الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو الناشط في المجتمع المدني التونسي ؟

جاسر عنيبة
(Jesser Aniba)

2020 / 9 / 11
المجتمع المدني


ناشط ؟ :

يبدو ان مهنة " الناشط في المجتمع المدني " اصبحت رائجة في الدوائر النخبوية في تونس ما بعد الثورة و يمكن تصنيف هده " المهنة " مع سائر المهن النبيلة الأخرى كالأستاذ و الطبيب و غيره , حيث ان " activist " اصبح بمثابة خبير او مختص في التغيير المجتمعي , ان تكون ناشط يعني ان تتصور نفسك مميز او اكثر تقدما من البقية في تقديرك لحاجة المجتمع الحاضر للتغيير , يعني ان تكون ايضا دو معرفة في كيفية بلوغ هذا الهدف مع تموقعك في طليعة هذا النظال على ارض الواقع.
بالطبع ال " activism " كبقية أدوار الخبراء في مختلف الميادين , هي عمل متخصص منفصل على بقية الاعمال الأخرى كالطب و التعليم على سبيل المثال , عوض تنشئة الأطفال على ان تكون لهم يد في هذه العلوم تصبح هذذه الأخيرة ملكية متخصصة للأطباء والمعلمين , الخبراء الذين يجب أن نعتمد عليهم للقيام بهذه الأشياء من أجلنا, يحرسها هؤلاء بغيرة و تبقي مهارتهم في غموض تام , فيبقي الناس عديمي القوة . الناشط في المجتمع المدني يفترض أن الأشخاص الآخرين لا يفعلون أي شيء لتغيير حياتهم و بالتالي يشعر بواجب أو مسؤولية للقيام بذلك نيابة عنهم... إن تعريف أنفسنا كناشطين يعني تعريف أفعالنا على أنها تلك التي ستحدث التغيير الاجتماعي ، وبالتالي تجاهل نشاط الآلاف والآلاف من غير "النشطاء " الآخرين .
تستند ال activism إلى هذا المفهوم الخاطئ بأن النشطاء هم فقط من يقومون بتغيير اجتماعي في حين أن الصراع الطبقي يحدث طوال الوقت بالطبع.

أدوار ؟ :

دور الناشط هو دور نتبناه مثل دور الشرطي أو الوالد او رجل الدين , تكوين نفسي غريب نستخدمه لتعريف أنفسنا به وعلاقتنا بالآخرين. "الناشط" متخصص أو خبير في التغيير الاجتماعي ومع ذلك ، كلما ازداد تشبثنا بهذا الدور وفكرة ما نحن عليه ، كلما عرقلنا التغيير الذي نرغب فيه , ستشمل الثورة الحقيقية التخلص من جميع الأدوار المتصورة وتدمير كل هذه التخصصات ... اي استعادة حياتنا. إن السيطرة على مصائرنا التي هي بطبعها فعل ثوري ستشمل خلق ذوات جديدة وأشكال جديدة من التفاعل والمجتمع , "الخبراء" هم فقط من يعيقوا ذلك . عرف راؤول فانيجم هده الادوار : " الصور النمطية هي الصور المهيمنة لفترة ما ... الصورة النمطية هي نموذج الدور , اما الدور فهو شكل نموذجي للسلوك . إن تكرار سلوك معين يخلق دورا ". إن لعب دور يعني صقل مظهر ما لدرجة إهمال كل ما هو أصيل .. "نحن نستسلم لإغواء السلوكيات المستعارة ".بصفتنا لاعبين أدوار ، فإننا نغرق في عدم الأصالة , نختزل حياتنا إلى سلسلة من الكليشيهات.. "نقسم يومنا إلى سلسلة من السلوكيات و المواقف التي يتم اختيارها بشكل أو بآخر دون وعي منا من فهرس الصور النمطية السائدة."
ساهمت التغطية الاعلامية التونسية في التأثير على الناس " العاديين " و ابقائهم بعيدا عن اجواء الاحتجاجات كالأعوام الاولى من الثورة في القصبة و شارع الحبيب بورقيبة , أصبحت صور النشطاء بلافتات ورقية امام المسرح البلدي هي الطريقة الانجع للمقاومة او ان جاز التعبير الطريقة ال " cool " للتعبير ..مثلما سلبية المستهلك هي سلبية نشطة ، فإن سلبية المتفرج تكمن في قدرته على استيعاب الأدوار ولعبها وفقًا للمعايير الرسمية فتكرار الصور والأفكار النمطية يقدم مجموعة من النماذج التي من المفترض أن يختار الجميع دورا منها , دور الناشط هو مجرد دور من هذه الأدوار , نشاطاته التي من المفترض ان تكون ثورية اصبحت روتين ممل و عقيم لبعض السلوكيات مع استحالة وجود تغيير جدي , حتى انه من المحتمل أن يقاوم النشطاء التغيير إذا حدث لأنه سيعطل قناعتهم السهلة لدورهم والمكانة الصغيرة اللطيفة التي صنعوها لأنفسهم. مثل رؤساء النقابات ، فإن النشطاء هم ممثلون ووسطاء أبديون. بنفس الطريقة التي يكون بها قادة النقابات ضد نجاح عمالهم بالفعل في نضالهم لأن هذا سيخرجهم من العمل ، فإن دور الناشط مهدد بالتغيير. والواقع أن الثورة ، أو حتى أي تحرك حقيقي في هذا الاتجاه ، من شأنه أن يزعج النشطاء بشدة من خلال حرمانهم من دورهم. إذا أصبح الجميع ثوريًا ، فأنت لست مميزا بعد الآن ، أليس كذلك؟. فلماذا نتصرف مثل النشطاء؟ لأنه ببساطة خيار الجبناء السهل؟ لا لا .. من السهل الوقوع في لعب دور الناشط لأنه يلائم هذا المجتمع ولا يتحداه , ال activism هو شكل مقبول من أشكال المعارضة.

واجب ؟ :

المفتاح لفهم دور المتشدد او الناشط هو مبدأ التضحية بالذات , التضحية بالذات " للقضية" اي التعامل مع القضية كموضوع منفصل عن الذات و هذا بالطبع لا علاقة له بالنشاط الثوري الحقيقي الذي يقوم اساسا على السيطرة على الذات , و هذا لا يجعل السياسية مملة و عقيمة فقط بل حتى ان هذا الدور يأثر سلبا على لاعبه فيخلق هذا الاخير فصلا بين الغاية و الوسيلة فالتضحية بالنفس تعني خلق فصل بين الثورة كبهجة و حب في المستقبل و بين واجب و روتين ممل في الحاضر , الشعور بالذنب و الواجب هو ما يميز النضرة العالمية لل activism لأن الناشط لا يقاتل من اجل نفسه بل من اجل القضية كموضوع منفصل عن الذات. جزء من كونك ثوريًا قد يكون معرفة متى تتوقف وتنتظر , من المهم معرفة كيف ومتى تضرب لتحقيق أقصى قدر من الفعالية وأيضًا كيف ومتى لا تضرب, لكن النشطاء يتميزون بشعار "يجب أن نفعل شيئًا الآن ! " الذي يبدو أنه نتيجة شعورهم الفائض بالذنب. التضحية بالذات التي يقوم بها الناشط او المتشدد تمكنه من صنع سلاح سيكولوجي يخضع به الاخرين , " لا يمكنك التشكيك في فلان فقد ذاق الأهوال في مراكز الأمن طوال سنين عديدة " , لا يمكنك مناقشة فلتان فلقد كرس حياته منذ الصغر للقضية ولا شيئ سواها " و غيره من السلوكيات التي تعزز هالة القداسة لأرباب النضال في تونس.
في علم الكونيات الديني القديم ، ذهب الشهيد الناجح إلى الجنة اما في النظرة الحديثة للعالم ، يمكن للشهداء الناجحين أن يذكروا في التاريخ. صاحب أعظم تضحية بالنفس أو أعظم نجاح في خلق دور ، يفوز بمكافأة في التاريخ .. الجنة البرجوازية.

عصابة ؟ :

على عكس ما يضنه معظم الناس , لن نكون أقرب إلى ثورة إذا أصبح الكثير من الناس ناشطين , يبدو أن لدى بعض الناس فكرة غريبة مفادها أن المطلوب هو إقناع الجميع بطريقة ما ليصبحوا ناشطين ومن ثم ستحدث الثورة المنتضرة . يقول فانيجم:
"الثورة تصنع كل يوم على الرغم من " خبراء الثورة " و خلافا لهم . "
يقوم الناشط بتجنيد الاخرين من اجل زيادة قوته و ليكونوا تحت قيادته و هكذا دواليك مثل مشروع البيع الهرمي ، فإن التسلسل الهرمي يتكرر ذاتيًا - لقد تم تجنيدك ولكي لا تكون في أسفل الهرم عليك تجنيد المزيد من الأشخاص ليكونوا تحتك ، والذين يفعلون نفس الشيء بعد ذلك فيتم إعادة إنتاج الأدوار في المجتمع المغترب من خلال هؤلاء .
يوضح جاك كامات في مقاله " On Organization " نقطة مهمة مفادها أن التجمعات السياسية غالبا ما ينتهي بها الأمر على أنها "عصابات" اي يصبح الولاء الرئيسي لعضو المجموعة للمجموعة وليس للنضال . ينطبق نقده بشكل خاص على عدد لا يحصى من الطوائف والجماعات اليسارية في تونس ( حمة الهمامي او منجي الرحوي ؟ ) ، لكنه ينطبق أيضا بدرجة أقل على عقلية ال activist .
تعتبر المجموعة نفسها صاحبة فهم فريد للحقيقة يتماشى مع الرؤى التقدمية الحالية فيتم التعامل مع كل شخص خارج المجموعة على انع غبي بحاجة الى التنوير من قبل هده النخبة , بدلاً من النقاش المتكافئ نحصل على ما يسمى الفصل بين النظرية والدعاية ، حيث يكون للمجموعة نظريتها الخاصة ، والتي تكاد تظل سرية في الاعتقاد بأن الاشخاص الأقل ثقافة يجب أن يتم إغرائهم في المجموعة ببعض الاستراتيجيات الشعبوية , هذه الطريقة في التعامل مع من هم خارج المجموعة مشابهة لطائفة دينية .. لن يخبروك أبدا عما يدورون حوله. ال Activism ككل له بعض خصائص "العصابة". . يعتبر الناس أنفسهم في الأساس نشطاء ويصبح ولائهم الأساسي لمجتمع النشطاء وليس للنضال في حد ذاته.. لكن للأسف "العصابة" مجتمع وهمي ، يصرف انتباهنا عن خلق مجتمع أوسع للمقاومة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الخبر فلسطيني | تحقيق أممي يبرئ الأونروا | 2024-05-06


.. مداخلة إيناس حمدان القائم بأعمال مدير مكتب إعلام الأونروا في




.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل