الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة خشوع التابعي الذي قطعت ساقه وهو يصلي

محمد ياسين

2020 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وانا في مكان عمومي اثار انتباهي شاب وهو يتحدث لبعض أصدقائه عن ضرورة الخشوع في الصلاة حتى بلوغ درجات خيالية من الخشوع، ثم يقدم لهم شريط فيديو للشيخ الحويني وهو يروي قصة للتابعي عروة ابن الزبير مؤكدا على صحة سندها في نفس الوقت .
القصة باختصار: ان التابعي عروة كان قد اصيبت ساقه بداء الآكلة (عبارة عن تعفن شديد) ثم أجمع الأطباء على ضرورة بتر الساق وقطعها حتى لا يستشري الداء في أطراف أخرى من البدن، وافق عروة ولكنه في المقابل رفض تناول المرقد (البنج) أو أي شراب يزيل عقله، واقترح على الأطباء أن يقوموا بقطعها أثناء قيامه بالصلاة، وبالفعل جاء الأطباء بالمنشار وقطعوا الساق دون ان يشعر بأي ألم ؛ لأنه يكون أثناء الصلاة في خشوع هائل !!
هذه القصة مشهورة جدا وذكرتها العديد من كتب التاريخ والسير، طبعا دون العشرات أو المئات من الشيوخ والوعاظ والدعاة الذين يرددونها باستمرار كلما سنحت لهم الفرصة بذلك.
بصرف النظر عن سند القصة إن كان صحيحا أو لا، فضلا عن تعدد الصيغ والروايات المتعارضة التي رويت بها الحادثة، كون بعض المصادر ذكرت أن ساقه قطعت في وقت لم يكن فيه يمارس الصلاة عكس ما يروج له الحويني والألباني وغيرهما، وطبعا لا يجوز عقلا أن تكون كل هذه الروايات صحيحة، ولا يمكن هنا تطبيق قاعدة الجمع بين الروايات كما يفعلون مع بعض الأحاديث المتعارضة ؛ لأن الساق واحدة وإن جرى عليها البتر والاستئصال وهو في وقت لا يصلي فيه، فلا يمكن أن تنبت الساق من جديد وتبتر مرة أخرى أثناء الصلاة!
لكننا نتسائل كيف لهولاء الشباب وللشيوخ من باب أولى أن يصدقوا مثل هذه القصة؟ قصة واضحة عليها ملامح المبالغة و معالم الأسطرة، فإنه قطعا لا يمكن لأي شخص أن يصل هذا الحد من الخشوع .
وحتى لو افترضنا جدلا صحة بعص حالات انفصال الوعي عن الجسد مثل ما يحدث في "الاسقاط النجمي" ونحوه، فإن هذا لا يمكن بحال أن ينطبق على الصلاة؛ لأنها عبادة وممارسة ينسجم فيها العقل بالبدن، وتتطلب تطويعا للجسد عبر الركوع والقعود والقيام وسجود...الخ، فكيف له ألا يشعر برجله وهي تقطع بالمنشار؟!! لا بل كيف سيشعر مثلا بخروج الريح -وهي إحدى مبطلات الصلاة- وهو لا يقدر حتى على الشعور بقدمه وهي تنشر ؟!! فمن لا يشعر ببدنه أثناء الصلاة فهو بالضرورة لا يعرف إن كانت صلاته باطلة أم لا ! ثم إن الكثير من الفقهاء ذهبوا إلى أن خروج الدماء الغزيرة يعتبر من نواقض الوضوء وبالتالي بطلان الصلاة !
وحتى من دون وجود كل هذه الحيثيات التي تفند القصة، فإنها تبقى قصة مرفوضة عقلا والبديهة !!
فالقصة لا عبرة فيها نهائيا عن الخشوع في الصلاة كما يزعمون، وإذا كان ولابد أن تكون فيها عبرة؛ فإن العبرة الوحيدة هي أن العقل يمكن أن يزول فعلا بدون بنج أو تخدير وهو حال هؤلاء المساكين الذين يصدقون مثل هذه الحكايات الخيالية !
واذا اردنا الاتصاف بالإنصاف فإنه يرصف بنا القول: أن هذه القصة لا يهمنا وجودها من عدمه بل ربما وجودها مفيد حتى، فهي في النهاية تبقى موروثا ثقافيا يوثق وعي عصر معين لا الأحداث الحقيقية التي أنتجها، ولكن ما يهمنا أكثر ويؤرقنا هو المغزى أو الهدف الذي يدفع رجال الدين والذين يفترض بهم توجيه الشباب و رعايتهم فكريا و اجتماعيا لما هم عليه من حضوة ومكانة في المجتمعات ذات المرجعية الدينية ؟
مهما حاولنا التبرير تبقى الحقيقة واضحة جلية، وهي أن هذه الروايات والقصص تهدف إلى تقديس عصر السلف للابقاء على فكره وفهمه ومناهجه حية في وقت يستمر فيه نسق التطور بالسير الحثيث متحاوزا كل فهم فاته الزمان، وثالثة الأثافي أن هذه القصص لا تروم فقط إلى تقديس السلف بل وإلى بخس أبناء هذا العصر أيضا، فأن تأتي بقصة من وحي الخيال عن الخشوع، قم وتقصها على الناس وخصوصا الشباب بوصفك رجل دين، فإنك ستكون بذلك قد بخست خشوع هؤلاء الشباب وصلاتهم بل ودفعتهم لبخس صلاتهم وخشوعهم وبالتالي بخس أنفسهم .
فمثل هذه القصص الخرافية التي تمجد السلف وتبخس الخلف كثيرة جدا ولا تخص الخشوع او الصلاة أو حتى عموم العبادات، بل هي شاملة لجميع مناحي الحياة، كلها تهدف إلى تحطيم معنويات ابناء هذا الجيل والإجهاز عليها واستئصال ثقتهم بنفسهم بطريقة أفظع من استئصال ساق عروة بالمنشار ونزع كل قيمة منهم وجعلهم عاجزين تماما ومثبطين عن الإبداع والإثمار في أي مجال من المجالات لأنهم قد بلغوا من الاستهثار بأنفسهم مبلغا عظيما، فأي عزيمة بعد ستحفزهم وأي همة ستستنهضهم ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انها اكاذيب
على سالم ( 2020 / 9 / 2 - 23:13 )
السؤال الملح , وهل البدو العرب الاغبياء الجهله كانوا يعرفوا الطب والعمليات الجراحيه والبنج وغرفه العمليات والمنشار والبتر فى ذلك العصر الاغبر وهو عصر الخيم والرمال وقطاع الطرق الذى هو عصر الرسول اياه , الحقيقه واضحه وهى انها كلها اكاذيب صريحه وتدليس وتزييف بواسطه الشيوخ الكذبه الفجره اللصوص اولاد الحرام


2 - قصص خيالية وتاريخ مزيف
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 9 / 3 - 04:32 )
يقول الرصافي رحمه الله:
لقنت في عهد الشباب حقآئقا ** في الدين تقصر دونها الافهام
لما انقضى عصلر الشباب وطيشه *** قاذا الحقآئق كلها اوهام
عصر الصحابة والتابعين هو عصر الفتن والحروب و ليس عصر التعبد وكل ما ورد الينا عنهم كله اكاذيب خلقته فنون السياسة لا غير. انه من المؤسف اننا اصبحنا نساق كـ القطيع بعصى الراعي في زمن الوعي ولكن من شب على شيء شاب عليه.


3 - التاريخ مزيف ولكن
محمد ياسين ( 2020 / 9 / 4 - 04:30 )
التاريخ فعلا فيه الكثير من التزيف والكثير من الثغرات ما يطرح تساؤولات كثيرة ، ولكن اعتقد انه لا يجب تعميم هذه القاعدة كي لا نتيه في حلقات مفرغة ونفقد البوصلة خصوصا وان هناك كليات حقيقية تبنى عليها التفاصيل المزيفة فضلا عن وجود اناس صادقين عمروا في حقب معينة وكانوا صادقين مع التاريخ كما مع انفسهم الاشكال في التعميم.
نقطة اخرى وهي انني لا اتفق مع اسلوب الشتم خصوصا المقدسات والاشياء التي لها ارتباط بعواطف الإنسان وهويته، لان الشتم لن يؤدي الا إلى البغضاء والنعرات ويكون وبالا على الجميع، هذا بالطبع بصرف النظر عن كونه يغير مسار النقاش البناء الى الشخصنة .