الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات في معاني القتل...

علي الظاهري

2020 / 9 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بدأت مأساة الإنسانية منذ كان القتل والبطش. مأساة تتلوها مآسٍ. مآسٍ بشريّة، لا يمكن حصرها في سجلّ التاريخ ومُدوّنته، ولا في ذاكرة بشريّة قد تغيب وتمّحي، ولا يمكن للتاريخ أن يخبرنا عنها، أي، عن مدى حقيقتها من زيفها. القتل في المفرد والجمع، قد لا يرتبط بجنس البشر، بني آدم لوحده. القتل أنواع: حيواني، إنساني، طبيعي، غريزي، قصدي، وعلى وجه الخطئ. الإنسان، مقصدنا، قاتل ومقتول في الوجود البشري على امتداده، ومنذ أن بُعث إلى الحياة. القتل في الحالتين، مُذكّر أو مؤنث، يبدأ أو تبدأ بفعل وتنتهي ب...لكلٍّ، رأيٌ، في ما ستصير إليه لحظة القتل. ولم يكن القتل، في الحقيقة، واقعة بل وقائع وصيرورة لم تقف...يقول تعالى: "قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ". الموت-هنا وهناك- أرضيٌّ وإنسيٌّ، كما الحياة. وعليها- الأرض- الفعل وردوده، في مآلاته ومصيره ومساراته...
لا ندري أوّل القتل: متى وكيف؟ ولكن يخبرنا القرآن العظيم عن قاتل ومقتول. القاتل قابيل، والمقتول هابيل. أخ لأخيه، من صلب آدم الأب، وحوّاء الأم. قال تعالى :"وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِن أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ* فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ في الأرضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءة أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءة أَخي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ".
القتل في ثقافتنا الجريحة، سوءة وجريمة وندم وندامة. الموت أرحم من الخطيئة، خطيئة القتل أو قصديته، كلاهما سيّان. هذه الواقعة، بدأت فينا ولم تنته. وخلّفت الحزن والحسرة في ذات القاتل، قاتل هو، وهو في آن، مقتول. عار أن يقتل ألأخ ابن أمّه وأبيه، ولكنّها لحظة، لابدّ منها لتستمرّ الحياة بأضدادها، شرّها وخيرها، كرهها وحبّها، جنّتها ونعيمها. القتل إثم تاريخي يلاحق إنسانيتنا في كل زمان ومكان. الإنسان آثم منذ القدم، أو على حدّ تعبير هوبز" عدوّ لبني جنسه". العداء يُخلّف القتل والكيد والمكيدة. القتل ولادة غير شرعيّة في الفعل وبالفعل. عندما قتل قابيل هابيل كان يبحث عن سعادة، في سلوك شيطاني، ووهما كان يبتغيها، لأنّها منتهية في لحظة استرجاع وعي مفقود ومضطرب. في لحظة صادمة، نسي الإنسان خلقه، بل نسى نفسه، وغابت كل معاني الإنس و الودّ والرحمة فيه، وتحجّر. فالراحل "هابيل" المقتول، انتهت مأساته في برهة زمنية، وبدأت مأساة قاتله لحظة القتل... إنّ مأساة الإنسان الحقيقية هي في وجوده لا عدمه.
ماذا يعني أن تكون قاتلا؟ إنك بصورة أخرى مقتول. القتل فعل، وله معانٍ كثيرة في ثقافتنا العربية الاسلامية، قتَلَ يَقتُل، قَتْلا، فهو قاتِل، والمفعول مَقْتول وقَتيل.
قتَل الحيوانَ/ قتَل الشّخصَ: أماتَه، ذبَحَه، أزْهَقَ روحَه، فتَك به ...
قتله بأخيه: قتله منتقمًا لأخيه.
قتله شرَّ قِتْلة: بأبشعَ هيئةِ قتل، بفظاعة وعنف دون رحمة. يقول الله عزّ وجل في محكم كتابه: "...أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
القتل، وإن كان فرديا، فهو بالجمع والعرض والطول. القتل قتل: فرديا أو جماعيّا. ليس أشدّ وأعظم من زهق الروح. زهق روح، يعني أن توقف حياة، والله وحده المحيي والمميت. في القتل، يريد القاتل أن يحلّ محلّ الخالق، والخالق وحده من يضع حدا لحياة أيّ كان: بشرا، حيوانا أم نباتا...
القتل المقصود، فعل تجاوز ومكابرة، وبطش، وخروج عن بني آدم. أصل الإنسان رحمة، من الإنس والأنس والودّ. وهنا، يتحوّل القتل، عبر التاريخ، مع القاتل الواعي بفعلته، إلى مُتجبّر خارق لنواميس الحياة الإنسانية في أصلها الروحي والوجودي. هكذا هي الإنسانية القاتلة، قد لا يطيب لها المقام في حياة بلا قتل ولا بطش. إنّها تبحث عن معنى وهذا المعنى والمقام "لا يطيب إلا عبر جروحها" كما يقول نيتشه. وُجد الإنسان ليحيا في البدء، أما القتل إستثناء. لماذا يضع الإنسان الفرد حدا لحياته؟ ارتضى الموت منتحرا على الحياة. هو شكل آخر من القتل الانتحاري، لكنه بمعنى ما نفسي-اجتماعي. يقتل الإنسان نفسه، ولكنّ القاتل المنتحر، هو في ألأصل مقتولُ مجتمعه، بكلّ ضوابطه ومعاييره وقيمه ونواميسه. يتحوّل القتل بهذا المعنى أو الانتحار إلى سبب بنيوي، قبل أن يكون فعلا عارضا، كما يرى ذلك دوركايم عندما يصف الانتحار بالخلل المجتمعي، فيتحوّل معه الفرد إلى ضحية بفعل بنية وواقع شموليّ.
القتل في كل الأمصار والأحوال، له أسبابه ومسبباته ومفاعيله، وغاياته. القتل موت، والموت قد لا يعني القتل المادي. الموت قرين للقتل والحياة قرينة للوجود. ولكنّ لبس الوجود من عدمه، قد يحيلنا على نهايات كثيرة في هكذا قتلى. الجريح مقتول، والمحبط مقتول، والهامشيّ مقتول، والذي يبحث عن معنى في خراب، هو الآخر مقتول. القتل نفسي وفيزيولوجي ووجودي ورمزي. الذي يحاط بالإنسانية -اليوم - بفعل الهمجية والوحشية والعنصرية، وكلّ أشكال الاستعباد، هي قتل رمزي، وكلّها من القتل. قتل يتلوه قتل. امبريالية القتل، في واقعنا الراهن لا حدّ لها، إنّها تقتل بالحياة، يعني قتل الأمل، وكل معاني الحب والسلام. يكفي لنتأمّل في هكذا دمار مُمنهج شمل الإنسان بكلّ فئاته العمرية: أطفالا وشبابا وكهولا. وأتى القتل على الطبيعة، فيبّسها وخنقها وراح ضحيّتها الإنسان المُختنق...
وجهان للقتل، لنحيا أو نموت، قد يأتي يوم للحياة بعد أيّام للموت.. ولا يزال الأمل في الإنسان-الإنسان...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي