الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انه عاشوراء

اسماعيل شاكر الرفاعي

2020 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل نسبت ام تناسيت
لا بد لذاكرتك ان تنهض من كبوتها وتتذكر
بانك ذات صباح ركبت اللوري الخشبي ، وكنت واحداً من العشرات الذين يتمسكون بعباءات امهاتهم ، وهم ذاهبون لزيارة الضريح المقدس في كربلاء ...
لكن في طور الفتوة صرت لا تحتاج الى من يجرجرك خلفه ، صرت تعرف الطريق لزيارة : تلك المتاهة من التاريخ ، المعمدة بالدم وصهيل الخيول وبكاء الهاشميات اللواتي كان من الممكن ان يصبحن - لو انتصرت حركة الحسين : نساء الخليفة الجديد ، اللواتي سيرفلن - بدل ذل الأسر - بالمجد والعز ، ولكانت إمكانية عدم بكائنا السنوي : واردة ، ولتحولت أيام شهر عاشوراء الى فرح واحتفالات . ولكن غابة من السهام والسيوف طارت صوب معسكر الحسين : انطلقت بسرعة عجيبة واطاحت بذلك الحلم الهاشمي ، ومنذ ذلك التاريخ الذي يزيد على الف واربعمائة سنة : انفردنا نحن الشيعة برفض طريقة المؤرخين الباردة في رواية ما حدث : نحن لم نتحدث مثلهم عن دولة إسلامية توجهت بكل ما تملك من عنف للقضاء على المتمردين عليها ، كما تفعل كل دولة .. كلا ، نحن الشيعة لم نتكلم عن دولة ، بل تكلمنا عن عائلة إغتصبت سلطة ودولة العائلة الهاشمية المنصوص عليها من السماء في ان يكون علياً ثم أولاده وأحفاده : هم الخلفاء بعد وفاة محمد ...

في ذلك الزمن البعيد : لم تكن صراعات مراكز القوى على السلطة السياسية ( الخلافة ) سلمية ، بل كانت صراعاً عنيفاً دموياً يحسمه السيف . وكان أشخاص الزعامات السياسية - في ذلك الزمن البعيد - معروفة للناس ، ولا يجرؤ احد من العوام على ان ينافسهم عليها . فبعد وفاة مؤسس الديانة ، وبعد اجتماع السقيفة : حصر الوعي العام للناس شرعية الحكم ببيوت خاصة ، جميعها من قبيلة قريش ، وقد تميزت تلك العوائل بعصبيتها الشديدة لنفسها : وقد وضعت نفسها حتى فوق الديانة : وسمت الدولة باسمها ( = دولة أموية أو عباسية او فاطمية ) . اذن لم يسبق المسلمون سواهم من الأمم ويسارعوا الى بناء دولة المساواة امام القانون وتكافؤ الفرص ، بل ظلت النظرة التي كانت سائدة في العالم كله يومذاك : والتي تشطر الناس الى : خواص وعوام تتحكم بنوع عدالة الدولة التي بنوها ، فالتمييز كان واضحاً بين قبيلة قريش وبين باقي القبائل والعشائر والعوائل . وتمييز : الخواص عن العامة من المسلمين كان واضحاً في مسائل القيادة والحكم ، وهذا التمييز واضح الآن في التشريعات القانونية المستلة من افضلية الطائفة الوهابية في المملكة العربية السعودية على باقي الطوائف ، وأفضلية الطائفة الشيعية في ايران على باقي الطوائف الاسلامية . لقد نجح العرب - المسلمون ، في بناء دولة العائلة في التاريخ . لا يريد الشيعة ان يفهموا بأن التاريخ هو مجموعة احداث بشرية تتقدمها صناعة القوة التي لا تعني : حيازة القوة العسكرية فقط ، فالقوة العسكرية لم تطح لوحدها بالدولة الأموية في دمشق ، والعباسية في بغداد ، والفاطمية في القاهرة ، بل تمت الإطاحة بها جميعاً نتيجة تضافر عوامل متعددة : اقتصادية واجتماعية وثقافية كفقدان العدالة وانتشار الفساد وتعمق التفاوت الطبقي . وان دولة : الدولة - الأمة القومية في اوربا قامت على انقاض الدولة الدينية وحقوق الملوك الآلهي وبنت : دولة جديدة في التاريخ : هي دولة الرفاه الذي لا يمكن تعميمه على كل مواطني الدولة من غير تطبيق قانون المساواة المشتق من مفاهيم المواطنة وحقوق الانسان . ( خذ على سبيل المثال : فشل الحكومة العراقية في توزيع الحصة التموينية ، والحث عن اسباب الفشل : فستجده يعود بنسبة عالية الى ان الوعي السياسي للوزراء وكوادر السلطة لا يؤمن بمبدأ مساواتهم بمواطنيهم ، انهم يشعرون بانهم اعلى من مواطنيهم درجات ودرجات ، وبان الله قصدهم بالأفضلية الواردة في قول القرآن : وفضلنا بعضهم على بعض بالرزق " ولهذا سرقوا ويسرقون تحت سمع وبصر رؤساء الحكومات والفقهاء : الأموال المخصصة في الميزانية للحصة التموينية ويهربون بها الى الخارج ) الشيعة اليوم - كما كانوا قبل 1000 سنة - يؤمنون بأن التاريخ يتكون من مجموعة افعال تقوم بها عوائل وعشائر يتحرك قادتها بايحاء من الله . لا يوجد في الوعي الجماعي السياسي اليوم لعموم الشيعة : إمكانية ان تقوم دولة عادلة في التاريخ من غير العائلة الهاشمية وأمامها المعصوم . وهذا ما يجعل فكرة الدولة في ذهن الشيعة مشوشة ، انهم يتصورون ان الظلم الذي لحقهم ولحق جميع المعارضات في التاريخ العربي الإسلامي ، سوف يقضي عليه آل البيت في حالة حصر الخلافة والقيادة بهم : وهم في هذه الرؤية ينسون بأن علي بن ابي طالب : قتل معارضته من الخوارج ، وينسون بأنهم ينظرون الى أنفسهم كمذهب متكامل وانهم ورثة الإسلام الحقيقي : وبانهم يتهمون كل معارضة دينية لهم بالمروق والضلالة ، ويستحقون القتل ، وفعلاً قتلت ميليشياتهم الكثير من أولئك المعارضين ، واستعملوا في تصفيتها الخطف والقتل بالمسدسات الكامنة للصوت . فالشيعة لا تربط تحقق العدالة بمؤسسات الدولة بل يربطون تحققها باشخاص ، وفي هذا تتجسد محنتهم العميقة في بناء الدولة في العراق : اذ يبدلون أشخاص رؤساء الوزراء ولا يبدلون آليات اشتغال نظامهم السياسي ...

2 -

صرت تذهب لوحدك الى كربلاء ، وتجوس ذلك العالم المليء بالدم والدموع وصليل السيوف ورنين الزناجيل وتطاير الشرر من ضرب الصدور : تراقب دمعتك وهي تسقط مع دموع الجموع المتساقطة ، فيما ظلت يداك مسبلتان الى جانبيك ، ولم ترتفعا بالزنجيل الى ظهرك او ترتفعا بالقامة صبيحة العاشر من محرم وتشجا رأسك .
كنت تراقب مثل الجموع المحتشدة : طقوس الندم هذه . اذ يؤمن الشيعة بضرورة التعبير عن الندم دورياً ، لأن التاريخ بعد مقتل الامام علي ومقتل الحسين ركبه الشيطان وسار به في طرق الاعوجاج والضلالة . وان اعادة وضع التاريخ للسير على السكةالصحيحة يبدأ اول ما يبدأ بانتزاع حق آل البيت في الحكم . وحتى حين سمح المذهب للبعض بالاشتغال في السياسة فان هذا العمل غير دائم ، انه عمل مؤقت وطاريء فرضته الغيبة الكبرى للأمام المهدي الذي تعد القيادة الحقيقية للشيعة بيد وكلائه من الفقهاء ، وليس بيد السياسيين مهما رفعوا من درجة غلوائهم الطائفي ...

مشكلة الانظمة العائلية في الحكم انتهت في اوربا ، وسقطت في الصين واليابان بعد الحربين الكونيتين ، وأزال الأتراك نظام العائلة العثمانية الوراثي بأنفسهم بعد الحرب العالمية الاولى . اما بالنسبة للشيعة فلا توجد دلائل تشير الى ان ما تم بناءه في ايران وفي العراق يتسم بالعدالة : مع سقوط العملة الوطنية والحصار الدولي وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة . ان مشكلة الشيعة الأرأس اليوم : هي عدم الرغبة في التكيف للعيش في دولة المواطنة الحديثة . اذ ان هذا التكيف يتطلب من قياداتهم الروحية الاعتراف باستحالة تحقق نموذجهم الهاشمي الذي يجلس على قمة هرمه كائن : نصف بشري نصف سماوي ، واسع العلم ، تصب عليه المعلومات من السماء عبر جبرائيل ومن الارض عبر : استخباراته ( عيونه ) . والشيعة لا يختلفون عن السنة في استلهام الماضي وليس الحاضر في بعث دولة الإسلام الدينية وبناء دولة الطائفة التي لا تمنح حق المواطنة لاعضاء الطوائف الأخرى : والشيعة الذين يعيشون في العربية السعودية ، والسنة الذين يعيشون في ايران : عاشوا عمرهم مهمشين ومنبوذين ، وابعد ما يكونان عن مفهوم المواطنة ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل


.. 134-An-Nisa




.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي