الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة اللغة العربية

فؤاد سليمان

2020 / 8 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أبدأ من مقولة مشهورة لكمال بشر (إن البحث في اللغة هو بحث في الإنسان نفسه)1 ومما لا شك فيه أن اللغة ظاهرة اجتماعية ترتبط بناها ارتباطا وثيقا ببنى الفكر السائدة في مجتمع لغوي معين وهو ما يؤكد افتراض العلاقة الطردية بين التخلف في مجال اللغة والتخلف الحضاري2، وعليه فإن ما تعيشه لغتنا العربية في هذا العصر تيجة أزمتين خانقتين: تكمن الأولى في العقل العربي الحاضر الذي لا يزال يستند ويتكئ على جهود السابقين اللغوية كالخليل بن أحمد وسيبويه وغيرهم ممَّن عاشوا في القرن الثاني الهجري واستندوا في فكرهم التأسيسي على الفطرة والطبع، ولم تحط جهودهم بكل ما تشتمل عليه لغتنا من ظواهر وخصائص في مختلف مستويات الدرس اللغوي (التركيبية والصوتية والدلالية والصرفية) ولكنهم وضعوا الأساس الذي يفرض على من جاء بعدهم التطوير وتفعيل الفكر وليس تعطيله والجمود على تلك الجهود والوقوف عندها في ظل صراع اللغات وتنافسها في عصرنا الحاضر، وعليه فإن هذا الاتكاء على جهود السابقين هو اتكاء عاجز لا يجرؤ على أن ينشئ قولا على قول ويستنجد بجهود الأموات كلما عجزت أدواته وفضاءاته العقلية واللغوية عن مجاراة التطور الحاصل على اللغات الأخرى أو مواجهتها، ولا يفهم من قولي هذا الدعوة للقطيعة أو مخالفة القدامى وإنما الدعوة إلى ضرورة استفزاز العقل اللغوي العربي كي ينفض عن نفسه التبعية المطلقة للماضي، وأن يُبعث من جديد لمواجهة هيمنة اللغات العالمية كالإنجليزية، فنحن لا نستطيع مواجهة هذه اللغات وهذه الهيمنة ومجاراة ما وصلت إليه اللغات في العالم بمنطق سيبويه وحده دون تطوير هذا المنطق وتجديد أدواتنا اللغوية القديمة التي تقف عاجزة أمام النظريات اللغوية الحديثة.
إن اللغة العربية اليوم أحوج ما تكون إلى هذا الانبعاث الذي يقدر الماضي ويطوره ولا يحييه على حساب الحاضر وقتْل المستقبل، انبعاثٌ يستند إلى تفكير لغوي متطور يجدد أدوات اللغة القديمة ويضيف إليها بما يساير النظريات الحديثة، فاللغة العربية لغة تتسع للتجديد والكشف عن خباياها وقابلة لأن تستوعب الجهود التطويرية في مختلف المستويات كيف لا وقد وسعت القرآن الكريم وتملك في ذاتها خاصية التطور في كل

وقت، كما أن هالة التقديس التي عُرفت بها لغتنا لا تكفي لتطورها ومواكبتها لكل عصر مالم ترتبط بجهود أهلها والباحثين فيها من أجل تقدمها وسيادتها تحديدا وأنها تمتلك من الميزات والخصائص ما يجعلها قادرة على التطور والنمو ولا يمكن حصرها بأدوات تراثية واجتهادات قديمة قبل مئات السنين لم تشهد ما طرأ على العصر الحاضر من تطور حضاري على مختلف الأصعدة.
أما الأزمة الثانية فهي انحراف الغاية في البحث العلمي عند الكثير من الباحثين عن مسارها الصحيح الذي يفترض أن تكون هذه الجهود وهذه البحوث من أجل تطوير المادة العلمية والمناهج البحثية إلى غايات ذاتية بهدف الترقيات وتحقيق المنافع المادية التي تنتهي بتحقيق هذا الهدف مما ترك أثره على العملية التدريسية التي أصبحت وسيلة للتكسب والترزق فقط بدل أنها رسالة مقدسة الهدف من أجل التطوير والتقدم.





________________________________________
1-بشر ، كمال ، علم اللغة الاجتماعي، ط3، القاهرة، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، 1997، 28.
2-ينظر: بيار أشار، سوسيولوجيا اللغة ، تعريب عبد الوهاب، بيروت، منشورات عويدات، 1996، 24.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان