الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام والسيف .. العثمانيون الجدد

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 8 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أثارت الصورة المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الانباء والصحف الورقية والالكترونية، لرئيس الشئون الدينية التركي علي أرباش، وهو يحمل سيفا أثناء إلقاءه لخطبة الجمعة في كاتدرائية آيا صوفيا، التي حولها أردوغان الي مسجد بعد أن كانت متحف تاريخي. أثارت العديد من التساؤلات والاستهجان والسخط لمن يؤمن بالعلمانية والعدالة والتعايش وعصر الحضارة، وبنفس الوقت لاقت التأييد والاستحسان والتصفيق لمن يؤمن بعودة الخلافة ونشر الاسلام بالسيف والقوة وعودة عصور الغزوات الاسلامية لتحويل معابد الكفار الي مساجد، والحضارات الموجودة الي حضارة اسلامية بقوة المنتصر بالسيف.
في الحقيقة، لم يكن تصرف أردوغان نابعا من استغلال الدين في المجال السياسي فقط، فهو معروف بذلك التاريخ للتغطية على قراراته السياسية المحلية، وفي توسيع نفوذه الاستعماري، وفي تصفية خصومة، وفي دفع ثمن مغامراته العسكرية في انحاء كبيرة من الوطن العربي. إلا أن الهاجس الأكبر الذي دفع خليفة المسلمين الجديد في تبرير تحويل المتحف التاريخي الي مسجد، هو في رغبته لتثبيت حكمه المتزعزع عبر صرف الانظار عن الأوضاع الاقتصادية البائسة، والغضب الشعبي إزاء تعامل الحكومة التركية مع أزمة جائحة كورونا، وإنهاك جيشه في صراعات خارج حدود تركيا. ولهذا لم يجد أردوغان مخرجا لكل هذه الورطات السياسية، سوى الاستعانة بالإسلام لإعادة توجيه الانظار الي دوره العثماني في الدفاع عن الاسلام وإعادة حقوق المسلمين المغتصبة.
هذا الاستغلال البشع للإسلام في العصر التركي، كان نتاج فكرة أن الخلافة العثمانية، كانت بمثابة الدولة الحضارية والعلمية والفكرية الأولى، وأن الخلفاء العثمانيون، كانوا بمثابة الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين. بينما الحقيقة التي ينكرها المتعصب العثماني، وتيار الإخوان المسلمين، تقول بأن تاريخ الدولة العثمانية كان الأقل اسهاما في ميادين العلوم والثقافة، بمقابل انهماكها في الحروب والتوسعات الاستعمارية في الشرق الإسلامي وشرق أوروبا. ولا يخفى على أي قارئ للتاريخ العثماني، أنه منذ احتلال العثمانيون للبلاد العربية في عام 1516 بعد معركة "مرج دابق"، ومعركة "الريدانية" في عام 1517، ودخول السلطان العثماني سليم الأول للشام ومصر، واستمرار احتلالهم لأجزاء من الوطن العربي حتى بدايات القرن العشرين، فإن العثمانيون بعد هذا التاريخ، لم يتركوا خلفهم سوى الخراب والكوارث، ولم يهتموا بالدول المسروقة وتطويرها، سوى ما يعزز نفوذهم وتوسع استعمارهم بشكل مخيف ومرعب عبر تغطية تلك الجرائم بشعار الخلافة الاسلامية. فقد كانت القرون الأربع التي استمر فيها حكم العثمانيون، أحد النقاط السوداء في التاريخ العربي الاسلامي، ولم يتشافى العقل العربي المسلم من تداعيات الاحتلال العثماني، بقدر ما أصبح أسيرا لمفاهيم الثقافة العثمانية التي زرعت التواكل والقدرية والخوف والطبقية والأمية. ولا يمكننا أن نخرج من فقرة الجرائم العثمانية بحق الإنسانية، دون أن نمر على واحدة من أسوأ الجرائم ضد الإنسانية التي مارسها العثمانيون وهي جريمة ابادة الأرمن، حيث تعود هذه الجريمة الي فترة الحرب العالمية الأولى والتي انهارت خلالها الخلافة العثمانية، ويعود سبب ابادة الاتراك للأرمن، بالشك الذي طال الاتراك بدعم الارمن لروسيا اثناء الحرب، ويقدر بعض المؤرخون بأن حوالي مليوني أرمني كانوا يعيشون داخل أراضي الخلافة العثمانية مع بداية الحرب العالمية الاولى عام 1914، وبحلول عام 1922، انخفض عددهم الي 400 ألف فقط.
هذا الجزء البسيط من سيرة الخلافة العثمانية، يجعلنا نفهم دورهم التاريخي في تعطيل النهضة العربية، وفي تدمير مقومات الصناعة والعمل وتشكيل الدول والحكومات والأجهزة الادارية. كما يضعنا أمام حالة من الذهول والاستغراب والعجب، لمن يدافع عن القتلة والمجرمين، لا لشئ سوى أن هؤلاء كانوا يمثلون دولة الخلافة الاسلامية المنتظرة، وان وجودهم، بمثابة الانتصار للحكم الألهي المطلق، وأن الوقوف ضدهم، ماهو الا اعلان حرب على الله والرسول. ولم يتوقف الدفاع عن التاريخ العثماني، حتى يمكن أن نفهمه داخل اطار الايجابيات التاريخية، كما في التاريخ الاسلامي وعصر الحضارة الاسلامية أيام المعتزلة وابن رشد وغيرهم من المصلحين في التاريخ الاسلامي. بل اصبح الدفاع عنهم أمرا مغموسا بالحزن والألم لنا، لهؤلاء الذين تنكروا للحقائق العلمية، ومارسوا ابشع الطرق والوسائل في تزييف التاريخ وظلم الأبرياء الذين قضوا تحت اقدام التاريخ العثماني.
ولعل أكبر جماعة وتيار مارس التغطية على العثمانيين، ودافع عنهم، وتمنى عودة الخلافة الاسلامية من جديد الي الحكم التركي، هم جماعة الاخوان المسلمين، الذين استطاعوا التغلغل الي تركيا، والمساهمة في انشاء ودعم الحركات السياسية ذات التوجهات الاسلامية، وتغييب التوجه العلماني لتركيا الحديثة. حيث بدأت حملة أخونة تركيا مع نجم الدين أربكان الذي أنشأ حزب النظام الوطني بعد ان تحالف مع الحركة النورسية، وهو التيار الصريح في تبعيته لأفكار الاخوان المسلمين وتبنيه لمنهجهم عبر دراسة رسائل الإمام البنا وكتب ومراجع الاخوان المسلمين، ولكن لم يستمر هذا الحزب طويلا، اذ سرعان ما تم حله بعد الإنقلاب العسكري في عام 1971. وتاليا، نشأت العديد من الاحزاب والتيارات السياسية الاسلامية التي كانت تمثل الخط الاسلامي للإخوان المسلمين، ونذكر منهم على سبيل المثال، حزب السلامة وحزب الرفاه وحزب الفضيلة وحزب السعادة، وصولا الي حزب العدالة والتنمية الذي لا يزال يحكم تركيا بقبضة من حديد باسم تطبيق الشريعة وتمثيل المسلمين منذ وصوله الي سدة الحكم في عام 2002، وعلى رغم نفي الحزب لتبعيته للاخوان المسلمين، الا أنه يتقاطع معهم في كثير من الغايات والاهداف السياسية وعلى رأسها عودة نموذج الخلافة الاسلامية. ورغم اعتراف رجب طيب اردوغان، رئيس الجمهورية التركية، بأن علمانية أتاتورك والدولة التركية الحديثة، في الحفظ والصون كما يقال، الا ان اردوغان، من ناحية أخرى، فشل في الجمع بين الديمقراطية والاسلام، وانخرط في تحقيق طموحات شخصية له، حيث ادخل تركيا في حروب اقليمية بدوافع مذهبية. والأمر الآخر، وهو ما يزعج قيادة مصر وبعض دول الخليج العربي، أن تركيا لا تزال الحاضنة السياسية والاجتماعية والاعلامية، لكل معارض للأنظمة السياسية في تلك الدول، وأن تركيا فتحت المجال لهم بعد أحداث الربيع العربي لزعزعة استقرار تلك الدول وتمكين الاخوان المسلمين من اسقاط الانظمة العربية وحكمها بشعار "الاسلام هو الحل".
لقد أخفق من يدافع عن تركيا باعتبارها دولة الخلافة، في الدفاع عن وطنه الأم، واستساغ أن يكون أداة صغيرة في خدمة مشروع قومي لأمة أخرى لا هدف لها سوى الاستعلاء القومي، وعودة الحكم العثماني، واستعمار الوطن العربي من جديد. وما استخدام الدين والاسلام في الخطابات السياسية الاردوغانية، ومؤخرا تحويل متحف آيا صوفيا الي مسجد، ماهو الا استغلال بشع للعاطفة الدينية لدى العرب، وتسويق أردوغان بانه حامي حمى الاسلام ومجدد الخلافة الاسلامية.
إن من يراهن على الاخوان المسلمين اليوم في قدرتهم على انقاذ الوطن العربي من التخلف والاستبداد والجهل، ينسى أن تلك الجماعة، وبلسان منظروها، مثل سيد قطب والبنا والمودودي وغيرهم، قد اعترفوا بجاهلية المجتمعات العربية، وضرورة اسقاط الانظمة العربية الحالية لانها غير اسلامية. وما تدخل الاخوان المسلمين، بشكل مباشر او غير مباشر، في الحرب في سوريا واليمن وليبيا، الي احداث مصر في العام 2011، وما بعدها من اثارة القلاقل بركوب موجة الربيع العربي، وتهديد الانظمة العربية والخليجية بالثورة عليهم، الا أحد أساليبهم السياسية في دعم أي توجه لإسقاط الانظمة والوصول الي السلطة باستغلال الشعارات الاسلامية. ومن يرى في حكم اردوغان بانه النهاية الحتمية لقيام الدولة الاسلامية، فهو يراهن على الحصان الخاطئ، ولا يرى الامور بشكل أوضح، بل ويفتقر للتفكير الاستراتيجي المستقبلي. فالرهان على تركيا، يجب أن يكون على الدولة واستقرارها، بعيدا عن حكم الاخوان المسلمين وتدخلاتهم السافرة، وأن تكون تركيا دولة لا تتدخل بشؤون الآخرين، ولا تفرض الوصاية باسم الدين. فحزب العدالة والتنمية، لن يكون مجدد الخلافة الاسلامية، بل هو حزب يمتلك الكثير من الاخطاء الاقتصادية والسياسية، وبدأت شعبيته في التقلص، وبدأ يفقد قدرته على اقناع الناخبين ببرامجه الانتخابية، والدليل على ذلك خسارته بلدية اسطنبول خلال الانتخابات البلدية الاخيرة. كما أن السجون في تركيا ممتلئة بالمعارضين والاعلاميين وخصوم أردوغان. حيث تم سجن عشرات الآلاف من المعارضين في انتظار محاكمتهم، بعد محاولة الانقلاب في عام 2016، وتمت اقالة 150 ألف شخص من العمل للسبب ذاته، في أكبر عملية تصفية للخصوم والمعارضة السياسية.
هنا نصل الي نتيجة واحدة مفادها، أن جماعة الاخوان المسلمين، وتحالفاتهم مع الانظمة المستبدة، وقد كشفت مؤخرا تسريبات خيمة القذافي، عن تواطؤ بعض رموز الاخوان المسلمين في زعزعة استقرار الانظمة العربية، بأنهم تيار يمارس الخبث السياسي باستخدام الدين، وأن تركيا، عندما تضع تلك الجماعة تحت جناحيها، إنما تستغل تلك الجماعة وتأثيرها الديني، في محاولة لاعادة الحلم العثماني، ورفع السيوف، مرة أخرى على المنابر الدينية العربية، كما رفعها خطيب الجمعة في مسجد آيا صوفيا مؤخرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت