الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل البشرية نتاج لزنى المحارم ؟

محمد ياسين

2020 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كثيرا ما يقدم بعض المثقفين اللادينيين على انتقاد قصة الخلق التي قدمتها الأديان الإبراهيمية وبصورة متكررة وشرسة، تحديدا في جزئية زواج أبناء آدم من أخواتهم، حيث يلعبون على هذا الوتر لاعطاء انطباع لدى الناس أن الدين يقدم البشرية على اساس أنهم نتاج لزنا المحارم، لا يقتصر هذا النقد على الجانب الأخلاقي للقصة فقط، بل يمتد ليطال القصة في بعدها الفقهي أيضا .
وعندما نقول البعد او الجانب الفقهي للقصة، فهذا يعني أن هؤلاء المنتقدين يرون بأن ثمة تعارضا فقهيا في القصة، إذ أن زواج الأخ بأخته محرم شرعا، وهكذا زواج أبناء آدم بأخواتهم يعتبر زواجا غير صحيح فقهيا، وبالتالي فهو زني محارم والبشرية نتاج لزنى المحارم بحسب المعايير التي وضعها الفقه، وما دام الفقه لا يعتبرهم نتاج زنى محارم فسيكون بذلك قد تناقض مع ذاته .
وقبل الإجابة عن سؤال: لماذا لا يعتبر الفقه أن البشرية نتاج زنى محارم ؟ يجب الاتفاق أولا على أن مصطلحات مثل "زنى" و "محارم"، هي مصطلحات فقهية محضة، وإذا اسعملناها في سياق غير ديني أو فقهي فإننا حينها سنفرغها من محتواها لتغدو مجرد مصطلحات لا تحمل اية معاني حقيقية .
إذا، فالفقه لا يعتبر هذا الزواج من قبيل الزنا لسبب بسيط، وهو ان هذا الزواج صحيح كونه لم يكن محرما حينها لسبب أو لآخر .
وحتى على افتراض انه زواج محرم منذ البداية، فإنه ليس بزنى وإن كان في صورته زواجا باطلا، لأن الزنى فقهيا لابد فيه من انتفاء الشبهة، فلو تزوجت (الآن وليس حتى في ذلك الزمان) بأختك وأنت لا تدري بأنها مثلا أختك أو أنها محرمة عليك او ضاجعت اي امرأة تعتقد أنها مباحة لك؛ فإن هذه الممارسة الجنسية لا تعتبر زنى، بل هي وطئ شبهة والأولاد الناتجون عنها لا يعتبرون في نظر الفقه أولاد زنى .
وهكذا يكون قد تبين لك بأن البشرية لا تعتبر نسلا لزنى المحارم من وجهة نظر دينينة، وأنه لا يوجد هنا اي تناقض فقهي .
ولا بأس بالتذكير أن الشيعة يعانون من حساسية مفرطة اتجاه الجنس ويعتقدون بأنهم منزهون عن الزنى والعلاقات المشبوهة وأن البشرية سواهم أبناء بغايا (كما بينت في مقالة سابقة بعنوان : كيف ينظر الفقه الشيعي للمخالفين) لذلك فإن الفقه الشيعي لزاما عليه اختلاق قصة مختلفة لتفسير نشأة النسل، إذ يؤمنون بأن الله أنزل لأولاد آدم حوريات من الجنة ثم تزوجوا بهن، وقد ذكرت المصادر الشيعية حتى بعضا من أسماء الحوريات (بحار الأنوار: 11/223)، وطبعا هذه الفكرة سرقها الشيعة من المندائيين الذين يعتقدون بدورهم أن أبناء آدم أنزلت عليهم نساء من "مشوني كشطه" ( الدنيا الخفية أو المثالية ) .
أما اخلاقيا فلا يوجد معيار محدد للحكم على هذه الزيجات إن كانت أخلاقية أو لا ! لأن الأخلاق تختلف من مجتمع لآخر، ونحن نعلم ان زواج المحارم بصفة عامة و الاشقاء خصوصا كان مباحا في بعض المجتمعات مثل المجتمع الفرعوني وعند الفرس وغيرهم .
وبصرف النظر عن الأجوبة الدينية، فمن يدري كيف نشأ النسل وكيف تطور ؟ وما الضامن من أننا لسنا فعلا نتاج لعمليات تزواج حدثت بين الأقارب في أزمنة معينة؟ وحتى من زاوية علمية، فآن الإنسان تطور عبر ملايين السنين وجاء من نسل كائنات بدائية، فما المانع أن تكون ذكور تلك الكائنات قد تناسلت مع أخواتها وامهاتها وبناتها وجداتها حتى ؟ وما الوازع الذي سيمنعها أو يصدها عن ذلك حتى بعد ظهور الهوموسابيان ؟
ونحن جميعا كأفراد جئنا إلى الوجود عبر مئات عمليات التزواج، فهل كل هذه العمليات الجنسية التي جئنا بوجبها إلى الوجود كلها شرعية أو أخلاقية وليس فيها أي احتمال لأن تكون واحدة منها على الأقل علاقة زنى !؟
فاللادينيون كما يزعم معظمهم هم دعاة للتنوير والإنسانية ومدافعين عن الحريات والحقوق الجنسية ومؤمنين بنطرية التطور، ينبغي لهم الرأب بأنفسهم عن استخدام مثل هذه الحجج التي تستهدف اللعب على وتر الهوية والأنساب والعنصرية ؛ لأن الانسانية تؤمن -مبدئيا- أن كل ما يهم في الإنسان هو أنه إنسان .
والسؤال الأهم في كل هذا : ما الذي سيتغير لو أننا كنا فعلا أبناء زنا ؟! ولماذا تبدو على أولئك الذين يحسبون انفسهم دعاة للتنوير وحاملين لمشاعل الإنسانية وكل قيمها المنحازة للإنسان في كونه إنسان كل أعراض التوجس والخوف من أن تكون البشرية ثمرة لزنا المحارم ؟! فهذا هو التناقض الحقيقي الوحيد الذي ابانت عنه هذه القضية وليس التناقض الفقهي أو الأخلاقي !
اللعب على هذا الوتر (انا نتاج زنا محارم) في انتقاد الأديان، لا يعكس إلا حقيقة واحدة، وهي أن هؤلاء الذين يدعون أنهم لادينيون وأنهم مع قيم الانسانية لازالوا لم يتخلصوا بعد من قيم المجتمع الذي يحتويهم، لازالوا متاثرين حتى بالعقائد القديمة التي لفظها المجتمع الديني وبات يبحث لها عن تأويلات جديدة او التخلص منها بمرة، عقائد لطالما أفضت لبخس البشر من قبيل توارث الخطيئة والخطيئة الأصلية وووو...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24