الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع ابو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٤)

وليد المسعودي

2020 / 9 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمع ابو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٤)

ملاحقة الاختلاف المديني

ومع الإختلاف المديني هناك دائما ما اسميه بتدعيم الدوغما او زيادة الصدأ على السجون المحلية للمجتمع خصوصا مع انتقال الاخير من الريف الى المدينة كهوامش واطراف وصولا الى الصيرورة كمراكز قابعة في فرض كل ما هو جديد ومختلف على الذات المدينية العراقية خصوصا بعد سقوط صدام وهيمنة قواعد الاسلمة على حياة الناس . فملاحقة الاختلاف المديني تكون بوابته العادات والتقاليد ومحاولة التمسك بالدين او بقشور أو بظواهر الدين من آداب محلية وليست اخلاقيات ، حيث جل هم السلاح المنفلت بقيادة الميليشيات هو تعثير التمدن وبقاء الناس تعيش داخل العشوائيات من اجل ديمومة التحكم بالأفراد الذين ينتمون اليها .

إن ملاحقة الاختلاف المديني تتم عبر الحرب الدائمة على حريات الناس في السلوك والتعبير والظهور بشكل مختلف خصوصا مع النساء والشباب ، فالمرأة لابد أن تكون محددة ضمن اطار معين أكثر التزاما بالحجاب والحشمة وعدم الظهور إلا ضمن قالب السلاسل المغلقة داخل الهويات الطائفية الدينية واي اختلاف يلاقي التضييق والمحاربة المادية والمعنوية ، وهذا التضييق وجد في البداية ضمن أشكاله المادية العنفية اتجاه المغاير المختلف من النساء ، وبعدها تمثل كنسق غير قابل للانقسام أو التجاوز عليه مع مرور الزمن وكلنا يتذكر الفتاة التي عزفت على الكمان في ملعب كربلاء كيف هبت الجوامع المسلحة بوجه هذا الشكل الحضاري المديني المختلف ، كذلك الحال مع الشباب حيث محاربة جميع التطلعات والرغبات الدنيوية ، افراحهم ، تجمعاتهم ، بشكل عنفي كبير والحجة ماثلة في انتهاك المعايير العامة أو الحقوق العامة للمجتمع القابع في متاهات ونهايات لا حد لها من الحرمان في الحقوق والواجبات دونما دعوى لتحقيقها وتضمين الناس ابسط هذه الحقوق ضمن حدود الحاضر والمستقبل .

تخزين الاسلحة في البيوت والجوامع

اما عن كارثة تخزين الاسلحة في البيوت والجوامع فهذه حكاية لم تكن تعرفها المدينة العراقية إلا بعد ٢٠٠٣ ، مع صعود الحركات الإسلامية التي كانت مقموعة ومحاربة بشدة من قبل النظام البعثي الدكتاتوري والأسئلة التي تفرض نفسها ماثلة في

١_ لماذا يستمر هذا التمسك بالسلاح لدى اكثر الحركات والتشكيلات الإسلامية اليوم على الرغم من كونها ماسكة لزمام السلطة ؟

٢_ هل تخاف من المستقبل ؟

٣_ ألا يدل ذلك على تأبيد عجزها عن التوحد داخل الدولة المدنية الديمقراطية وصعوبة تقبلها الخسارة في قادم السنوات ، خصوصا وأن المسألة انتخابية يوم لك ويوم عليك ؟

٤_ هل الغرض من بقاء السلاح المنفلت والمخزن هو تخويف اي حركة واحتجاج مستقبلي قادم للمجتمع ؟

٥_ من يقف وراء عملية التخزين هذه ولماذا ؟

إن الاجابة عن هذه الأسئلة ماثلة في ان أكثر الحركات الإسلامية ما زالت تعيش ضمن عقلية المعارضة وتتلقى الاوامر من الداعم الاولي لها أو " الملفي الرئيسي " لها ، وهنا نقصد ايران على وجه الخصوص ، وعقلية المعارضة وتأثيرات الاخر المجاور لا يجعلها في حالة دائمة من الاعادة المستمرة لحساباتها كون ان المستقبل من الممكن تساهم في تطويره من خلال الاندماج ضمن بناء الدولة والتخلي عن التداخل الحاصل فيها وتجاوز " الهوية العميقة "
المقسمة ليس للخيار السياسي والاجتماعي والثقافي في العراق بل حتى الاقتصادي ايضا بسبب التوزيع المستمر للمغانم بين المتحاصصين والمشاركين في الحكومة

والخوف من المستقبل له مؤثراته الداخلية والخارجية ، الايديولجية والسياسية ، وبسبب الشعور بالفشل والعجز عن البناء والتطور والمشاركة المستقبلية في بناء عراق ديمقراطي مدني حديث ، لا تستطيع هذه الحركات تخيل أن المستقبل لا يكون لصالحها ، لذلك يبقى خيار الانزواء خارج الدولة امرا احتياطيا مفيدا بالنسبة لها خوفا من الزحزحة المستقبلية من اللاعبين السياسيين في العراق وما اكثرهم بين الداخل والخارج الدولي والإقليمي .

وبالتالي يشكل بقاء السلاح المنفلت والمخزن داخل البيوت والجوامع ضررا كبيرا على الاهالي مع طول فترة التخزين وفساد الاسلحة وانفجارها ، والنتيجة هي كثرة الاخطاء العشوائية التي تحدث هنا وهناك حيث يذهب ضحيتها الناس والاهالي ، جسدا وروحا ، مادة ومعنى ، ومن يقف وراء عملية التخزين هي عقلية الخارج السياسي بشقيه الايراني والأميركي في العراق ، ومع الاسف لا توجد اي خيارات أو محاولات للاستقلال وتكوين خيار وطني لدى اغلب الحركات الإسلامية بسبب تأثير الهوية الدينية الأيديولوجية التي تفتقد لمفهوم الوطن ، حيث وطنها ليس العراق بل ذلك العالم الإسلامي بشكل عام ، وهذه عقدة ماتزال تحرك هذه الحركات الإسلامية الجهادية ، حيث الانتقال المستمر داخل بيئات قتالية متعددة ، في العراق وسوريا واليمن ولبنان . . الخ ولا يوجد وطن جامع سوى ذلك الوطن الهلامي الذي يشكل يوتوبيا الجماعة الإسلامية بعالم كلياني نقي وطاهر موحد تحت مركزية عقائدية معينة هنا وهناك في هذه الدولة أو تلك .

التدخل في شؤون مؤسسات الدولة

أما عن التدخل في شؤون مؤسسات الدولة من قبل السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا ، فإن الامر كما اسلفنا بدأ مع ولادة سلطة الفساد العرق طائفية وحكوماتها التي لم تدعم اي فضاء قانوني وانساني يخدم المواطن ، حيث الانتقالة من بوليس يتحكم في كل شيء الى مجتمع يتحكم في حياة البوليس ، في تخريب المدن وجعلها مقادة ومنحازة طائفيا ودينيا بقوة السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا .

انتقالة إلى الدولة السائبة ، الضعيفة التي تخاف من اي سلاح خارج اطارها داخل البيوت والجوامع المسلحة ، داخل العشائر والقوى الإسلامية الاصولية المسلحة ، كل ذلك جعل " الدولة " ومؤسساتها مرتعا للتدخل المباشر في جميع مفاصلها ، قبل المشاركة فيها وبعد المشاركة والهيمنة عليها .

إن هذه التدخلات المتعددة للسلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا وصل إلى المدارس والشوارع ومؤسسات الدولة الاخرى في الوزارات والمستشفيات وغيرها الكثير ، فالمدارس بعد أن تحولت من التكوين القومي ( شعارات واسماء ومسميات وايديولوجيا وتلقين يومي بعثي صدامي ) إلى التكوين الطائفي الديني الاصولي ( اسماء ومسميات وايديولوجيا وتدخل سياسي متواصل ) حيث اصبحت تعاني من الزيارات المتكررة من قبل السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا من اجل الضغط على الكوادر التربوية في هذه المدرسة أو تلك من اجل التزوير والتمرير لجميع الفاشلين والراسبين وكل ذلك من اجل خلق اجيال هامشية مكونة من عتاة الجهلة وانصاف وارباع المعلمين والمدرسين والموظفين وقادة المستقبل ، حيث لا حول ولا قوة لادارات المدارس في كبح هذا التدخل دونما دعم يذكر من قبل المؤسسات الرسمية ، والكارثة دائما ما تأتي التوصيات داعمة لهذا التزوير لهذه العناصر الفاشلة من قبل المدراء التابعين الخاضعين والخائفين من هذا السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا .

وهكذا يترك السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا ساحة المدارس ليعبث بالشوارع ، فالاخيرة لا تجسد الهيمنة الأيديولوجية والقمعية للمجتمع فحسب بل هناك منطق الاستفادة العابرة دون وضع البصمات الدائمة للاعمال والمشاريع العظيمة التي تخدم المواطن ، هناك الاموال والعقود والشركات الخائفة ، المانحة ، الهاربة ، والفاشلة في اتمام مشاريعها ، كل ذلك يخضع لسلطة السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا ، ولا قوانين وعقود وانجازات تذكر دون المرور بذلك السلاح المنفلت اجتماعيا وسياسيا ، فكم من المشاريع توقفت بسبب هذه التدخلات لهذه الجماعة الإسلامية أو تلك ، وكم من المشاريع انجزت بشكل عشوائي ضمن منطق الاستفادة العابرة

وهكذا اصبح الامر أكثر سوءا مع مرور الزمن ، مع مشاركة الجماعات الإسلامية المسلحة داخل " الدولة " وبالتالي انتقلت إلى المتحكم أكثر فأكثر وبشكل رسمي بالتعيينات وادارة العقود والاعمال والمشاريع التي تدر التراكم الاقتصادي دون التراكم في الانجاز والخدمة المباشرة الفاعلة المستديمة للمواطنين .

نفس الشيء ينطبق على مؤسسات الدولة الاخرى وتفرعاتها الادارية حيث نرى المثال ولا نرى الحقيقة ، الشعارات وصورة رجال الدين ، دون الفاعلية والمصداقية في القول والعمل والانجاز ، مؤسسات فضفاضة فارغة من اي محتوى علمي مهني ، تعتاش على الهامشي في ادارتها وتصدرها لجميع مراكز السلطة والقرار داخل هذه الوزارة أو تلك

إعاقة التطور

إن فقدان واعاقة الفرص الكثيرة في الانجاز والاعمال والبناء كان سببه ذلك التداخل الحاصل في السلطة والمجتمع على حد سواء للاحزاب السياسية المشاركة في عملية الفساد العرق طائفية حيث لم تستطع هذه العملية بناء سلطة ومعارضة داخل تكوينها مثل اي تجربة حزبية ديمقراطية في العالم ، وبالتالي حرم المجتمع العراقي من اي بوادر للبناء والتطور طيلة سبعة عشر عاما ، فالاحزاب الإسلامية على سبيل المثال موجودة جميعها في السلطة والمعارضة في البرلمان والحكومة ومقاعد المجتمع ، واي خلاف سياسي يرحل الى الاجتماعي ، وكثيرا ما تأتي نظرية سد الخلافات بين المتحاصص الفاسد داخل العملية السياسية بالحصول على عطايا سلطوية وتطمينات سياسية سرعان ما تبوء بالفشل من تحقيق التراكم على مستوى الوزارة المعينة وعلى مستوى الشارع العراقي .

هذا الضعف أنتج وفرخ الكثير من الجماعات المسلحة التي اصبحت تنال القدسية اكثر فأكثر مع ضعف الدولة ومع دخول داعش الارهابي ، وبالتالي هناك التزايد المستمر في هذه الجماعات من خلال انقسامها وانشطارها النووي في مجال المصلحة الذاتية وخدمة دول الجوار ايران نموذجا .

ضياع الفرص والتراكم الوظيفي خدمة للصالح العام انتج ما يلي

١_ تأخر بناء المراكز الخدمية والتربوية والصحية الملامسة لحياة المواطنين

٢_ السماح للقطاع الخاص بالنمو والازدهار على حساب القطاع العام الذي يخدم المواطنين

٣_ فقر المدينة العراقية أكثر فأكثر مع تزايد اجيال واجيال من العاطلين والمهمشين

٤ _ ولادة الاحتجاجات والانتفاضات الاجتماعية مكللة بثورة الشباب ثورة تشرين

فنتيجة للصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل السلطة العرق طائفية الفاسدة طيلة عمرها المتعاقب في حكومات فاسدة قاد إلى تأخر وفشل بناء المراكز الخدمية والصحية والإنسانية الملامسة لحياة المواطنين ، فالمستشفيات ما يزال البعض منها " هياكل حديدية " لم ينجز منها الكثير ، كذلك الحال مع مشاريع المدن الجديدة ، كثير منها ظل حبر على ورق ، وكلنا نتذكر مشروع مدينة الصدر الحديثة ( ١٠ × ١٠ ) لا ندري اين ذهبت المخصصات المالية لبنائه ، وغيرها من المشاريع التي توقفت تحت طائل التهديد والخطف والاغتيال لبعض العمال والمهندسين القائمين عليها .

هذا الواقع المأزوم سمح أكثر فأكثر بنمو القطاع الخاص دون رقيب وحسيب يذكر وعلى حساب وراحة المواطنين من ذوي الدخل المحدود ، وهذا القطاع الخاص هو في النهاية ملك للطبقة السياسية الفاسدة من مستشفيات ومصارف وفنادق وجامعات ومحلات تجارية عملاقة وشركات.. الخ ، حيث اصبح لكل جهة سياسية حزبية أو لكل شخصية سياسية متنفذة مصادر التمويل الخاصة بها من هذه المؤسسة أو ذاك ناهيك عن ممتلكات الخارج التي كثيرا ما يجهلها المواطن العراقي البسيط

وهكذا نحو فقر متزايد ومستمر للمدينة العراقية متمثلة بكثرة الجماعات المسلحة وفقدانها ابسط الحقوق والخدمات الانسانية حيث لم تعد تدخل بغداد على سبيل المثال في اي مقياس للجودة والتقدم والمنافسة البيئية والصحية والتربوية والعلمية عالميا

هذا الفقر هو مركز ( التمردات والتطرفات ) في الوقت نفسه ، والاخيرة كثيرا ما تحارب الاولى متمثلة بتجارب الشباب الاحتجاجية بثوراتهم العفوية على ضعف الخدمات ، ضعف المدن العراقية من تحقيق ابسط وسائل العيش الكريم ، وما يواجهه الشباب ناتج من تطرفات سبعة عشر عاما حيث ولادة الجماعات المسلحة المدعومة دوليا ، حيث كثرة الخطف والتغييب والاغتيال ، ولا ينفك هذا الواقع المنفجر على نفسه واقع مجتمع ابو البكرة من لف وتغليف اي عراقي متمرد ثائر على الأوضاع السلبية التي انتجتها حكومات العرق طائفية المحاصصية الفاسدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س