الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلط المحمود (العلم، العلمانية، والعولمة)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 9 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا نظرنا إلى الألفاظ الثلاث، التي هي محور موضوعنا: "العلم- العلمانية- والعولمة"؛ وجدنا خلطاً منا بين مفاهيمها الثلاث؛ وأراهُ خلطاً مبرراً ومحموداً؛ إذ أن جوهر المفاهيم الثلاث يلتقي بامتزاجٍ وائتلافٍ ظاهرٍ ودفين في عُمق المعاني وعموم الفائدة للبشر، وهذه الألفاظ بما بينها من تراكيب تدل على القوة والشدة من نوع الاشتقاق الكبير؛ كما بينَّا في المقالة السابقة.

وعلى وجه العموم، فالعِلمُ؛ حسب فهمي له - من خلال عملي في حقوله- أوضح من يُعرَّف، أو يُشارُ إليه من قريب أو بعيد. فما ننعم به من رفاه على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها؛ فالإنترنت نت والسيارة والهاتف والثلاجة والغسالة والطابعة... الخ، كلها عبارة عن منتجات علمية. ويمكن تعريفه بشيء من التبسيط والوضوح (لمن يهمه الأمر) في عبارة موجزة شاملة: العلم، هو المعرفة المكتسبة؛ القائمة على الملاحظة والتجريب، اللازمين لوصف وشرح الظواهر الطبيعية والبشرية. وفق منهجية علمية موضوعية قائمة على الأدلة والاستدلال الاستقرائي الصحيح والتام، والاستنتاجات المستمدة من الحقائق والأمثلة المكررة. منهجية تتبنى التقصي والقياس والاختبار والتحليل النقدي للفرضيات، والمتبوع بالتحقق والتدقيق والمراجعة والتقييم.
والغرض من العلم هو فهم العالم الطبيعي والإنساني؛ وذلك من خلال بناء وإنتاج نماذج منطقية مفسرة؛ تشرح طريقة عمل ذلك العالم؛ وتعطي صورة صحيحة ومفيدة للواقع. وما اختلف العلماء في التوصل إلى "مفهوم موحد" وواضح "للعلم"؛ إلا لاختلاف تخصصاتهم، فكل عالم يرى "العِلم" و"العالَم" من وجهة نظره الأحادية. وما تمكنتُ من وضع هذا التعريف الشامل؛ إلا لاحتكاكي بكل العلوم الطبيعية والبشرية عبر صفحاتها التاريخية من خلال مسيرتها الحضارية؛ بدءً من رسوم أسلافنا "الكارتوجرامية" على جدران الكهوف وصولاً لتقنيات "النانو" وثورة "الكَم".
وتعني العِلمانية: حرية المعتقد؛ فمن وجهة نظري، كعلماني: أُعْبُد ما شِئتَ ومُرْ؛ لكن لا تضُر.
أن تَعبُد الله، أو تعبد الرب يسوع، أو تعبد يهوه، أو تعبد إشفارا، أو تعبد زيوس، أو تعبد مردوخ، أو تعبد أبوللو، أو تعبد آمون رع، وأن تُقدِّس الشجرة أو البقرة أو الصنَم أو الحجر الأسود؛ فلك مُطلق الحرية. ومن حقِكَ عليّ أن أُظهِر لك بعض الاحترام لمعبودك؛ حتى ولو كان ضِفدعاً ومهما بدا لي خُرافياً، طالما أنك وإلَهك من المسالمين.
لكن لا تُقنعني بأنك "أُمِرتَ بأن تُقاتل الناس؛ حتى يؤمنوا بدعوتك "المُتَخيَّلَة" لتستبيحَ أموالهم ودمائهم وتسبي نسائهم وتستعبد غلمانهم"؛ بحجة نشر دعوتك التي تدَّعيها؛ لأنك عندها ستكون عندي وعند كل إنسان يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان؛ مجرد كائن أجرب معتوه؛ أو مجرد مجرم لئيم بالفطرة أُوْحِيَّ إليه من شيطانه القابع في دماغه التي تعاني الصرع ويقتات على الديدان الأسطورية بها، ويجب على الناس التي ستقاتلهم أن يُسارعوا في جزِّ رقبتك الجرباء بمُديةٍ قد ثَلُمَتْ منذ مدةٍ طويلة ويكون جزها ببطءٍ شديدٍ جداً؛ قبل أن تُحَرِّض المؤمنين بك على القتال وتأمر أتباعك من عِصابَتِكَ أو صحابتِكَ المجانين بضرب الرقاب!

وهذا ما حدا بالأوروبيين إلى رفض الدين وعزله في أقصى الأركان؛ كما فعل الشعب الفرنسي بعد ثورته، بعيداً عن الدولة؛ لتتَطَهرَ دولة القانون الدستورية من مشاكل الدين المزمنة والموجعة عملياً وتاريخيا؛ بعدما عانت البشرية منه الويلات سواء بالتمييز والعنصرية (أي فصل الناس إلى معسكرين: "مسكر الكُفر" و"معسكر الإيمان" وتفضيل الرجال على النساء)، والحض على الكراهية... الخ.
وأعتقد بأن كل من قرأ في دينه (حتى القراءة غير النقدية) أو قراءة موضوعية على الأقل؛ فقد لمس كل هذه المشاكل، وما ينقصه فقط؛ سوى الاطلاع على تاريخ الأديان؛ إذا كان يرغب حقاً في معرفة "الحقيقة".
وإن كنتُ (أنا شخصياً) أحبذ - بلا تملُقٍ أو نفاق- الإبقاء على منظومة القيم الجيدة بالأديان؛ بعد تطهيرها من الخرافات وشرور الحض على الكراهية والتمييز والتحريض على القتل؛ لأن العمل الدؤوب على هدم الدين؛ يضر – حسب اعتقادي- بالمصلحة الاجتماعية لجميع البشر على اختلافاتهم الأيديولوجية؛ حيث يمكن أن تتفشى الفوضوية؛ في ظل انتشار الجهل البشع على نطاق عالمي واسع؛ فما بالكم بنطاقاتنا المحلية والإقليمية المُترعة بالجهل الأبشع؟
أما العولمة فتعني: عالمية الاتصال والتواصل بين البشر؛ بعد إذالة الحدود وكل الحواجز التجارية والثقافية على وجه الخصوص، وتهدف التجارة الحرة (الجات) إلى ضمان التدفق الحر لرأس المال، والاستفادة من أسواق العمل الأجنبية الرخيصة؛ وذلك بُغية تطوير الاقتصاد العالمي بشكل متكامل ومتزايد لصالح البشرية جمعاء.
وتنطوي محموديتنا لمثل هذا الخلط؛ على أنه لولا العِلم؛ لَما كانت العلمانية ومن بعدها العولمة (بسياقاتها الحديثة لا القديمة)، أو لأن العلمانية والعولمة كانتا مجرد نتيجتين حتميتين محمودتين للعلم (مع بعض التحفظ اللطيف) على بعض الهنات الطفيفة للتطبيق؛ وإن كانت هذه الهنات ناتجة بالأساس عن التفاوت الصارخ في مدخلات الشعوب أو الفارق الحضاري بين الأمم التقدمية وتلك المتخلفة، التي يعِن لها دوما أن "تَعِنُ" وتصرخ من هذا الفارق؛ مع أن أسباب هذا التفاوت الفاضح (لها بالطبع) ناتج عن طبيعة فكرها وتقاعُسها بالأساس. لكن يظل التفريق الثقافي/الأكاديمي مطلوباً؛ رغم وحدة المصدر اللغوي وتشابه وتآلُف كل المضامين المفاهيمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا