الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدينة الثورة والاشكال الأولية للدين-القسم الرابع

صوت الانتفاضة

2020 / 8 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


((ان الانسان يلجأ للسحر حينما لا يكون بمقدوره السيطرة على الظروف والمصادفات من خلال المعرفة)) برونسيلاف مالينوفسكي 1884-1942.
معروف عن مدينة الثورة انها تشتهر بأسواقها الكبيرة، والتي تمتد لمسافات طويلة، وكثرة هذه الأسواق جاءت بسبب البطالة الهائلة، والمنتشرة بين أوساط الشباب، وتدني المستوى المعيشي فيها، فتجد الشباب يفترشون الأرض هناك لبيع كل شيء، وقد يكون سوق "مريدي" هو الأشهر والابرز من بين جميع الأسواق، ويعود السبب في ذلك الى عدة قضايا، منها، توسطه لمدينة الثورة، وعدم محدودية المكان فيه، فهو في كل سنة يمتد ويتمدد أكثر فأكثر، وأيضا لعدم قدرة السلطات على ضبطه او مراقبته، ولفائدته بالنسبة للقوى المسيطرة على المدينة "الميليشيات"، كونه يعد الشريان الرئيس لتجار السلاح وتزوير الأوراق الرسمية، وأيضا فهو يخلو من أي شكل من اشكال الضرائب.
عند التجول في هذا السوق ستجد انه مقسم الى أجزاء، فتجد جزء منه يختص بالأخشاب والموبيليا، واخر يبيع الملابس والاحذية، وهناك تجد مجموعة المزورين، وفي ذاك الجانب تجد تجار السلاح، وقسم اخر للصحيات، وهناك سوق كبير للطيور "المطيرچية"، وهناك سوق الدراجات الهوائية "البايسكلات والتكاتك"، وهناك جماعة الهواتف "الموبايلات"، وقسم للمواد الغذائية، واخر للفرش والاغطية والسجاد، وسوق للأجهزة الكهربائية، وفي بداية السوق تجد بعض المشترين للبضائع القديمة والجديدة "العتاگة"، وبين هؤلاء يدور فتية صغار يبيعوا أكياس النايلون "علاليگ"، وتنتشر عربات الطعام "الفلافل، والفشافيش"، وعربات العصائر "الشربت" وعربات الايس كريم، وهناك الكثير ممن يفترش الأرض ليبيع أشياء مستهلكة تماما "مفك براغي "درنفيس"، أقراص سي دي، عدد كهربائية صدئة، صحيات قديمة، اغلفة هواتف مهشمة" وغيرها الكثير من السلع التي فقدت كل قيمة لها، وهناك أيضا يدور بين هذه الجماهير المتسوقة والبائعة، مجموعة السراق، او ما يسمى بالعامية "النگرية"، وهم احدى العلامات المميزة لهذا السوق.
وسط هذا الصخب اليومي، من عمليات البيع والشراء والمقايضة والتبادل والسرقة، هنالك في داخل هذا السوق قسم بيع "الخرز والحصى والسبح والخواتم والادعية والتمائم"، وقد ازدهر هذا الجزء بعد احداث 2003، وكانت هناك عدة اسباب في ازدهاره، أولهما البطالة العالية جدا، والتي دعت الناس لتستنجد بالأشياء الجامدة في معيشتها ومشاكلها، فقد اضافوا لها قوى روحية فاعلة، والسبب الثاني سيطرة القوى الدينية على هذه المدينة "ميليشيا جيش المهدي"، والتي عززت ورسخت من هذا الفهم عند الناس، وأيضا فأن المعطلين عن العمل بدأوا يفكرون في صناعة فرص عمل لهم.
في هذا الجزء من السوق تشاهد الكثير من الحصى المختلفة الاشكال والألوان، وهي مصنفة عند الباعة، فمثلا هذه الحصى "للرزق" او تلك تحميك من العيارات النارية او هذا الخاتم سيقوي من شخصيتك او تلك الحصى ستحفظك من المسائلة القانونية، او هذا عظم الهدهد الذي يأتي اليك بالمرأة الخ.
وبيع الحصى والخواتم منتشر بشكل واسع في مدينة الثورة، وقد يكون اقتناء الناس لهذه الجمادات جزء من بقايا ديانة بدائية جدا، أطلق عليها الأنثروبولوجي البريطاني ادوارد تايلور1832-1917 تسمية "الاحيائية" او "الأرواحية"، ويعرفها شاكر مصطفى سليم في قاموسه الموسع بأنها: ((الاعتقاد بوجود كائن روحي منفصل عن الجسد، يحل في كل شيء، ويستطيع هذا الكائن الروحي ان يؤثر في الاحداث ويسيطر عليها، اما بصورة مباشرة، او بواسطة الاشباح والسحرة)) والسحرة و "فتاحي الفأل" موجودون بكثرة، ووصفاتهم جاهزة، قطعة قماش خضراء "العلگ"، او كتابة ورقة فيها كلمات غير مفهومة "تميمة"، او مجموعة احجار او حصى بأشكال مختلفة، او عين الحسد التي دائما ما تعلق على البيوت او صدور الأطفال.
ان الواقع المعيشي المزري في مدينة الثورة، وسيطرة القوى الدينية المسلحة، وغياب البنية التحتية بشكل شبه تام، كل تلك العوامل جعلت من الناس تلجأ الى الخرافة والسحر، وتعود الى اشكال بدائية من الدين، وكل ذلك الواقع يخدم الميليشيات المسيطرة، فالوعي يشكل خطرا عليها، بالتالي فأن ادامة هذا الوضع ومحاولة تأبيده في مصلحة سلطة الإسلام السياسي وميليشياتها.
يتبع لطفا....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليهود يؤدون صلوات تلمودية عند حائط البراق في عيد الفصح


.. الطفلة المعجزة -صابرين الروح- تلتحق بعائلتها التي قتلها القص




.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن