الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال العراق بين شفرتين

ناهده محمد علي

2020 / 8 / 16
المجتمع المدني


قامت في 2018 شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة بدراسة في 156 دولة لمعرفة درجات السعادة العامة التي حققتها لشعوبها ، فكانت الإمارات بمرتبة ( 20 عالمياً ) الأولى عربياً وجاء العراق بالمرتبة 117 عالمياً في تحقيق السعادة لشعبة . ولست في مجال مدح دولة وذم أخرى .
قبل حوالي أكثر من عشر سنوات صُنف العراق على أنه بلد عبور للمخدرات أما الآن فقد أصبحت السوق العراقية جاهزة لشراء المخدرات كالحشيش والكرستال وأخذت تقوم بزراعتها وهذا ما ساهم في زيادة نسبة الفقر في العراق حيث فقدت العائلة العراقية جزأً كبيراً من دخلها بسبب الإدمان . وتعتبر البصرة منطقة الزبير من المناطق النشطة لهذه المخدرات . وقد طور التجار أساليب تجارتهم بإستخدام الطائرات المسيرة وكامرات المراقبة والمراكز المحصنة لهم ، وقد أكدت صحيفة النيويورك تايمز على أن التجار لهم صلة وثيقة ببعض عناصر الحشد وبالحكومة أيضاً .
لقد كانت المخدرات هي نتيجة لضياع الفرد العراقي ومشاعر الإحباط من الحكومات المتعاقبة وفقدان الأمل بمستقبل أفضل وقد كان أطفال العراق هم الوجه الباكي للمجتمع العراقي فقد إمتص هؤلاء الأطفال كل المشاعر السلبية في العائلة العراقية وهم النقطة الأضعف فيها .
في دراسة لمؤسسة كالوب للدراسات تناولت 140 دولة حول المشاعر السلبية لدى الشعوب مثل القلق ، الحزن ، التوتر ، الغضب فكان للعراق 49 نقطة ويعتبر الشعب العراقي من أكثر الشعوب غضباً ومعاناة من آلام جسدية ونفسية .
كان للطفل العراقي النصيب الأوفر من الأمراض الجسدية والنفسية وعادت إلى المجتمع أمراض القرن الماضي مثل الكوليرا ،التايفوئيد وشلل الأطفال . وقد دعم إنتشار الأمراض هذه إنتشار ظاهرة الفقر في العائلة العراقية حيث أصبح أكثر من 28٪ من العوائل العراقية تحت خط الفقر بعد الإحتلال بسبب النزوح الجماعي والبطالة وإنخفاض أسعار النفط .
لقد أفادت منظمة اليونيسيف بأن أكثر من مليون ونصف طفل عراقي نازح يمرون بظروف صعبة وقدرت ممثلة المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط بأن هناك 4،7 مليون طفل عراقي بحاجة للمساعدة . يحدث هذا في بلد ينتج يومياً 4،3 مليون برميل نفط يومياً بعد الإحتلال وأعتقد أن نسبة الإنتاج في إزدياد . وبعملية حسابية بسيطة ينطرح السؤال الآتي ، كيف يُحل هذا اللغز مابين الفقر المكثف والإنتاج النفطي المكثف والجواب يعلمه رجل الشارع . في تقرير وكالة الصحافة الفرنسية إن الأموال المنهوبة خلال 13 سنة ما بعد الإحتلال قد بلغت 312 مليار دولار وأعتقد بأن الرقم قد إزداد كثيراً .
إن العامل الآخر لضياع الشعب العراقي هو إنعدام عامل الولاء والتشتت الحزبي والطائفي والديني والقومي بالرغم من أن العائلة العراقية قد حاربت طويلاً لكي تبقى موحدة .
كما حارب المجتمع العراقي كي يبقى موحداً بفصائله المختلفة لكن قوى التجزأة والهدم كانت قوية ومتجددة ، وعلى مدى عقود لم يعتل المنابر إلا الأغلبية من الجهلة والقتلة وكانت خزائن العراق حكراً عليهم وكانت كلمة السر ( إفتح يا سمسم ) تطبق على مختلف الثروات الوطنية وعلى رأسها الثروات البشرية . كانت الشبكات الإجرامية تبدأ من الأعلى وتتوسط في الوسط ثم تنزل إلى صغار باعة الضمير ولم تنجُ كل الفئات الشعبية من دخول( جرثومة السوس ) ويبقى ذلك معتمداً على قوة التمسك بالقيم وقوة الظروف الضاغطة .
لقد تعلمت بعض فئات المجتمع العراقي كيف ترتكب الجرائم وتنجو بفعلتها ولا نستغرب هذا القول فهم عراقيون بالمولد وليس بالإنتماء فشبكات الدعارة يديرها عراقيون وزعماء عصابات التسول ومافيات السلاح والمخدرات وغسيل الأموال هم عراقيون أيضاً . لقد تعلم هؤلاء بأن الشرف كلمة مطاطية وأن القيم لن تطعمهم فتعلموا كيف يقتلون بعضهم وينهبون بدون رادع . كان هذا التعليم الأولي من مدرسة الحياة لكنهم لم يستطيعوا التدرج في معرفة القيم ولو فهموها لما وقعوا في الفخ .
لقد دفعت العائلة العراقية الثمن غالياً لهذا التفكك وأول من حمل الثقل هم أطفال العراق إبتداءاً من الأجنة وحتى سن المراهقة حيث يسقط المئات من الأجنة سنوياً بسبب الولادات المبكرة أو سوء الحالة الصحية للأم الحامل وبسبب العنف الأسري ، ثم تدفع بعد ذلك الكثير من العوائل العراقية بأبنائها إلى ساحة العمل الهش وأحياناً الثقيل فهم ما بين أعمال السمكرة والبناء وورش التصليح وجمع القمامة ويضيع هؤلاء ما بين متطلبات الحياة وقسوة المجتمع العراقي .
لقد عُرفت العائلة العراقية بحبها للأولاد وكان البيت العراقي لا يخلو من تسع أو سبع أولاد ثم إنقلب حالها بسبب الضغوط فأخذت الكثير من العوائل تقلص عدد أبنائها وإنتشرت أيضاً ظاهرة ( الحنق الإجتماعي ) مسلطة على الجزء الأضعف من العائلة وهم الأطفال ، فإنتشرت ظاهرة ضياع الأطفال في بغداد وضواحيها والتي قد يكون متعمداً أحياناً كما ظهر في ترك طفلتين في الرابعة في أحد الأزقة مع حقيبة صغيرة ثم هروب الأب بلا عودة إليهما وحالات أخرى مشابهة تُظهر عدم رغبة العائلة العراقية بأطفالها ، وهناك حالات أخرى تصور بشاعة إحتواء العائلة العراقية لأطفالها وكانت هناك حوادث حرق بدم بارد لأطفال العائلة أو إغراقهم أو إطلاق الرصاص ثم الإنتحار وهذه الحالات موثقة بمشاهد فيديوات وإحصائيات لمنظمات المجتمع المدني غير الحكومية . وقد إشتدت هذه الحالات مع إشتداد أزمة وباء الكورونا الذي أجبر العائلة العراقية أن تُحجر في مربعات صغيرة ولفترات طويلة .
يقع العراق في المرتبة ١٢ الأكثر فساد في العالم فنسبة البطالة فيه أكثر من 25٪ في دولة معظم سكانها من الشباب دون الثلاثين . لم تكن مؤسسات الدولة يوماً في خدمة المواطن بل تُعاني المؤسسات الإقتصادية والصحية والأمنية من خلل كبير بطاقمها القيادي ولا يمنع هذا من وجود منتمين موثوقين وشرفاء ضمن هذه المؤسسات لكن الأوامر تأتي دائماً لإذلال أبناء الشعب ، ففي المؤسسات الأمنية مثلاً يقوم رجال الشرطة بإلتقاط الشباب غير المنفذين لنظام الحجر الصحي وضربهم ووضعهم في السجون ولن يخرجوا إلا بغرامة مالية كبيرة وقد يكون هذا سبيل من سبل السلب المالي وبهذا السلوك نفسه في أي دولة متحضرة تقوم الدنيا ولا تقعد إذ أن الضرب المبرح لأي فرد ليس من مهام رجال الأمن . إن التعامل العدواني هو البالون الذي تنفخ فيه السلطة لكي ينفجر بوجهها في أي وقت .
إن العدوانية الفردية والمجتمعية أصبحت مكثفة في العائلة العراقية وتُمارس عليها من قبل السلطات أيضاً ورجل الأمن في هذه الحالة هو عدواني نشط في عائلته وفي مجتمعه إذ كانت حادثة تعرية وتجريح أحد القاصرين المتظاهرين هو نموذج مثالي للشراسة المجتمعية . إن القانون يجب أن يُطبق برأيهم على طريقة ( العصا لمن عصى ) والشراسة هنا تصاعدية فرجل الأمن ينفث سمومه فوق الأضعف منه وهناك أيضاً من ينفث سمومه فوق رأسه .
لقد أصبح العراق ساحة للرزق غير المشروع وكل الوسائل مبررة فدخل الكسب غير المشروع آلى المدارس والجامعات والعيادات والمحاكم فالكل معرض للإبتزاز . لو تساءلنا كيف حدث هذا في عراق الخير سيكون الجواب بأن هذا لم يحدث بين يوم وليلة بل كان ذلك على مدى سنوات الجمر الطويلة حينها فقد بعض العراقيين تدريجياً الصلة الحديدية مع الوطن وبدأت هذه الصلة تصدأ فرفع راية الحق والدين والتأريخ بالمقلوب وهؤلاء لم نستوردهم بل هم عراقيون للأسف .
إن محنة الشخصية العراقية هو عدم قدرتها على التنفيس فلا رفاهية ولا تنفيه فيصبح الطفل العراقي هو المصب الأمثل لغضب العائلة العراقية فنحن نسمع الكثير عن أم تقوم بحرق نفسها مع أطفالها أو أب يقوم بحرق أطفاله ثم يجلس مطمئناً في مقهى قريب في إنتظار تفحمهم . تُرى كم من الضغوط قد تحمل هؤلاد لكي يصلوا إلى ما وصلوا إليه وعلى كثرة الضغوط لا يمكن تسمية هذه الأفعال إلا بالإجرامية . إن شريعة الغاب على قسوتها لا تعطي سبباً لأشرس الحيوانات أن تأكل صغارها مهما جاعت وهي تسير حتماً على الفطرة النظيفة وغريزة حفظ النوع التي فطرها الله عليها ولهذا لم تنقرض إلا إذا أراد لها الإنسان أن تنقرض .
ويبقى الولاء للعائلة والوطن هو المحك الذي لو سار عليه الجميع لما كان هناك ضرورة للفصائل والميليشيات ولما أصبح الوطن أوطاناً والجيش جيوشاً والفرد الواحد مجزأ إلى أجزاء تنكر بعضها البعض الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة الجوع والتجويع الإسرائيلي الممنهج تتفاقم في غزة وبرنامج


.. #شاهد نائب فرنسي يهاجم ماكرون بسبب رفض اعتقال نتنياهو!




.. صحيفة ليبيراسيون الفرنسية: الإنسانية تحتاج أكثر من أي وقت مض


.. Campaigning for Disability Rights in South Korea




.. محمد مبخوت.. أكاديمي كفيف ينشئ ويدير مؤسسة تعليمية وتدريبية