الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع أبو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٣)

وليد المسعودي

2020 / 8 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمع ابو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٣)

إن المحددات التي تضعها السلطة للمجتمع العراقي سواء كانت هذه السلطة قومية أو دينية هي ذات المحددات التي تجعل الشارع دائما ما يترصد المواطن ويجعله في خانة المراقب لجميع تصرفاته وسلوكه واتجاهه المستقبلي ، والشارع العراقي لم تسد اتجاهاته سوى سلطتين منذ أكثر من خمسين عاما وهما سلطة البعث العربي الاشتراكي وسلطة الإسلام السياسي بشقيها الشيعي والسني ، حيث تراتبية العيش داخل السلاسل المغلقة والسجون الكثيرة ذات التعدد والاندماج الحزبي والاجتماعي ، وكأن تبادل النسخ امر مقصود ومتعمد من قبل منتجي هاتان السلطتان في شكلهما القبيح .

الفرقة الحزبية المسلحة

في ظل هيمنة الفرقة الحزبية المسلحة دخل الشارع العراقي في ما اسميه ب " ساحة الهدف المراقبة " من قبل العيون الكثيرة ، المحاسبون الجدد ، كتبة التقارير ، العقوبات المباشرة ، شارع عراقي مرصود من اقرب حركة الى ابعد سلوك وخصوصا بعد هيمنة وصعود صدام إلى سدة الحكم ، حيث اصبحت الحامي والمدافع الأمين عن النظام هنا جميع الفرق الحزبية المسلحة التي تباشر في عملية التعبئة والتغليف تعبئة المجتمع بايديولوجيا البعث وتغليفه إن خالفها ، وهذه العملية للتعبئة والتغليف كثيرا ما اضرت بالطبيعة الاجتماعية للشخصية العراقية بحيث جعلتها على المحك اما قريبة من السلطة خوفا ومصلحة وطمعا بجاه ونفوذ ، واما معارضة تعيش التغليف بكامل مراحلة حتى الاختناق والموت ، واما الصمت القاتل لذوات تبتعد قدر الإمكان عن الاقتراب من السلطة ولكن الاخيرة هي من تركض ورائها للمشاركة والتأييد ضمن كر وفر حتى السقوط في نهر السلطة الاسن ، وهنا مشاركة بالتبرع بالمال والذهب دعما للحرب العراقية الإيرانية أو المشاركة عنوة في الحرب كانصار في الجيش الشعبي ، وتاريخ ما يسمى بالجيش الشعبي حمل في طياته الكثير من القصص المأساوية المؤلمة للعراقيين في ظل هيمنة البعث وفرقه الحزبية المسلحة .

لقد كانت الفرق الحزبية تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة العراقيين من خلال تواجدها في المدارس " حيث كانت الاخيرة زيتونية بامتياز " ولا يوجد مدير مدرسة ضمن حدود النسبي الاكثري ليس رفيقا حزبيا مسلحا مرتديا بدلته الزيتونية ، وخصوصا في فترات التجييش الطويلة من عمر حكم صدام ، تجييش من أعلى الهرم إلى ادناه من الرئيس الى الشعب ومن مدير المدرسة الى التلاميذ .
ولم يقتصر وجود الفرق الحزبية المسلحة على المدارس بل شمل وجودها في جميع مفاصل الدولة والمجتمع في الأسواق والمقاهي والازقة إلى درجة أن هذا المجتمع الذي سميناه سابقا بمجتمع ابو البكرة هو مجتمع لا يطمئن احد له قابل للانفجار في اي وقت من الداخل والخارج على حد سواء .

من داخل الحزب هناك الخوف والرعب ، حزبي يخاف من آخر ، من الوشاية وكتابة التقارير ، وصولا الى درجة التنافس القصوى في تقديم الطاعة والولاء ، تنافس على حب الوطن ممزوجا بايصال الأبرياء الى السجون والمعتقلات والجبهات والموت

ومن خارج الحزب هناك النفي والقدرة على الضم القسري لجميع العراقيين الى الحزب حتى بالقوة فجميع العراقيين بعثيون وان لم ينتموا

مثل هكذا سياسة تميل إلى قولبة المجتمع ، فرض الاسيجة الدوغمائية عليه مستقبلا حتى وإن كانت مغايرة له سوف تعيد ذات النموذج بعد زوالها ، وهذه المرة مع الاسلام المسلح والجوامع المسلحة التي تباشر عملية التعبئة والتغليف ايضا ، تعبئة لانصارها وتغليف وانهاء اي دور معارضة يذكر لها .

لون البيوت

لقد صبغت البيوت بلون واحد في زمن البعث وهو لون قريب إلى كل ما يمت إلى العسكرة بصلة ، لون الملابس العسكرية ، الخاكية ، لون الطلقات النارية ، لون مجتمع مجيش من الصباح الى المساء بانتاج العسكرة ماديا ومعنويا ، والهدف من هذه الصبغة الواحدة هو قتل كل فضاء وتفكير مختلف خارج اطار نزعة العسكرة الدموية ، حيث لم تترك البيوت ذاتها هذه العسكرة بعد ارتداء البعثيين الدشاديش ونزع الزيتوني وهروبهم المرير ، لم تترك البيوت العسكرة حيث قامت بالاستيلاء على جميع مخازن الاعتدة والسلاح لتنتقل العسكرة بذلك من الشارع الحزبي الى الفوضى المسلحة داخل البيوت والجوامع ، وهذه المرة تحت رعاية الاسلام المسلح المقاوم .

البيوت والجوامع المسلحة

إن تعميم النموذج المنفجر على الآخرين ظل في تواصله حتى مع سقوط البعث وصدام ، وذلك لأن المجتمع قد اشبع بما فيه الكفاية بثقافة العسكرة ، وكل ما عملته أيديولوجيا الإسلام السياسي بتنوعاتها الطائفية الميليشياتية هو ملء الفراغ لا أكثر بعد عقود من الحبس الداخلي ، وبذلك انتقلنا إلى الالوان المختلفة ، ألوان الرايات والاعلام والاحزاب والمصالح الجديدة ضمن ثوب واحد ، انتقلنا إلى مجتمع معبأ أيديولوجيا وثقافيا وسياسيا بالتجسس على بعضه من اجل محاسبة الوان الإختلاف الثقافي والاجتماعي الانساني مع هيمنة البيوت والجوامع المسلحة التي تقف على رأسها قوى ميليشياتية لحمايتها أو سرقتها في الوقت نفسه .

مع مجتمع ابو البكرة الجديد المنفجر على نفسه تحول في محاسبته للمجتمع من الفكر الى المادة ، من الأيديولوجيا الى السلوك والازياء والحريات الشخصية ، حيث تكثيف وزيادة القدرة في القمع حيث التدخل في حياة العراقيين ، في ملابسهم ، وسلوكهم ، ولم تعد هناك اي خصوصية قابلة للانتشار خارج اطار التوجهات الدينية والحزبية الميليشياتية ، ظهر البرقع لاول مرة في بغداد الشعبية ، اختفى الوجود السافر للمرأة ، بغداد اصبحت كلها مغطاة من فوق إلى تحت وخصوصا في المدن الشعبية الفقيرة ، وفوق الفقر والحرمان ، يضاف انعدام الجمال والانوثة والحرية المدينية ، تحول سوف يجعل بغداد تعيش داخل سلاسل مغلقة لسنوات طويلة تحت رعاية ثقافة الخوف من الجديد والغريب عن بنية المجتمع .

ان البيوت والجوامع المسلحة ذات السلاسل المغلقة لهذه الطائفة أو تلك قادرة على الحاق الاذى بالناس العاديين الابرياء من خلال

١_ القدرة على التجييش
٢_ ملاحقة الاختلاف المديني
٣_ تخزين الاسلحة في البيوت والجوامع
٤ _ التدخل في شؤون مؤسسات الدولة
٥_ اعاقة اي فرص للبناء والتطور .

فالقدرة على التجييش تبدا من خلال التعبئة اليومية للمجتمع ومحاولة التأثير عليه طائفيا ودينيا ، وخصوصا في زمن الأزمات السياسية والاختلاف السياسي مع القادة الميليشياتيين حول تقاسم السلطة والثروة ، أو في زمن الحروب ، هذه التعبئة تذكر المجتمع ( بالمديونية ) ضمن طريقين أو شقين ، مديونية المعنى للدين واثر الاخير على حياة الإنسان وان المواطن عليه التضحية لنصرة الدين والمذهب بالغالي والنفيس ووو الخ من الأساطير والاوهام التي تفرضها السلطة الدينية السياسية ، ومديونية المادة أو الفعل ، وهنا التذكير بالحروب التي قادتها الميليشيات من اجل الوطن والناس وتخليصهم من داعش .. الخ ، كل ذلك من اجل ديمومة عناصر الاستغلال والموت ، موت المجتمع من تحقيقه الاستقرار ونمو وهيمنة الدولة وتعزيز القانون الذي يلغي اي وجود مسلح خارج اطار مفهوم الدولة .

أن ما كانت تفعله الفرق الحزبية البعثية باناشيدها واساطيرها وتذكيرها للشعب بقدرات الحكومة على التخلص من العدو الفارسي وتحقيق النصر المبين وووغيرها من الأساطير هو نفس ما تفعله السلطات الميليشياتية في قنواتها واعلامها الفضائي والاذاعي والشعبي في الجوامع حيث التذكير بالمديونية في جانبها المادي والمعنوي خدمة لمشاريع هيمنة لقادة واحزاب ولصوص لم يقدموا اي مشروع يذكر للنهوض بالواقع العراقي سوى مشروع التعبئة اليومية من اجل الاستمرار في البقاء كسلطة متجذرة في لصوصيتها وسرقتها لحياة العراقين كرامة ووجودا مستقبليا واختلافا انسانيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل