الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغوصُ في بحارِ العدم (ردا على الأسئلة الوجودية الكبرى 4)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 9 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قالوا عنه:
الموجود بذاته.
الموجود لذاته.
الموجود في ذاته.
الموجود من ذاته... الخ.
فسألتُ هل هذه هي "الذاتٌ المُطلقةُ المجرورةُ في متاهةٍ بحروفٍ مَيْتَةٍ؟"
فأجاب الفلاسفة الوجوديون والكهنة والأحبار والقساوسة والشيوخ:
"الله".
فقلتُ: إن قبِلْتُم بفكرة أن الله خلق ذاته بذاته، ثم خلق العالم من "العدم" أو "اللا شيء" فعليكم إذن القبول بحقيقةِ أنها (أي لفظة "لا شيء") لا تعني هنا سوى أنها "مرادف لله". فالسؤال لن يُمِيته أو يقوضه وضع المعرفة المسبق بوجود الأشياء غير المحسوسة/المنظورة.

لا شك في أن القفزة المميتة، في حد ذاتها، قد عجزت عن الحصول على أحد القرارات المميزة/المتميزة في الوقت المناسب. لماذا؟ لأن تلك "القفزة" مجرد لفظة لأولاد خالتها من مفردات: التخمينات/ التكهنات/التهيؤات/ التصورات والظنون والحُسبان... الخ. قال "الخلقيون" – قبل القفزة المميتة- بأن الله قد خلق الكون من "العدم". و"يعني" العدم عدم وجود "معنى".
بالمنطق الكلاسيكي؛ يُفترض بأن يكون العدم "لا شيء"، حيث لا زمكان، ولا إشعاعات، ولا حتى فراغات، لا كتلة له ولا طاقة متبادلة، أي "لا شيء"، يخلو من أي سمة أو خاصية. ولذا؛ لا يمكن إدراكه بحواسنا وأدواتنا، فلا يمكن أن يخضع هذا اللاشيء، الباطن في ذاته، لرصدٍ أو قياسٍ أو اختبار أو قوانين.
ليس هذا فحسب؛ إنما يعكس عدم وجود أي شيء أو قيمة أو أهمية. ولم يبدي أحداً قلقه؛ ففي "الحضرة الإيمانية"؛ ليس هناك ما يصعب فهمه: فقد غمر الفيضان العظيم العالم كله. من قبل، كان لدى الرجال مصيبة العيش ألف سنة؛ لكن الله تحدث معهم. واستغرق نوح مائة عام لبناء الفلك. بينما الأرض، المعلقة في الهواء، وقفت بثبات في مركز الكون الذي خلقه الله من العدم. من العدم؟ نعم؛ من العدم. أليس ذلك سخيفاً نوعاً ما؟ بلى. ومع ذلك، تم التعامل مع "العدم" في الفلسفة، كموضوع خطير لفترة طويلة جدا من الزمن.
وظن الوجوديون طيلة دهرهم بأن الإناء ممسكٌ بفراغه في داخله، وهم لا يعلمون بأن الفراغ هواءٌ وجسيمات مجهرية. وتشعر من كل هذه المعاني بأنه (أي العدم) مجرد رواية، مليئة بالخيال الصاخب والغضب الشاحب. روايةٌ لا يرويها إلا كل أحمق يشير في كل لحظة – وهو قابض على اللامحدود بقبضته الأفعوانية - إلى "اللا شيء". فهل هذا يعني بأنهم (الوجوديون)؛ كانوا يتناولون ملعقة كبيرة من شراب الجنون بعد كل وجبة عشاء؟
وأشهر من تناولوا هذا الموضوع بلا ثرثرة أو تدليس أو أي نوع من الحوارات أو المجادلات التي لا تفضي إلى شيء عليه القيمة. ذلك هو العملاق الإغريقي "بارمنيدس" (القرن الخامس قبل الميلاد) حيث قال: "للتحدث عن شيء ما، يجب على المرء أن يتحدث عن شيء موجود". كما قال: "الوجود موجود، واللاوجود غير موجود".
ومثله ذلك الذريّ العبقريَ "أبيقور" المعاصر للعصر الهلنستي، بالقرون الثلاثة التي تلت وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 قبل الميلاد. والذي قال: "لا شيء يأتي إلى الوجود من العدم، فهو يعتقد أن الكون ليس له بداية، ولكنه كان دائماً موجوداَ، وسيظل موجوداً دائماً".
وجادل "أبيقور" ضد "أرسطو"، بأن "الكون غير محدود الحجم. إذا كان الكون محدود الحجم، كما يقول أرسطو، فيمكنك الذهاب إلى نهايته؛ وإخراج قبضة يدك، والمكان الذي تقع فيه قبضتك سيكون (الحد) الجديد للكون". كما رفض أبيقور وجود أشكال أفلاطونية وروح غير مادية، وقال إن الآلهة ليس لها تأثير على حياتنا.
وجادل الفلاسفة من بعدهما في فرضية أن تحقيق "العدم"، كحالة ذهنية، في هذا التقليد يسمح للمرء بالتركيز كلياً على فكر أو نشاط ذهني كالوعي (على افتراض أن الوعي في نظرهم هو لا شيء)، وهذا خاطئ بالكلية؛ لأن العلوم العصبية والنفسية أثبتت بأن عمليات الفكر كلها عبارة عن نبضات كهروكيميائية؛ أي أشياء مادية فيزيائية/كيميائية.
ومن منطلق أننا نحن البشر لدينا حدس قوي بأن الحقائق الإيجابية، مثل "الطائرة تطير" هي أكثر جوهرية وأصالة من الحقائق السلبية مثل "الطائرة لا تقفز". إن قوة هذا الاتجاه تجعل الأشياء السلبية أشياء للتسلية. فتبدو الحقائق السلبية نفسية وزائدة عن الحاجة، ونحن نتداولها، فقط، للتعبير عن توقعاتنا المحبطة.
فالوجود واقع حقيقي/إيجابي؛ حتى وإن كان كالصورة الملونة الإيجابية المطبوعة (والأكثر وضوحاً) من الصورة السلبية (الأقل إفادة من المطبوعة)، والتي تمثل "الأساس" للصورة الملونة المطبوعة. لأن الصورة السلبية ستظل الأكثر صعوبة في معالجتها.
لكننا ننخرط، أحياناً، في التفكير السلبي لتجنب التفكير الإيجابي، خاصة؛ إذا كان معقداً للغاية. لذا؛ فمن السهل على طلاب الراحة و"الرحرة"، التفكير في بعض "العوالم المحتملة" بشكل سلبي. وبمجرد أن نحصل على الحقائق الإيجابية وفكرة النفي، يمكننا استخلاص كل الحقائق السلبية. فكرة "لا يوجد شيء" ستكون حقيقة مشروطة وسلبية. ولكن بعد ذلك يجب أن تقوم على بعضٍ من الواقع الإيجابي. هذا الواقع الإيجابي سيضمن وجود شيء بدلاً من لا شيء.

الأسئلة الصامتة المسكوت عنها؛ يتجاوز إجاباتها المؤمنون بلا إعمالٍ للعقل؛ راحة للعقل لا للضمير. لكن يظل "التحقُق الطَموح"، ذلك الوحش اليافع/النافع مستيقظاً بداخلنا؛ يرفض كل "فكرةٍ قاحلة". ولذا؛ قرر محققنا المنطقي التعامل مع هذا الموضوع الشائك بلا أي تحفظات.
استحضر "المنطق" في خياله "العدمَ"، بوصفه حالة ذهنية، وخاطبَه قائلاً: واجهني؛ وإذا لم تهزمني؛ فرجاءً لا تتجاهلني. وتغلب على رُعبك الشائك/الشائع من مقولة "الطبيعة الأم": "إنني أكره الفراغ" ولا تهرب من مشكلتك بهروبك الكلاسيكي المعتاد. واعلم بأننا ووجودنا نقف في المنتصف؛ وما عليك سوى أن تعطينا، فقط؛ البداية والنهاية.
وإن كنتَ موجوداً ضمن العوالم المحتملة؛ فاحتمالك قمعيّ/غير واقعيّ ويلفه غموض التعالي. فلِمَ لم تنافس، كأي شيء محتمل، بإعاقة بعض موجودات الوجود؛ لتصبح حقيقية؟ إذن؛ فعليك ألا تشجُب أو تستنكر أفعالنا عن بُعد؛ إذا ما حاولنا ترسيخ/ترسيم ملامح الظلال التي تشبه الظلمة، فلم يعد خوفنا من الظلمةِ مبررا؛ لأن خوفنا قد نضج، ولم يعد الظلام أكثر شيوعاً من نور المعرفة. وإدراكنا بأن خوفنا القادم ليس خوفاً من خطر معين. إنما هو بالأحرى خوفٌ عاطفي من تعطيل "الإمكان".
وانأى بنفسك عن التحيز الميتافيزيقي السعيد للبساطة. أم أنك، أيها النعسان، في حالة نسيان لذاتك ومحتواك؟ أم أنك مجرد "تجريدٌ" مجردٌ من المعني والأحاسيس؟ أم أن لغزك الزائف قد استراح على سبيل المزاح؟ أم أنك ترى الوجوديين، بفضولهم العاطل، مجرد متسولين، ولأنهم صنعوا منك حاويةً أبدية لنفاياتهم الفكرية، لذا؛ تزدريهم؟ أم أنك مجرد "صفرٍ" (كرمزٍ لا كرقم) تعثرت به عملية "طرحٍ" توهمتْ – بحملها الكاذب- أنها في شهرها التاسع؟
فإذا كنتَ غير قادر على تربيع الدائرة؛ لا تخجل من ذلك؛ لأن أحداً لن يقدم لك تعازيه. فالأسباب حقيقية بالتبني، لذا؛ حالوا دون وقوع الكارثة التي تنشأ من السماح بالقسمة على "الصفر" (كرقم لا كرمز). لأنه لو كانت الأرقام كالكلمات؛ فسيكون "الصفر" حتماً اسماً بلا معنى؛ لأن الأسماء اعتادت على أن تحمل حامليها؛ كما حملوها. والشكوك دائماً ما تنحدر فوق سفوح التعميمات المطلقة. سافِر طويلاً حتى تصل إلى "صنَّاع الحقيقة"؛ علهم يمنحوك قطعة من "واقع". أو حاول ذات مرة أن تُلامسَ صدفة؛ فلربما خلقت منك وجوداً لا ينفد.
ألا ليتك كنت حتى احتمالا؛ مقدرٌ له أن يصبح حقيقة. فالوجود الممكن قد وقف على حافة الأفق اللامتناهي. ورأي الوجوديين وهم يحاولون أن يجعلوا منك "موجودا" بقدر ما هو "غير موجود". فلا تكن حُجة أو ُأُحجية خاطئة بشكلٍ صحيح؛ فتشعر بالاهتمام التافِه. أسْرِع وراقِب ثقباً في الظلال وانت تحتسي اختفاؤك المُحلَّى بالتخفي والتخلي؛ فإذا أمكنك الهروب من النبَّاشين؛ بحصر نفسك محشوراً في إحدى عمليات النَبْش؛ فافعل. قبل أن يطالبوكَ بتحمُل عِبء الإثبات، مع ضرورة تقديم كل الأدلة الدالة على ادعاءاتك مع أوراق الاعتماد.
فليس معنى أنك لم تفُز أبداً باليانصيب؛ أن الرقم الفائز غير موجود؛ والبرهان على وجوده؛ فوز أحدهم به في كل دورة. أما أن تجادل في فرضية " إذا كان هناك عالم واحد فارغ والعديد من العوالم المأهولة بالسكان؛ فإن الاختيار العشوائي سيقودنا إلى توقع عالم مأهول. لأن مجرد "التوقع" لم يصادف أحداً أن رآه منذ أن وعَتْ البشرية وجودها. أما أرقام اليانصيب الفائزة نراها بختام كل دورة.
بعد أن حققنا غاية الوصول؛ بعد رحلة صعود شاقة، وحصلنا خلالها على بصيرةٍ لا توصف. لم يتبق أمامنا سوى معضلة عدم اليقين في "ميكانيكا الكَم" حول موضع وسرعة الجسيمات بين الوجود/العدم. فإن أشارت إليك الطاقة المظلمة؛ فمرحباً بك، كأحد عناصر موجوداتنا، لأن طاقتنا المظلمة هي أحد مكونات وجودنا؛ لأنها طاقة، حتى وإن كانت مظلمة. وأنا لا أراها (مشكلة الكم) للآن؛ سوى "تقلبات كمية" في وجودنا اللانهائي البديع.
فلا يمكن لنا أن نعتبرك وجوداً وأنت مجرد وهم غير موجود. إلا إذا أصبحت ملازما لصفة الوجود ودالاً عليه، حتى وإن وجدت على هيئة "اللامادة" فميكانيكا الكم كفيلة بأن تنتج منك أي شيء ماديّ. كأن تخلق منك كونا مادياً معقدا بهذا الشكل من التعقيد المريع لأكواننا المدرَكة، بدءً من الكواركات الذرية وما دونها من جسيماتٍ ميكروسكوبية تنفجر إلى الداخل بعيداً عن حيّز الوجود المادي المعروف. تلك الجسيمات يختمر بها الفضاء الذي كنا نعتقد، حتى وقتٍ قريب، بأنه فارغ، وصولا للمجرات والسدم والثقوب السوداء.
في وجودٍ تحكمه القوانين والقوانين المضادة لأكوانٍ أخرى مُتوازية، وعوالم كانت مخفية تظهر فيها الكواركات والكواركات المضادة وتختفي في وجودٍ يعطي فيه بوزون "هيجز" صفة الكتلة لكل الجسيمات الذرية وما دونها. فالأكوان، بمادتها وطاقتها وفضاءاتها وأزمانها، هي متغيرات كمومية بتطابق ميكانيكا الكم مع الجاذبية، يمكن أن تظهر للوجود وتختفي من الوجود، ووفقا لقوانين ميكانيكا الكم يمكن نشوء أكوان بفضاءاتها وأزمنتها، حتى وإن كانت هذه الفضاءات مجرد بحار تخصك أنت أيها العدم، حينها لن تصبح عدم؛ حتى وإن اصطلحوا على تسميتك بالعدم.
وحتى لوكان لهذه "اللامادة" تأثيرٌ سابق أو لاحق على الوجود الماديّ من أشياءٍ وكائناتٍ شديدة التنوع الظاهري المُمَنْطق، وما وراء الظاهري غير الممنطق كلاسيكياً، حتى وإن كان هذا الماورائي يمكن أن يَنتُج عن نشاط كهروكيمياوي لأي مخٍ قادرٍ على منح فكرة أو خيال، يُشكل صورة ما في سياق حلمٍ من الباطن، أو عاطفة تُأججها طاقة إيجابية كانت أو سلبية لا محدودة؛ لن تستطيع الهرب من قبضة "الكم"؛ فيصبح لك أبعاد و"كم" يُقاس ويوزن؛ وتضيفك "فلسفة العلم" كعنصر وجودي جديد تم اكتشافه إلى مصفوفة النظام.
فيأيها الباحثون عن العدم أو الندم، ولا تملون ببحثكم.. نحن نعرف العدم. كيف نجد العدم؟ أين نطلب العدم؟ نحن القلقين بشأن العدم…. فهل ذلك الذي كنتم وستظلون قلقين بسببه؛ كان "حقاً" شيء ما؟ أم أنه "لا شيء؟". في الواقع: يراه كل المناطقة "اللا شيء" بعينه وبحد ذاته وفي حد ذاته. فمساواة العدم أو "اللاشيء" بالوجود المنظور؛ تؤدي إلى الخلق من لا شيء، وبالتالي لم يعد الله مطلوباً لوجود.
الوجود قد كشف عن نفسهِ، أما "عدمكم" أنتم أيها العدميين؛ فهو معنىً عابث، تصرون على إيجاده عنوةً؛ لتدللوا على عبثية الوجود. "العدم ليس شيئاً، و"اللا شيء" لا يمكن أن يكون". ومجرد اكتشافه، من قِبل فيزياء الجسيمات، سيحيله إلى عنصر وجودي ولن يظل على عدميته. فرجاءً استريحوا وأريحونا من صوفيتكم السارحة في نشوة رقصتها المقدسة.
وإن كنتم الأكثر قبولا، بعبثيتكم المتعصبة، للتناقضات، فنحن العقلانيون؛ ننظر إليها بقرفٍ عصبيّ/لا متعصب. أنتم تنسجمون باتساق مع آلام التناقضات المبرحة، أما نحن فلا ننسجم إلا مع آمال الحقيقة. والحقيقة قد تحققت من أن وجود كيان واحد ملموس؛ يضمن وجود عدد لا نهائي من الكيانات الكثيرة. وبالتالي؛ لن يكون هناك عوالم محدودة. فأي وجود يحتوي على كيان "محتمل" يُعد هو "نفسه" كيان محتمل. وأرى بأن "العالم الفارغ المحتمل" يستحيل وجوده؛ ما لم تكن هناك كيانات/كائنات ضرورية تشغل محتواه.
لم يعد تأملنا الغائب/المستغرق طويلا في تفكيره المفرط بتطرفه – كأدعياء النبوة - يفضل مثل تلك السلوكيات الفكرية الشاذة، والتي غالباً ما تملأ المناطقة/العقلانيين بالمشاعر السلبية المختلطة.
أيها "اللاشيء" عليك أن تعتزل نفسك. لأن حروب العوالم الخفية المحتملة؛ لم يعد محتملا؛ حتى وإن كنا مجرد حوادث محظوظة؛ أوجدتها الظروف الناتجة عن تراكم السنوات والمعارف والأشياء بسعادة قاتمة ومثيرة للسخرية! فالقول: بـ "وجود" "عالم فارغ"؛ إذن فهو موجود؛ وعلى المُقِر بوجوده بالإثبات. أما المناداة بـ "بعالم فارغ" فهو مجرد كلام فارغ!

وعليه؛ فالجدال بالسؤال: "لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟" سوف يجر من ورائه عربات قطار الثرثرة والمخاتلة الجدلية؛ وإذا استمر طرح الأسئلة؛ سينتهز كل دجال الفرصة ويُجيبك على سؤال مختلف، عندما تسأله بسؤالٍ واحدٍ محدد.
لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟ ونظل نسأل حتى يوصلنا قطار الأسئلة إلى محطة: "لماذا أكلت حواء التفاحة؟"، فلماذا لا نترك مثل هذه الأسئلة الجدلية لتنضج دون أن تفقد ماهيتها/هويتها وشهيتها بمرور الوقت. فالمشكلة في "غموض السؤال وضيق الحياة البشرية"؛ كما قال: "بروتاجوراس" (481 – 411 ق.م)؛ وبتعديلها؛ خدمة لما نود قوله: "المشكلة في غموض السؤال وضيق الأفق".
وليس معنى ذلك أننا نهرب من الإجابة على تلك الأسئلة الصوفية الغامضة/الذابلة؛ إنما هي الحكمة، وهي من ستجيبكم عن سؤالكم غير الحكيم: "لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟" والإجابة بمنتهى البساطة: لأنه "لا يوجد بديل لوجود شيء"!
فيا من ترى كل الأشياء من حولك مجرد "احتمال عبثي": الاحتمال الوحيد غير المشروط والذي لا يمكن نفيه أو التغلب علي وجوده؛ هو "جسدي" الذي دبت فيه الحياة. حتى وإن أثقل الموتُ كاهلَ وجوده باستمرار. "أن عيش من أجل الموت" شيء أكثر من عادي، فالرهبة لحن عاطفي في حضرة الموت. لحنٌ؛ يشعرني، ولو للحظة، بأنني وجه لوجه مع "اللا شيء" الظاهري. وليس في الأمر غرابة، على الإطلاق، غرابةٌ؛ يمكن أن تعزلني عن وجودي إلى هذا الحد.
وجسدي؛ ليس مجرد تجربة عبثية عابرة. إنما هو جزء لا يتجزأ من "وجودي الحي". أراه وهو يجر من ورائه ماضيه المباشر، وأشعر به وهو يلامس الحاضر الذي يصرعه، ويتشبث بمستقبله الذي يحاول أن يهرب منه. وعندما ما حاولتُ، أن أكون أحد الآلهة يوما ما؛ الوجود هو من تَدخَل، بطريقة غامضة/مُخيفة/مَخفية إلى حد ما، لتخليصي من تلك المحاولة العدمية/العبثية. فهل، لكل هذا، أنا محشورٌ – حصراً- بين فهم "العدم" و"عدم" فهمه؟

تزييل خاص:
لعل "الصمت" و"صمتنا" بجوار هذا "الصمت العدميّ"؛ هو الشيء الوحيد/المثير الذي تشاركناه معاً أثناء القراءة. أما بعد القراءة؛ فسيكون لديك حتماً شيء ما؛ تفكر فيه عندما لا تكون في وضعٍ يسمح بالقراءة. وإن شعرتَ بشيء من الدُلجة أو العتمة النفسية بعد القراءة؛ فالأمر متروك لك في إعادة القراءة؛ علك تجد في سعينا وراء العدم والغوص في بحاره اللُجية، رؤى عميقة وفريدة لطبيعة واقعنا الوجودي؛ بعيداً عن تدليس الفلاسفة الوجوديين ومعهم كل رجال الدين. أو لعلك وجدتَ ضوءا ما، حتى ولو كان خافتاً، في كلماتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان


.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر




.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو


.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا




.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس