الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية بين الضرورة الوجودية والضرورة الأخلاقية

عاصم علي سعيد

2020 / 9 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحرية بين الضرورة الوجودية والضرورة الأخلاقية
بالمناسبة هذه الآية من المنقول الديني كل دول العالم الحر مضمننها في دساتيرهم .. لو علموا ذلك أو لم يعلموا إلا نحن أصحاب ذات الدين... الآية هذه أساس كل الحقوق والواجبات ..(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد).. يعني (المواطنين)
مشكلة المشايخ أنهم يردون أن يفصلوا بينهم هنا في (الحياة الدنيا)..
وعندما تضف إليها هذه الآية (لاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).. تعرف جلياً أن جنس الإكراه ليس من الدين يعني أن أي شخص يكرهك على اعتناق تصور معين أو فهم معين للدين هذا ليس من الدين .. وأي شخص يتم إكراه على شئ يأتي يوم القيامة حاملاً حجية الإكراه على من أكرهه .. وهنا يتساوى (الإكراه على الإيمان ... مع الإكراه على الكفر)..
أكثر الإسلاميين فهما لمعنى الحرية فهم عصري وإرتقى في فهمه لقول النص المؤسس: (لاإِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) هو المفكر السوداني محمد أبوالقاسم حاج حمد عبر مسطورة التحفة (جدلية الغيب والإنسان والطبيعة) لأنه جعل الحرية (ضرورة وجودية) مثلها مثل الهواء والماء .. والحاجة هنا كانت تتطلب توسيع المواعين التشريعية في الفكر الاسلامي لتستوعب هذه (الحرية).. التي لا وجود لها في المنظور الفقهي إلا عبر (الحرية ضد العبودية والرق) وفقط.. لذلك استعان به الدكتور (محمد شحرور) في بناء مشروعه وأروع شئ في العاِلم أو المفكر عندما يعترف بفضل غيره وهذا نادراً جداً في عصرنا هذا .. فاعترف بأن هذا الطيف الواسع لمفهوم (للحرية) وجده عند (محمد أبوالقاسم حاج حمد)..
الإسلامي الآخر الذي اعتبر الحرية ضرورة هو الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة الاسلامية في السودان ..ولكن الفرق بينه والحاج حمد.. أن الترابي اعتبر الحرية (ضرورة أخلاقية) وهنا يكمن الخلل .. الأخلاق دائما نسبية والسياسة تتطغى على الأخلاق في أحايين كثيرة .. فالترابي الذي يجاهر بعدم مشروعية حد الردة في الإسلام لم يستطيع أن يضمنه في الدستور الذي خطه بيده..
وهذه أقرأها هكذا.. بين بلال وعمرو بن هشام (بلال على الأرض وعمرو فوق رأسه يمسك بكرباجه وسيفه... ترجع ولأقتلك) وفي مفهوم الترابي كدستوري (حد الردة) بلال مكان عمرو بن هشام ونفسك العبارة (ترجع ولأقتلك) ... وهذا عين الإكراه الذي نفاه الله عن دينه
وللترابي موقف آخر مع الأب فليب غبوش عندما سأله فليب عن ترشح الشخص المسيحي لرئاسة الجمهورية في السودان تهرب الترابي كثيرا في بادئي الأمر عن هذه الإجابة وآخيرا رد بعدم جواز الترشيح بعد إصرار الأب فليب غبوش على ذلك.. الترابي هنا وهناك ليس متذبذب بل تتصارع داخله الهواجس ما بين (ابن رشد والغزالي النسخة المعدلة) ما بين (المعرفة عن طريق الإيمان) و(المعرفة عن طريق البرهان) جدلية ابن رشد التي إرتكز عليها الغرب في النهضة وعبروا بها... ونبذتها بيئتها التي أفرزتها فتسلط المشايخ ورجال الدين والفقهاء ساهم في إجهاض التجربة بتغبيش الوعي فقعد الشرق المؤمن ينتظر رجال الدين أن يحلوا له مشاكله عن طريق (المعرفة بالإيمان) تاركين الشق الحركي في المعادلة والمتفاعل مع الوجود (المعرفة عن طريق البرهان) بل منافحين لها بكل السبل فضاع العقل بين (استبداد المشايخ .. واستبداد السلطان) العبارة التي أفرد لها عبدالرحمن الكواكبي كتابا كاملا (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) ... رغم الوصية الإلهية حسب المنقول الديني.. باتباع الطريقة الإبراهيمية (الحنيفية) (جدلية الخلق في حوار الله وإبراهيم النبي) وهي المعرفة عن طريق البرهان .. ولا عجب إذا توقف العقل المؤمن عن انتاج المعرفة .. لنبذه طريق البرهان المحفوف بالشكوك والظنون خوفا من الإنزلاق إلى متاهات المجهول .. لذلك تجد (الدعشنة) تبرز أنيابها عند الأصوليون دائما وهو اندفاع ايماني ينقصه الإيمان البرهاني الذي عبر عنه إبراهيم النبي ب(حتى يطمئن قلبي) فمرد الدعشنة هو عدم إطمئنان القلب لعدم بحثه عن البرهان وجموده عند الابتداعات الفقية الموروثة التي حلت محل النص الأصلي فأستمدت القداسة منه.. لأنها ابنة بيئتها ولا تصلح للاستمرار مفسرة للواقع المتغير والمتشكل دوما مما ينتج فراغا كبيرا بين الواقع المعاش وذلك التفسير للنص الديني مما يشكل لدينا عقليات ذات تصورات متناقضة تؤمن بالشئ وضده في آن واحد.. فينتج عن ذلك فراغ بين الواقع والتفاسير.. فيكمل هذا الفراغ إما بالسب تارة أو التكفير تارة أو اشهار سيف القتل في أحايين كثيرة ليتحقق له إطمئنان القلب بمحو الآخر أو المخالف.
لذلك قمة الجهاد هو (المجاهدة لرفع الإكراه عن الناس) ليعبدوه بملئ إرادتهم أويعصوه بملئ إرادتهم.. كما يقول الدكتور شحرور ليكون الفصل بينهم يوم القيامة وليتحقق للإنسان وجوده الكامل وليتفاعل مع الثلاثية الوجودية العظيمة (الغيب والطبيعة والإنسان) ولتتحقق كلمة الإله (لا إكراه في الدين)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي