الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يلعب مع الكبار كمن يلعب بالنفط والنار

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 9 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مع بداية العام 2014 وصل سعر برميل نفط برنت الخام إلى 110 دولاراً، وهو نفس العام الذي انهار فيه سعر البرميل من نفس الخام إلى أقل من ثلاثين من الدولارات، ومن أسباب هذه المشكلة: دخول الولايات المتحدة السوق كمصدّر للبترول، حيث زادت الولايات المتحدة إنتاجها النفطي من 10 ملايين إلى 14 مليون برميل يومياً، متخطية بذلك كلاً من روسيا والسعودية على رأس قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للبترول.
مع العلم بأن هذه الكمية الإضافية الكبيرة من النفط المتاحة في السوق العالمية تعادل إنتاج كل من نيجيريا وأنغولا وليبيا مجتمعة من النفط، والتي تعتبر من أكثر الدول الأفريقية إنتاجاً للبترول؛ وذلك بسبب تقدم تقنياتها في استخراج النفط والغاز الصخريين. بالإضافة لعودة بترول العراق وإيران إلى الأسواق، ومعهما الزيادة في إنتاج البرازيل بعد اكتشاف كميات كبيرة من البترول على أعماق تتراوح بين أربعة وثمانية كيلو مترا بين طبقات صخرية وملحية.
ومع إصرار السعودية (ثالث أكبر مصدّر للبترول في العالم) في الإبقاء على معدلات انتاجها المنخفضة؛ لكنها عادت وتراجعت؛ تحت ضغط الحاجة؛ وزادت من انتاجها؛ رغم انخفاض الأسعار؛ وقامت في محاولة منها لتحجيم دور غريمتها الأساسية في المنطقة، إيران، في السوق العالمية من جهة، وإجبار الأمريكان على الرجوع عن الاستخراج الصخري، المُكلف نسبياً.
لكنه بدا للأمريكان، في ظل أسعار بداية العام المرتفعة؛ مجدياً نسبياً. وإذا أضفنا ارتفاع وتيرة الاستهلاك الصيني للبترول من 7 ملايين إلى 11 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل استهلاك منطقتي أمريكا اللاتينية ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا معا، وأخيراً، عجز منظمة الأوبك عن منع أسعار النفط من الهبوط؛ نظراً إلى أن أعضاءها ملتزمون بالإبقاء على معدلات إنتاج مستقرة، بالإضافة إلى أن البعض منهم يقومون باستخراج كميات أكبر من حاجة الأسواق.

وترجع جذور هذه العلاقة الأمريكية/السعودية الاستراتيجية للعام 1945 بعد نهاية الحرب العالمية. حيث انعقد الاجتماع الأول بين رئيس أمريكي وملك سعودي إبانها، وترك روزفلت ورائه هدية فريدة. بعد أن سحر روزفلت ملكًا سعوديًا وفاز بوصول الولايات المتحدة إلى النفط.
في زمن الحرب العالمية؛ بدا أن الخوف من نقص النفط خوفاً مشروعاً. فحصل اجتماع سري تم فيه تبادل الهدايا (بما في ذلك كرسي متحرك) وصداقة ناشئة. عندما التقى فرانكلين دي روزفلت بعبد العزيز بن سعود في 14 فبراير 1945 على متن مدمرة تابعة للبحرية الأمريكية في قناة السويس ، وأرسى اللقاء أساسًا لـ "العلاقات الأمريكية السعودية التي ستستمر لأجيال"، وتضمن وصول الولايات المتحدة إلى احتياطيات النفط السعودية بكل أريحية.

السبب الرئيسي للاجتماع، الذي استمر عدة ساعات، كان يتعلق باحتمال إقامة وطن لليهود في الشرق الأوسط، مع محاولة روزفلت إقناع الملك بقبول 10000 يهودي في فلسطين. كان عبد العزيز وقتها يُعتبر دوليًا قائداً عربياً رئيسياً ومحاربا جسوراً وشخصية أسطورية في إقليمه الصحراوي. وكان اجتماعهم سرياً، لأن الحرب كانت لا تزال جارية، وكان روزفلت قد تعهد لونستون تشرشل الإنجليزي بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في الأراضي التي يسيطر عليها البريطانيون. قبل أسابيع قليلة فقط، حررت جيوش ستالين أوشفيتز، وكشفت أهوالها للعالم.
ويبدو أن روزفلت - كزعيم للعالم الحر الجديد - اعتبر محنة اليهود مهمة شخصية. اشتهر روزفلت بسحره وذكائه ودفئه، وكان واثقًا من قدراته الخاصة في الإقناع. كان يؤمن بشدة بقيمة الدبلوماسية الشخصية – حيث اللقاءات الصريحة والحميمة بين القادة الأقوياء - لحل القضايا الثقيلة والملحة .
سبب رئيسي آخر للاجتماع كان: "النفط". وقد اكتشفت شركتا نفط أمريكيتان بالشراكة، وهما شيفرون وتكساكو، في أواخر الثلاثينيات من القرن قبل الماضي، كميات هائلة من النفط في الجزء الشرقي من المملكة. "أظهرت التحليلات الجيولوجية اللاحقة أن مركز الثقل بأكمله في إنتاج النفط العالمي وإمداداته سيتحول قريباً إلى الخليج الفارسي، خاصة؛ المملكة العربية السعودية.
علاوة على ذلك؛ كان لدى إدارة روزفلت وقادة صناعة النفط مخاوف عميقة من أن نقصا كبيرا في النفط كان وشيكا. فرأى وزير الداخلية آنذاك، هارولد إيكس، بأن النفط السعودي والأمن القومي / الرفاهية للولايات المتحدة على أنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا، بل واقترح أن تفرض الحكومة الفيدرالية سيطرة مباشرة على جميع موارد النفط المملوكة للشركات الأمريكية في العربية السعودية.
خاصة؛ مع وجود دلائل قوية على أن البريطانيين كانوا يحاولون السيطرة على شركة شيفرون – تكساكو؛ لذا كان جزء من هدف روزفلت في لقاء الملك السعودي استراتيجيا. وكان فرانكلين روزفلت يعلم أنه "سيخدم المصالح القومية للولايات المتحدة في مجال أمن النفط على المدى الطويل" بهذا اللقاء.
واتضح أن الزعيمين كانت صداقاتهما جيدة؛ لدرجة أن روزفلت، الذي سيموت بعد ثمانية أسابيع فقط من هذا الاجتماع، قد أهدى الملك أحد الكراسي المتحركة (بالإضافة إلى طائرة ركاب من طراز DC-3). كما قدم الملك بدوره هدايا للرئيس روزفلت، بما في ذلك خنجر مرصع بالألماس وعطور ومجوهرات من اللؤلؤ وأحزمة من خيوط ذهبية منسوجة وأزياء حريم مطرزة.
والأهم من كل ذلك صفقة العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والتي بُنيت على أساس: "السلاح والأمن للملكة في مقابل النفط". وأجمع المرافقون على أن روزفلت كان في أفضل حالاته وكان الملك دافئًا في المقابل. حيث قال الملك بشكل مشهور "إنه وزميله روزفلت كانا توأمين من نوع ما تقريبًا في نفس العمر"، وكلاهما رئيسان لديهما مسؤوليات جسيمة، وكلاهما مزارع في القلب وكلاهما يعاني من أمراض جسدية، حيث كان روزفلت على كرسي متحرك والملك يسير مع الكثير من الألم والصعوبات؛ بسبب الجروح في ساقيه من العديد من المعارك عندما كان أصغر سنا.
وأجمع الخبراء على إن الانتصار الكبير للولايات المتحدة الأمريكية قد تجسد في العلاقة التي تم تشكيلها بين الزعيمين؛ والتي ساعدت على ضمان عدم سيطرة بريطانيا العظمى على المملكة العربية السعودية ونفطها، وأن المملكة ستبقى ضمن نطاق النفوذ الأمريكي بدلا من ذلك.
وبالفعل؛ مع حلول العام 1949؛ سمح عبد العزيز بخط أنابيب إلى البحر المتوسط ؛ مما سمح بتدفق النفط السعودي إلى حلفاء الولايات المتحدة، وقاعدة تديرها القوات الجوية الأمريكية بالقرب من حقول النفط، وبرنامج تدريب عسكري. ويضيفون: "لا شيء من هذا، ولا الامتياز الممنوح لشركات النفط الأمريكية (لاحقا، بالاشتراك مع شركة النفط العربية السعودية ، المسماة أرامكو) تم التراجع عنه بسبب حرب عام 1948 في فلسطين.
وقد ذكر لاحقًا ويليام إيدي، مترجم روزفلت الذي كان حاضرا في الاجتماع، أنه كلما اصطحب عبد العزيز أصدقاء له إلى قصره المنيف، كان يُردِد مُتباهياً: "هذا الكرسي هو أثمن ممتلكاتنا. إنها عطية صديقي العزيز، الرئيس الأمريكي روزفلت رحمه الله". وقد كان اعتقاد الولايات المتحدة بأن "ندرة النفط" كانت دائما تلوح في الأفق، ولا يمكن حقا التخلص من مشاكلها إلا من خلال الاحتياطيات الضخمة والمستخرجة بثمن بخس في الصحراء السعودية.
ومع تزايد متانة العلاقات، مع الوقت؛ تزايد الدور السعودي في المنطقة؛ بالاعتماد على حليفتها الأقوى على الإطلاق؛ ولذا؛ مع حلول العام 2014 بانخفاضاته المتوالية في أسعار النفط؛ التي أثرت على مدخلات المملكة؛ فظن أمرائها أن بإمكانهم مناطحة الكبار. وتخيَّلَ معهم "الريال السعودي بنفطه السليب" لعام ألفان وأربعة عشر؛ بأنه قد أَسَرَ الدولارَ الأمريكي؛ فهدد لُغم الخُبز العالمي بالانتحار؛ وصاحَ فيهم الدولارُ:
"يا من تلعبون بالنار؛ حسبتم بأنكم أسرتموني، وأنتم، في الحقيقة أسراي، منذ أن وقعتُم في شرك روزفلت السياسي الجبار"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ