الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسطورة تاريخ مشفر

محمد الخويلدي

2020 / 9 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الأسطورة تاريخ مشفر

تعرف الأسطورة بانها حكاية أو قصة قديمة أو مجموعة من القصص تعود إلى الزمن القديم، ولكنها لا تكون دائماً قصص حقيقية حصلت على أرض الواقع، ومن الجدير بالذكر أنها تكون متعلقة بأحداث محددة، أو بأشخاص معيّنين، أو بأماكن معينة، وتشبه الأساطير الحكايات الشعبية من ناحية المحتوى، ففيها أشخاص خارقين، وتفسيرات لظواهر طبيعية مختلفة عن الواقع. تنتقل الأساطير من جيل إلى آخر، ويختلف سرد الأساطير فمنها ما يتم سردها من خلال الشعر أو الروايات المروية شفهياً أو المدوّنة منها، وتهدف معظم الأساطير إلى تقديم درس معيّن .
ويمكن ان تأخذ الأسطورة ابعادا اجتماعية وتاريخية مشفرة حكائيا فهي تعد السجل التاريخي والاجتماعي والأيديولوجي بشكله الرمزي ، وغالبا ما تتجسد تلك الاحداث على شكل شخوص او ابطال او الهة .
ولسبر اغوار تلك الاساطير واستيعاب أهدافها ودوافعها وابعادها يجب امتلاك قاعدة ثقافية حول ذلك المجتمع الذي انتج هذه الأسطورة او تلك .
ويمكن ان تنتقل الاساطير من شعب الى اخر ويتم توظيفها وتكييفها بالشكل الأيديولوجي المناسب لذلك الشعب وعلى ذلك سنتناول اسطورتين تاثرت احدهما بالاخرى ولكن تم وضع لمسات مختلفة وفقا للظروف المختلفة التي أحاطت بكل من الاسطورتين .
الأسطورة الأولى والاقدم هي اسطورة الراعي والفلاح او كما يطلق عليها ( ايننا تفضل الفلاح ) وشخوص الأسطورة هم الاله (اوتو ) اله الشمس في الحضارة السومرية والالهة (ايننا) الهة الحب والجمال والاله الراعي ( تموز ) والاله الفلاح ( انكيميدو ) وملخص الأسطورة ان ايننا ارادت الزواج وكانت تفضل الفلاح انكيميدو ولكن اخاها اوتو يحاول اقناعها بالقبول بتموز ولكنها تستمر بالرفض ويحدث في كل ذلك جدال من الأفضل الفلاح ام الراعي ، وهنا يأتي تموز ليحاول الدفاع عن نفسه ( وعلى الرغم ان النص الأول المكتشف ينتهي بتفضيل الفلاح ) الا ان نصوصا أخرى اكتشفت يعتقد انها تكملة لهذه الأسطورة حيث تنتهي باقناع تموز ايننا بالزواج منه بدون وقوع أي صدام بين الاثنين وقتل احدهما الاخر بل بالعكس يقوم تموز بدعوة انكيميدو لحفل زواجه ويقبل انكيميدو تلك الدعوة .
الأسطورة الثانية وهي الأسطورة التوراتية التي تتحدث عن عن( قايين وهابيل ) حيث يقدم الاثنان قرابينهما الى الرب فيقدم الفلاح ( قايين ) افضل منتوجاته ويقدم الراعي ( هابيل ) افضل منتوجاته فيتقبل الرب من هابيل ولا يتقبل من قايين فيقوم قايين حسدا بقتل أخيه هابيل ودفنه .
والان نأتي الى تحليل كلا الاسطورتين من خلال المعطيات التاريخية والاثرية المتوفرة لكي تكون قاعدة للفهم .
الأسطورة الأولى تتحدث عن الشعب السومري ذلك الشعب المتحضر والذي عرف الزراعة والري وتطوير وسائل الإنتاج الحضارية والذي يمكن ان نعرفة بانه الشعب المزارع والفلاح لان الاستيطان وانشاء المدن يتطلب مصدرا ثابتا للغذاء وخاصة وان معظم المدن السومرية تقع على ضفتي نهري دجلة والفرات ولذا فقد ابدع هذا الشعب بتدجين مختلف النباتات وزراعتها والاستفادة منها مباشرة او من خلال تحويلها الى منتجات أخرى . وتظم بلاد الرافدين بالإضافة الى السومريين مجموعات أخرى من الوافدين اليها او ما يعرف بالشعوب السامية التي أتت على شكل هجرات مستمرة من البوادي المحيطة ببلاد الرافدين الخضراء وكان معظم هؤلاء المهاجرين يعملون بالرعي . وان الملاحظ من خلال النصوص التاريخية والاثارية انه لم يحدث أي صراع بين الشعوب السومرية والسامية ( صراع اثني ) بل على العكس كانت العلاقات طبيعية واندمج المجتمعين سويا ولذا فان الأسطورة تتحدث ضمنيا حول تفضيل الالهه الى الشعب السومري المتحضر ولكن بنفس الوقت فقد تقبلت الوافد الجديد بسبب الزيادة الملحوظة لاعداد الوافدين اليها حتى توجت تلك الهجرات بانشاء اول امبراطورية سامية هي الإمبراطورية الاكدية ومن الطريف ان نذكر ان السومريين والاكديين كانو لا يتورعون من تسمية أبنائهم بأسماء سومرية أو اكدية فمثلا من بين ملوك ما قبل الطوفان والذي من المفترض ان يكونوا جميعهم سومريين نجد أسماء اكدية لبعض منهم وكذلك بالمقابل نجد ان الامبراطور الاكدي العظيم ومؤسس الإمبراطورية الاكدية ( سرجون الاكدي ) يسمي ابنته باسم سومري !
ولذا نلاحظ انتهاء تلك الأسطورة بصورة سلمية نتيجة الى الطبيعة المسالمة التي عاشها كلا الشعبين جنبا الى جنب .
في المقابل تتحدث الأسطورة الثانية عن شعبين مختلفين الشعب الأول هو الشعب الكنعاني المتحضر والمزارع بطبيعته والعريق بحضارته في بلاد الشام . مقابل الشعب العبري الوافد الجديد الى بلاد كنعان من اطراف البلاد وكان معروفا عنه بانه شعب رعي حتى ان احد الهته ( يهوه ) هو اله راعي ومحارب .
ومعروف من خلال النصوص التاريخية والاثرية ان الشعبين ( الكنعاني والعبري ) قد خاضا صراعا دمويا وتنافسا كبيرا ( خاصة وان هناك عداء فطري للفلاح من الراعي يمكن ملاحظته الى اليوم بسبب اكل حيوانات الراعي لمزروعات الفلاح ) كانت الغلبة فيه للشعب الكنعاني المزارع ، ولذا نلاحظ ان الأسطورة التوراتية تحاول ابراز تفضيل الرب لهم على الشعب الكنعاني ويصور أيضا الصراع الدموي بين الشعبين من خلال قتل قايين لاخوه هابيل .
هذا مثال بسيط على كيفية تاثير الواقع الاجتماعي والسياسي على تلك الاساطير وكيف أصبحت تلك الاساطير سجلا مشفرا لاحداث وقعت فعلا لكن ليست بين اشخاص بل بين شعوب وامم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يحتاج إلى مقال آخر
طاهر المصرى ( 2020 / 9 / 5 - 11:22 )
الأستاذ/ محمد الخويلدى
تحية وسلام,
مقال جيد وتناول موضوع مهم يحتاج القارئ لقراءته، لكن الجزء الأول من المقال عن الأسطورة السومرية أخذ حقه فى الشرح، لكن الجزء الثانى الخاص بأسطورة الشعب الكنعانى والعبرى لم تأخذ حقها لجهل الغالبية عن حقيقة الشعب العبرى وهل كان يعبد آلهة أخرى، ولماذا كان إله رعى وغيرها من الأسئلة التى تحتاج التوسع فيها وشرحها، ليتعرف أكثر القارئ المسيحى والمسلم على أصل العقائد العبرية والإله الذى كان يسفك الدماء، والذى قام بظلم كنعان ولماذا كان الإله يهوه يحارب كنعان بهذه القسوة، وغيرها من الأسئلة خاصة أن هذا الموضوع ثرى بخباياه الدينية الأسطورية والتى من الواجب على المثقفين الجادين مثلك التوسع فى تعريف القراء بها ليفهموا الواقع على ضوء الأساطير المجهولة لهم.
شكراً

اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم