الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احترام القرارات والقوانين لا يكون بتحنيطها وتقديسها بل بتعديلها وأنسنتها ما أمكن

نصار محمد جرادة
(Nassar Jarada)

2020 / 9 / 9
حقوق الانسان


نمت المجتمعات البشرية وتطورت بمرور الزمن والوقت كما وكيفا ، وبنموها وتطورها احتاجت إلى تنظيم جوانب كثيرة من جوانب حياتها العامة والخاصة ، ولتحقيق ذلك ابتكر مفكروها وفلاسفتها وعقلاؤها الدساتير والقوانين والتشريعات الفرعية واجتهدوا في شرحها وتفسيرها وكذا في وضع اللوائح التنفيذية لبعضها ، واقتضى ذلك التنظيم في بعض أوجهه بيان الواجبات التي يتعين على الأفراد أو الجماعات القيام بها وكذا الحقوق التي يجب صيانتها والحفاظ عليها والدفاع عنها بكل السبل المشروعة .

وبعد : لأن الدساتير والقوانين جميعا وبلا استثناء لم تسلم من التعارض فيما بينها ، فقد تشكلت في الأزمنة الحديثة في معظم البلاد الديمقراطية هيئات رقابية منبثقة عن الهيئات التشريعية المنتخبة ، تمارس دورا تدقيقيا على مشاريع القوانين خلال مرحلتي الإعداد والمناقشة تحول به ما أمكن دون حصول أي انتهاك لبنود القانون الأساسي الأسمى الذي هو الدستور .

وفضلا عن ذلك تبقى هناك بعد صدور القوانين واجتيازها لمرحلتي التصديق والنشر رقابة أخرى قضائية تفسيرية تمارسها المحاكم على النصوص التي قد تكون مخالفة للدستور ، وبواسطة تلك الرقابة المنضبطة الواعية تمتنع الجهات القضائية المختصة من تطبيق تلك النصوص في الدعاوي المثارة أو المنظورة ، رقابة تستلزم أن يكون القضاء بالطبع مستقلا ونزيها ومهابا لا مغرضا محسوبا أو في الجيب !!

وتجدر الإشارة هاهنا إلى أن القانون بوجه عام ، يمر بخمس أو ست مراحل ليصبح جاهزا ونافذا ، وهي على التوالي : الاقتراح ، الإعداد ، المناقشة ، التصويت ، التصديق ، والنشر في الجريدة الرسمية ، ورغم أن البعض يعتبر النشر مرحلة بحد ذاته إلا أننا لا نميل إلى ذلك ، لأنه مجرد إجراء شكلي بروتوكولي محض وتحصيل حاصل .

وبعد : لأن القوانين والتشريعات لم تسلم أيضا من النواقص والعيوب فقد كان الحل يكمن في اللجوء لإجرائي الإلغاء أو التعديل اللذين كانا يحولان في الغالب دون تأبيد الخلل أو العيب أو تفاقم الحال ، وقد صار اللجوء إلي الإجرائين بمرور الوقت عادة شائعة وسنة حميدة واستمر ذلك التدبير في تتابع وترابط بلا انقطاع كبير يذكر منذ عرف الإنسان الكتابة بالمسمار على الألواح الطينية ، أي منذ آلاف السنين ، وتسارعت وتيرته كثيرا في عصرنا الراهن بسبب التطور الكبير الحاصل في كل جوانب الحياة فكريا ومعرفيا واجتماعيا واقتصاديا ونفسيا وإنسانيا ، وهذا الجانب الأخير عين ما يعنينا ، لذا سنوليه اهتماما خاصا وسنركز عليه جهدنا الفكري ومقالنا المتواضع الذي يعد مرافعة كتابية تخيلية تهدف لبيان وربما لدفع ظلم نعتقد أنه لحق بنا شخصيا وبزملاء آخرين نعتز بهم وننتمي إليهم .

وبعد : نعتقد بأن الأهم من اتخاذ القرارات المفصلية الكبرى التي قد تؤثر سلبا على مصائر الجموع ، والأهم من وضع القوانين والتشريعات بهدف خلق وإيجاد حالات مستقرة من التنظيم الاجتماعي الراقي ، الأهم من ذلك كله التأكد مسبقا وجليا من تماشي وعدم تعارض تلك القرارات أو القوانين والتشريعات مع الحقوق الأساسية الدستورية لمن تخاطب ولمن يجب أن تنطبق عليهم !! .

وبالعودة إلى القانون الأساسي أو الدستور الفلسطيني المعدل لسنة 2003 نجد أنه في المادة 10 ينص على أن ( حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ملزمة وواجبة التنفيذ ) وفي المواد 23 و 24 و 25 ينص تباعا على أن ( العمل والتعليم والمسكن الملائم حق لكل مواطن ) والسؤال الذي يفرض نفسه هاهنا كيف يمكن لمن تقاعد إجباريا وهو في عز عطائه أن يظل متمتعا بحقه الدستوري في العمل ؟؟ العمل اللائق المناسب المتماشي مع تخصصه وقدراته وإمكاناته بالطبع !! وكيف له أن يقوم بتوفير المال اللازم لتعليم أبنائه أفلاذ كبده ورأس ماله واستثمار حياته في الجامعات ؟؟ إذا كان وهو في منتصف درب الحياة الوعر قد فقد بلا مقدمات منطقية جزءا كبيرا من دخله بسبب التقاعد القسري الذي حط على رأسه فجأة كما تحط النوائب الثقال على أهل البلوى الصابرين ، وكيف له أن يؤمن لمن يعيل - إن كانوا كثر - مساكن ملائمة أو شبه ملائمة أو أن يشارك على الأقل في ذلك بما يقدر عليه وهو بالكاد يستطيع تأمين طعامهم وشرابهم وكسوتهم إذا كانت الدولة / السلطة قد تخلت أو عجزت كليا أو جزئيا عن القيام بدورها في هذا الصدد !؟ .

هو إذن - أي الدستور - مجرد حبر أسود داكن على ورق أبيض فاخر لا يسمن ولا يغني من جوع أو فقر أو حرمان ، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشرائح الأشد فقرا وتهميشا وما أكثرها في مجتمعنا الفلسطيني .

وبعد : لا يعرف كثير من المخاطبين بالقرار بقانون رقم 9 لسنة 2017 والخاص بالتقاعد المبكر لقوى الأمن الفارق بين القرار بقانون والقانون ، ولا يعيبهم ذلك بأي حال ، فلا أحد يأتي إلى هذه الدنيا الجائرة حقوقيا دارسا متفوقا ، ولتبيان ذلك ببساطة وإيجاز نقول إن الفرق بين الاثنين هو ذاته الفرق بين القاعدة والاستثناء ، القاعدة في أرحب ساحاتها وأبهى حللها والاستثناء في أضيق سبله وأصغر صوره ، ولتوضيح أجلى وأكبر نقول إن وضع القوانين هو المهمة الأولى الأصيلة للسلطة التشريعية في كل بلد ديمقراطي يؤمن بالفصل بين السلطات كمبدأ دستوري عام ، واستثناء من ذلك وفي حالات نادرة عاجلة مقدرة بقدرها يكون من حق رئيس الدولة / السلطة إصدار قرارات نافذة لها قوة القانون ، وحسب نص المادة 43 من الدستور الفلسطيني ( لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي إصدار قرارات لها قوة القانون ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما كان لها من قوة القانون ، أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما يكون لها من قوة القانون ) .

وملاحظاتنا كحقوقي مستقل وكقاض عسكري سابق على القرار بقانون رقم 9 لسنة 2017 في ضوء فهمنا المتواضع للنص الدستوري الآنف الذكر تتجلى في النقاط التالية :

1- نعتقد جازمين واثقين انه لم يكن هناك على الإطلاق ضرورة عاجلة ملحة لا تحتمل التأخير تبرر إصدار القرار بقانون رقم 9 لسنة 2017 ، ولا يمكن لعاقل بالطبع اعتبار انقلاب 2007 الدموي اللعين الذي تم التجهيز له وهندسته في أقبية أجهزة مخابرات إقليمية كبرى ودولية عظمى معادية لشعبنا وتطلعاته في الحرية والاستقلال والذي شق الوطن ومؤسساته الدستورية وشوه صورة نضال شعبنا أمام أقوام المعمورة قاطبة وأظهر كثيرا من زعامات شعبنا الفالصو على حقيقتهم ، مرتزقة محاور ، عرايا ما لهم كفن !! ، نعتقد أنه لا يمكن اعتباره - أي الانقلاب - بأي حال ظرفا عاجلا لأنه كان قد مضى عليه حين صدور القرار بقانون عشر سنوات ونيف وكنا كعسكريي سلطة شرعية بغزة أكثر من اكتوى بناره نفسيا على الأقل ، كما لا يمكن اعتبار الضبط التناسبي الإصلاحي المزعوم للمؤسسة الأمنية عن طريق تقليص أعداد الضباط مقارنة بصف الضباط والجنود مبررا منطقيا مقبولا لإزاحة كل هذه الجموع بجرة قلم والتضحية بخيرة الضباط الأكاديميين أصحاب الخبرات والمؤهلين تأهيلا عاليا ، وهكذا أريد لنا بدهاء عجيب غريب أن نتوارى مبكرا جدا من المشهد وأن نتآكل ذاتيا على مهل قهرا وإهمالا وفاقة وأن ندفع وحدنا غاليا ثمن سياسات توظيفية عرجاء رسمها وخطها غيرنا قبل عقود !! .
2- نعتقد بأن قيادتنا الشرعية التي نجل ونوالي كانت تعي وتدرك تماما استحالة عرض القرار بقانون المذكور آنفا على المجلس التشريعي لإقراره من عدمه في مستقبل قريب منظور بسبب حالة الانقسام المزمن الذي يعطل عمل المجلس وهو ما يعني استحالة حصول أي تغيير أو تعديل على القرار بقانون إلا بواسطتها هي ذاتها إن أرادت بالطبع أو اقتنعت !! .
3- نعتقد أن كل ما لحق بنا من أضرار معنوية ومادية كان بحسن نية من قبل القيادة وسوء أو ضعف تقدير من قبل المستشارين في الحكومة أو الرئاسة المكلفين بدراسة الحالة والوضع وتقديم الاقتراحات والحلول .
4- نعتقد انه كان بالإمكان درء أضرار كثيرة سبق بيان بعضها في مقال سابق لنا بعنوان ( عن التقاعد المبكر للعسكريين ) تجميد راتب موظف السلطة العسكري بغزة على آخر رتبة يستحقها لحين بلوغه سن الستين ومن ثم إحالته إلى التقاعد ، ويكون بذلك قد اجتاز على الأقل المرحلة المعيشية المتوسطية الصعبة بكرامة يستحقها هو ومن يعيل ، أما وقد سبق السيف العذل فلم يعد هناك مفر ولا مناص من المطالبة اللحوحة الدائمة العاجلة بكل الوسائل والسبل المشروعة المتاحة بتعديل القرار بقانون رقم 9 لسنة 2017 وأنسنته ما أمكن من خلال مساواتنا بزملائنا الذين تقاعدوا في العام 2008 على راتب 100% ، وكذا زملاؤنا عسكريو الساحات الخارجية الذين تقاعدوا في العام 2010 على نسبة 80% وبعد تعديل قرارهم في العام 2012 على نسبة 100% ، إنقاذا لما يمكن إنقاذه ، فحياتنا الدنيا المتبقية قصيرة وواحدة ، وهي لن تتكرر ويفترض ويجب ويتعين أن نعيشها باكتفاء نسبي لائق مقبول معقول يحفظ كرامتنا وكرامة من نعيل !! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر


.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..




.. ما آخر المواقف الإسرائيلية بشأن صفقة تبادل الأسرى؟


.. لغياب الأدلة.. الأمم المتحدة تغلق قضايا ضد موظفي أونروا




.. اعتقال حاخامات وناشطين في احتجاجات على حدود غزة