الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التعصب (2-3)

نضال العبود

2006 / 7 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يتكون التعصب لدى الفرد كاتجاه يتميز بالانحياز و السلبية كمحصلة للتجارب و الخبرات و التفاعلات الاجتماعية التي تزوده بها عملية التنشئة الاجتماعية. حيث تبدأ من قدرة الطفل على التمييز بين أفراد الجماعات المتعصبة، و من ثم انضمام الطفل إلى الجماعة التي ينتمي إليها وراثياً (جماعة الأبوين). قد تظهر استجابات تشير إلى نوع من التعالي أو إلى نوع من الشعور بالنقص تبعاً للحكم الذي يشعر الطفل بأن المجتمع قد أصدره على الجماعة التي ينتمي إليها.
من البديهي أن الأطفال لا يولدون و لديهم كراهية لأفراد ينتمون لجماعة معينة، لكنهم على العكس من ذلك يكتسبون هذه الاتجاهات من أمهاتهم و آبائهم خلال عملية التعلم الرئيسية التي يمرون بها.

للتعصب جذور في بعض المجتمعات، حتى أنه قد أصبح معياراً أو عرفاً اجتماعياً ليس من السهل تغييره أو مقاومته. و الحقيقة أن التعصب ينمو في ظل ظروف اجتماعية و نفسية معينة يعيشها أفراده. هناك عوامل متعددة و ظروف تساعد على انتشار التعصب منها :
الاختلاف و التباين بين الجماعات التي تكون المجتمع، وكذلك في المجتمعات التي تسمح بانتقال الفرد من طبقة اجتماعية إلى أخرى (المجتمعات النافذة)، و كذلك كلما كان التغير الاجتماعي سريعاً ازداد التعصب، إذ أن كثيراً ما يصاحب هذه السرعة اختلال ملموس في النظم و المؤسسات الاجتماعية و القيم التي يؤمن بها الفرد، كما يصاحب هذه السرعة نوع من عدم الاتزان و القلق عند الأفراد، فيلجئون إلى التعصب كوسيلة لتغطية هذا القلق و اختلال القيم. الجهل و عدم وجود فرص للاتصال بين الجماعات المختلفة من المجتمع الواحد عامل يؤدي إلى زيادة التعصب. يعتبر الاستغلال عاملاً آخر يؤدي إلى التعصب، و كذلك يرى البعض أن أفراد الأغلبية قد يلجئون إلى التعصب و اضطهاد أفراد الأقليات بقصد توحيد و تقوية العلاقات بين أفراد الأغلبية، خاصةً إذا ما كانت هناك أخطار تهددهم. كذلك تلعب المنافسة في ميادين العمل و الخوف من الفشل الذي يصاحب تلك المنافسات دورها في زيادة التعصب. القيم المشتركة أيضاً لها دور في تقوية التعصب، فعندما يكون هناك تشجيع ثقافي و اجتماعي للتعصب سيضطر كثير من الأفراد على اتخاذ الموقف المتعصب سلوكاً له كي يجاري الآخرين. الأفكار النمطية الجامدة عامل من العوامل المؤدية إلى التعصب.

يلعب الدين دوراً مؤثراً في التعصب، فالمتدين يميل إلى اتخاذ الدين قناعاً لكل أنواع الأفعال القاسية التي يرتكبها، و قد يصف القناع تعبيرات جميلة، لكنه قد يخفي دوافع آثمة، و في معظم الدول يستغل القادة "الدين" من أجل إضفاء نوع من القدسية على النظام الموجود، فالدين كما يذكر "كلينبرغ" قد يكون مصدراً لظهور التعصب نحو بعض الشعوب أو الطوائف و أنه يصعب انتزاع أو تغيير الأفكار التي تنقل من خلال الدين عبر الأجيال.

إن نظرة المتعصب إلى جماعته التي ينتمي إليها تختلف عن نظرته إلى الجماعة التي يتعصب ضدها، فبينما تكون نظرته للأول نظرة حب و انتماء تكون نظرته إلى الأخيرة نظرة عداء و ازدراء.
و من دأب الشخصية المتعصبة أن تذعن لاتجاهات جماعتها و تتبنى هذه الاتجاهات، و تناسبها منها الاتجاهات التي تنفس منها عن المكبوت عندها من مشاعر الكراهية و العدوانية و الإحباط، و تطرح منها عقدها الخاصة بالتفوق و تمارس مع جماعتها الاضطهاد للجماعات الأخرى من الأقليات.
لكن ليس بالضرورة أبداً أن تكون جماعات الأقلية هي التي تتعرض للاضطهاد، فهناك حالات يبدأ فيها التعصب من جانب الأقلية، و حينئذ تضطر الأغلبية إلى اتخاذ ردود فعل دفاعية ضدها أو إلى ممارسة تعصب مضاد أشد عنفاً من التعصب الأصلي (جنوب إفريقيا مثالاً).

و يفسر البعض ظاهرة التعصب بدوافع اقتصادية، فالتعصب تبعاً لهذا التفسير لا يعدو أن يكون مظهراً من بين مظاهر استغلال الإنسان للإنسان (استغلال السود في الولايات المتحدة مثلاً).
في الوقت الحالي، أصبحت نظرية الصراع بين الجماعات تحتل مكاناً بارزاً بين النظريات في تفسير التعصب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تبلغ نهائي يوروفيجن 2024 وسط احتجاجات على مشاركتها ب


.. كيف سيتعامل الرئيس الأميركي المقبل مع ملف الدين الحكومي؟




.. تساؤلات على إثر إعلان الرئيس الأميركي وقف شحنات السلاح الهجو


.. نشطاء أتراك أعلنوا تأجيل إبحار سفينة مساعدات إلى غزة بسبب تع




.. محاكمة ترامب في نيويورك تدخل مراحلها الحاسمة| #أميركا_اليوم