الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأريخ الهجري جزء من منظومتنا الثقافية والقومية

شكيب كاظم

2020 / 8 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ثمة تقاويم عدة أنتجتها الحضارة البشرية منها، التقويم العبري اليهودي ومازالت بعض صوره قائمة حتى الآن، على واجهات البيوت القديمة في محلة ( التوراة) برصافة بغداد، وعلى باب خان قديم في درب يؤدي من شارع الرشيد إلى شارع النهر، المجاور للبنك المركزي العراقي، وكذلك هناك التقويم الغريغوري الميلادي، وثمة تقويم قديم لبلاد فارس قبل وصول الإسلام إليها، فضلا عن تقويم كردي سحيق في القدم، يؤرخ به بعض القوميين الكرد، ثم هناك التقويم الصيني، وبداية السنة الصينية في شهر آذار، وتأريخ هجري شمسي سنته ثلاث مئة وستون يوما، والتأريخ الرومي الذي كان معمولاً به أيام الدولة العثمانية، وصولاً إلى التأريخ الهجري الذي يؤرخ به المسلمون، منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، إذ بدىء في زمنه وضع الأسس الحديثة للدولة الإسلامية الناشئة، فأنشىء ديوان الجند، وديوان العطاء، كذلك نوقشت قضية إيجاد تقويم خاص بالدولة الجديدة، فطرحت مقترحات عدة منها: أن تكون التأرخة منذ مولد النبي الأعظم، وثمة من اقترح مبعثه عليه الصلاة والسلام، ورأي ثالث رجح هجرته، ورابع فضل أن تكون بداية التأريخ الهجري الإسلامي منذ وفاته سلام الله عليه، لكن بعد المذاكرة والمداولة، اتفق الرأي على أن مسألة الهجرة الشريفة من مكة إلى مدينة يثرب، التي ازدانت بالاسم الجديد بعد هجرته إليها (المدينة المنورة)، التي كانت حاسمة في إذكاء روح الدعوة الإسلامية، وبدء انتشارها في جزيرة العرب، وكونها فاصلا مؤثرا ومهما بين عهدين؛ عهد الضعف، وعهد القوة والمنعة والانتشار، أتفق الرأي على جعل الهجرة المباركة، بداية للتأريخ الخاص بالمسلمين، وتعبيرا عن هويتهم الثقافية والقومية، التي ستجذرها الأيام والسنون والقرون.
ظل المسلمون يؤرخون بهذا التقويم منذ خلافة ابن الخطاب، وحتى سقوط الدولة العثمانية، وما نتج عن هذا السقوط من اتفاقات سرية وعلنية بين الحلفاء المنتصرين، وما دبره مارك سايكس وزير الخارجية البريطاني، وفرانسوا بيكو وزير خارجية فرنسة، من معاهدة لتقسيم الوطن العربي سنة ١٩١٦، وحتى قبل معرفة نتائج الحرب، إذ كان لا بد لهذه الدول الناشئة من أن تتأثر بثقافة الدولتين اللتين آلت إليهما تركة الدولة العثمانية، فنشأت حكومات أخذت بأهداب الثقافة الأوربية، وما استتبع ذلك باستخدامها التأريخ الميلادي، إلى جانب بعض مقومات الحياة الجديدة، وظلت المملكة العربية السعودية تؤرخ بالهجري، في حين خالف العقيد الليبي معمر القذافي، الذي وثب على السلطة، وأنهى حكم الأسرة السنوسية الحسنية، في الفاتح من أيلول/ سبتمبر ١٩٦٩؛ خالف القذافي في جماهيريته الشعبية الاشتراكية العظمى! كل الناس ليرجع بتأريخه أحد عشر عاماً إلى الوراء، وليؤرخ منذ وفاة الرسول! لا من هجرته، صلوات الله عليه مخالفا الإجماع، وما عمل به المسلمون منذ أيام الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، وحتى يوم الناس هذا.
في هذه السنوات، بدأت تطفو على السطح، ظاهرة مؤسفة مؤلمة، أجد فيها مخالفة لوقائع الحياة السوية، واستهانة بجزء مهم من منظومتنا الثقافية والقومية؛ استهانة بالتأريخ الهجري، إذ اسمع نعقا مع الناعقين بالعولمة والأمركة، هجرا لهذا التأريخ، كما هجر أتاتورك الحرف العربي، واستعار حرفا هجينا، فقطع آصرة الأتراك بكل إرثهم الثقافي.
لقد بدأنا نقرأ لمن يؤرخ لحوادث التاريخ الإسلامي، بالميلادي من غير ذكر لما يقابله في التأريخ الهجري، الذي دأب العرب والمسلمون على التأرخة به منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا وحتى سقوط دولة آل عثمان، وإلا هل يجوز لنا أن نؤرخ للشاعر الفرزدق (٦٤٠٧٣٠) ولأبي العتاهية الشاعر (٧٤٨٨٢٦) ولأبي منصور الحسين الحلاج الشهيد المصلوب(٨٥٨٩٢٢) وللفارابي ، صاحب المدينة الفاضلة (٨٧٨٩٥٠) ولأبي الحسن الأشعري، صاحب مذهب الأشاعرة وكتاب ( مقالات الإسلاميين)(٨٧٣٩٥٣) وللهمداني المؤرخ، صاحب ( كتاب الإكليل) و( صفة جزيرة العرب)(٨٩٣٩٤٥) ولنؤرخ لوفاة البلاغي المهتم بالدراسات القرآنية وصاحب كتاب (إعجاز القرآن) الباقلاني بـ(١١٠٣) و، و، وهكذا يستمر الحال في تأرخة الأعلام العرب والمسلمين، وحوادث التاريخ الإسلامي، بالتقويم الميلادي، وقد أوردت هذا الغيض من هذا الفيض لأقول: إن هذا النهج المؤسف غير مقبول البتة، وهو استهانة بأسس الدرس ومناهج البحث العلمي الرصين، إذ لا يخفى على الباحثين، أن تعورف على أن يؤرخ لهذه الحوادث وصروف الدهر، وما عاشه العرب والمسلمون، منذ ظهور دينهم، أو بداية العمل بالتقويم الهجري، وحتى سقوط السلطنة العثمانية بهذا التأريخ، وإنه لمن المعيب الاستهانة بجزء من هويتنا البحثية والتأريخية والقومية، وبهذا الشكل المنافي لكل طبائع الحياة والأشياء والبحث والدرس، إذ أن ترك هذا التأريخ والاستعاضة عنه بالميلادي، يوقع القارئ والباحث في اللبس والإبهام، لذا اقترح أن يكون التعويل على التأرخة الهجرية فقط في كل ما يخص الشأن العربي والإسلامي، أو كحل وسط الهجري الى جانب الميلادي، عند تناولنا لأية قضية تخص القرون الثلاثة عشر من الحياة الإسلامية وحتى سنة ١٩١٨، حيث بدىء بالتعويل على التأريخ الميلادي، فمنذ قرون عاب علينا الأوربيون رجوعنا في الزمن تأريخيا، عادين أن التأرخة الهجرية تعني العودة ستة قرون إلى الوراء! وهي المسافة الزمنية بين التأريخين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة