الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث الشرقي هويتنا وليس وصمة عار

بكر محي طه
مدون حر

(Bakr Muhi Taha)

2020 / 8 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من المعروف أن تراث الشعوب يُمثل هويتها، فهو خير مثالٍ على ماضيها، بحلوه ومُره، بشموخه وإنكساره، ليكون مَرجعاً مُهماً في الحاضر لتلافي أخطاء الماضي في المسقبل من جهة، وتطوير ما توصل إليه السابقون من جهةٍ أُخرى، إذ أن التراث والماضي لايعني بالضرورة فقط أخطاء ومأسات وحروب ..الخ، فمن الممكن أن يكون إختراع أو أداة أو طريقة معينة في معالجة مشكلةٍ ما، أو حتى لباس معين، المهم هو إن التراث يمثل ويُميز قوماً من البشر عن الاقوام الاخرى.
بألتأكيد فأن مُعظم الناس تفتخر وتتباهى بتراثها الذي رسم واقعاً وحفر تاريخاً على مر الزمان، فتجد المتاحف والكتب والمكتبات والمصادر تزخر بالحوادث والقِصص والإختراعات، وحتى الإنكسارات وأسبابها، ولعل هذه النقطة الاخيرة سبب في تطور معظم البشر الذين يتعلمون الدرس من مرة واحدة حتى لا يكرروا أخطاء الماضي، لأن التطور يتطلب تضحيات وأفكار وخطط طويلة الأمد، حتى تبقى ضماناً للأجيال القادمة في مستقبلٍ أفضل، وكأن الحاضر مازال يحتاج الى تطوير برغم التطور والإبتكار الذي يشهدونه والذي يراه البعض لدى شعب بلدٍ معين على أنهم كوكب بحد ذاتهم ومُتعجب من هذا الآمر ويتسائل "متى نُصبح مثلهم!".
وأقصد بذلك فئةً كبيرة من الناس في المجتمع الشرقي بشكلٍ عام والعراق بشكلٍ خاص، إذ نجد أغلب الأقوام البشرية تفخر بتأريخها وتراثها؛ إلا هؤلاء يتبرأون منه وكأنه "مرض جُذام"، ولعل من أبرز الأسباب هو بسبب التأثير الاعلامي (سينما / تلفزيون) والذي يُظهر الشرق كأنه بؤرة لكل شيء أسود وشرير، بينما الغرب بؤرة لكل أبيضٍ وخير، كذلك عقدة النقص لدى البعض والتي تجعلهُ يتغنى بثقافات الغير مُتناسياً إنها بدأت من الصفر، الآمر الذي أخذ سنواتٍ طوال من عُمرها وعُمر أجيالها لتحقق المُنجز المنشود، وليس مجرد شعاراتٍ وفوراتٍ عاطفية لاتغني ولاتسمن، أو بسبب الجهل بتاريخ نشوء الثقافات والمواريث الشرقية وهذا الامر هو مسؤولية التعليم الذي يجب أن يكون منذ الصغر للإطلاع على التراث الرصين.
والمثير للإستغراب هو حالة التنكر والإستعلاء على كل ما هو تراثي وشرقي وكأنه تشوهاً خُلقي أو وصمة عارٍ، ولا يجب الكلام عنه أو حتى التمعن بما تناوله، ولن أتطرق الى أمور الدين أو السياسة كونها محطُ جدلٍ، ولكن سأذهب مباشرة الى التراث الشرقي العلمي والفلكي والحسابي والطبي وحتى الفني، هذه المواريث المُغيبة والتي يعمد البعض -بقصدٍ أو بغير قصد- الى طمس ملامحِها والإنتقاص منها، في حين التغني والتفاخر بالتراث الغربي مع العلم هو حديث قياساً بالموروثات الشرقية.
أليس من الأجدر الإحتفاء بالعلماء والمفكرين والنوابغ الشرقية مثل ابن خلدون و ابن سينا والخوارزمي و ابن فرناس والكثير غيرهم من النوابغ العقلية والفكرية بدل الاحتفاء بالغرب وكأنهم الفئة البشرية الوحيدة المنتجة، أما نحن الشرقيين فلا، في حين أن الغرب قد إستقى معرفته من تجاربهم ومؤلفاتهم، والمفارقة أن الغرب يُشير لنتاجاتهم ودراساتهم بأنها اللبنة الأساس في تطور العلوم الحديثة المختلفة ولا ينكرون دورهم أبداً، وهي مفارقة مضحكة مبكية.
أما الاكثر تضرُراً وتخريباً مُتعمداً له هو التراث الفني الشرقي بكافة مفاصله من رقص ولباس وفنون تشكيلية وهندسية وكذلك الموسيقى وأيضاً الغناء، حيث غالباً ما يكون مصدراً للسخرية أو إشارة الى فترة فقيرة ومُتخلفة بكل المقاييس، وهذا ما تناوله أحد الإعلانات الخاصة بشركة أثاثٍ منزلي في بغداد، والذي يعطي فكرة كارثية عن تطور الأثاث في العراق وكذلك الذائقة الحسية للناس، من خلال مشهد واحد (one shot)، حيث يقوم شاب يرتدي الزي البغدادي -التراثي- بالنهوض من أثاثٍ قديم مع أغنية للفنان (ناظم الغزالي) ليتحرك الى النصف الآخر من الشاشة والتي تم إضهارها على أنها تحتوي على أثاثٍ مودرن حديث مع أغناني الهيب هوب الأمريكي، في إشارة واضحة الى أن الحداثة والتطور فقط عند الغرب وكل شيء غربي هو محط ثقة وتقدير، في إنتقادٍ واضح للتراث الفني الشرقي وكل ما يتعلق بهِ فهو مجرد أنتيكات تعبيرية ولايساوي شيئاً!.
ولتغيير هذه النظرة الضيقة تجاه الموروث الشرقي بشكلٍ عام والتراث الفني بشكلٍ خاص، والتي بنيت بسبب الجهل والتجهيل العمد وغير العمد وعلى مدى عصور زمنية طويلة، لابد من التعريف الصحيح بهذا الموروث من خلال إحيائهِ وطرحهِ بطرق جديدة مبتكرة تعييد الروح إليه وتُعلق القلوب بطياته المنسية من جديد لأنه يمثل هوية لنا وليس حكراً على بلدٍ أو شعب أو أفراد محدودين، بل يُمثل إرث شعوباً كاملةً ويستحق البحث أكثر فيهِ وأكثر، لإكتشاف نتاج الخبرات والمعرفة القديمة بدل أن تصبح طي النسيان أو تكون من نصيب الغُرباء الذين يعرفون أهميتها ويقدرون جوهرها.
ولعل أبرز الطرق الواجب إتباعها لأجل إحياء التراث الشرقي هو تأطيره وإضافته ضمن المناهج التعليمية كافةً خلال المراحل الدراسية كافةً، مما يُساعد على إنشاء أجيال تحترم وتقدر تراثها بشكل أكبر وليس مجرد حالات فردية، كونهُ يُمثل الجميع بعيداً عن العرق واللون والدين والرقعة الجغرافية، بالإضافة الى فتح مكتبات ومعارض خاصة بالتراث الشرقي سواء كان فنياً، علمياً، إنسانياً، أو فلكياً، حتى تكون الثقافة والذائقة االتراثية بمتناول الجميع، لان التراث يمثل هوية الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة