الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإسبال محرم شرعا- نقد معرفي-

محمد صالح جالو

2020 / 9 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إذا دققـنا النظر في الكتب الفقهية ، أو المراجع الدينية بصفة عامة، ندرك أنه يغلب عليها الثقافة الدينية التلقينية التي تحاول إرجاع الأمة المعاصرة إلى عصر ثقافة النصوص . وهذه كارثة فكرية تدفن الإبداع ، وتؤدي بكل تأكيد إلى الأزمة الفكرية ، أزمة تقديس النصوص ، بل أصحاب النصوص . ولن تمنح للأمة إلا نفس النسخ الفكرية التي لا تختلف عن سابقتها...
هذا ؛ وإن قضية مناقشة النصوص الدينية ، وخاصة الأحاديث والسير لم تطرح بعد بعمق في العالم الاسلامي . وهذا ما يفسر لنا تمسك الجيل المعاصر ببعض الأحاديث المخالفة للعقل والعلم الحديث دون إمعان العقل فيها . يكفي أن يقال قال النبي كما في الصحيحين ، ليعتبر ذلك الخبر مقدسا مقبولا لا جدال فيه ، خاصة لدى كهنة النصوص .
وهناك طرفة تصلح أن تكون مدخلا جميلا لهذا التحليل الذي أنا بصدده. كان أبي -رحمه الله – من التيار النصي بامتياز- لا يقبل مناقشة النصوص الدينية ، بل حتى الفتاوى السعودية. لقد أورثني هذا المنهج ، وقضيت ردحا من الزمن ، وأنا أعبد الحروف، والحمد لله أني وصلت مؤخرا إلى اقتناع بأنه النص الديني تمثل بشري، يحتمل الصواب والخطأ، ويجب وضعه في سياقه التاريخي ، وأن الخلف ليس ملزما بإجماع السلف. إذ لكل أمة رجالها. ذات يوم ، اجتمع الوالد مع أصحابه تحت كوخ ، فتدارسوا أحاديث الإسبال، ثم وصلوا إلى قناعة قطع سراويل أولادهم ، من أجل تربتهم على المنهج النبوي. ذات مساء ، جمعونا تحت كوخ ، وقرأوا علينا هذه النصوص التي لم نفهم منها شيئا ، ثم أمروا بإحضار ملابسنا ، فبدأوا يقطعوا السراويل الطويلة إلى الكعبين وهم يرددون : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يرحموا حتى زيـّنا المدرسي . فكنا ونحن صغار نستحيي من المرور أمام الملأ خوفا من سخريهم اللاذعة. لقد نجح الوالد إلى حد كبير في تربيتنا على المنهج التلقيني، وآمننا وقتها بأن الإسبال محرم شرعا، فما جاوز الكعبين ففي النار ، حتى إننا لم نعد نكترث بما يصفنا به الآخرون من ألقاب، إذ كنا على يقين ، بأننا على الحق المبين.. لقد كبرت وأنا أعض على هذا الرأي بالنواجذ، إلى أن منّ الله علي بالبحث والتنقيب، وطرح بعض التساؤلات على نفسي، مما دفعني إلى إعادة النظر في النصوص الواردة في هذا الشأن،- دون استحضار مكانة الوالد- من أجل الوصول إلى نتيجة علمية . وأظنني وصلت إليها ، وقبل سرد هذه النتيجة التي خلصت إليها دعونا نسرد بعض الأحاديث الوارد في هذا الباب .
روى مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى من جرَّ ثوبه خيلاء. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إزرة المؤمن إلى عضلة ساقيه، ثم إلى الكعبين فما كان أسفل من ذلك ففي النار.
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار. وفي الصحيحين " ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، المسبل إزاره . إلخ…..
والسؤال المشروع علميا وعقلا، كيف يغضب الله على عبده إلى درجة لا ينظر إليه ، ويعذبه عذابا أليما من أجل جر الثياب؟ . هل يمكن لنبي جاء لإنقاذ البشرية من الأليم ، أو يوعدهم بهذا الأليم بمجرد جر الثياب؟.
ما أومن به ، وأدين الله به ، أن هذه الأحاديث وإن رودت في أصح كتاب بعد القرآن على حد تعبير ابن الصلاح في المقدمة، إلا أنها أحاديث يستحال نسبتها إلى النبي صلى الله عليه .
ويمكن أن نعتمد على بطلان صحة هذا الخبر بالأدلة التالية:
أولا: يجب أن نفهم بأن كل حديث خالف القرآن الكريم ، أو عارض مجموعة من الأحاديث المتواترة عن النبي فهو رد . فالنصوص الدينية لا تتعارض.
ثانيا : ذكر علماء الحديث بأن من أسباب معرفة الحديث الضعيف اشتماله على وعد أو وعيد شديدين.
وعندما نمعن النظر في هذه الأحاديث ندرك بكل وضوح بأنها مخالفة -جملة وتفصيلا- روح القرآن ونصه، وكما يعارض أيضا مجموعة من الاحاديث الصحيحة المتواترة.
ففي البخاري مثلا" إن الله حرم النار على من قال لا إله إلا الله يبغي بذلك وجه الله ". وفي لفظ مسلم : لا يشهد أحدا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيدخل النار أو فتطعمه النار كما في رواية مسلم. فلا إله إلا الله حصن ، فمن دخل هذا الحصن أمن من عذاب الله.
ومن المعلوم شرعا أن أكثر ما يدخل الجنة ، تقوى الله وحسن الخلق، وإسبال السروال لا يتنافى البتة مع تقوى الله ، لأن التقوى محله القلب. الحق أن هذه الأحاديث خلقت عقدة نفسية لدى الكثير من الشباب ، فهرولوا إلى رفع الإزار إلى نصف الساق خوفا من الوعيد الشديد . بل صار رفع الإزار لدى المدرسة النصية التي حرمت الإسبال معتمدة على هذه النصوص الواهنة علامة من علامات أهل السنة والجماعة . وبكل موضوعية ، فإنه لا إيجاد مبرر ليغضب الله كل هذا الغضب على عبد آمن به وصدقه؛ من أجل جر الثوب ولو خيلاء.
صفوة القول: إن الأحاديث الواردة في تحريم الإسبال لا يمكن أن تصح عن نبي جاء رحمة للعالمين. والله أرحم من أن يعذب عبدا لبس كما يشاء . ومن المعلوم لدى علماء المصطلح أن قوة السند وحده لا تكفي لصحة الحديث، فالحديث قد يرد لضعف المحتوى، خاصة إذا تنافى المتن مع القرآن الذي رواه النبي عن جبريل وعن رد العالمين . والحديث مهما بلغت درجة صحته ، فإنه يبقى ظني الورود . فهذا الحديث متنا يصادم البنيوية للقرآن الكريم ، والمسارات لروح الشريعة. لو أراد الله أن يعذب بالنار من أجل جر الثياب ؛ لما سلم من النار إلا شرذمة قليلون من عبدة الفتاوى المتزمتين . البس ما شئت ؛ وكما شئت فأنت حر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار