الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إقتباسات بولس الرسول اقوال إنجيل توما، و إعتماده عليه كمصدر له.

ابرام لويس حنا

2020 / 8 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نشر ستيفن باترسون Stephen Patterson بحثاً بمجلة Harvard Theological Review لسنة 1991 بعنوان Paul and the Jesus Tradition: It Is Time for Another Look " والذي دار حول العلاقة بين بولس و بين أتباع يسوع والحركة التي أنتشرت بعد موته، مـن أهم النِقــاط المُلفتة للــنظر في بـحثه كانت الآتية :

1- نعرف من الإصحاح الأول والثاني لرسالة غلاطية ان المدة التي قاضها بولس قضي في دمشق والعربة ثلاث سنوات ” وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضًا إِلَى دِمَشْقَ. ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا“ ( غلاطية 1: 17- 18) ، ثم بعد اللقاء الأورشليمي الأول ، قضي بسوريا و كليكية عشر سنوات ( غلاطية 1: 21 )، وبالطبع تلك فترة طويلة ليقضها في منطقة صغيرة مساحاً ولا يواجه أتباع يسوع وحركته الغنية بأقوال يسوع، و وبالرغم ان بولس يعترف انه غير معروف في كنائس اليهودية ”وَلكِنَّنِي كُنْتُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَجْهِ عِنْدَ كَنَائِسِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ“ (غلاطية 1: 22) ، لكن هذا القول لا يخبرنا أي شيء عن كنائس الجليل، سوريا أو شرق الاردن ( العربة ) ، لهذا فإن تخيلنا بأن بولس لم يكن على اتصال بهؤلاء المسيحيين الأوائل الذين استخدموا أقوال يسوع و حافظوا عليها أمر لا يمكن تصوره تقريبا ، لهذا لا نجد استغراب من أقوال يقتبسها بولس غير موجودة في الأناجيل الإزائية مثل قوله :
”فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ“. ( 1 تسالونيكي 4: 15- 17)

و هنا يذكر بولس ان هذا القول قاله (لوغوس) الرب قاصداً المسيح وهو مختلف تماماً عن الرواية المذكورة في مرقص 13 و متوازياته في الأناجيل الأخرى ، فهذا قول ليسوع لم يذكر في الأناجيل الإزائية إطلاقاً.

2- منذ اكتشاف و نشر إنجيل توما اصبحنا أكثر وعياً لمحدودية نظرتنا التي اعتمدنا فيها على الأناجيل الإزائية وهي ”متي ومرقص ولوقا“ ، فتلك الأناجيل في الحقيقة لا تعطينا نظرة كاملة للأقوال المسيحية المبكرة، وميزة إنجيل توما بأن أغلبية أجزاءه هي بالفعل مستقلة ولا تعتمد على الأناجيل القانونية ”الإزائية + إنجيل يوحنا“ لأنها غير مذكورة به.

3- أ) نلاحظ أن بولس الرسول في (غلاطية 5: 2- 12 ، 2: 1- 10) رفض الختان ، وهذا لا نجد عليه أدلة إلا أدلة قليلة جدا لا تكاد تذكر في الأناجيل الإزائية و بالتالي هي تضع أمام أعينا عدد قليل من الادلة لندعي أن بولس رفض ممارسة الختان بناءاً على رفض أتباع يسوع كذلك الذين التقي بهم في السنوات الأولى من عمله ، إلا إننا لو رجعنا لإنجيل توما فسنجد إن ما دعي إليه بولس لم يكن فريداً ، فنقرا من المقطع 53 من الإنجيل: ”سأله تلاميذه - اى يسوع- : الختان نافع أم لا؟ فأجاب : لو أنه كان نافعاً لخلق الآب الأبناء مختونين لدي ولادتهم من أمهاتهم ، وبالحرى إن ختان الروح هو النافع الحقيقي"

ب) هكذا لا نجد أمثلة في تقليد الاقوال مثل المصدر Q ”المُعتمد على الأناجيل الزائية“ عدم استبعاد النساء من المشاركة في القيادة إلا بطرق غير مباشرة لا يعتمد عليها ، في ذات الوقت لا يرفض بولس مشاركة النساء في القيادة لأن ”لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“ (غلاطية 3: 28) إلا إن أنجيل توما يوفر لنا صراحة موافقة يسوع على مشاركتهم في القيادة مثلما ما وافق بولس ، فيذكر لنا المقطع 114 من إنجيل توما :“ وقال سمعان بطرس لهم: "دع مريم تتركنا ، لان النساء لسن جديرات بالحياة" ، فأجابه يسوع قائلاً: " لتنظر اذا ، سأرشدها لتصبح رجلاً، ، ،لدرجة أنها ستصبح روحاً حية تشبهكم أيها الرجال، لان كل إمراه تجعل نفسها رجلاً ستدخل ملكوت السموات"

و من الواضح إن قيادة ومشاركة المرأة استمر في كونه أمراَ مُتنازع عليه منذ بدايات المسيحية لسنوات طويلة ، ولهذا أشترط إنجيل توماً مشاركة المرأة بأن "تجعل نفسها رجلا"لكن ماذا بقوله ؟ بأن المرأة يجب عليها أن "تصبح رجلاً" ؟

اوضحت Elizabeth Castelli أن العدد يمُكن تفسيره بطريقة عملية بأن تعيش النساء حياة الزهد ، و يحلقن شعرهن و تلبسن لبساً ذكورياً ، وتعطي مثالاً على هذا وهي تكلا المذكورة في سفر أعمال ”بولس و تكلا“ الأبوكريفي ، و في بعض الحالات تجبر النساء نفسها على النحافة و الهزال لدرجة اختفاء المعالم الأنثوية ، فعندما يفكر المرء في الأخطار التي قد تتوقعها المرأة على الطرق السريعة أو في العالم القديم تصبح الممارسة العملية لتلك التقاليد واضحة.

ج) يذكر بولس الرسول في 1 كورنثوس 2: 9 "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" ولكن من أين اقتبسه ؟ فلا نجده في الأناجيل الإزائية، إلا إننا لو رجعنا لإنجيل توما المقطع 17 سنجده شبة حرفياً :
"قال يسوع: سوف أعطيكم ما لا عين رأت ، ولا اذن سمعت ولا يد لمست أو خطر على قلب بشر"

ولكن يجب أن تلاحظ أن بولس لم يقتبسه كلمة كلمة بشكل حرفي ، والاختلاف البسيط الموجود بين كلاهما هو أمر منطقي نتيجة النقل الشفاهي.

4- في حين أن إنجيل توما يدعو أن مملكة الله حاضرة الأن و هنا من خلال البصيرة والتي نتعلمها من كلمات يسوع ، حيث يذكر الإنجيل في مقطعه الثالث:"اذا قال لك الذين يقودونك : انظر المملكة هي السماء ، فحينئذ تكون الطيور أقرب منك إليها ، و اذا قالوا : انظر إنها في البحر ، فحينئذ تكون الأسماك قد عرفتها، إن المملكة في داخلك و هي في خارجك ، وعندما تعرف نفسك عندها سوف تعرفها، وسوف تعرف ابن الأب الحي، وإن لم تكن تعرف نفسك، فسوف تعيش في عبث، وسوف في عبث تكون"
بينما نلاحظ من الرسالة الأولى لأهل كورنثوس أن بولس كان عازماً على تذكير الكنيسة مراراً وتكراراً بأهمية موت يسوع ( 1: 13 ،17 ، 18- 25 ، 6: 14 ، 20 ، 11: 26) ، فبالنسبة لبولس إن موت و قيامة يسوع هي المفتاح لمواجهة الراديكالية الثقافية "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (غلاطية 3: 27- 28)

5- نلاحظ أن المسيحيين الذين اتبعوا إنجيل توما و أفكاره لم تكن لديهم ادني مشكلة في محو التفرقة بين الذكور والأناث ، بين العبيد و الاحرار ، بين اليهود واليونانيين ، و ذلك بناءا على حلول مملكة الله على الأرض و البصيرة المُكتسبة من كلمات يسوع التي تسمو بالروح البشرية، أما بالنسبة لبولس فرفض التفرقة لا يعتمد على تطبيق أقوال يسوع أو الأيمان بكلماته و لكنه امر يعتمد على المعمودية التي فيها تختلف الفروق ، فالمعمودية فبولس فهم المعمودية كالتالي:

"أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟" ( رومية 6: 3- 4)

فالاختلاف الرئيسي بين بولس و بين مسيحي الحركة الأولى أو مسيحي إنجيل توما ما الوسيلة الأنسب لمحاربة التفرقة الثقافية والمجتمعية، فالمعمودية بالنسبة لبولس هي الموت ؛ الموت عن العالم مع المسيح و القيامة معه في حياة جديدة، تلك الحياة التي لا يوجد فيها يهودي او يوناني ، أو عبد أو حر ، أو رجل أو أمرأه ، فبولس راي ان موت يسوع هو الوسيلة الأنسب لمواجهة التفرقة الثقافية و الاجتماعية، فبالرغم انه شارك حركة يسوع في مبادئها إلا انه اتخذ طريقاً آخر للوصول لنفس الهدف التي تسعى من أجله الحركة، فبالنسبة لهم كانت مملكة الله حالة و حاضرة في الكلمة المنطوقة ، بالنسبة لبولس أنها تصبح حقيقة فقط عندما يقبل الشخص الصليب و صلب ذاته وموته عن العالم.

المرجع:
-------
[ Stephen Patterson (1991),Harvard Theological Review 84, Paul and the Jesus Tradition: It Is Time for Another Look, pp.23-41]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في