الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض الكمال الإلهي لدى ديكارت

هيبت بافي حلبجة

2020 / 9 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدناه في منهجيته بعناصرها الأربعة ، نود أن ننتقده في مفهومه عن الكمال الإلهي الذي أستدل عليه من خلال الإستنباط العقلي في العلاقة مابين وجودنا الناقص وأفتراض وجود إله كامل يفسر حقيقة وجودنا ، ولكي ندرك طبيعة هذا الإستدلال العقلي لامحيص من هذه المقدمات :
المقدمة الأولى : حينما إنتقدنا منهجيته ، إنتقدنا العقم الجدلي المعرفي في العلاقة الوهمية مابين النظري التجريدي البليد ومابين الصحيح الإفتراضي التافه، تلك العلاقة التي لاتتعدى محتوى التنظير العقلي الجاف خارج حدود العلمي وخارج أطر الوقائعي ، تلك العلاقة التي تسيطر على فكر ديكارت كما لو كانت ، هي ، من تحدد طبيعة الحقيقة في الأشياء ، وتحدد حقيقة المبادىء في الطبيعة . ولايدرك ديكارت إن الطبيعة هي التي تحدد مضمون النظري التجريدي ، هي التي تمنح للعقل المصداقية في خصائصه والتي هي ، في الحقيقة ، خصائصها ، فلاخصائص له خارج موضوعات الطبيعة ، وحتى مفهوم البدهية الذي إعتمد عليه ديكارت هو ، في التأصيل المعرفي ، توهم لاعقلي في في طبيعة العقل النظري المجرد ، فلاقيمة للعقل ، على الإطلاق ، خارج حدود الطبيعة . لذلك حينما يضرب إفراغ سلة التفاحات مثلاٌ على إمكانية تمييزنا مابين ماهو سقيم وفاسد ومابين ماهو سليم طازج ، يرتكب حماقة لاتليق بمكانته الفلسفية ، فالتفاحات ، هنا ، تدل على القضايا الفكرية ، وهي لايمكن أن نميز مابين النوعين إلا من خلال الحواس ، في حين أن القضايا الفكرية لايمكن أدراكها ، حسبه ، إلا من خلال العقل البحت ، والعقل ، حسبه ، مشكوك فيه ، فكيف يمكن أن نفارق مابين القضايا الصالحة والقضايا الطالحة ، إذا كان الأصل من يقرر ذلك مشكوك فيه ، وإذا إنبرى ديكارت يدافع عن نفسه ، إنني إعتمدت على البدهيات ومن ثم اليقينيات ، نقول له من أعطى القيمة الموضوعية للبدهبات ولليقينيات ، أليس هو ذاك الذي شككت ، أنت ، في مصداقيته !! .
المقدمة الثانية : وهو موضوع الشك لديه ، وبخلاف الباحثين والمفكرين الذين يقسمون الشك إلى نوعين ، الشك المنهجي والشك المذهبي . نحن نقسم الشك إلى أربعة أنواع ، الشك المذهبي ، الشك الإعتقادي ، الشك المنهجي الإفتراضي وهو الشك المنهجي الأصيل ، الشك المنهجي الديكارتي .
النوع الأول هو الشك المذهبي هو الشك اللاأدري ، هو اللاأدرية بعينها ، حيث نعيش حالة القضية دون أن ندرك حقيقتها ، أي لايمكننا أن نثبتها أو ننفيها ، وهذا ما يجعلنا نواجه ثلاثة أمور ، الأمر الأول إن عقلنا وحواسنا وحالتنا الشعورية عاجزة ، غير قادرة عن إدراك موضوع مفهوم الأشياء ، لذلك نعيش في منطقة حيادية خارج حدود الإثبات وخارج حدود النفي معاٌ . الأمر الثاني إننا نعيش في حالة غياب معرفي مطلق ، أو شبه مطلق لحقيقة الأشياء ، لحقيقتنا ، لحقيقة الظواهر ، لحقيقة إله الكون ، للغيبيات . الأمر الثالث إننا لايمكن أن نؤسس قضية على قضية سابقة ، لإن هذه الأخيرة لاتتمتع بمصداقية الإثبات أو النفي ، فكيف يمكن أن نؤسس على قضية معينة ونحن نجهل فيما إذا كانت صادقة أم كاذبة .
أما النوع الثاني فهو الشك الإعتقادي ، وهو الشك الذي عانى منه الإمام الغزالي ، ويعتقد البعض إن الشك لدى الإمام الغزالي ولدى ديكارت متطابقان ، وينتميان إلى الشك المنهجي ، إلا إن الأمر ، في جوهره ، ليس كذلك ، وعلى خلافه ، فالشك لدى الغزالي لايتعلق بالمنهج ، على الإطلاق ، إنما بالقضايا ذاتها ، فلقد شك في عدة قضايا غيبية ، أي لم يؤمن بها ، فوقع في محنة كادت أن تودي بكل إطروحاته الفلسفية ، سيما الدينية العقائدية .
وأما النوع الثالث فهو الشك المنهجي الإفتراضي ، هو الشرط المسبق الإيجابي الذي يضفي شرعية برهانية ، قوة تحليلية ، مصداقية منطقية على القضايا ، على الظواهر ، على النص ، أو ينفي عنها تلك الخصائص ، وهو الشك الذي نعتمده ، نحن ، في كل القضايا التي نعالجها ، وهو الشك الذي يتمتع بخمسة خصائص أساسية ، الخاصية الأولى إلغاء مصداقية الإيمان والإعتقاد في تحديد جوهر القضايا ، ونفي هذه المصداقية حتى لو على سبيل الإستئناس . الخاصية الثانية مرونة موضوعية مطلقة في البحث عن كافة القضايا ، فلاقضية خارج الشك ، ولا قضية خارج البحث ، كما لايحق للشك أن يلغي المصداقية عن قضية ما بصورة أولية أو بشكل تعسفي أو حتى لضرورة مسبقة . الخاصية الثالثة إن نفي المصداقية عن قضية ما من ناحية معينة ، لايعني ، أبداٌ ، نفي المصداقية عنها من كافة النواحي . الخاصية الرابعة إن إخضاع القضية لقوانين المنطق وأصوله ولسلطة العقل وقواعده لايعني ، أبداٌ ، إن تكون النتائج صادقة بالضرورة ، أي هذا لايعني حتمية النتائج ، لإن منطقنا وعقلنا هما جزءان من الطبيعة ومحددان بجوهرهما ، كما إن الظواهر الفيزيائية تفرض شروطها عليهما معاٌ ، والأصعب من ذلك أن يكون الكون ، نفسه ، ظاهرة فيزيائية . الخاصية الخامسة إن باب القضايا مفتوح لإحتمالية قد يصعب التأكد منها حالياٌ ، سيما بعد أن تيقنا من إن فيزياء الكوانتوم سوف تمد منطقنا وعقلنا بأسس جديدة في البحث والتفكير .
وأما النوع الرابع فهو الشك المنهجي الديكارتي ، ومقولته الشهيرة ، أنا أفكر إذن أنا موجود . تلك المقولة التي إنبثقت من أعماق مفهومه للشك ، لذلك لابد من رؤية ذلك في المستويين التاليين ، في مستوى موضوع الشك ، وفي المستوى اللغوي . في المستوى الأول ، لقد شك ديكارت بالحواس ، وبالحالة الشعورية ، وبالعقل ، لكنه لم يشك في إنه يشك ، وطالما هو لايشك في إنه يشك كفعل حقيقي صادق ، فهو صاحب الشك ، حيث لاشك كفعل دون فاعل ، دون من يقوم بالفعل نفسه ، وإلا كيف تتحقق موضوعة ، إني لا أشك في إني أشك ، وطالما إن شكي هو شكي أنا ، ولايمكن أن يكون شك شخص آخر ، لذلك فأنا أكون ، أي طالما إني لا أشك في إني أشك ، فشكي حقيقي ، فأنا أكون ، وهكذا حصل ديكارت على اليقينية الأولى في وسط عموم الشك . في المستوى الثاني إن التعبير اللغوي يبرز عدة مفارقات مابين فعل الكون وهو المستخدم هنا ، ومابين فعل وجد ، فديكارت يقول ، أنا أفكر إذن أنا أكون ، ولم يقل لغوياٌ ، أبداٌ ، أنا أفكر إذن أنا أوجد أو موجود ، إلا إذا أخذنا مفردة موجود وفعل وجد ، في اللغة العربية ، بمعنى فعل كان ، وهذا مالايقبل ديكارت به . ويتفارق فعل الكون ، كان ، عن بقية الأفعال الآخرى ، بما فيها فعل وجد ، في الآتي ، المفارقة الأولى إن فعل الكون يتماثل ، من حيث تأصيل المعنى ، مع موضوع الكينونة ، بخلاف الأفعال الأخرى التي لاتعرف ، أصلاٌ ، معناها . المفارقة الثانية إن فعل الكون هو موضوع الصيرورة بالمعنى الفلسفي لها ، في حين إن الأفعال الأخرى هي مواضيع السيرورة بالمعنى التطبيقي لها . المفارقة الثالثة إن فعل الكون هو الذي يتناسب مع مبدأ الهوية في قيمته الفلسفية ، في حين إن الأفعال الأخرى تجهل طبيعة هذا المبدأ .
المقدمة الثالثة : وهو موضوع شكه في الحواس ، فيزعم إن الحواس تخدعنا في حالات عديدة ، في حالة المرض من حيث المزاق والطعم ، في رؤية الشمس وهي على شكل قرص في السماء في حين إنها كبيرة في الواقع ، في موضوع العصا المكسورة في الماء . وطالما إنها تخدعنا ، هنا ، فبمقدورها أن تخدعنا في كل الحالات الآخرى . وفي الواقع إن الحواس لاتخدعنا أبداٌ ، بل هي تنقل موضوعاتها إلينا بكل أمانة وإستقامة ، ولو إنها فعلت ، العكس ، لما كانت أمينة ، ولكانت خادعة آنئذ . فقرص الشمس في السماء تتناسب ، بالمطلق ، مع بعدها عنها ومع حجمها الحقيقي . وكذلك تغيير المذاق عند المرض ، فلقد تغير المذاق لوجود المرض وليس لإن الحواس خدعتنا ، بل بالعكس هي نقلت الصورة إلينا على حقيقتها . وكذلك فعلت في موضوع العصا المكسورة في الماء ، فالعين تنقل الأشياء إلينا حسب طبيعة الضوء الصادر منها ، ولاتحرف فيها أبداٌ .
المقدمة الرابعة : لن نتحدث عن مفهومه حول خداع الحالة الشعورية والعقل لنا ، ووجود روح كائن خبيث قد توهمنا بوجود تلك الحالات ، أو إننا قد نكون في حلم طويل ، في الحقيقة هذه مسائل تافهة لاتليق بديكارت ولا تستحق إلا التنويه العابر .
المقدمة الخامسة : لنعود ، مرة ثانية ، إلى موضوعه حول إنه لايشك في إنه يشك ، وبالتالي هو يفكر إذن هو موجود ، وهنا تبرز لديه قضية من نوع مختلف ، فيزعم كيف شك في وجوده ، فلو كان وجوده يتمتع بمغهوم الكمال لما شك ، أصلاٌ ، في وجوده ، فوجوده ، بهذا المعنى ، هو وجود ناقص ، وهنا يتحول ديكارت إلى ديكارت آخر ، وينسى شكه كلياٌ ، وتبرز لديه القضايا التالية : القضية الآولى أصبح يعتمد على الحدس وعلى العقل و الإستدلال العقلي جهراٌ بعد إن أعتمد عليهما سراٌ، وكأن روح ذلك الكائن الخبيث لم يعد لها وجود ، وكأن الأحلام إنقضت وإندثرت ، وبات يزعم إن طالما وجوده ناقص فلابد من وجود كامل لايشك أصلاٌ ، لإنه كامل ، وهذا الوجود الكامل هو حتماٌ وجود إله الكون ، أي إن الشك هو دليل على الوجود الناقص ، الإنسان ، واليقين ( اللاشك ) هو دليل على الوجود الكامل ، إله الكون . القضية الثانية حن إلى إيمانه السابق بإله الكون ، وفرض شروط وجوده على حقيقة ومفهوم الأشياء ، ونسى وتغافل عن منهجيته الإفتراضية وعن عناصرها الأربعة ، وربط مابين مفهومين هما ، الكمال الإلهي والصدق ، وإله الكون لايمكن إلا أن يكون صادقاٌ لإنه كامل ، أي إن ناقص الوجود يمكن أن يكون كاذباٌ ، كالإنسان . القضية الثالثة وهكذا إضطر ، للضرورة ، أن يؤكد على وجود جوهرين لارابط يجمعهما ، منفصلين تماماٌ ومختلفين في الطبيعة بشكل مطلق ، وهما جوهر الروح وجوهر الإمتداد ، وهكذا تسنى له أن يفارق مابين طبيعة إله الكون وطبيعة الإنسان .
والآن هل يمكن أن تصمد هذه الرؤيا أمام النقد ، لا أعتقد :
أولاٌ : في موضوع إشكالية الوجود ، الوجود هو حالة تأبى وترفض مسألة الأنواع أو الأقسام ، فلاتوجد أنواع للوجود ولا أقسام له ، ولا وجود ناقص ، ولاوجود كامل ، ولاوجود أسمى ، ولاوجود أدنى ، فالوجود هو حالة بحد ذاتها ، ضمن مفهومية هذه الخصائص :
الخاصية الأولى إن الموجودات والأشياء كلها تتكون ، تتطور ، تتحلل ، تنحل ، تتفكك ، تتفاعل ، تتكامل ، تتحول ، يطرأ عليها ما يطرأ ، فلايوجد شيء خارج هذا المحتوى ، ولايوجد شيء إلا ويخضع لقاعدة يطرأ عليه ما يطرأ ، فلا خالق ولا مخلوق ، إنما ولادة وتكوين .
الخاصية الثانية إن الوجود هو المعنى التجريدي للأشياء ، للموجودات ، فلايوجد شيء أسمه هذا هو الوجود ، وحينما نقول إن وجودنا ، فإننا نقصد المعنى المفارق لكل ذات من ذواتنا دون أن نمنحه وجوداٌ مفارقاٌ ، والوجود بهذا المعنى يتطابق مع مفهوم العالم والكون .
الخاصية الثالثة إن الوجود هو مفهوم الكل ، محتوى العالم ، مضمون الكون ، فالكل هو الكل بعينه ، دون أن نقع في مصيدة مبدأ الهوية ، أو في فخ مبدأ عدم التناقض ، وكأن الوجود هو المختبر الخاص به ، تماماٌ مثل الجسم الإنساني ، شريطة ألا يؤكد ذلك تصوراٌ محدداٌ أو مطلقاٌ لما قد يكون عليه الوجود ، أو الكون ، أو العالم ، لكن ضرورة ألا نتصور كائن يخلق الكون ، أو يتحكم بالعالم ، أو يملك الوجود ، فهذا التصور الأخير هو مصادرة كل شيء في عالمنا لصالح توهم بشري ، وحماقة بشرية إعتقدت جهلاٌ بوجوده .
الخاصية الرابعة إن وجود الأشياء والموجودات والوجود العيني في تمثيل الكون والعالم ، هو ليس ، وبالضرورة ، إلا وجود فيزيائي صرف ، أو وجود فيزيائي في ظاهرة فيزيائية ، وهذا ينفي عن الطبيعة مفهوم الإمتداد الديكارتي كجوهر ، وينفي كذلك مفهوم الروح كجوهر، وينفي ، بالقطع ، مفهوم الإنفصال مابين الإشياء ، وهذا ماينقلنا إلى ثانياٌ .
ثانياٌ : في موضوع إشكالية جوهري الروح والإمتداد ، حينما تحدث ديكارت عن البدهيات ، عن اليقينيات ، عن فكرة أنا أفكر إذن أنا موجود ، عن منهجيته ، فهو تحدث عنها كمفهوم تنظيري ، حيث أسس فلسفته تكمن في محتويين ، الأول هو إيمانه المسبق بوجود إله للكون ، وبكماله وبكمال صفاته ، والثاني هو جوهر الروح وجوهر الإمتداد . وإذا ماتركنا مفردة الروح جانباٌ ، تلك المفردة الزرادشتية الكوردية القديمة التي أربكت الفلاسفة والأنبياء وآلهة الكون ، وألزمنا أنفسنا بمفردة الإمتداد فإننا نحصل على نتائج متضاربة في فكر ديكارت .
فمن زاوية ، إن لو صدقت فكرة الإمتداد ، فلابد أن تصدق فكرة المكان المطلق ، فلا إمتداد بدون مكان مطلق ، فالمكان يسبق الإمتداد فيما إذا كان الإمتداد جوهراٌ ، وإذا ما وجد هذا المكان ، حصلنا على طبيعة غير فاعلة ، على أشياء معطاة بصورة مسبقة ، على قوانين سخيفة وتافهة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، على منطق شكلي صوري أرسطوي جامد ، لاحياة ، ولاتطور ، ولاتفاعل بنيوي ، على أبعاد مكانية حيث المستقيم هو المستقيم إلى اللانهاية .
ومن زاوية ثانية إذا كان الإمتداد ، مثل الروح ، مثل إله الكون ، جوهراٌ مستقلاٌ منفصلاٌ عنهما ، ويتمتع بخصائصه الذاتية المباشرة ، فلابد أن يكون جوهراٌ كاملاٌ مثلهما ، أي لن يعتوره أي نقص في كماله ، وهذا يفضي بنا إلى جملة نتائج تناقض حيثيات الفكر الديكارتي ، الأولى ، لو كان الإمتداد ، ومن ثم المكان ، بهذا الوضوح البدهي ، فلماذا شك ديكارت أصلاٌ ، وإستنتج مقولته التافهة ، أنا أفكر إذن أنا موجود ، ولماذا لم يؤسس الإستدلال العقلي على فكرة الإمتداد وفكرة الروح وفكرة إله الكون . الثانية كيف أدرك ديكارت إن الإمتداد جوهر قائم بذاته ، مستقل تماماٌ ، أ بالحواس أم بالعقل ؟، إذا كان ذلك بالعقل فهذه ورطة لاقعر لها لدى ديكارت ، تهشم منهجيته من جذورها ، وإذا كان بالحواس ، فهذا يعني إن الحواس صادقة بل ونزيهة ، وهذا يحطم صرح مجمل إطروحاته . الثالثة إن فكرة إن الكمال الإلهي هو الكمال الوحيد في الوجود لم تعد صادقة ، لإن الإمتداد ، وكذلك الروح ، يتمتعان بنفس تلك الخصائص في الكمال ، وإذا إعتقد ديكارت إن فكرتنا هذه ليست صحيحة ، بل مغلوطة ، فنقول له ، هل من المعقول وجود جوهر ، الإمتداد ، وهو منفصل عن الجواهر الأخرى ، إله الكون والروح ، ومستقل عنهما تماماٌ ، بحدود ناقصة ، وفي فرض ، والفرض هنا غير صادق ، وجود نقص في جوهر الإمتداد ، لإنهارت الفلسفة الديكارتية ، لإنهيار منطوق الجوهر في الإمتداد .
ثالثاٌ : في مفهوم الذات الديكارتية الناقصة ، حينما إعتقد ديكارت إن ذاته ناقصة لإنها لو كانت كاملة لما شك ، هو بالأساس ، في موضوعاته ، وإن ذاته الناقصة تنم عن وجود ذات كاملة ، الكمال الإلهي ، فهل هذه الفكرة مبنية على نقص في الوجود الإنطولوجي ، أم نقص في حدود العلم والمعرفة لدى ديكارت ، ففكرة إنه لو كان كاملاٌ لما شك تأصيلاٌ تؤوب بجذورها إلى محتوى النقص في العلم والمعرفة ، لذلك فإن الإعتقاد إن الذات البشرية الناقصة لدليل على وجود ذات إلهية كاملة ، هو إعتقاد خارج حدود المنطق ، ومغلوط في تقعيده . ولو صدقت فرضية ديكارت لدلت على إن ، من ناحية ، إن الإنسان هو آلهة ويتمتع بالعلم الإلهي ، ومن ناحية ، كذب فرضية ديكارت على وجود جوهرين ، الروح والإمتداد ، فهل أخبره إله الكون بذلك !! .
رابعاٌ : في موضوع إطروحته الفعلية في الشك ، فهل الشك موجود ، لإنه ضرورة موضوعية ، أم لذاتية خاصة من ديكارت نفسه ، فإذا كانت لضرورة موضوعية ، فإن الشك يغدو شكاٌ إدعائياٌ ، شكلياٌ ، مزوراٌ ، غير حقيقي ، لإن الضرورة هي ، هنا ، بحكم الضرورة الإنطولوجية ، الكاشفة والمكشوفة معاٌ ، أي من المفروض أن تنكشف للجميع . وإذا كانت لذاتية خاصة منه ، فهذه قضية نسبية ، غير إعتبارية ، مرهونة بشخصه ، فهناك الكثير من الفلاسفة من لايشكون بحقيقة تلك المواضيع ، ناهيك عن المفكرين والعلماء والباحثين .
خامساٌ : في موضوع الكمال الإلهي ، إذا وجد إله للكون ، ومن الضرورة أن يكون كاملاٌ ، فمن الضرورة ، حتماٌ ، أن يتم إدراك هذا الكمال بدون برهان أو دليل ، أي لو صدقت فرضية الكمال الإلهي ، لما إحتاج ديكارت أن يقيم دليلاٌ عليه عبر منطوق النقص في الذات البشرية .
سادساٌ : في متابعة موضوع ثالثاٌ ، في الحقيقة إن العلاقة مابين النقص والكمال ، هي علاقة كاذبة وسخيفة ، فإما ان تتعلق الفكرة بالوجوديا ، أم أن تتعلق بالمعرفة ، في الحالة الأولى نلج في متاهة الوجود الكاذب والصادق ، ومتاهات أخرى لاتحصى ، وفي الحالة الثانية إن المعرفة الناقصة ليست دليلاٌ على وجود المعرفة الكاملة ، ولايجوز ان نستنبط الأخيرة من الأولى ، كما إن وجود الأخيرة هو محض إفتراء على حقيقة الطبيعة ، والأمر كله هو مجرد تصور ديكارتي تافه .
سابعاٌ : في متابعة موضوع سادساٌ ، لماذا يحتاج إله الكون إلى العلم الكلي والمعرفة الكلية ولماذا يتصف بخاصية الكمال ؟ إذا تعلق الأمر بالسماء فنحن ، البشر ، خارج سياق ذلك العلم وتلك المعرفة ، أي إنها ، كضرورة ، بحكم اللاوجود ، وإذا تعلق الأمر بالأرض ، فلاقيمة موضوعية لهما ، على الإطلاق ، هذا في حال فرضية وجود إله للكون . وإما ما معنى الكمال الإلهي ، فمن الواضح إن البشر يبدعون في إبتكار مفاهيم تغدو كارثة لهم فيما بعد . وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والتسعين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد