الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أين هي المشكلة تحديدا؟

ردوان كريم
(Redouane Krim)

2020 / 8 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد كان نيتشه في دراسته للأمور يستخدم طريقة فعالة تبسط الأمور و تيسرها إلى حد كشف الغطاء عن الحقيقة القابعة في الظلام. كيف؟! كان في كل مرة يخطر على باله تحليل أو نقد مصداقية نص ما أو معالجة موضوع ما، يلجأ إلى "سلسلة النسب " "Genealogy" بمعنى الأصل أو السلالة. و معنى ذلك هو أصل المشكلة، الذي هو هدف نيتشه في دراسته للمواضيع التي تقابله. الفيلسوف الألماني نيتشه يعتقد أن حل أي مشكلة يتطلب العودة إلى أصل المشكلة قبل أي شيء كمنهجية. حيث نصف الإجابة بالنسبة إليه هو العودة إلى أصل المشكلة. قد ظهرت تلك الطريقة في كتابه "جيانولوجيا الأخلاق" ثم استخدمت هذه الطريقة كميتودولجيا من قبل فلاسفة و مفكرين آخرين على رأسهم ميشال فوكو و جاك دريدا.

تعاني طبقة المثقفين التقدميين في الدول الأفريقية التي نسبت نفسها إلى العربية و الإسلام نفس المشاكل و نفس العقبات بحيث لدى هؤلاء المثقفين نفس الخصوم و المعوقات، مثلما يعانون من عدم الخروج من محنتهم الأخلاقية و الثقافية، كيف و لماذا؟

في المغرب، الجزائر، تونس، و مصر تجد المثقفين يشتكون من الحالة الإجتماعية و الثقافية المتدهورة لشعوبهم، و عند اليأس من إيجاد الحلول اللازمة للخروج من المتاهة التي ضاع فيها أمل التقدم ، التطور، و اللحاق بالغرب الأوربي و أمريكا علميا و ثقافيا على الأصعدة الإجتماعية، السياسية، و الإقتصادية، يقولون: "الله على أخلاق الناس في الستينات و السبعينات من القرن الماضي.. الله على لباسهم الحضاري... الله على مدننا التي كانت نظيفة و آمنة...الله على حقوق و إحترام المرأة و مكانتها في العلم، دورها الثقافي ومكانتها و احترامها في الأماكن العامة، دول مستقلة قيد النشأة". هو بكاء على الأطلال؛ هو ماضي سيء و لكن أحسن من الحاضر، فيه روح مؤمنة بالمستقبل و الأمل الذي تفتقده شعوب شمال أفريقيا اليوم.

و نتسائل لماذا كل هذا التأخر اليوم؟ كيف نشأت تلك القيم و المبادئ و المدنية؟ أين رحلت تلك الحضارة؟ كيف تغيرت أخلاق هذه المجتمعات و ما السبب؟
هذه الدولة كانت قيد الخروج من الإستعمار الفرنسي و البريطاني. كانت الطبقة المثقفة لهذه الدول قد درست و لو بصعوبة و مشقة عند المحتل، و لكن مستواها العلمي والفكري ليس أقل من البروفيسورات و الدكاترة التي نملكها اليوم و لا هذا العدد الهائل من المتعلمين مقارنة بهم، و لكن كان المقرر المدرسي في الرباط، الجزائر، و القاهرة هو نفسه البرنامج الذي يدرسه الطفل في باريس و لندن، و الفرق بسيط هو لما يقال للطفل الباريسي نحن فرنسيين بيض أعيننا زرقاء و أجدادنا هم الغال الفرنية و الإنجليزي يقولون له أجدادنا سلتك و جيوتس و الأفريقي الشمالي أسمر عيونه عسلية جده أمازيغي أو فرعوني، و عندما يرجع الولد إلى بيته يجد أمه و أباه الأميين على أخلاق عظيمة تملئها الطيبة الإنسانية مستوحاة من عادات و تقاليد مبنية على تشكيلة المجتمع الأفريقي رغم إحتكاكه بالأوروبيين. نشأ عند هؤلاء مزيج من الثقافة الأوروبية الغير معادية لتقاليد و عادات شمال أفريقيا والثقافة الأصلية وحضارتها... وهذا مما ساهم في إخراج المحتل و بداية العمل على جمع التراث الشعبي و خلق قاعدة فن، أدب، صناعة و إقتصاد وطني.

بعد الإستقلال أصبح مفهوم الوطنية و الأمة غير الذي زرع الغيرة على أرضهم. لقد غيرت النخبة المثقفة بفئة أخرى. الرغبة السياسية في نقل البلاد الى الحداثة و التطور غابت و عوضت بالرغبة في إستعادة الخلافة الأموية و لو بدون الإفصاح عن ذلك في تلك الفترة. لقد حدث إلتباس في فهم المفردات و تضليل مشروع الدولة المستقلة. وصار رجل الدين عالما و العالم الحقيقي أقل شأنا منه و كلمته تأتي بعد كلمة رجل الدين. فتغير معنى كلمة "أمة" من معنى سكان و شعب أرض واحدة إلى "أمة إسلامية " فصار إبن البلد الذي يدين بغير الإسلام ليس مواطنا و ليس من أهله. و أقرنت كلمة "وطن" باللغة العربية التي هي لغة القرآن التي جائت مع الإسلام فصار كل من لا يتحدث العربية و ليس عربيا لا يمكنه أن يكون وطنيا، محبا و غيورا على بلده فالوطن مع هؤلاء هو "الوطن العربي".

هذا الخطاب هو أصل بداية الكراهية، التفرقة، العنصرية، التميز و فصل الكل بعضهم بعض. فقسموا الوطن بلغة واحدة و دين طائفة واحدة و قسموا الوطن إلى فرق دينية متشعبة و قالوا عن ذلك وحدة وطنية. منع كل مفكر مثقف و كل عالم من التلفاز الوطني، من الإذاعة، و من مكانهم الأصلي الذي هو المدرسة و الجامعة و أسند كل ذلك إلى رجال الدين الذين أفتوا على الناس أولوية النقل على العقل فمنعوهم من التفكير. و كان أول ما حاربوه هو كلمة المواطن الذي قسموه إلى مسلم و كافر. فأصبح المواطن غريبا في وطنه، و عوضت القوانين المدنية بالشريعة الإسلامية و القيم الإنسانية بالحدود الإسلامية. و كافحوا التقاليد و الأعراف و التراث الشعبي و عوضوه بالثقافة الإسلامية العربية للقرن الثالث بعد الهجرة النبوية. فكان ذلك تخلفا رهيبا إذ هو ليس تقدما بل رجوعا إلى الوراء 11 قرن.

تخرج طلابهم و استلموا المناصب فإندلعت المنظمات الإرهابية الإسلامية. قالوا عن المرأة عورة فغطوها و قالوا عنها ناقصة عقل و دين. إنتزعت المرأة من المجتمع العاقل و المنطقي الذي تم تحويله إلى مجتمع ذكوري محض، فصاروا يتحرشون بها إذا خرجت إلى خارج البيت الذي هو سجنها، نعم يسبونها في الشارع سواء لبست الجلباب الأفغاني أم لا... و لأنهم منحوها كل الحقوق بجعلها بضاعة أو سلعة تلبي غرائزهم و يستحون بها و يشتمون الفاشل منهم بها...
ولد جيل ثالث لا يشعر بالأمان و الإطمئنان إلا داخل بيوتهم، فلا يشعرون بالمسؤولية و الملكية عند خروجهم إلى الشارع، فوسخوا، حطموا، و كسروا لا مبالين، فعمت الفوضى و القمامة و اللاحضارة.

الخطاب الذي جاء به رجال الدين من تلامذة حسن البنا، سيد قطب و مفتي الأزهر لم ينفع شمال أفريقيا بل هدمها أخلاقيا و حضاريا مثلما فعل بمصر المسكينة التي كانت أم الحضارات بكل معانيها... فكل تعاليمه كتبت 14 قرنا قبل اليوم و يراد بها أن تكون صالحة غدا، و كاتبها إنسان عاش في زمن بعيد لم يصبح فيه بعد اللبن ياغورت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا