الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة مع سجن مدني

مايا جاموس

2006 / 7 / 7
أوراق كتبت في وعن السجن


في عدرا ، كانت المرة الأولى لنا مع سجن مدني ، رغم السنوات الطوال وتنقلاتنا خلالها بين العديد من السجون في سوريا.
وباعتبار سجن عدرا مدني، يعني هو قريب من المدينة، بين الناس، بين البيوت، أساساً بلدة عدرا عبارة عن السجن وحوله بيوت، يحميه منها جدار فصل سميك يزدوج في معظمه، لكن لا بأس المهم أنه ليس في آخر المعمورة كما في تدمر. ولنضف أن آلية الحصول على موافقة بالزيارة هو أمر لا يقارن بين سجن مدني وآخر سياسي، فأيام صيدنايا مثلاً كانت الموافقة تبدأ من محكمة أمن الدولة ، مروراً بفرع الشرطة العسكرية في القابون ، وصولاً إلى السجن في صيدنايا. أما هنا في عدرا فالأمر لايحتاج إلى تلك "السيرانات" القسرية..... سجن مدني.
ولأنه مدني فهو للجميع، جميع فئات المجتمع وجميع التهم، من متعاطي الحشيشة والمخدرات إلى مهربيها، الاقتصاديين، والمجرمين يعني القتلة ، فتهم الدعارة، وصولاً إلى السياسة " الجريمة الأخطر في الوطن سوريا".
السياسة أو الرأي، هذه الجريمة التي يعاقب عليها صاحبها بعشرات السنين من الاعتقال والحرمان من كل شيء في الحياة، إلا من الموت يومياً في كل لحظة، قهراً وحرماناً وعذاباً وحسرةً.
هكذا كان حظّ أبي هذه المرة "مدنياً"، في مهجع مكتظ بالمدنيين على أنواعهم: حشيشة ، سرقة ، قتل ، "تشبيح"، .... ما العمل يا فاتح وخبرتك مع السجون المدنية صفر؟!
قرر الرجل أن الأسلوب الوحيد للتكيف مع الوضع هو طول البال!!

منذ دخل المهجع بدا الوضع غير طبيعي، جميع "المدنيين" خائفون منه!! يا للسخرية شبّيح مجرم حجمه مثل الحائط خائف من أبي.
تدريجياً توضح الأمر، إذ تم تخويف وترهيب جميع المعتقلين وتحذيرهم من الاقتراب منه أو التحدث إليه أو تقديم المساعدة له. وكما يقال اضرب الحديد حامياً.. هكذا فعلت إدارة السجن، عندما عاقبت ومنذ الساعات الأولى سجينين طيبين كسرا الحظر المفروض وقدّما بعض المساعدة لأبي... فكانا عبرةً للآخرين.

أما الفراش فهو قصة ..
إذ بقيت إدارة السجن مصرةً لفترة تزيد عن الشهر ونصف على منع أبي من النوم على سرير.
لا بأس ليس لدي مشكلة مع النوم على الأرض فأنا فلاح. هكذا فكر والدي معتقداً أنهم في السجن المدني يحاولون أن يخلقوا لكل معتقل جوَّه فلا يفرق عليه الوضع. لكن الأمر لم يجرِ كما تصوره والدي ، لأنهم لم يكتفوا بذلك بل رفضوا تقديم الفراش له ومنعوا مؤجري الفراش من تأجيره هو بالذات.
وفي السجن المدني رفضت الإدارة السماح لأبي بالاشتراك في مكتبة السجن.
لا حديث مع أحد ولا قراءة، فقط جلوس أو تمشاية أو محاولات بائسة للنوم في المتر المربع الواقع في ممر الغرفة المؤدي إلى الباب، يعني بين الأرجل.
وصلت إدارة السجن أخبار بأن أبي يشعر بالتذمر والضيق من وضعه ، فقررت تسليته بطريقتها المميزة من خلال "المدنيين" معه في المهجع، بعشرات ضربات الكونغ فو على وجهه ورأسه حتى إسالة الدم من أنفه ، وكي تستمر التسلية ، فتحت إدارة السجن تحقيقاً بالحادث وانتقت شهوداً من الشبّيحة أمثال الذي قام بالضرب ، هؤلاء الشهود قالوا إن أبي ضرب الشبيح و لم يكتفِ بذلك بل ضرب رأسه ووجهه بالحديد ليدعي العكس وها هي العلامات في وجهه( أي وجه أبي )
تثبت صحة شهادتنا. كل هذا الدلال والتسلية.. وتتذمر ياأبي؟!

مشاهد عبثية من سجن عدرا:
في كل مرة يضيع ربع وقت الزيارة باحتجاجات الضابط المرافق المراقب لنا على مصطلح (معتقل) " أنت هنا نزيل نزيل ... أو موقوف ولا تقل معتقل" هكذا يصر الضابط .
أما الربع الثاني فيضيع بالطريقة نفسها على مصطلح( سياسي) " ليس لدينا سياسيون الجميع هنا قضائيون" .
نسيت إخباركم أنه صار يلازمنا ضابط بنجمتين أثناء الزيارة التي حددت مدتها بنصف ساعة، وحين نستفسر عن السبب أو نحتج يجيبنا الضابط ممنّناً " نحنا محترمينكن وحاطيلكن ضابط موأحسن ما يكون معكن شرطي ؟! "
وهذا الضابط أصبحنا نتعامل معه على أنه زائر لأبي مثله مثلنا نحن الأهل فلا نزعل إن أخذ نصف وقت الزيارة بتدخلاته واحتجاجاته وتصحيحاته للمصطلحات .
هكذا لحقتنا الإجراءات الاستثنائية إلى الزيارة، هذا ما لا يحصل مع القضائيين .

في زيارتي قبل الماضية أخبرني أبي أنه صار إقطاعياً ، لديه سرير ومعزبة ( المساحة بين سريرين) وأنه بات يأكل مع مجموعة لا لوحده ... يا للعزّ! نزيل بسرير ومعزبة وضابط مرافق ونصف ساعة أسبوعياً .. ألم أقل لكم إن سجن عدرا مدني؟ ومدني بامتياز.
لا تستغربوا فسورية نفسها سجن مدني كبير أو عسكري أوحتى سياسي لا فرق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة


.. مقتل عدنان البرش أحد أشهر أطباء غزة نتيجة التعذيب بسجون إسرا




.. كم عدد المعتقلين في احتجاجات الجامعات الأميركية؟