيس صافح العميد الذى اعتاد أن يمطره بكلمات المديح والإطراء بطريقة غريبة كأنه يراه أول مرة فى حياته. أصيب العميد بالدهشة وأخذ يضرب أخماسا فى أسداس للتغير الذى يحدث للبشر نتيجة تولى منصب قصير الأجل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمين العام للأمم المتحدة للعربية: أميركا عليها أن تقول لإس


.. الشارع الدبلوماسي | مقابلة خاصة مع الأمين العام للأمم المتحد




.. اعتقال متضامنين وفض مخيم داعم لفلسطين أمام البرلمان الألماني


.. الحكم بإعدام مغني إيراني بتهمة «الإفساد في الأرض»




.. Students in the USA are protesting in support of Palestinia