الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ددور الإعلام في عملية التغير الإجتماعي

محمد الهادي حاجي
باحث متحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع

(Hajy Mohamed Hedi)

2020 / 8 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


دور الإعلام وتأثيره في عملية التغيّر الاجتماعي:
في عصر التراكم التقني في مجال الإعلام وانتشار وسائله، كانت أنماط جديدة من العلائق في المجتمع الإنساني والتفاعلات تنمو بسرعة لا يمكن حصرها وتعدادها، وتحوّل الفرد من كائن منخرط بعزلة الجغرافيا إلى منظومة تواصلية دائمة التشكل والتفاعل والتأثير.
و من هذا المنطلق يمكن أن نقول أنه ثمة علاقة قد توضحت معالمها وصورتها بين الإعلام وحركة التغيّر الاجتماعي خاصة على وتيرة الطفرات التقنية في كامل النظام الاتصالي في المجتمع. وهي حركة سريعة تجعلنا نعيش الالتباس في التمييز بين الوهم والواقع نتيجة العالم السريع الحركة. فهل يصنع الإعلام حركة التغيير في المجتمع؟ ومن هذا المنطلق يمكننا القول أن الهياكل الاجتماعية القديمة أو التقليدية تخسر بصورة متزايدة في عملية التأثير من خلال تطور إمكانات إعلامية بديلة قادرة على التبشير بسلوكات اجتماعية وثقافية جديدة، وحتى تفكيك البنى التقليدية في مستوى الحقل السياسي وبنية الخطاب السياسي الوطني فيما يمكن تسميته بثورات الربيع العربي على الأقل بتونس وأهمية شبكة التواصل الاجتماعي كإعلام اجتماعي، في إطار الاستخدام المتزايد للمنتديات الإعلامية الجديدة للأدوات التكنولوجية الحديثة لحشد ملايين الناس لدعم قيم الديمقراطية وحقوق الانسان في الحقل السياسي. وهي أصوات جديدة تساهم في تحويل المجتمع. وهذه العملية من شأنها تعميق الوعي لدى الفرد والمجموعة. فبدأ بالإعلان الاجتماعي، حيث برز استخدام الإعلان لتغيير الاتجاهات العامة والسلوك من قبل منظمات تنظيم الأسرة في بعض المجتمعات، تم التحول إلى منهج الاتصالات الاجتماعية من خلال التركيز على وسائل البيع الشخصي والنشر بالإضافة إلى الإعلان، ثم الوصول إلى كيفية ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها. وتقوم هذه الأهداف على أدوات اتصالية مختلفة (حملات إعلامية، اتصالات شخصية، علاقات عامة، أحداث مختلفة) لترويج فكرة اجتماعية، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار للفكرة أو التصور أو الموضوع والتأثير على الناس، لتبني سلوك معين يتناسب والفكرة المطروحة.
و تتم هذه العملية من خلال إثارة الوعي لدى الناس نحو موضوع معين انطلاقا من الحملات الاعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة المطلوبة حول قضية معينة حيث يتم تعديل السّلوك وزيادة المعلومات المقصودة، وتكوين صورة نمطية وذهنية تربط الموضوع بمصالح الجمهور وذلك اعتمادا على الأفكار الجديدة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وصناعة أحداث لضمان استمرار الاهتمام بالموضوع، والتركيز على الفكرة من خلال تنشيط التبني للأفكار.
و يمكن الإشارة في هذا الإطار أن الإعلام يعتبر الوسيلة الاتصالية الأكثر شيوعا التي تعتمدها النخب السياسية الحاكمة أو التي تطمح للحكم في توجيه الرأي العام، وحثه على تبني الأفكار والتصورات والبرامج وتحديد السلوك الأنجع حسب رأيهم على مستوى الفرد والجماعة والذي يتناسب مع تلك الإيديولوجيا السياسية، وحتى الصراع يدخل في دائرة الإعلام حول الرأسمال الرّمزي (الفكري والايديولوجي والسياسي) في ظل التنافس واحتدام هذا الصراع حول الدّولة وتوجهاتها العامة على جميع المستويات. وهو بذلك أي الإعلام أصبح حقلا يستقطب القوى السياسية المشرفة على بناء ورسم برامج الدّولة، وكذلك القوى الأجنبية والعالمية أيضا الطّامحة لنشر نموذجها المثالي، في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد والثورة الاتصالية الحديثة. ومن هذا المنطلق فإن الإعلام أصبح حقلا حيويا واستراتيجيا تتسابق جميع القوى للتحكم فيه والاستفادة من فاعليته وتأثيره لدى الناس.
إن موقف الإعلام من المتغيرات السياسية والاجتماعية يشكل مسؤولية تاريخية لالتزامه بتعميق الوعي والثقافة الديمقراطية وإشاعة المفاهيم والقيم والتقاليد في إدامة مقومات ومنطلقات التحول الديمقراطي على الأسس الثقافية والحضارية الملائمة، وفي كل المستويات العلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وهو ما يمنح الإعلام قوة في أداء دوره خاصة إذا كان للإعلام مكانة ليشغلها بين السلطة والمجتمع وبعيدا عن الاستغلال السياسي والايديولوجي، وكثيرا ما تكون المنظومة الإعلامية واقعة تحت تأثير الحقل السياسي، وهو ما يعكس إرادتها وتطلعاتها الضيقة والفئوية، وتغليب خصائص معينة دون أخرى. فبدل ما يكون الاعلام مساهما في التثقيف بأهمية وحدة النسيج المجتمعي يصبح يعمل في إطار مغلق تحت سلطة الداخل والخارج. ويصبح المشهد الإعلامي في هذه الحالة إعلامًا سلطويًا تقتحمه السلطة وتفرض عليه جملة المواضيع والتوجهات والقيم والاختيارات فيصبح مكرَّسا لنشاط المسؤول ولقاءاته وتصريحاته التقليدية الخالية من أي مضمون. وتقف عديد المؤسسات الإعلامية أمام عديد المواضيع والأحداث والمواقف السياسية الطارئة بانتظار التعليمات ويمكن تجاهل أحداث رغم أهميتها على حساب أخرى أقل قيمة مما يؤدي إلى انخرام في الدّور.
تقوم وسائل الإعلام بدور مساعدة القيم في المجتمع من خلال توضيح الحقوق والواجبات والمسؤوليات للأفراد والجماعات لإدراكها جيدا في إطار علاقاتهم الاجتماعية، وتحديد أفضل السبل في التفكير العلمي للأفراد والجماعات في مجالات الحياة المتعددة والعمل على إثراء الفكر وتشجيع المفكرين والابتعاد عن الخرافات والأوهام المضرة بالمجتمع، وتكريس النهضة العلمية والتكنولوجية، ونشر وتدعيم الثقافة الوطنية الهادفة، ضمن خطوط عريضة تعمل وفقها من خلال تأصيل ثقافة المجتمع وتمكين هذه الثقافة المشتركة في نفوس الأجيال. وتُبنَى قضية تناسق الأدوار بين مؤسسات المجتمع المتنوعة بعد التطورات الحاصلة في الأجهزة الخدماتية والإنتاجية، وتلعب القيم الدور الأساسي في عملية التغيير الاجتماعي إذ هناك عملية تأثير وتأثر بين هذه القيم والتغيٍّر ويقوم الإعلام في هذا الإطار بوظيفته التنموية بأبعادها المختلفة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
و يمكن الإشارة في هذا السياق إلى أن التطورات في مجال الإعلام وسرعة تداول المعلومة والرأي، أدّت إلى إحداث هزة كبيرة في مستوى الوعي السياسي لدى عامة الناس خاصة وأن وسائل الاعلام أصبحت على ذمة الجميع، وبدأ يظهر بشكل جلي مدى التأثير من ناحية السلوك واكتساب الكفاءة في إصدار الأحكام والمواقف السياسية لدى المواطن، وهو ما لم يكن موجودًا في السابق وإن وُجد فلدى النخبة فقط.
هناك من الدارسين من يعتبر أن الإعلام هو المتسبب في أزمة القيم في المجتمع في ظل غياب الضمير الوطني وسيطرة الفئوية على الإعلام، وهو ما يؤدي إلى الفساد القيمي والحط من مستوى المدارك الفكرية وعدم تحصين أو حماية القيم بالنظام الاجتماعي وهي مظاهر لا يمكن فصلها عن الوضع العربي الراهن ضمن إطار الاغتراب الثقافي، وتأثير الإعلام في خلق مظاهر التسيب والانحراف والمحظور. هذا بالإضافة إلى سلبيات الإشهار والإعلام الذي يؤثر في تبديل السلوك والأخلاق، من خلال مخاطبة المتلقي وإغرائه إزاء خدمة أو سلعة أو رمز، وطالما يتحكم العالم الغربي في أدوات الاتصال الحديثة ووسائل الإعلام فإنه لا يتردد في خدمة الهدف الاقتصادي وتنميط الاستهلاك ولترويج السلع والبضائع خاصة من خلال الإعلام المرئي والمراهنة على المشاهدين، وإقناعهم بتوجهات معينة تتكرس بمرور الوقت، ويتجلى ذلك من خلال تدبيج كل سلعة معروضة بالكثير من الرتوشات والمميزات الجاذبة للمستهلك دون تفكير أو اعتراض عليها. فهناك نزعة استهلاكية مبالغ فيها تكاد تكون قاسما مشتركا بين فئات المجتمع الطبقية كل حسب دخله بحيث تتسرب هذه النزعة وتجد نفسها بقوة وبنفوذ كبير لدى فئة الشباب الذين أصبح كل همهم هو البحث عن ما يسد حاجياتهم وكمالياتهم والتباهي بها وجعلها عنوانا للتفاخر والتظاهر، وفي هذا الإطار يمكن القول أن ثقافة الاستهلاك لا تقتصر على الجانب المادي الاقتصادي فحسب بل كذلك تسهل استهلاك الخبرات والصور والمعاني والثقافة والحضارة والرؤى السياسية والدينية.
باحث في علم الاجتماع - تونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة