الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكونفوشيه

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 8 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




الفلسفة الكونفوشيوسية، "تبحث في علاقة الفرد بالمجتمع والدولة، وهي تعلّم كيفية تطبيق الإنسان لقواعد النظام العام. وقد أولت اهتماماً متميّزاً بالتعليم دون تمييز وذلك قبل نحو 2500 عام، كما أعطت اهتماماً بالعائلة ودورها في بناء المجتمع بتأكيد احترام السلالة والدعوة إلى  التفاهم والتعاون الأسري، وبقدر كون العائلة مستقرّة فسيكون المجتمع مستقرّاً. وقدّرت الكونفوشيوسية الكفاءة والاجتهاد، فجهود الإنسان مهمة جداً لتحقيق النجاح، ودعت  إلى  وضع مصلحة الدولة فوق المصلحة الشخصية، وقد حاولت الفلسفة الصينية المعاصرة استلهام هذه المبادئ لإدماج الماضي بالحاضر، في إطارالتفاعل والتواصل بين التراث والحداثة، مع بعض التحفّظات حول الجوانب السلبية في الكونفوشيوسية"([1]).
 "شغلت التعاليم الاخلاقية – السياسية الكونفوشية مكاناً بارزاً في تاريخ الايديولوجية الصينية القديمة، أسس هذا المذهب الحكيم كونفوشيوس([2]) (551 – 479 ق.م)، الذي كان له فضل كبير في تطوير ثقافة الصين القديمة، وقد نسبت إليه مؤلفات عديدة، أهمها – "كتاب الأغاني" و"الربيع والخريف"، وغيرها من الكتب، التي دونت فيها ثقافة الاجيال الغابرة في الصين القديمة"([3]) .
أَوْلَى كونفوشيوس إهتماماً خاصاً لمسائل التربية، حيث يقول: "الناس كلهم متشابهون من حيث الطبيعه، لكنهم يتمايزيون من خلال تربيتهم"، "لكي نعرف الجديد لابد من دراسة القديم"، "التعليم بدون تفكير لا ينفع، والتفكير بدون علم – عبث، لا جدوى منه". عاش كونفوشيوس (551 – 479 ق.م.) في الزمن الذي عاش فيه البوذا تقريباً وطاليس وفيثاغورث .
كان "لكونفوشيوس تلامذة وأتباع كثيرون، اشتهر منهم "مين تزو" (372 – 289 ق.م)، يرى هذا الفيلسوف أن "إرادة السماء" تتجسد في الوالي الحكيم – "ابن السماء"، وأن الإنسان خَيِّرَ بطبيعته، تلازمه منذ الولادة خصال أربع: التألم لآلام الآخرين، والشعور بالخجل، والتواضع، والقدرة على التمييز بين الحق والباطل، لكن التأثير السيء للمجتمع سرعان ما يفسد هذه الخصال، ويمحوها، وكان "مين تزو" من القائلين بمعارف فطرية، تغرسها في الإنسان "الروح الالهية اللانهائية"، ولذا فإن على الإنسان أن يفتش في قرارة نفسه عن هذه المعارف، لكي يجد الحل للمسائل التي تطرحها الحياة، ويعرف أسباب اخفاقاته وويلاته، ويتذرع بالصبر ازاء الظلم القائم في المجتمع، ويتعلم ألا يضمر الحقد على من يضطهده"([4]).
كان اهتمام كونفوشيوس بالفلسفة الاجتماعية وفلسفة الدين قليلاً، فقد ركز على الفرد، كما فعل سقراط"، هذا، "ويناقش كونفوشيوس مبدأ الإنسانية بكلمات تذكِّر بالرسالة في الموعظة على الجبل، "لا تعامل الآخرين بمثل ما لا ترغب أن يعاملوك به"، وغالباً ما تدعى فكرة حب الإنسان لجاره، في الكونفوشيوسية، "مبدأ القياس": ما نتوقعه من الآخرين يجب أن يكون محك سلوكنا نحو الآخرين، وهذا لا يعني أن تعاليم كونفوشيوس الخاصة بالإنسانية والرحمة تؤوَّل بمعنى خلاصي دقيق، فقد دافع عن نظام المراتب في المجتمع بشكل مباشر.
"لذلك، فإن واجب الفرد عند كونفوشيوس مرتبط بمركزه الاجتماعي، والحياة الجيدة، عنده، تتحقق في "العلاقات الإنسانية الخمس": علاقة الحاكم بموظف الدولة، وعلاقة الأب بالابن، وعلاقة الزوج بالزوجة، وكبير السن بصغير السن، والصديق بالصديق. ولكل علاقة واجباتها. وأفضل تعبير عن علاقة الحاكم برعاياه نجده في الجملة الآتية: "جوهر السيد كجوهر الريح، وجوهر الشعب الأدنى منه كجوهر العشب. فعندما تمر الريح فوق العشب، لا يكون من خيار له سوى الانحناء".
كانت أفكاره في الحُكْم والحكومة هذه يمليها عليه تصور مثالي للتاريخ، ليس للحكومة من نفع آخر، في اعتقاده، سوى الإبقاء على كل شيء في مكانه. أما العصر الذي كان يعيش فيه المعلم فكان يتصف، على العكس، بانحطاط النظام الاجتماعي.
لم ينشئ كونفوشيوس فلسفة منظمة، فكل ما فعله كان عبارة عن نصح مساعد في العلاقات الإنسانية، كما طور تعليماً متميزاً في الحكمة. وخلال حياته اجتذب مجموعة كبيرة من التلاميذ. وقد "أدت هذه "الكونفوشيوسية" ذات التوجه البراغماتي دوراً مهماً في الثقافة الصينية والمجتمع الصيني إلى يومنا"([5]) .
" وفي مقابل تأكيد الطاوية على كل ما هو طبيعي وتلقائي في الإنسان، فإن الكونفوشية تؤكد على واجباته الاجتماعية، وهي صياغة نظرية للدور الذي لعبته مؤسسة العائلة الفلاحية في النظام الاجتماعي والسياسي للصين.
هذه "العلاقات الاجتماعية – العائلية كانت –كما يقول فراس السواح- الموضوع الرئيسي لتعاليم الفلسفة الكونفوشية التي نظرت إلى المجتمع على أنه صورةٌ موسعة عن العائلة، وقد سيطرت الكونفوشية بشكلٍ كامل على عموم الصين في القرن الأول الميلادي... ولا زالت تعاليمها التراثية -او ما تبقى منها- إلى يومنا هذا"([6]).
كونفوشيوس، في الحقيقة –كما وصفه فولتير-: "رجل طيب القلب جداً، صديق للعقل، عدو للحماسة، يتنفس وداعة وسلاماً، ولا يخلط الكذب بالحقيقة".
" بعد وفاة كونفوشيوس عام 479 ق.م ولعدة قرون تالية، بقيت فقط أربع مدارسٍ فلسفيه في الصين، وهي مدرسة المثقفين، والموهيين، والشرائعيين، والتاويين، تتنافس على اكتساب المريدين وقلوب الحكام، إلى أن سيطرت الكونفوشية بشكلٍ كامل على عموم الصين في القرن الأول الميلادي" ([7]).
 
 


([1])  عبد الحسين شعبان – الفلسفة التاوية وصنوها الفلسفة الصوفية – الحوار المتمدن – 8/5/2015
([2]) كونفوشيوس Confucius هو الترجمة اللاتينية لمجموع الأحرف الصينية كونغ فو – تسو التي تعني: المبجل المعلم كونغ، كان أبوه شو – ليانغ – هي واحداً من الزعماء العسكريين الثلاثة في مملكة لو الصغيرة، وبعد موت الأب تولت الأم تربية كونغ تسو- وكان لا يزال في الثالثة من العمر-.وكانت أمه قد تزوجت وهي فتاة صغيرة من القائد العسكري الذي كان له من العمر سبعون عاماً ونيف. وتؤكد الوقائع أن هذا الزواج مني بالفشل، وقد كان لهذه الواقعة نتائج جسيمة على ذهن الفيلسوف: ففي الوقت الذي جعل فيه من نفسه داعية البر بالوالدين، لم يحتفظ في ذاكرته إلا بالصورة المؤمثلة لأبيه.كانت أسرته تعيش في حضيض البؤس، فعمل الغلام أول الأمر حارساً لقطعان الماشية. لكن نبل أصله، والاعتبار الذي كانت تحاط به ذكرى أبيه، أتاحا له قدراً لا بأس به من التعليم، وقد عرف كيف يستكمله بنفسه بما أوتيه من شهوة واسعة إلى المعرفة، وهي الشهوة التي سيخفف من غلوائها لاحقاً موقف الازدراء الذي سيقفه من العلم والمعرفة.
([3]) موجز تاريخ الفلسفة - جماعة من الأساتذة السوفيات – تعريب: توفيق ابراهيم سلوم - دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م) - ص 47
([4]) المرجع نفسه – ص 45
([5]) المرجع نفسه – ص 47
([6]) فراس السواح – إطلالة على الفلسفة الصينية – موقع: ألف – 28/4/2018.
([7])  المرجع نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. مفاجآت الجولة الثانية!


.. غداة الانتخابات التشريعية.. رئيس الوزراء الفرنسي أتال يقدم ا




.. رغم إصراره.. اجتماع لكبار الديمقراطيين لبحث مستقبل بايدن


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - أبو عبيدة: عززنا القدرات الدفاعية




.. رئيس الوزراء الفرنسي أتال يعلن تقديم استقالته لرئيس الجمهوري