الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طلاب ألهموني..

حيدر رعد

2020 / 8 / 10
التربية والتعليم والبحث العلمي


من الشائع ان يصادف الطالب بروفيسورا مميزا فيكون مصدر الهام كبير خلال رحلة الدراسة و لكن لم اكن اتصور ان العكس ممكن ايضا.

خلال مسيرتي في الوظيفة الاكاديمية في السنوات الاثني عشر الماضية جمعتني قاعة الدرس مع أربعة طلاب غيروا من نظرتي للحياة و كانوا و ما يزالوا من اكثر الناس الذين التقيتهم تأثيرا و الهاما.

أولهم هو طالب المرحلة الاولى في قسم الهندسة الكهربائية, التقيته بأول محاضرة لي خلال عملي لدى جامعة كاليفورنيا ستيت. أ. س. رجل ستيني, امريكي ابيض يجلس في الصف الاول من مقاعد القاعة الدراسية بجانب عدد من طلاب المرحلة الاولى (Freshmen)ذوي ال 18 سنة. استغربت جدا من وجوده و سؤال كبير يدور في ذهني: ماذا يفعله هذا الرجل هنا؟!

في احد الايام طلب هذا الطالب الاجتماع بي في مكتبي لمساعدته في بعض اسئلة الواجب البيتي, فأستغليت حضوره فرصة لأرضي فضولي الكبير, أدرت الموضوع بطريقة غير مباشرة لاسئله عن اهدافه بعد التخرج, فقال لي مبتسما: بروفيسور, أنا اعلم جيدا ما يدور بذهنك. انك تتسائل: ماذا "بحق الجحيم" انا فاعله هنا! حسنا, عمري 62 سنة و انا اب ل 3 بنات و جد ل 7 احفاد و قد عملت طوال حياتي كفني كهرباء في احد المصانع و لم تمنحني الحياة الفرصة الملائمة لتحقيق حلمي بأن اكون مهندس كهرباء حتى هذه السنة! فها انا ذا!

الطالب الثاني, س. ب., كان فاقدا للبصر منذ الولادة و كان يحضر درس الدوائر الالكترونية بصحبة كلبه الدليل و كان يشارك بكل شغف في فعاليات الدرس في حين كل ما كان ما يدور في بالي هو: كيف سيستطيع هذا الطالب اجتياز مختبر الالكترونيك المصاحب لهذا الدرس و الذي يتطلب مهارة يدوية لربط مكونات الدائرة و قراءة دقيقة لقياسات التيار و الفولتية! و لكني فوجئت بعد حين بتفوقه بالمختبر و تصميمه لجهاز ناطق لقراءة الفولتية لمساعدة فاقدي البصر!

الطالب الثالث, افريقي امريكي في نهاية العشرينات من عمره, و هو محامي ناجح. على الرغم من دخله السنوي الممتاز الذي يحصل عليه من مزاولة مهنته الا انه قرر ان يترك هذه المهنة نهائيا و يدرس الهندسة الطبية. تركني هذا الطالب و انا العن الاعتقاد السائد في مجتمعاتنا العربية و كيف بأن مجرد التفكير بتغيير الاختصاص يعتبر فشلا و كيف ان الطالب سيكمل بهذا الاختصاص الذي فرض عليه من دون ذرة شغف، خوفا من ردة فعل اهله و مجتمعه ومحيطه.

الطالبة الرابعة, ل. ف., والتي هي حاليا منخرطة في كورس الفيزياء المتقدمة الذي اقوم بتدريسه حاليا. هي مصابة بمرض عضال نادر و قد تودع هذه الحياة في اي لحظة. عند لقائي بها ظهر الامس و هي على فراش المستشفى كان لديها بعض الاسئلة عن مشروع الفصل النهائي, سألتها عن طموحاتها و اهدافها, فأجابت بكل عزيمة: اريد ان اصبح رائدة فضاء!

عسى ان يكون هذا تذكير بليغ بأننا لسنا مجبرين على الامتثال لتوقعات الآخرين منا, و أن الأحلام لا تعرف الحدود, و أن الأوان لا يفوت أبدًا، وأن الوقت دومًا متاح لتحقيق الأمنيات، وأن العمر ما هو إلا عائق وهمي, و ان الشغف هو العامل الاكبر الذي يحدث الفرق في مسيرة أي انسان.
نعم, يلهمني كل من يتحدى الواقع والظروف، و يحوّل اليأس إلى طاقة ليتسلق الى القمة المنشودة, و استذكر هنا مقولة برنارد شو: "دائماً ما يلوم الناس الظروف ولكنني لا اؤمن بالظروف، الناجحون في هذه الدنيا هم أناس يستيقظون في الصباح، ويبحثون عن ظروف مؤاتية فأن لم يجدوها صنعوها".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر