الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرف وشرفاء

واصف شنون

2006 / 6 / 30
المجتمع المدني


تتردد مفردتا شرف وشرفاء منذ زمن بعيد بين الخاصة والعامة من تركيبات المجتمع العراقي الحديث ،وشرف وشرفاء لهما بعد لغوي أساسي واحد في معجم العربية وهو العلو والمجد ،والشريف هو الرفيع العالي ثم أصبح كل أمرء شريفا إذا كان أصله من النبي ،وشرفة البيت هي التي تطل على الاخرين ...

لكن معنى الشرف الواقعي الذي عاشه ويعيشه الناس هو غير ما ذكر أعلاه ،فالشرف البدوي العشائري الديني الذي يتعلق بالغزو والثأر والنهب والفخر والحسب والنسب وقطع الطرقات وحجر النساء وبكارة المرأة وعنوستها والغنى والفقر ، ليس له أية علاقة بالرفعة والسمو والمجد ،هذه الصفات التي تشكل الجذر الأصلي لمفردة شرف .

من المؤكد إن الطبيعة البشرية ،هي طبيعة معقدة ،والأنسان لايمكن التنبؤ بتصرفاته على مدار الساعة والايام والسنين والمحن والظروف ،فهو كائن متغير الطباع مهما حاول الثبوت والجماد،لذا فكل إنسان هو بطبيعته يحمل خيرا ً وشرا ً ولكن بنسب متفاوته ،وهكذا نجد بعضنا شريفا وفاسدا ً في أن واحد وحسب الواقع المعاش الذي مزج الشرف الاجتماعي بالسياسي إستنباطا من قيم البداوة والعشائرية الدينية المتأصلة الفاسدة في النفوس .

لست بعالم إجتماع ولكن ما يضطهدنا بعض العراقيين والعرب به ،هو إصرارهم على الشرف والشرفاء ،فنسمع عبارات من قبيل (أبناء الشعب الشرفاء ،والمقاومة الشريفة ،والمسؤولين الشرفاء ،والسياسيين الشرفاء ،ورجال الدين الشرفاء ،وأصحاب الهمّة من الغيارى الوطنيين الشرفاء ،ورجال الأمن الشجعان الشرفاء ،و أبناء العشائر الشرفاء ،وممثلي الشعب الشرفاء تحت قبة البرلمان ،وأعداء الأحتلال من الشرفاء ،والمثقفين الشرفاء،وأبناء التيار الصدري الشرفاء .....ألخ )،وإشكالية الشرف والشرفاء تلك هي عبارة عن حراك وحروب مصالح تتدخل فيها كل شرور البشر ومحاسنهم فيكون فيها المنتصر شريفا ً والخسران وضيعا ً وقد تتبدل الأحوال ..،أما الجالس على التل فسيكون هو الكسيح الفاشل الجبان ،فهو مسالم ،وطبيعة البشر أن لارحمة للمسالمين .

قال لي أحد أصدقائي القدامى من معارضي الحكم التكريتي السابق (الذي عرفت إنه سني ..الأن)،لقد نهبت تكريت أو عائلة المجيد خيرات العراق ،لكن الأن الكل نهابّون وفاسدون وأشقياء ...لذا فقد ضاع حتى القليل مما أبقاه حكم صدام من كرامة الدولة العراقية
والكل يقولون نحن شرفاء ..!!!، فمن هو الوضيع إذن ..؟

إستمعت مؤخرا ً عبر تلفزيون فضائي الى محافظ البصرة الحالي وهو يذود دفاعا ً عن شرفه الوظيفي أمام سؤال الصحفي(فائق العقابي ) الذي أوصل اليه تهم عديدة من أفواه الناس ،تتعلق بتهريبه للنفط وغض النظر عن المفاسد الكثيرة في البصرة والتي تتعلق بالماء والكهرباء وطرق تموين الناس والعصابات الدينية العشائرية ،وكان جوابه إنه من عائلة معروفة (بشرفها في البصرة ) وان الحزب الذي ينتمي اليه هو من (أشرف) أحزاب البصرة الدينية التي تعدت العشرة أحزاب ،وإن المغرضين هم من يشيعوا هذه الشائعات عن مقامه (الشريف ) ..أي من يتهمه بالفساد ليس شريفا ً ...

وإذا عدنا عزيزي القارىء الى مفهوم الشرف ،فإننا نجد محافظ البصرة (النفطي ) ومنافسيه (من غير النفطيين ) لاعلواً ولا مجدا ً لهما ،فثروات البصرة تسرق علنا ً والناس يشربون ويغتسلون بالماء المالح ..وكذلك الخدمات الاخرى ناهيك عن أوضاع الارامل والثكالى والايتام واطفال الشوارع ،فيما (الشرف) يحتم على الجميع ومنذ بزوغ ثورة النفط أن يكون سكان البصرة هم أغنياء العراق ..رغما ً على كل العراق ..

وللشرف والشرفاء مقاييس إخرى غربية وشرقية ،فشرف الشرقيين ينصب على فروج بناتهم وأزواجهم وذويهم ، بينما يكون شرف الغربيين بمدى جديتهم بالعمل والمجتمع وعدم الاضرار بالناس عبر الفساد والاعمال غير الشرعية ...

وارن بيفيت ،رجل أعمال اميركي ،لم يرث بئر بترول عن أبيه ولم يغش شريكا ً ولم يغدر بصديق ،فقد بدأ صغيرا ً في الاعمال التجارية والعلمية حتى أصبح ثاني أغنى رجل على الكرة الأرضية بعد صديقه بيل غيتس ، قبل يومين تبرع وارن بيفيت بـ 85 % من ثروته التي فاقت الستين مليار دولار ...
فقد تبرع بـ 16 مليار لمكافحة مرض الأيدز وعلاج ضحاياه ،وبستة مليارات للجياع في العالم ،وستة مثلها لمكافحة مرض الملاريا ،وخمسة مليارات لمكافحة الامية الالكترونتية ،والباقي هي مليارات تضمن مقاعد دراسية بكامل المواصفات لكل تلميذ في بلده أمريكا ،قيمة ما تبرع به هذا (الشريف ) تساوي ثروات دولة بوليفيا بكاملها ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحيفة لومانيتيه: -لا وجود للجمهورية الفرنسية دون المهاجرين-


.. السلطات الجزائرية تدرس إمكانية إشراك المجتمع المدني كمراقب م




.. جلسة مفتوحة في مجلس الأمن لمناقشة الوضع الإنساني في غزة وإيج


.. أحداث قيصري.. اعتقال المئات بتركيا وفرض إجراءات أمنية إثر اع




.. المغرب.. المجلس الأعلى لحقوق الإنسان يصدر تقريره لعام 2023