الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة السائلة ..من بغداد إلى بيروت

يحيى الشيخ زامل

2020 / 8 / 10
المجتمع المدني


الدولة السائلة .. من بغداد إلى بيروت
د. يحيى حسين زامل
باحث أنثروبولوجي
مفهوم "السيولة" أو "السائلة"، جاء به عالم الاجتماع البولندي (زيجمونت باومان) ( 1925-2017)، مع اضافات مفاهيم أخرى له ، نظير " الحب السائل" و"الثقافة السائلة" أو "الحداثة السائلة"، للتعبير عن تفكك المفاهيم الصلبة، والتحرر من كل الحقائق والمفاهيم والمقدسات الكبرى ، إلى مفاهيم ضيقة وسائلة ومطاطة .
أسوق هذه المقدمة لأعرج إلى ما يحدث في ( لبنان والعراق وليبيا واليمن وسوريا، وأكثر بلدان العالم العربي ) التي تواجه مشروع إجهاض الدولة ومفهومها السائد في العالم، وتشظي الدولة بحسب الأديان والأعراق والمذاهب والأثنيات ما هو إلا تفتيت للدولة. الولايات المتحدة الامريكية مثلا ، ومعها بعض البلدان الأخرى، ساد فيها مفهوم "الدولة" و"المواطنة" ، ولا تسمح بأي نشاط تفتيتي تحت أي عنوان، ولكنها في نفس الوقت تبحث في بلداننا عن أي عرق أو اثنية أو ديانة لتدعمها ، أو تطالب بحقوقها، حتى تتشظى تلك الدول، وتصبح مجرد دولة سائلة ومطاطة تستطيع أي جهة من هذه أن تسحبها إلى أي جهة حتى لو كانت إلى الجحيم ، وشاهدنا كيف حصل ذلك في أحداث سابقة في العراق .
واليوم ومع أحتراق "بيروت" وقبلها بغداد وصنعاء وطرابلس بإمكاننا أن نسأل أنفسنا ماذا افدنا من هذه التشظيات والانقسامات الدينية والمذهبية والعرقية إلا الخراب والتشتت والتفكك، والموت والخراب، في أكثر بلدان العالم المتقدم هناك جهتان (محافظون وليبراليون)، وينظوي تحتها من يريد العمل السياسي؛ بصرف النظر عن توجهاته الدينية والعرقية والهوياتية، إلا في بلداننا الذي يراد فيها تشظي مفهوم الدولة ومشروعها، فإما حاكم مستبد وظالم، وأما دولة مفككة تحت مفهوم الديمقراطية الفجة والقبيحة، والمواطن الذي لا يستطيع أن يقف في الطابور أمام فرن الخبز هو بلا شك لا يفهم الديمقراطية إلا انها (ابكيفي) وحريتي ، ناهيك عن التفكير الضيق، تحت عنوان الطائفة والعرق والدين من قادة كتل واحزاب وطوائف، وكأننا في بداية نشوء هذه الاعراق والاديان والمذاهب ونسعى بكل جهد وجهاد لترسيخها ونشرها، مع إننا لم نستطع التأثير في ضم أشخاص آخرين لصفنا، بل تحولنا إلى كتل صلبة وكونكريتية تتمترس بعناصرها الإجتماعية والثقافية والهوياتية، وتسعى بكل قوة إلى موت الآخر وتفتيته، وكأننا وحدنا من نملك الحقيقة، والحقيقة المطلقة، والحال أن هذه المرحلة مرت بها دول متقدمة، وعبرتها بعد أن عرفت فسادها وعدم جدواها، فلماذا نعمل على تدوريها ؟ ، وبإمكاننا ان نعمل على تطبيق التجارب الرائدة في تطوير المجتمع وتنميته ، لماذا ندخل في جحر الضب الذي دخله الاخرون ؟، لماذا هذا التقليد الاعمى الذي طالما اوصلنا إلى الموت والقتل والخراب ؟
عندما تنظر إلى نفسك وإلى الأخرين ستجد نفس الجسد والدم والأعضاء ( صفات عالمية وكونية)، والفرق هو في تفكيرك، واعتقاداتك، وليس بالضرورة ان تكون نفس تفكير واعتقادات الآخرين، وهي قضية ليست معيبة بحد ذاتها ، ولكن المعيب أن تنكر حق التفكير والاعتقاد للطرف الآخر، كما إننا أمام مفصل مهم في حياتنا، أما نستمر بهذا النمط وهو المتوقع، لأننا لم نخرج بعد من سلطة الهويات الضيقة ، إلى فضاء الإنسانية الرحب ، وأما نخرج من هذا الكابوس المرعب من خلال تغيير نمط تفكيرنا ، هي دعوة لنكون انسانيون قبل كل شيء راغبون في بناء دولة الإنسان ورفاهيته وأمنه واطمئنانه...والانتخابات على الأبواب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرارة الجو ..أزمة جديدة تفاقم معاناة النازحين بغزة| #مراسلو_


.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف




.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد


.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال




.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا