الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تفسير الاستلاب للصهيونية: بين الدوافع الدينية والعلمانية والسلطوية

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2020 / 9 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كانت المفاجاة بالنسبة لي في الفترة الأخيرة، وأنا أعمل على رصد النخب التي تبنت خطاب الاستلاب للآخر الصهيوني، أن وجدت تنوعا شديدا بينهم وفي دوافعهم لتبنى خطاب الاستلاب أيضا، أبرز المفاجأت كانت وجود من تبنوا خطاب الاستلاب للآخر الصهيوني بدوافع وحفز ديني!

قد يكون الأقرب للعقلية النمطية عند البعض هو وجود من تبنوا خطاب الاستلاب للصهيونية على خلفية علمانية! كما رصدت من تبنوا خطاب الاستلاب للآخر الصهيوني حاضرا عند بعض النخب السلطوية، التي تبنته تقربا وطمعا في المزيد من الترقي، لكن "دراسة الحالة" الخاصة بكل نموذج من هؤلاء جعلتني أبحث عن فرضية أخرى لاختبارها من أجل تفسير ظاهرة النخب التي تبنت خطاب الاستلاب.

تنوع وتباين وبحث عن الدافع المشترك
فلقد تباينت انتماءات تلك النخب بشدة ما بين البعض صاحب الخلفية الدينية، أو الخلفية العلمانية، أو الخلفية القومية نوعًا، أو الخلفيات المتنوعة الأقرب للتماهي مع السلطة وتمثلاتها في الوطن العربي، خاصة وأن النخب التي تبنت خطاب الاستلاب امتد تواجدها في كافة ربوع الدول العربية، ومن ثم كان السؤال الرئيسي الذي يجب أجيب عنه هو: ما الدافع المشترك أو ما الحافز المشترك بين تلك النخب لتبني خطاب الاستلاب للآخر الصهيوني والانسلاخ عن الذات العربية؟ خاصة بهذا الشكل العلني والفج في موضوع شديد الحساسية مثل القدس والمسجد الأقصى وقضية فلسطين، وتبني رواية الآخر الصهيوني والانتصار له!

دور التعريف الأساسي لخطاب الاستلاب
من هنا استعدت تعريفي لخطاب الاستلاب للآخر الذي وضعته عند يوسف زيدان – باعتباره الأب الروحي له – الذي هو: "ظهور حالة الافتتان والترويج والدعوة لبديل حضاري "آخر" يستلب "الذات" العربية/ المصرية عن إمكانية تحققها الخاص في مشروع وسردية كبرى خاصة بها، ويبرر لانفصال الذات العربية عن "مستودع هويتها" لصالح "آخر أعلى" ومستودع هويته، يتمثل في مستواه الظاهر في الذات الصهيونية وروايتها للصراع العربي/ الصهيوني، مع إشارة مضمرة لـ"الآخر الأعلى" المصدر المتمثل في الذات الغربية/ الأوربية، التي تعد الصهيونية تمثله الأقرب والمندوب عنه، مع الوضع في الاعتبار السياق الفلسفي الذي أدى لظهور نموذج الاستلاب عربيًّا، والقائم على فشل محاولات القرن العشرين في إنتاج نموذج ذاتي يحقق نموذج "الاغتراب"، مما كرس لظهور مفهوم الاستلاب ونموذجه في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين"..
حيث كان التعريف السابق دالًا في توجيهي للبحث عن النظر في التجربة الفكرية والسياسية لكل نماذج النخب التي تبنت خطاب الاستلاب، والبحث في علاقتها بفكرة التحقق من خلال الذات العربية من عدمه، قبل تبنيها لخطاب الاستلاب الذي خرج به يوسف زيدان في نهاية عام 2015..

فرضية القطيعة الذاتية المسبقة قبل تبنى الخطاب ودوافعها
من ثم قدمت فرضية نظرية واختبرتها لتقديم نموذجًا معرفيًّا يفسر دافعية تبني خطاب الاستلاب عند تلك النخب، وهذه الفرضية تنص على: إن كل من تبنى خطاب الاستلاب، في شكل الخروج والانسلاخ عن رواية "الذات العربية" وسرديتها ببعدها التاريخي او السياسي أو الديني أو الثقافي أو الحضاري.. إلخ، ولم يتمسك بتقديم خطاب نقدي بغرض إصلاحها والبحث عن نموذج لتحديثها من داخلها لا الانسلاخ عنها، كان دافعه لذلك يقوم على وجود عامل مسبق أو محفز لتجربة فكرية عامة أو موقف ذاتي قديم..
أدى لأن يكون هذا الشخص على قطيعة مسبقة مع الذات العربية وسرديتها، بما يبرر قبوله بخطاب الانسلاخ عن روايتها كلية، وفي الصراع العربي الصهيوني خصوصًا ومسألة القدس والمسجد الأقصى، أو على الأقل كان مع القطيعة مع إحدى الروايات السائدة فيها سواء الفكرية أو السياسية أو الدينية، أو على ضعف قيمي يجعله يتكيف مع اختيارات سلطة سياسية ما، بحيث يتم تبني خطاب الاستلاب تكيفًا مع اختيارات تلك السلطة السياسية أو قطاع فيها، بادعاء أن خطاب الاستلاب سيعود مرحليًّا بالنفع أو الوظيفية باعتباره تكتيكًا سياسيًّا قصير المدي أو استراتيجية طويلة المدى.

فسيفساء فرقاء خطاب الاستلاب
وفق الفرضية النظرية السابقة تمكنت من تفسير تشكل خطاب الاستلاب العربي المعاصر، من فسيفساء متعددة ومختلفة المشارب الفكرية والثقافية، حيث لاحظت تنوع توجهات النماذج التي تبنت خطاب الاستلاب ومقولاته الرئيسية، مابين التوجهات أو المبررات العلمانية التي قدمَتها لتفسر لماذا تبنت هذا الخطاب، وكذلك المبررات الدينية التي قدمت لتبرر تبني البعض هذا الخطاب ما بين المبررات المذهبية (كما عند نموذج ينتسب للقرآنيين)، وما بين الداوفع السياسية (كما عند نموذج ديني منشق عن جماعة الإخوان)، أو نموذج ديني يرفع شعارات التحديث والمرونة وإعمال العقل (يعمل مفتيًا لدولة أستراليا). كذلك تبنى البعض هذا الخطاب بمبررات دينية طائفية مسيحية (قامت في الأصل على الجدل مع الدين الإسلامي في مواجهة المسيحية) ، وتبناه البعض في الإعلام تقربًا للسلطة واستشعارًا بأنه خطاب مرضي عنه ويجري اختبار تمريره، كما تبناه البعض تحت شعارات تُقاربُ الوطنية والمرحلية التي تواكب اللحظة وما إلى ذلك.

انتشار جغرافي في الوطن العربي كله
إذ رصدت ستة عشَر (16) نموذجًا من النخب التي ظهرت في وسائل الإعلام المتعددة، ودعمت خطاب الاستلاب وتبنت مقولاته الأساسية بشكل موثق، وذلك في الفترة الزمنية التي امتدت لخمس سنوات (2015: 2020م).. وانتشرت تلك النماذج على امتداد الوطن العربي حيث رصدت الدراسة النماذج في مختلف البلدان العربية، من المحيط من تونس مثلًا، إلى الخليج في السعودية، إلى الشام في سوريا والأردن، ومن القلب في مصر.

على أمل بأن تصدر دراستي لنخب خطاب الاستلاب تلك قريبا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل