الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل المرتد في القران

عصام عبدالرحيم

2020 / 8 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدعي كثير من المسلمين هذه الأيام أن قتل المرتد الذي أتي في السنة باحاديث صحيحة ليس له أصل في القران وأنه واحدة من مخرجات عصر التدوين ومن خرافات البخاري. ورغم أن حديث "من بدل دينه فاقتلوه" هو حديث صحيح مقبول عند كافة العلماء وجاء بصيغ مختلفة وأوضحه وهو ما جاء به البخاري في صيغته أعلاه. الا انهم شككوا في البخاري وأحاديثه وفي السنة، وانا لا الومهم علي ذلك فحرية العقيدة أمر من اصيل فلسفتنا، لكن تكون مشكلتنا معهم هو ادعائهم أن حكم الردة وقتل المرتد أمر دخيل علي الاسلام بحجة انه غير موجود في القران، فلم يذكر فيه وقد خلا منه.

هذا بالطبع ادعاء غير صحيح، فهناك القليل من الاحكام التي تجدها في السنة ولا تجد لها سندا أو اصلا في القران، وفي نظري حكم واحد فقط هو الذي يقع تحت هذا التعريف وهو حكم رجم الزاني المحصن، وما عدا ذلك فكلها مؤصلة بآيات قرآنية واضحة مفصلة بما في ذلك حكم الردة الذي نحن بصدد نقاشه.

حكم الردة نجده مؤيداً في القران في سورة النساء الآية 89:
(وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89))

الآية واضحة في انها تأمر بقتل من لم يهاجر في سبيل الله من المنافقين وتدعي أن المنافقين يسعون إلي أن يكفر المسلمين كما كفروا هم لذلك لا يجب علي المسلمين أن لا يتخذوا منهم اولياً. وتقسم هذه الآيات والايات التي سبقتها المنافقين الي فئتين، الفئة الأولي في هذه الآية والثانية في آيات لاحقة سنناقشها لاحقاً. وتصنف الآيات هذه الفئة الأولي بأنهم الذين لم يهاجروا في سبيل الله، وهذه ليست الهجرة من مكة الي المدينة، كما يظن البعض. فهذه الآية نزلت في المدينة بعد الهجرة لذلك لم تعني هجرة الرسول وأصحابه الي يثرب. والهجرة هنا تعني "حتى يصنعوا كما صنعتم" كما قال ابن عباس وهي بمعني أنهم قد أظهروا كفرهم بمجاهرتهم لعدم التزامهم بقواعد الايمان الاسلامي، فالمهاجر هو "من هجر ما نهى الله عنه ". وهنا معني واضح وهو أن هؤلاء لم يكونوا يقيمون شعائر الله كما يفعل المسلمون من إقامة صلاة أو إخراج زكاة أو غيرها من طقوس وافعال وانهم لم يلتزموا بما يلزم المسلمون به انفسهم ولم يمتنعوا عن ما نهي عنه الله ورسوله. والامتناع هنا يدل علي أن هذه الفئة هي التي جاهرت بعصيانها وهم مرتدون أعلنوا رفضهم لكل أو بعض من شعائر الدين فاستحقوا ألقتل علي رفضهم بثوابت الدين ونواهيه.

وهذه الفئة الأولي من المنافقين تحدد الآيات أعلاه طريقة معاملتهم بصريح العبارة "فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم" وهنا لا مجال الي ادخال فكرة المحاربة والقتال فهذا أمر واضح بالقتل متي واين وضع المسلمون يدهم عليهم. وأما اذا نجحوا في الهرب فقد تعاملت مع ذلك الآية التي تليها وهي:

"إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)".

أي أؤلئك الذين نجحوا في الفرار، كمثل الذين هربوا الي قريش وتم نقاش حالهم في صلح الحديبية. وهذا الذي نفذ بجلده لن يجد المسلمين اليه سبيلا فلا طائل من الحكم بقتله أو محاولة فرض تنفيذ الحكم علي من التحق بهم. وقد يحاول البعض أن يقول إن هذه دعوة صفح وسلم لكن هيهات هيهات بل هي دعوة عملية براغماتية تنصح بتجاهل من هرب ومعاملته معاملة من انضم إليهم من القبائل، وفي هذا حفظ وقت المسلمين حتي لا يضيع وقتهم في ملاحقة من هرب من أفراد والتركيز علي ما هو أهم وهو التعامل مع القبائل بكلياتها.

هذا الاستثناء الذي جاء في الآية والذي يوضح بصورة قاطعة أن هذه الفئة ممن جاهروا بعدم إيمانهم تنقسم الي قسمين:

أ/ القسم الأول وهم من تم القبض عليه منهم بعد مجاهرته فيقتل وهذا تنطبق عليه الآية 89؛

ب/ أو من هرب ونجي بنفسه وانضم الي قبيلة اخري، وهذا تعاملت معه الآية التي تليها.

وأما الفئة الثانية فهي التي جاء تفصيل ذكرها في الآية التالية رقم 91:

(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (91)).

والتي حددت نوعية التعامل مع الذين يخفون عدم إيمانهم وحددتهم بهؤلاء الذين يؤدون أن يظهروا لكم الصلح ليأمنوكم، وإذا سنحت لهم فتنة كانوا مع أهلها عليكم. وقال الطبري "قال أبو جعفر: وهؤلاء فريق آخر من المنافقين، كانوا يظهرون الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليأمنوا به عندهم من القتل والسباء وأخذ الأموال وهم كفار".
من
ومن الواضح أن الفئة الثانية تختلف عن الأولي في أنهم اخفوا عدم إيمانهم بالإسلام حتي يتقوا شر المسلمين ويحموا أنفسهم من القتل بعكس الفئة التي استحقت القتل وإقامة حد الردة عليها بمجاهرتها لهم بترك الدين وعدم الالتزام بطقوسه ونواهيه وهذا ما يتفق مع السنة واحاديثها تمام الاتفاق. فحديث "من بدل دينه فاقتلوه" يعبر عن الفئة الأولي بصورة واضحة أما الثانية فنجد أن احاديث صلح الحديبية تؤيد ما جاء في الآية ويقول ابن كثير "وفي صحيح البخاري في قصة صلح الحديبية فكان من أحب أن يدخل في صلح قريش وعهدهم ، ومن أحب أن يدخل في صلح محمد وأصحابه وعهدهم". ويقر علماء المسلمين أن الآية قد تم نسخها بآية السيف من سورة براءة "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين".

ما ذكرناه أعلاه يبين بوضوح أن حد الردة هو حد له أصوله القرآنية الثابتة وليس أمر وضعه الخلفاء أو كذب فيه واضعي الحديث. وهنا يتبين أن العنف وسلب حق العبادة وحرية العقيدة هي أمور نشا عليها الاسلام منذ بداية عهده واصّل لها كقيمة راسخة في تعاليمه بعكس ما يدعيه بعض الناس في زماننا هذا وهم يعلمون أن اخلاق هذا الزمان لا تتقبل مثل هذه القوانبن وترفضها بقوة وهذا أمر قد سبب ألاحراج الي كثير من المسلمين فلجأوا الي رفض السنة ظانين أنهم سيكونون في مأمن من هذه القوانين الشاذة ونسوا ان القران هو الأصل في القوانين في الإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الردة مذكورة في المائدة 54
د. ليث نعمان ( 2020 / 8 / 29 - 18:28 )
التي هي آخر سورة نزلت حسب الآية 3 منها و الآية 54
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ-;- وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ

ثم هناك المرتد عبدالله بن ابي سرح الذي اصبح في ما بعد والياً على مصر