الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الاركونية / الحلقة الثانية

رواء محمود حسين

2020 / 9 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفصل الثاني
نقد آركون للعلوم الإسلامية
قراءة نقدية


المبحث الأول
أصول الدين


يرى آركون أن الفكر الإسلامي في بواكيره الأولى أخذ يحس بالحاجة للتفكير النظري بشأن مصداقية المعرفة وجدارة المعايير المستنبطة من النصوص المقدسة [ أقول: هذه ملاحظة مهمة يقدمها آركون: أن العلوم الإسلامية كان هدفها إستنباط المعايير من النصوص المقدسة، إذن الخط العام للعلوم الإسلامية هو هذا، وبالتالي هذا المنهج يختلف إختلافاً جوهرياً مع منهج آركون الوضعي الذي لا يتسند إلى النصوص الدينية، وهنا منشأ الإختلاف والمشكل الجوهري في منهج آركون في نقد العقل الإسلامي أنه ينقد العقل الإسلامي بآليات خارجة عن الأسس المنهجية له، ففي الوقت الذي يعترف فيه آركون أن نشأة الفكر الإسلامي المستأنفة كانت مستندة إلى النصوص المقدسة لكن يريد أن ينقد هذا الفكر بدون الإستناد إلى النصوص المقدسة ذاتها بل من خلال عقل وضعي لا يتم فيه الإرتكاز إلى النص الديني ]. ويواصل آركون حديثه في السياق ذاته أن أصول الفقه قد تعرضت بطريقتها الخاصة لما نسميه اليوم بالإبستيمولوجيا أو النظرية النقدية للمعرفة. والسبب أنه عرفوا أن الأحكام الشرعية الصادرة عن الفقهاء تحتاج بشكل مسبق إلى تيولوجيا متماسكة إي إلى علم أصول الدين الذي يتطلب بدوره تأويلاً صحيحاً ومناسباً للنصوص المقدسة (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 21).

مع ذلك، فلا ينبغي إهمال الثروة الهائلة التي تركها المسلمون في مجال الأبحاث العقائدية والكلامية والعقلانية.
فقد بيّن ابن تيمية " أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها، ويجب أن تذكر قولاً، أو تعمل عملاً، كمسائل التوحيد والصفات، والقدر، والنبوة، والمعاد، أو دلائل هذه أما القسم الأول فكل ما يحتاج الناس إلي معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بياناً شافياً قاطعاً للعذر، إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين، وبينه للناس، وهو من أعظم ما أقام الله الحجة علي عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه، وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه، والحكمة التي هي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي نقلوها أيضاً عن الرسول، مشتملة من ذلك علي غاية المراد، وتمام الواجب والمستحب" (ينظر: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ): " درء تعارض العقل والنقل "، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، ط2، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، 1411 هـ - 1991 م، 1 / 28).

وبحث الرازي في كتابه: " معالم أصول الدين " في حاصل الكلام في النظر، على سبيل المثال، حين قال:
" هو أن يحصل في الذهن علمان وهما يوجبان علما آخر فالتوصل بذلك الموجب إلى ذلك الموجب المطلوب هو النظر وذلك الموجب هو الدليل. فنقول ذلك الدليل إما أن يكون هو العلة كالاستدلال بمماسة النار على الاحتراق أو المعلول المساوي كالاستدلال بحصول الاحتراق على مماسة النار والاستدلال بأحد المعلومين على الآخر كالاستدلال بحصول الإشراق على حصول الإحراق فإنهما معلولا علة واحدة في الأجسام السفلية وهي الطبيعة النارية".
أو حين آكد الرازي أيضاً أنه لا بد فِي (طلب كل مَجْهُول من معلومين متقدمين )، فقال: " فإن من أراد أن يعلم أن العالم ممكن فطريقه أن يقول العالم متغير وكل متغير ممكن وأيضا فلما كان ثبوت ذلك المحمول لذلك الموضوع مجهولا فلا بد من شيء يتوسطهما بحيث يكون ثبوت ذلك المحمول له معلوما ويكون ثبوته لذلك الموضوع معلوما فحينئذ يلزم من حصولها حصول ذلك المطلوب فثبت أن كل مطلوب مجهول لا بد له من معلومين متقدمين ثم نقول إن كانا معلومين على القطع كانت النتيجة قطعية وإن كان أحدهما مظنونا أو كلاهما كانت النتيجة ظنية لأن الفرع لا يكون أقوى من الأصل " (أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ): " معالم أصول الدين "، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الكتاب العربي – لبنان، بدون تاريخ، ص 23 – 24).

ويرى اركون أن الإستعادة النقدية لتراث أصول الدين وأصول الفقه ينبغي أن تستند إلى عدد من النظريات الحديثة للكتابة والقراءة وإنتاج المعنى وسيميائية النصوص الدينية والمجاز والرمز والعلامة والإشارة، وهي تهدف إلى تحقيق غرضين:
1- تجاوز التاريخ الخطي المستقيم للعلوم الإسلامية بغية الوصول إلى إكتشاف نظام الفكر الإسلامي في ربطه بين النحو وعلم الألفاظ والتفسير وعلم المعاني وعلم الأصول والتاريخ والأدب بالمعنى الكلاسيكي للكلمة من جهة وبين العلوم العقلية من جهة أخرى.
2- البحث في تاريخية أصول الفقه الإسلامي الذي ساهم في جعل النظر إلى الشريعة وكأنها التعبير الموثوق عن وصايا الله وأوامره. فقد ساهم علم الأصول على المستوى في جعل القانون من قبل القضاة والفقهاء في بيئات الحجاز والعراق وسوريا إبان القرن الأول والثاني للهجرة ساهم الأصول، يقول آركون، في جعل القانون الفقهي مقدساً ومتعالياً ولا بشرياً (محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 21 – 22).


المبحث الثاني
تفسير القرآن وعلومه


يؤكد آركون أنه يلح منذ سنوات عديدة على ضرورة دراسة العلم الأنتروبولوجي وتدريسه. فهو الذي يخرج العقل من التفكير داخل (السياج الدوغمائي المغلق) إلى التفكير على مستوى أوسع بكثير: أي على مستوى مصالح الإنسان، أي إنسان كان، وكل مكان. كما أن العلم الأنتروبولوجي يعلمنا كيفية التعامل مع الثقافات الأخرى بروح منفتحة متفهمة، وضرورة تفضيل المعنى على القوة أو السلطة، ثم تفضيل السلم على العنف، والمعرفة المنيرة على الجهل المؤسس أو المؤسساتي، وإذا ما تم الإجماع الكامل على هذا التوجه المعرفي، فلا بد أن نعيد النظر في جميع العقائد والسنن الدينية عن طريق إعادة القراءة لما قدمه الخطاب الديني عامة والخطاب النبوي خاصة بأهل الكتاب كم القصص. فالقران هو الذي أقر بأفضلية القصص على الأسطورة كوسيلة لتقديم التعاليم الإلهية المتعالية والعلم الموثوق به كبديل لأساطير الأولين. اركون: "القران من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني" (محمد آركون: " القران من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني"، ص 6).

يطرح آركون منهجاً لقراءة القران اليوم، ويرى أن كلمة (القرآن) مشحونة إلى أقصى حد بالعمل اللاهوتي والممارسة الطقوسية الشعائرية الإسلامية المستمرة منذ مئات السنين، إلى درجة أنه يصعب استخدامها كما هي. فهي تحتاج إلى تفكيك مسبق من أجل الكشف عن مستويات المعنى والدلالة التي كانت قد طمست ونسيت من قبل التراث التقوى الورع، كما من قبل المنهجية الفيلولوجية النصانية أو المغرقة في التزامها بحرفية النص. وهذه الحالة لا تزال مستمرة منذ زمن طويل: أي منذ أن تم الإنتقال من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة الكتابية ونشر خطوط المصحف بنساخة اليد أولاً ثم طباعة الكتاب ثانية. وهذه العمليات حبذت صعود طبقة رجال الدين وازدياد أهميتهم على مستوى السلطة السياسية والفكرية. وهذه الحالة تتناقض مع الظروف الإجتماعية والثقافية الأولية لإنبثاق وتوسع ما يدعوه بالخطاب القراني الأولي بالقران أو الكتاب السماوي: أو الكتاب بكل بساطة. وهو القرآن المتلو بكل دقة وأمانة، وبصوت عال أمام حفل أو مستمعين معينين (ينظر: محمد آركون: " الفكر الأصولي واستحالة التأصيل"، ص 29 – 30).

ويطالب آركون بما يسميه (التاريخ الإنتقادي للنص القرآني) ويوضح ذلك بأنه لا يقصد فقط بهذا المفهوم الإشارة إلى البحوث الرامية لإقامة طبعة إنتقادية للنص القرآني وحسب، بل إننا نتطلع أيضاً إلى مراجعات إجمالية للقراءات المختلفة – بالمعنى اللغوي الحالي – المتصلة بالنص القرآني منذ ظهوره أيضاً (ينظر: محمد آركون: " الفكر العربي"، ترجمة الدكتور عادل العوا، ط3 ، منشورات عويدات، بيروت – باريس، 1985 م، ص 29).

ويعتقد آركون أن البحث في القرآن يتطلب تطبيق كل المناهج عليه وليس فقط المنهجية الفيلولوجية – التاريخية. إن قراءة القرآن تتطلب التدخل على كل مستويات إنتاج المعنى وآثار المعنى من أجل توضيح ملابسات هذا النص المؤسس. والمقصود بآثار المعنى الآثار الناتجة عن النص المدروس والناتجة عن كتابة الباحث نفسه، والمنتشرة أيضاً داخل الأمة المفسرة. إن المهمة الأولى للنص القرآني والمسجلة في طريقة صياغته اللغوية في أن يقول المعنى الصحيح والحقيقي عن الوجود البشري. وتكمن مهمته أيضاً في النص على القوانين الموضوعية، والمثالية والمقدسة التي لا يمكن تجاوزها. ويطلب من المؤمن الإلتزام بها والتقيد الصارم بها من أجل الحفاظ على وجوده داخل المعنى الصحيح والحقيقي. وتفرعت عن النص القرآني الأصلي نصوص ثانوية، كأن يقول المفسر: قال الله تعالى، أو جاء في الحديث، وتكن وظيفة هذه النصوص الثانوية في تأبيد وهم التواصلية المعاشة بين المعنى والقوانين الموحى بها وبين التفاسير والإسقاطات المتراكمة والمكثفة في التراث الحي الخاص بالأمة المؤمنة. وهكذا نجد أن النص القرآني هو عبارة عن بنية محركة للوجود، ومترجمة إلى تجسيدات وجودية عديدة ومتغيرة (محمد آركون: " الفكر الأصولي واستحالة التأصيل "، ص 45 – 46).

يؤكد آركون أنه لا يمكن إدراك المقاصد المعرفية الخاصة بفصل (المكانة المعرفية والوظيفة المعيارية للوحي) إذا كان القارئ بعيداً عن المجادلات العلمية والمناقشات الفلسفية واللاهوتية حول ما يسميه (ظاهرة الوحي في الأديان المرتبطة بالكتب المنزلة). إن مفهوم الوحي، كما يرى آركون، قبل انتشار (المصحف الرسمي المغلق) كان أكثر اتساعاً من حيث الآفاق والرؤية الدينية مما آل إليه بعد انغلاق الفكر الإسلامي داخل التفسير التقليدي الموروث عن الطبري ومن نقل عنه إلى يومنا هذا. فقد أصبح الوحي بعدئذ، كما يعتقد آركون، منحصراً فيما ورد في القرآن وحده، لأن المفسرين والفقهاء والمتكلمين انفصلوا عن القراءة التاريخية للوحي واكتفوا بالقراءة اللاهوتية الأرثوذكسية بالمعنى السني والشيعي والخارجي للكلمة. وهذه النظرة إلى ما يسمى (تاريخ النجاة) في الدار الآخرة لم تعد تكفي اليوم لإعادة التنظير لمفهوم الوحي، وإنما يجب أن نضيف إليه ما اخترعه العقل الحديث فيما يتعلق بالمعرفة القصصية والمعرفة التاريخانية، مع التكميلات والتصحيحات التي أوضحها العلم الانتروبولوجي وفلسفة الظاهرة الدينية كما نجده في فكر (ما بعد الحداثة). ويقصد به آركون البحوث والمناقشات والمراجعات النقدية الدائرة حالياً حول العلمانوية والعلمانية (محمد آركون: " القران من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني"، ص 9).

ويشير آركون أن الدراسة العلمية للظاهرة الدينية لا تنحصر طبعا" في تلك المناقشات الجارية حول القضايا الإجتماعية والسياسية والتشريعية والتربوية، بل تتجاوزها لكي تشمل ما يعالجه العلماء في مجالات علم الإجتماع وعلم التاريخ والسيميائيات الدلالية والألسنيات وعلم النفس والتحليل النفسي والأنتروبولوجيا. ولاتزال هذه العلوم تغير طرق البحث وتجددها، وتحول الإشكاليات القديمة الموروثة إلى إشكاليات مرتبطة باكتشافات علم الحياة والفيزياء والكيمياء والتجارب الفضائية. ومن هنا لا بد من المقارنة بين نوعين من العقل: العقل الديني والعقل العلمي. والهدف ابراز ما يتسم به كل عقل من المواقف والمناهج والنقدمات وطرق الاستدلال والتغبير عن حقائق الأمور (ينظر: محمد آركون: " قضايا في نقد العقل الديني"، ص 6).

يسمي آركون القران الكريم ب (الخطاب النبوي)، ويقصد به الخطاب الذي يقيم فضاء من التواصل بين ثلاثة أشخاص قواعدية: أي ضمير المتكلم الذي ألف الخطاب المحفوظ في الكتاب السماوي. ثم الناقل بكل إخلاص وأمانة لهذا الخطاب والذي يتلفظ به أول مرة. (أي ضمير المخاطب الأول = النبي)، ثم ضمير المخاطب الثاني الذي يتوجه إليه الخطاب (أي الناس). والمقصود بالناس هنا الجماعة الأولى التي كانت تحيط بالنبي والتي سمعت القرآن من فمه لأول مرة. وهي جماعة تكبر أو تصغر بحسب الظروف. وكان أعضاء الجماعة كلهم متساويين وأحرار فيما يخص عملية الإستقبال: أي استقبال الخطاب الصادر من فم النبي. كانوا متساويين في الفهم نفسه للغة الشفاهية المستخدمة. وكانوا أحراراً بمعنى أنهم كانوا يقومون برد فعل عفوي ومباشر وفوري على هذا الخطاب عن طريق الموافقة والتصديق، أو الفهم، أو الرفض، أو الدحض، أو الطلب، أو الإستيضاح (ينظر: محمد آركون: " الفكر الأصولي واستحالة التأصيل "، ص 29 – 30).

والرد الذي نوجهه إلى آركون حول أفكاره النقدية للقرآن الكريم أن الإغراق في هذه المنهجية التي يريدها آركون سوف يبعد المسلم عن الغاية الأصلية التي نزل من أجلها الوحي وهي الهداية والإرشاد والتعليم.
قال سبحانه: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة: 1 – 2].
وقال تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) } [ النساء : 163 – 165 ].
وقال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)} [الأنعام: 19].
وقال تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)} [الأنعام: 106].
وقال تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) } [ يوسف : 1 – 3 ].

وعن عبد الله بن عباس: قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل، قام النبي صلى الله عليه وسلم ، فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا ، يخففه عمرو ويقلله ، وقام يصلي ، فتوضأت نحوا مما توضأ ، ثم جئت فقمت عن يساره ، وربما قال سفيان : عن شماله ، فحولني فجعلني عن يمينه ، ثم صلى ما شاء الله ، ثم اضطجع فنام حتى نفخ ، ثم آتاه المنادي فآذنه بالصلاة ، فقام معه إلى الصلاة ، فصلى ولم يتوضأ . قلنا لعمرو: إن ناساً يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه؟ قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي. ثم قرأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (ينظر: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه"، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، ط1، دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، 1422هـ، 1 / 39، حديث رقم (138)).

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول». قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً (ينظر: البخاري:" الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، 1/ 6، حديث (2)).

وعن ابن عباس، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة» (ينظر: صحيح البخاري، 1/ 8، حديث (6 )).

وذهب ابن تيمية إلى أن كل علم دين لا يطلب من القرآن فهو ضلال وكل عاقل يترك كتاب الله مريدا للعلو في الارض والفساد فإن الله يقصمه. ولا يجوز لأحد أن يعارض كتاب الله بغير كتاب فمن عارض كتاب الله وجادل فيه بما يسميه معقولات وبراهين وأقيسة أو ما يسميه مكاشفات ومواجيد وأذواق من غير أن يأتي على ما يقوله بكتاب منزل فقد جادل في آيات الله بغير سلطان (تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ): "الاستقامة"، تحقيق د. محمد رشاد سالم، ط1، جامعة الإمام محمد بن سعود - المدينة المنورة، 1403 ه، 1/ 22).

والوحي، كما أكد ابن باديس، مصدر الإسلام، وأن جميع هذا الدين وحي من الله سبحانه منزل على نبيه عليه الصلاة والسلام، وأن مرجع الإسلام في أصوله وفروعه إلى القران الكريم وإلى السنة النبوية (ينظر: ابن باديس: " آثار ابن باديس"، إعداد وتصنيف د. عمار طالبي، ط 3، الشركة الجزائرية، الجزائر، 1417 ه – 1997 م، 2 / 68).


المبحث الثالث
علم الحديث النبوي

يرى آركون أن الحديث النبوي كان قد هضم وتمثل عناصر مختلفة من التراثات المحلية الخاصة بالفئات الإجتماعية التي تشكل في وسطها بشكل تدريجي وانتشر شيئاً فشيئاً. إن كل حديث يقوي وحدة الأمة التي تشكل في وسطها بشكل تدريجي وانتشر شيئاً فشيئاً. إن كل حديث يقوي وحدة الأمة عن طريق إلتقاطه وتلخيصه بأسلوب مقتضب للطقوس الشعائرية والسلوك الأخلاقي والممارسات القانونية والمعارف التجريبية ورؤيا محددة للعالم، ويوجه كل ذلك باتجاه منظور تاريخ النجاة أو الخلاص في الآخرة. إن الحديث يتموضع داخل تسلسل زمني محدد تماماً وداخل إطار معنوي – سيمانتي مضبوط بشدة من قبل الخبراء (= أصحاب الحديث). إنه لا يتمثل كل شيء وإنما يمارس عملية إنتقاء بمساعدة معايير محددة من قبل العلوم الإسلامية. لهذا السبب نلاحظ دائماً إستمرارية نوع من التوتر والصراع بين هذا الشكل التاريخي والمتحذلق (العالم) للتراث وبين التراثات العرقية – الثقافية التي تمثل نوعاً من التراكم التجريبي الخام لتجربة كل فئة إجتماعية (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 20).

والسؤال الذي يطرح هنا: هل علم الحديث النبوي فعلاً كما يصوره آركون في أفكاره السابقة؟ ولمناقشة آركون في رأيه المتقدم لا بد من الإشارة إلى المسائل الآتية:

(1) أثر أهل الحديث في حفظ السنة النبوية:
جواباً على هذا السؤال سأعود إلى واحد من أقدم النصوص المنشورة المعروفة في علم الحديث النبوي وهو كتاب: " المحدث الفاصل بين الراوعي والواعي " للرامهرمزي، إذ يقول في مقدمة كتابه عن جهد علماء الحديث ومكانتهم في تاريخ الحضارة الإسلامية [والنص أيضاً يرد على فكرة آركون المتقدمة عن هضم وتمثل الحديث النبوي عناصر مختلفة من التراثات المحلية الخاصة بالفئات الإجتماعية التي تشكل في وسطها وانتشر بشكل تدريجي]:

" إعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بتنقص أصحاب الحديث والإزراء بهم، وأسرفوا في ذمهم والتقول عليهم، وقد شرف الله الحديث وفضل أهله، وأعلى منزلته، وحكمه على كل نحلة، وقدمه على كل علم، ورفع من ذكر من حمله وعني به، فهم بيضة الدين ومنار الحجة، وكيف لا يستوجبون الفضيلة، ولا يستحقون الرتبة الرفيعة، وهم الذين حفظوا على الأمة هذا الدين، وأخبروا عن أنباء التنزيل، وأثبتوا ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وما عظمه الله عز وجل به من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقلوا شرائعه، ودونوا مشاهده، وصنفوا أعلامه ودلائله، وحققوا مناقب عترته، ومآثر آبائه وعشيرته، وجاؤوا بسير الأنبياء، ومقامات الأولياء، وأخبار الشهداء والصديقين، وعبروا عن جميع فعل النبي صلى الله عليه وسلم، في سفره وحضره، وظعنه وإقامته، وسائر أحواله، من منام ويقظة، وإشارة وتصريح، وصمت ونطق، ونهوض وقعود، ومأكل ومشرب وملبس ومركب، وما كان سبيله في حال الرضا والسخط، والإنكار والقبول، حتى القلامة من ظفره، ما كان يصنع بها، والنخاعة من فيه أين كانت وجهتها، وما كان يقوله عند كل فعل يحدثه ويفعله عند كل موقف ومشهد يشهده، تعظيما له صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بأقدار ما ذكر عنه وأسند إليه فمن عرف للإسلام حقه، وأوجب للرسول حرمته، أكبر أن يحتقر من عظم الله شأنه، وأعلى مكانه، وأظهر حجته وإبان فضيلته، ولم يرتق بطعنه إلى حزب الرسول وأتباع الوحي، وأوعية الدين، ونقلة الأحكام والقرآن " (ينظر: أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي (المتوفى: 360هـ): " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، تحقيق د. محمد عجاج الخطيب، ط 3، دار الفكر - بيروت، 1404 ه، ص 1).

ويضيف الرامهرمزي، قائلاً عن دور علماء الحديث في حفظ السنة النبوية:
" فلم ينقص هذا القول من غيره ما نقص من نفسه، لظهور العصبية فيه، ولأنه عول في أكثر ما أودعه كتبه وأكثر الرواية عنه على طبقة لا يعرفون إلا الحديث، ولا ينتحلون سواه، وهم عيون رجاله، ليس فيهم أحد يذكر بالدراية ولا يحسن غير الرواية، فإلا تأدب بأدب العلم ، وخفض جناحه لمن تعلق بشيء منه، ولم يبهرج شيوخه الذين عنهم أخذ، وبهم تصدر، ووفى الفقهاء حقوقهم من الفضل، ولم يبخس الرواة حظوظهم من النقل، ورغب الرواة في التفقه، والمتفقهة في الحديث، وقال بفضل الفريقين، وحض على سلوك الطريقين؟ فإنهما يكملان إذا اجتمعا وينقصان إذا افترقا. فتمسكوا جبركم الله بحديث نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتبينوا معانيه، وتفقهوا به، وتأدبوا بآدابه، ودعوا ما به تعيرون من تتبع الطرق وتكثير الأسانيد، وتطلب شواذ الأحاديث، وما دلسه المجانين، وتبلبل فيه المغفلون، واجتهدوا في أن توفوه حقه من التهذيب والضبط والتقويم، لتشرفوا به في المشاهد، وتنطلق ألسنتكم في المجالس، ولا تحفلوا بمن يعترض عليكم حسدا على ما آتاكم الله من فضله، فإن الحديث ذكر لا يحبه إلا الذكران، ونسب لا يجهل بكل مكان، وكفى بالمحدث شرفا أن يكون اسمه مقرونا باسم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره متصلا بذكره، وذكر أهل بيته وأصحابه " (الرامهرمزي: " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، ص 1).


(2) من هو المحدث؟
وفصّل ابن الصلاح في كتابه: " معرفة أنواع الحديث " وتحديداً في النوع الثالث والعشرين " معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته، وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل " قائلا: " أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على: أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلا، ضابطا لما يرويه، وتفصيله أن يكون مسلما، بالغا، عاقلا، سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظا غير مغفل، حافظا إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه إن حدث من كتابه. وإن كان يحدث بالمعنى اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالما بما يحيل المعاني، والله أعلم" (ينظر: عثمان بن عبد الرحمن، أبوعمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح (المتوفى: 643هـ): " معرفة أنواع علوم الحديث، ويُعرف بمقدمة ابن الصلاح"، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر- سوريا، دار الفكر المعاصر – بيروت، 1406هـ - 1986م، ص 105).

ثم وضّح ابن الصلاح العبارة المتقدمة كما يأتي:
أولا: عدالة الراوي: تثبت بتنصيص معدلين على عدالته، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا، وهذا هو الصحيح في مذهب الشافعي، وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه. وممن ذكر ذلك من أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ، ومثل ذلك بمالك، وشعبة، والسفيانين، والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، ووكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين.
ثانيا: التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور؛ لأن أسبابه كثيرة، فإن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول: " لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، فعل كذا وكذا " فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جدا.
وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسرا مبين السبب؛ لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بد من بيان
ثالثا: يعرف كون الراوي ضابطا بأن نعتبر رواياته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط والإتقان، فإن وجدنا رواياته موافقة - ولو من حيث المعنى - لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه، والله أعلم (ينظر: ابن الصلاح: " معرفة أنواع علوم الحديث، ويُعرف بمقدمة ابن الصلاح"، ص 115 – 116).

ثم ذكر في " النوع الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه ". وفي " النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث، وكيفية ضبط الكتاب، وتقييده" (ينظر: ابن الصلاح: " معرفة أنواع علوم الحديث، ويُعرف بمقدمة ابن الصلاح"، ص 128 – 207).

وللمزيد من المعرفة بعلم الحديث النبوي، نقترح المصادر الآتية:
- أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني، النسائي (المتوفى: 303هـ): " مجموعة رسائل في علوم الحديث "، تحقيق جميل علي حسن، ط1، مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، 1985.
- أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بريدة الموصلي الأزدي (المتوفى: 374هـ): " المخزون في علم الحديث "، تحقيق محمد إقبال محمد إسحاق السلفي، ط1، الدار العلمية - دلهي - الهند، 1408هـ - 1988م.
- أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب بن أزداذ البغدادي المعروف بـ ابن شاهين (المتوفى: 385هـ): " ناسخ الحديث ومنسوخه "، تحقيق سمير بن أمين الزهيري، ط1، مكتبة المنار - الزرقاء، 1408هـ - 1988م.
- أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي (المتوفى: 463هـ): " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع "، تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف – الرياض، بدون تاريخ.
- أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ): " التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث "، تحقيق محمد عثمان الخشت، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405 هـ - 1985 م.
- تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (المتوفى: 702هـ): " الاقتراح في بيان الاصطلاح "، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
- شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ): " الموقظة في علم مصطلح الحديث "، تحقيق عبد الفتاح أبو غُدّة، ط2، مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، 1412 هـ.
- أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: 794هـ): " النكت على مقدمة ابن الصلاح "، تحقيق د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، ط1، أضواء السلف - الرياض، 1419هـ - 1998م.
- إبن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى: 804هـ): " التذكرة في علوم الحديث "، علي حسن عبد الحميد، ط1، دار عمَّار، عمَّان، 1408 هـ - 1988 م.
- أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ): " ألفية العراقي المسماة بـ: التبصرة والتذكرة في علوم الحديث "، تحقيق ودراسة فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن الخضير، العربي الدائز الفرياطي، ط2، مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، 1428 ه. وانظر: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ): " شرح (التبصرة والتذكرة = ألفية العراقي)"، تحقيق عبد اللطيف الهميم - ماهر ياسين فحل، ط1 ، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1423 هـ - 2002 م.
- أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ): " نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر "، تحقيق عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، ط1، مطبعة سفير بالرياض، 1422هـ.
- شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (المتوفى: 902هـ): " فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي "، تحقيق علي حسين علي، ط1، مكتبة السنة - مصر، 1424هـ / 2003م.
- عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ): " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي"، حققه: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، بدون بيانات أخرى.
- محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي (المتوفى: 1332هـ): " قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث "، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.

(3) معرفة آركون بالحديث النبوي:
المتفحص لفكر آركون النقدي حول علم الحديث النبوي يكشف عن معرفة غير عميقة وغير متخصصة بالحديث النبوي.
فنجد آركون يبني على الرواية الموضوعة الآتية: " إن الله تعالى لما خلق العقل قال له قم، فقام، ثم قال له إقعد فقعد، ثم قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر: إلى أن قال له: وعزتي وجلالي وعظمتي وسلطاني وارتفاع مكاني واستوائي على عرشي وقدري على خلقي ما خلقت خلقاً هو أكرم علي منك ولا أحسن عندي منك، بك آخذ وبك أعطي وبك أعرف وبك أعبد وبك أثيب وبك وبك أعاقب" (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 65).

وأقول: قد حكم علماء الحديث على هذا الحديث بالبطلان، قال ابن تيمية: " هذا الحديث كذب موضوع بإتفاق أهل العلم، والذي يروونه ذكروه في فضل عقل الإنسان" (ينظر: إبن تيمية (ت 728 هــ): " أحاديث القصاص"، تحقيق د. محمد لطفي الصباغ، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، 1408 هـــ - 1988م، ص 57. وانظر ابن تيمية: " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة "، تحقيق ربيع بن هادي المدخلي، ط 1، مكتبة لينة، 1412 ه، ص 154، وابن تيمية: " الرد على المنطقيين"، ط2، إدارة ترجمان السنة، 1396 ه، ص 196، وابن تيمية: " بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية وأهل الإلحاد من القائلين بالحلول والإتحاد"، تحقيق موسى بن سليمان الدويش، ط1، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، 1408 ه، ص 169، وابن تيمية: " جامع الرسائل "، تحقيق محمد رشاد سالم، ط1، دار العطاء، 1422 ه، 1/ 168).
ونذكر آخرين من علماء الحديث ممن أبطل هذا الحديث، منهم على سبيل المثال: إبن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال"، تحقيق علي محمد معوض، وعادل أحمد عبد الموجود، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 ه، 7 / 522، وابن حجر العسقلاني في " تهذيب التهذيب"، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1416 ه، 5 / 506. وانظر ابن حجر العسقلاني: " لسان الميزان"، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، ط1، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1423 ه، 6 / 118، ومحمد بن طاهر المقدسي القيسراني في "ذخيرة الحفاظ المخرج على الحروف والألفاظ"، تحقيق عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، ط1، دار السلف، 1416 ه، 2 / 1024، والذهبي في " ميزان الإعتدال: تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ، 4 / 61، والألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة وأثرها السيء على الأمة"، ط1، دار المعارف، الرياض، بدون تاريخ، الرقم (6309). وانظر: الألباني: " ضعيف الجامع الصغير وزياداته"، تحقيق زهير الشاويش، ط2، المكتب الإسلامي، بيروت، 1408 ه، الرقم (5060).

وقال العجلوني في " كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس": " لا أعلم له أصلاً"، ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1421 هــ، 1 / 276. وقال الزركشي: " قال بعض الحفاظ هذا الحديث كذب موضوع بإتفاق أهل العلم، الزركشي: " اللالئ المنثورة في الأحاديث المشهورة" المعروف ب: " التذكرة في الأحاديث المشتهرة"، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هــ، ص 159، وذكره السمهودي قائلاً في: " الغماز على اللماز في الأحاديث المشتهرة ": " كذب لا أصل له"، تحقيق محمد إسحاق محمد إبراهيم، ط1، دار اللواء، 1401هـــ، ص 50، وقال الملا علي القاري في " الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ": قيل لا أصل له أو بأصله موضوع" تحقيق محمد لطفي الصباغ، طذ، المكتب الإسلامي، بيروت، 1406 هـــ، ص 143، وقال الزرقاني (الإبن) في " مختصر المقاصد الحسنة في بيان الأحاديث المشتهرة على الألسنة ": " قيل موضوع "، تحقيق محمد الصباغ، ط 2، المكتب الإسلامي، بيروت، 403 هـــ، ص 210، وقال ابن الجوزي في " كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات: " موضوع ليس له أصل "، تحقيق نور الدين شكري بوياحيلار، ط1، أضواء السلف، 1418 هــ، 1/ 274.

يبني آركون على الحديث الموضوع والباطل والذي لا صحة له المتقدم قضية في غاية الخطورة والأهيمة، وهي حاجة العقل الإنساني إلى الوحي، قائلاً: " إن المطالبة بعقل أبدي منسجم تماماً بشكل مسبق مع تعاليم الوحي كانت دائماً موجودة ليس فقط في مختلف المدارس الفكرية في الإسلام وإنما أيضاً في اليهودية والمسيحية. وكانت هذه المطالبة تنص على أن الإيمان بالوحي (أو بمعطيات الوحي) يقوي العقل البشري ويهديه ويضيء له الطريق، هذا العقل الذي إذا ما ترك لوحده فإنه سوف يضل الطريق. إن الإيمان بوجود أصل إلهي للعقل ( بالمعنى المثالي والكبير للكلمة ) الذي يضمن التجذر الأنطولوجي لعلميات العقل البشري، كان قد وانتشر في الإسلام عن طريق هذا الحديث النبوي المنبثق عن تيار الفكر الإشراقي " ويورد آركون الحديث الموضوع أعلاه عن العقل (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 65).

(4) نقد علم الرجال: هل فعلاً هكذا كان ابن حجر؟
يستغرب آركون، في نقده لعلم الرجال، على الأخص فيما يتعلق بتاريخ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حين يلاحظ أن الفكر الإسلامي قد بقي إلى اليوم يعيش على أفكار إبن حجر العسقلاني (ت 852 ه) وأسلافه بخصوص موضوع الصحابة، بالرغم من أنهم، أي الصحابة، يحتلون موقعاً مهماً وأساسياً فيما يتعلق بنقل النصوص المؤسسة للإسلام ولكل تراثه [من المهم هنا إلتقاط هذه الإشارة من آركون أنه يعترف بدور الصحابة في نقل النصوص الإسلامية: القرآن والحديث]. لكن ما يلاحظه آركون على تراجم كتاب: "الرجال" لابن حجر [بالطبع ليس لإبن حجر كتاب بهذا العنوان، ولعله يقصد كتاب: "الإصابة"]، أن طريقته تصور لنا شخصيات مثالية ترتفع بالمخيال الإٍسلامي وتجيشه وتنكّر ( = تقنع وتحجب ) في الوقت ذاته الحقيقة التاريخية المتعلقة بكل شخصية من شخصيات الترجمة. وهنا يريد آركون إحداث طفرة في علم الحديث، لم يخترعها المحدثون على طول تاريخ الحديث الشريف وعلومه في الحضارة الإسلامية، يسميها (الإضبارة الشائكة) يريد فتحها على مصراعيها، وهي مفهوم (العدالة) الذي بلوره المحدثون أو أصحاب الحديث، لأنه طبقاً لآركون لا ينبغي الإكتفاء به بل لابد من إعادة تفحص كل الإسنادات: "ليس فقط عن طريق تطبيق المنهجية الوضعية للمؤرخ الحديث الذي لا يهتم الإ بالمعطيات والأحداث التي يمكن تحديدها بدقة ويرمي كل ما عداها في ساحة المزيج المعقد الغامض للخرافات والأساطير" (محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 17).

وقبل أن انتقل إلى بيان شيء يسير من مكانة الحافظ ابن حجر العسقلاني في علم الحديث النبوي أود أن أعقب على فكرة آركون النقدية حول جهد ابن حجر في مجال دراسة الصحابة متسائلاً بشكل نقدي: هل فعلاً أن ابن حجر يقدم في كتابه: " الإصابة " " شخصيات مثالية ترتفع بالمخيال الإٍسلامي وتجيشه وتنكّر (تقنع وتحجب) في الوقت ذاته الحقيقة التاريخية المتعلقة بكل شخصية من شخصيات الترجمة" كما ذهب آركون إليه في نصه المتقدم؟
ومن أجل الإجابة: أعود إلى كتاب: " الإصابة في تمييز الصحابة " لنكشف عن إمانة ابن حجر في تقديم شخصيات حقيقية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وليست مثالية، وأن جهد ابن حجر في هذا المجال كان متصلاً بجهد من سبقه من العلماء المسلمين في هذا المجال.

يقول ابن حجر في مقدمة كتابه: " الإصابة في تمييز الصحابة ":
" فإن من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبويّ، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ممن خلف بعدهم. وقد جمع في ذلك جمع من الحفاظ تصانيف بحسب ما وصل إليه اطلاع كل منهم، فأول من عرفته صنف في ذلك أبو عبد اللَّه البخاريّ: أفرد في ذلك تصنيفاً، ينقل منه أبو القاسم البغويّ وغيره، وجمع أسماء الصحابة مضموماً إلى من بعدهم جماعة من طبقة مشايخه، كخليفة بن خيّاط، ومحمّد بن سعد، ومن قرنائه كيعقوب بن سفيان، وأبي بكر ابن أبي خيثمة، وصنف في ذلك جمع بعدهم كأبي القاسم البغويّ، وأبي بكر بن أبي داود، وعبدان، ومن قبلهم بقليل كمطين، ثم كأبي عليّ بن السّكن، وأبي حفص بن شاهين، وأبي منصور الماورديّ، وأبي حاتم بن حبّان، وكالطّبرانيّ ضمن معجمه الكبير، ثم كأبي عبد اللَّه بن مندة، وأبي نعيم، ثم كأبي عمر بن عبد البرّ، وسمّى كتابه «الاستيعاب» ، لظنه أنه استوعب ما في كتب من قبله، ومع ذلك ففاته شيء كثير، فذيّل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلاً حافلاً، وذيل عليه جماعة في تصانيف لطيفة، وذيل أبو موسى المديني على ابن مندة ذيلاً كبيراً " (ينظر: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ): " الإصابة في تمييز الصحابة"، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، ط1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 هـ، 1 / 153 – 154).

ويكشف ابن حجر في هذا السياق كشفاً واضحاً لا لبس فيه أنه لم يقدم شخصيات مثالية لتعزز المخيال الإسلامي كما ذهب إلى ذلك آركون بل، كما يقول ابن حجر، مضيفاً إلى ما تقدم:
" وفي أعصار هؤلاء خلائق يتعسّر حصرهم ممن صنف في ذلك أيضاً إلى أن كان في أوائل القرن السابع، فجمع عزّ الدّين بن الأثير كتاباً حافلاً سماه «أسد الغابة» جمع فيه كثيراً من التصانيف المتقدمة، إلا أنه تبع من قبله، فخلط من ليس صحابياً بهم، وأغفل كثيراً من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم، ثم جرّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبد اللَّه الذّهبيّ، وعلم لمن ذكر غلطاً، ولمن لا تصح صحبته، ولم يستوعب ذلك ولا قارب. وقد وقع لي بالتّتبّع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه ولا أصله على شرطهما، فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا [من ذلك] جميعا الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرّازيّ، قال: توفي النبي صلّى اللَّه عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعا أو رؤية" (ينظر: ابن حجر العسقلاني: " الإصابة في تمييز الصحابة "، 1 / 154).

يختزل آركون كل تاريخ الفكر الإسلامي في مجال علم الحديث حصراً وهو يعلم أن تسعة قرون قد مرت قبل ابن حجر قد شهد فيها علم الحديث النبوي والفكر الإسلامي والعلوم الإسلامية تطوراً مذهلاً على يد العلماء المسلمين.
ومهما يكن، فالسؤال هو: من هو إبن حجر العسقلاني؟ وما هي منزلته في علم الحديث النبوي خصوصاً؟
لو عدنا إلى الحافظ السخاوي وهو أحد أقرب تلاميذ إبن حجر العسقلاني إليه لوجدنا أنه قد كتب سيرة مطولة عن شيخه إبن حجر العسقلاني بعنوان: " الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام إبن حجر " نقتبس منها ما يأتي لبيان جزء من مكانة الحافظ إبن حجر العسقلاني في علم الحديث النبوي وفي الفكر الإسلامي وفي التاريخ الإٍسلامي بشكل عام، وخصوصاً من الباب الذي سمّاه السخاوي: " ثناء الأئمة عليه " أي على الحافظ إبن حجر. يقول السخاوي: " فأما ثناء الأئمة عليه، فاعلم أنَّ حَضرَ ذلك لا يُستطاع، وهو في مجموعه كلمةُ إجماع. لكني أتيتُ بما حضرني مِنْ ذلك الآن على حسب الإمكان" (ينظر: السخاوي: " الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، تحقيق إبراهيم باجس عبد المجيد، ط1، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1419 هـ - 1999 م، 1 / 263).

ونقتبس من نقولات الحافظ السخاوي من آراء الأئمة في الحافظ إبن حجر العسقلاني ما يأتي:
(1) رأي العلامة برهان الدين إبراهيم الأبناسي:
وينقل السخاوي للعلامة الفقيه الرباني، برهان الدين إبراهيم الأبناسي، قائلاً: " فقرأت بخطه على "المائة العشاريات"، تخريج صاحب الترجمة للبرهان التَّنوخي ما صورته:
الحمد لله الذي رفع علم العلماء وشرفهم ومن إليهم انتمى، وجعلهم ورثة الأنبياء، والسادة الأتقياء. فعليهم في الشريعة المعتمد في حفظ المتون والسند. فله الحمد على ما علم، وله الشكر بما تفضل به وأنعم. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تمحص ما خصص وعمم. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم-، أشرف المخلوقات وأعظم. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وشرف وكرم.
وبعد، فلما كان الاشتغال بالعلم الشريف من أعز المطالب، وأشرف المكاسب، اعتنى بتحصيله كل لبيب وطالب، وكان ممن لاحظته عيون السعادة، وسبقت له في الأزل الإرادة، الشيخ الإمام العلامة المحدث المتقن المحقق، الشيخ شهاب الدين أبو الفضل أحمد ابن الشيخ الإمام العالم صدر المدرسين، مفتي المسلمين، أبي الحسن علي، الشهير بابن حجر، نور الدين الشافعي، لما عنيت به عناية التوفيق، ورعاية التحقيق، نظر في العلوم الشرعية، فأتقن جلها، وحل مشكلها، وكشف قناع معضلها، وصرف همته العلية إلى أشرفها؛ علم الحديث، وهو أفضلها، فاجتمع على المشايخ الجلة، وكل مسند ورحلة. فاستفاد منهم وأفاد، وانتقى الأسانيد الجياد. فكان ممن أخذ عنه المخرج له هذا الجزء اللطيف، وهو الشيخ الإمام العالم العلامة صدر المدرسين، مفتي المسلمين، أبو إسحاق برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد الشامي. خرج له من مروياته وقراءاته ومناولاته ووجاداته وسماعاته، والكتابة إليه وإجازاته، عشاريات لم ينسج مثلها على منوال، ولا ضرب لها ماثل بمثال، وسمها "بنظم اللآلي بالمائة العوالي ولما تصفحت هذا التأليف، ونطرت فيه، ألفيته غنية للمحدث والفقيه. يا له من تصنيف ما أبدعه، ومن تأليف ما أنفعه. جمع من الحديث فنونه، وأتقن ألفاظه ومتونه، دل ذلك على تضلع بعلوم زاخرة، وفوائد جمة متواترة. وأعرب عن كل غريبة ونادرة، لو سمعها أحمد وابن معين والمديني وابن سيرين، لقضوا من ذلك العجب، وسلكوا معه الأدب. وقالوا بعد إمعان النظر: سبحان من أعطاك يا ابن حجر. زاده الله فضلا وعلما، وذكاء وحرصا وفهما، وصيره من العلماء العاملين، وحشرنا وإياه في زمرة سيد المرسلين، محمد خاتم النبيين، -صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب: أقل عبيد الله إبراهيم بن موسى الأبناسي، ومن خطه نقلت" (ينظر: السخاوي: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، 1 / 264 – 265).

(2) سراج الدين البلقيني:
يقول السخاوي: " فقرأت بخطِّ صاحب الترجمة في ترجمة المذكور من "معجمه" ما نصُّه:
"وقرأت عليه "دلائل النبوة" للبيهقي، وجرت لي معه في حال قراءتها نوادر، وذلك أنه كان يستكثر ما يقع لي من النكت الحديثية في المجلس، ويقول: هذا لا يصدر إلا عن تبييت مطالعة ومراجعة. فكنت أتنصل من ذلك فلا يقبل، إلى أن أمرني بترك الجزء الذي يقرأ فيه عنده تلك الليلة، وكان يعرف أنه لا نسخة لي، [لكوني حال قراءتي عليه، استعنت به في تحصيل نسخة جامع الخطيري، فأمر من أحفرها، واستحضر نسخة الملكية، وكان من قدر من الطلبة على نسخة من الكئاب، أحضرها المجلس يسمع فيها، وكنت أنا أقرأ في نسخة الخطيري، والشيخ ينظر في نسخة الملكية. فتركت عنده الجزء تلك الليلة]. فلما أصبحنا، وشرعت في القراءة مر إسناد فيه: "حدثنا تمتام". نقطع علي القراءة، وقال: من تمتام هذا؟ فإنني راجت الأسماء، فلم أجده، وظننته تصحيفا. فقلت له: بل هو لقب، واسمه محمد بن غالب بن حرب، حافظ مشهور. قال: من ذكره؟ قلت: الخطيب في "تاريخ بغداد"، وله ترجمة عندكم في "الميزان" للذهبي؛ لأن بعض الناس تكلم فيه، فسكت الشيخ. وقال له ولده جلال الدين وأنا أسمع: هذا حافظ، فلا تمتحنه بعدها. فاحضرت للشيخ بعد ختم الكتاب الجزء الأول من "تغليق التعليق"، والتمست منه أن يفهرس أوله ففعل.
قلت: وصورة ما كتب، وقد نقلته من خطه، بعد أن شهد له بالحفظ في المجلس العام:
الجزء الأول من "تغليق التعليق"، جمع الشيخ الحافظ، المحدث المتقن المحقق، شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الفقير إلى الله تعالى، الفاضل المرحوم نور الدين علي، الشهير بابن حجر، نفع الله تعالى به وبفوائده آمين، انتهى" (ينظر: السخاوي: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، 1 / 266 – 267).
ولا يسع المقام في ذكر ثناء الأئمة المسلمين وفخرهم واعتزازهم بالحافظ إبن حجر العسقلاني. ولنعد شيئاً قليلاً لتقديم عرض يسير لبعض مؤلفات الحافظ إبن حجر العسقلاني في مجال علم الحديث والعلوم الإسلامية:
ولعل من أهم مصنفات إبن حجر كتابه المسمى: " فتح الباري شرح صحيح البخاري " وفيه يشير إلى أهمية العلوم الإسلامية وأن مدارها على الكتاب والسنة، فيقول: " فإن أولى ما صرفت فيه نفائس الأيام وأعلى ما خص بمزيد الاهتمام الاشتغال بالعلوم الشرعية المتلقاة عن خير البرية ولا يرتاب عاقل في أن مدارها على كتاب الله المقتفى وسنة نبيه المصطفى وأن باقي العلوم أما الات لفهمهما وهي الضالة المطلوبة أو أجنبية عنهما وهي الضارة المغلوبة "، ثم ينتقل إلى توضيح جهده في مجال شرح صحيح الإمام البخاري، قائلا: " وقد رأيت الإمام أبا عبد الله البخاري في جامعه الصحيح قد تصدى للاقتباس من انوارهما البهية تقريرا واستنباطا وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا ورزق بحسن نيته السعادة فيما جمع حتى اذعن له المخالف والموافق وتلقى كلامه في التصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق وقد استخرت الله تعالى في أن أضم إليه نبذا شارحة لفوائده موضحة لمقاصده كاشفة عن مغزاه في تقييد اوابده واقتناص شوارده وأقدم بين يدي ذلك كله مقدمة في تبيين قواعده وتزيين فرائده جامعة وجيزة دون الاسهاب وفوق القصور سهلة المأخذ تفتح المستغلق وتذلل الصعاب وتشرح الصدور وينحصر القول فيها إن شاء الله تعالى في عشرة فصول الأول في بيان السبب الباعث له على تصنيف هذا الكتاب الثاني في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه والكلام على تحقيق شروطه وتقرير كونه من أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي ويلتحق به الكلام على تراجمه البديعة المنال المنيعة المثال التي انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه" (ينظر: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي (ت 852 ه): " فتح الباري شرح صحيح البخاري"، دار المعرفة - بيروت، 1379، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، بدون بيانات أخرى، 1 / 3).

وقد نقل السخاوي في كتابه: " الجواهر والدرر في مناقب شيخ الإسلام ابن حجر" القائمة الاتية من أئمة الإسلام الذين أثنوا على الحافظ ابن حجر (ينظر: السخاوي: "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر"، 1/ 262-336)، ومنهم: المحب ابن الهائم، برهان الدين الأبناسي، عبد الرحمن بن محمد العلوي، سراج الدين ابن الملقن، سراج الدين البلقيني، الحافظ العراقي، تقي الدين الدجوي، الحافظ الهيثمي، ابن خلدون، الشهاب الحسباني، ابن حجي الحسباني، ابن درباس، ابن ظهيرة المكي، الفيروزآبادي، حميد الدين التركماني، عز الدين ابن جماعة، كمال الدين الشمني، جمال الدين الأقفهسي، جلال الدين البلقيني، نفيس الدين العلوي، أبو زرعة العراقي، شمس الدين ابن الديري، شرف الدين التباني، ابن مغلي، البدر البشتكي، الشمس البرماوي، التقي الفاسي، تقي الدين الكرماني، المجد البرماوي، ابن الجزري، الشهاب الكلوتاتي، ابن الغرابيلي، ابن حجة الحموي، زين الدين الخوافي، ابن الخياط، علاء الدين البخاري، سبط بن العجمي، ناصر الدين الفاقوسي، ابن ناصر الدين الدمشقي، أبو شعرة الحنبلي، شمس الدين البساطي، ابن خطيب الناصرية، المقريزي، ابن نصر الله البغدادي، شمس الدين ابن عمار، شمس الدين الونائي، عثمان بن عمر الزبيدي، شمس الدين القاياتي، عز الدين عبد السلام، الشهاب ابن المجد، ابن قاضي شهبة، برهان الدين بن خضر، رضوان العقبي، ابن أبي الوفاء، تغري برمش، ابن التنسي، ابن العليف، ابن حسان، أبو الفتح المراغي، موفق الدين الإبي، ابن الضياء، ابن الهمام، زين الدين القلقشندي، أبو البركات الغزي، ابن كحيل، علم الدين البلقيني، تقي الدين ابن فهد، تقي الدين القلقشندي، الشهاب الحجازي، قاسم بن قطلوبغا، أبو ذر الحلبي، برهان الدين البقاعي، نجم الدين بن فهد، ابن الشحنة، شهاب الدين بن الأخصاصي، قطب الدين الخيضري.

ومن كتب إبن حجر العسقلاني المهمة الأخرى:
- " الإصابة في تمييز الصحابة"، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، ط1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 هـ.
- " تغليق التعليق على صحيح البخاري "، تحقيق سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، ط 1، المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت، عمان – الأردن، 1405 ه، وقد تقدم ذكره.
- “تعريف اهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس "، تحقيق د. عاصم بن عبدالله القريوتي، ط 1، مكتبة المنار – عمان، 1403 هـــ - 1983 م.
- " نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر "، حققه على نسخه مقروءة على المؤلف وعلّق عليه: نور الدين عتر، ط 3، مطبعة الصباح، دمشق، 1421 هـ - 2000 م. نسخة أخرى بتحقيق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، ط 1، مطبعة سفير بالرياض، 1422هـ.
- " التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير "، ط1، دار الكتب العلمية، 1419هـ - 1989م.
- "تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة "، تحقيق د. إكرام الله إمداد الحق، ط1، دار البشائر، بيروت، 1996م.
- "العجاب في بيان الأسباب "، تحقيق د. عبد الحكيم محمد الأنيس، دار إبن الجوزي، بدون بيانات أخرى.
- " تهذيب التهذيب "، ط 4، مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، 1326هـ.
- " تبصير المنتبه بتحرير المشتبه"، تحقيق محمد علي النجار، علي محمد البجاوي، المكتبة العلمية، بيروت – لبنان.
- " الأمالي المطلقة "، تحقيق حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي، ط1، المكتب الإسلامي - بيروت، 1416 هـ -1995م.
- " الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع / ويليه أسئلة من خط الشيخ العسقلاني "، تحقيق أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، ط1، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، 1418هـ - 1997م.
- " الأمالي الحلبية "، تحقيق عواد خلف، ط 1، مؤسسة الريان - بيروت، 1996م.
- " الزهر النضر في حال الخضر "، تحقيق صلاح مقبول أحمد، مجمع البحوث الإسلامية - جوغابائي نيودلهي - الهند، 1408هـ - 1988م.
- " نزهة الألباب في الألقاب "، تحقيق عبد العزيز محمد بن صالح السديري، ط 1، مكتبة الرشد - الرياض، 1409هـ-1989م.
- " الإيثار بمعرفة رواة الآثار "، تحقيق سيد كسروي حسن، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1413 ه.
- "الدراية في تخريج أحاديث الهداية "، تحقيق السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، دار المعرفة – بيروت، بدون تاريخ.
- " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (مطبوع ملحقا بكتاب سبل السلام) "، تحقيق عصام الصبابطي - عماد السيد، ط 5،، دار الحديث - القاهرة، 1418 هـ - 1997 م.
- " الوقوف على الموقوف على صحيح مسلم "، تحقيق عبد الله الليثي الأنصاري، ط 1، مؤسسة الكتب الثقافية – بيروت، الأولى، 1406 ه.
- " سلسلة الذهب فيما رواه الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر "، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعه جي، بدون بيانات أخرى.
- " القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد "، ط1، مكتبة ابن تيمية - القاهرة، 1401 ه.
- " الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "، مراقبة / محمد عبد المعيد ضان، ط 2، مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر اباد/ الهند، 1392هـ/ 1972م.
- " النكت على كتاب ابن الصلاح "، تحقيق ربيع بن هادي عمير المدخلي، ط 1، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 1404هـ/1984م.
- " تقريب التهذيب "، تحقيق محمد عوامة، ط 1، دار الرشيد - سوريا، 1406 ه – 1986م.
- " بلوغ المرام من أدلة الأحكام "، تحقيق سمير بن أمين الزهري، ط 7 ، دار الفلق - الرياض، 1424 هـ.
- " الأمالي السفرية الحلبية "، تحقيق حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي، ط 1، المكتب الإسلامي، بيروت، 1418 هـ - 1998 م.
- " الإصابة في تمييز الصحابة "، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 هـ.
- " المعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة "، تحقيق محمد شكور المياديني، ط 1، مؤسسة الرسالة - بيروت، 1418هـ-1998م.
- " لسان الميزان "، دائرة المعرف النظامية – الهند، ط 2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان، 1390هـ /1971م.
- " إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي "، دار ابن كثير، دمشق، دار الكلم الطيب – بيروت، بدون تاريخ.
- " رفع الإصر عن قضاة مصر "، تحقيق الدكتور علي محمد عمر، ط 1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1418 هـ - 1998 م.
- " نظم اللآلي بالمائة العوالي "، تحقيق: كمال يوسف الحوت، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1410 هـ - 1990 م.
- " التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير "، تحقيق أبو عاصم حسن بن عباس بن قطب، ط1، مؤسسة قرطبة - مصر، 1416هـ/1995م.
- " المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية "، تم تحقيقه على شكل (17) رسالة علمية قدمت لجامعة الإمام محمد بن سعود، تنسيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشثري، ط 1، دار العاصمة، دار الغيث - السعودية، 1419هـ.
- " إنباء الغمر بأبناء العمر "، تحقيق د حسن حبشي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر، 1389هـ، 1969م.
- "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة "، مركز خدمة السنة والسيرة، بإشراف د زهير بن ناصر الناصر (راجعه ووحد منهج التعليق والإخراج)، ط 1، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (بالمدينة) - ومركز خدمة السنة والسيرة النبوية (بالمدينة)، 1415 هـ - 1994 م.

إلى غير ذلك من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة والتي تكشف عن مكانة الحافظ إبن حجر العسقلاني في علم الحديث النبوي وفي الفكر الإسلامي، علماً أن جهد ابن حجر يأتي في سياق طويل من الدراسات الحديثية إمتدت لقرون طويلة.


المبحث الرابع
اللغة العربية


يرى آركون أن رسالة الشافعي تدافع عن المكانة المتميزة والخاصة للغة العربية بالقياس إلى اللغات الأجنبية (لسان العجم). هذه المسألة وردت في القرآن، فقد كان من الضروري تبرير إختيار اللغة العربية، لنقل الوحي إلى البشر، من دون سواها، ثم البرهنة على صحة الوحي الإلهية عن طريق التركيز على فكرة إعجاز النص القرآني وعدم القدرة البشر على تقليده أو الإتيان بمثله. لم يكن الشافعي يمتلك في وقته المحاجات والمصطلحات التقنية التي سوف يستخدمها من بعده إختصاصيو البلاغة في مناقشاتهم حول أصل اللغات والصفة الإعجازية للخطاب القرآني. أن رأي الشافعي بالنسبة لآركون ممتع لأنه يتيح القبض على بعض الأفكار الأولية التي تشكل الإعتقاد الإسلامي والتي يلحقها المؤلفون المسلمون بالعقل. ويوجب آركون على التحليل النقدي أن يبين كيفية الإنتقال من الإعتقاد إلى العقل وأنه شيء مشترك وعام لدى كل أنواع الفكر الخاضعة لإكراهات الإيمان وأوامره. إنه تحول الفرضيات غير المبرهن عليها والكائنات العقلية غير اللازمة إلى نوع من الحقائق الموضوعية المبرهنة المتحقق منها بمعونة القواعد المشتركة لدى كل مستخدمي العقل التطبيقي أو العملي (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 69 – 70).

هذه هي نظرة محمد آركون إلى اللغة العربية بإيجاز. لكن هل هذه هي المكانة الحقيقية للغة العربية وأهميتها؟
اللغة العربية تكتسب مكانتها وأهميتها في أن الله سبحانه قد شرفها بتنزيل القران الكريم بها:
قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)} [يوسف: 2].
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} [النحل: 103].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} [طه: 113].
وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) } [ الشعراء: 195 ].
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)} [الشورى: 7].
يكشف الثعالبي عن قيمة اللغة العربية ومكانتها بقوله: " فإن من أحب الله تعالى أحب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ومن أحبَّ الرسول العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها، وثابر عليها، وصرف همَّته إليها. ومن هداه الله للإسلام، وشرح صدره للإيمان، وآتاه حسن سريرة فيه اعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة. والإقبال على تفهمها من الديانة إذ هي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائل والإحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب كالينبوع للماء والزند للنار" (ينظر: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ): " فقه اللغة وسر العربية"، تحقيق عبد الرزاق المهدي، ط1، إحياء التراث العربي، 1422هـ - 2002م، ص 15).

ويضيف الثعالبي: " ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والوقوف على مجاريها ومصارفها، والتبحر في جلائها ودقائقها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة... هي عمدة الإيمان لكفى بهما فضلا يَحْسُنُ فيهما أثره، ويطيب في الدارين ثمره. فكيف وأيسر ما خصَّها الله عزَّ وجلَّ به من ضروب الممادح يُكِلُّ أقلام الكتبة، ويتعب أنامل الحسبة، ولِما شرفها الله تعالى عزَّ اسمه وعظَّمها ورفع خطرها، وكرَّمها وأوحى بها إلى خير خلقه، وجعل لسانَ أمينه على وحيه وخلفائه في أرضه، وأراد بقضائها ودوامها حتى تكون في هذه العاجلة لخيار عباده، وفي تلك الآجلة لساكني جنانه، ودار ثوابه قيَّض لها حفظة وخزنة من خواصه من خيار الناس، وأعيان الفضل وأنجم الأرض، تركوا في خدمتها الشهوات وجابوا الفلوات، ونادموا لاقتنائها الدفاتر، وسامروا القماطر والمحابر، وكدّوا في حصر لغاتها طباعهم، وأشهروا في تقييد شواردها أجفانهم، وأجالوا في نظم قلائدها أفكارهم، وأنفقوا على تخليد كتبها أعمارهم، فعظمت الفائدة وعمَّت المصلحة وتوفّرت العائدة " (ينظر: الثعالبي: " فقه اللغة وسر العربية"، ، ص 15 – 16).

وذهب إبن فارس أن (لغة العرب أفضلُ اللغات وأوسعُها) (ينظر: أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ): " الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها"، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418هـ-1997م، ص 19).

وقال الأنباري، وهو يدافع عن لغة العرب: “ إن كلام العرب يصحح بعضه بعضا، ويرتبط أوله بآخره، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه، واستكمال جميع حروفه، فجاز وقوع اللفظة على المعنيين المتضادين، لأنها يتقدمها ويأتي بعدها ما يدل على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، ولا يراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحد" (ينظر: أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري (المتوفى: 328هـ): " الأضداد"، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت – لبنان، 1407 هـ - 1987 م، ص 2).


المبحث الخامس
أصول الفقه:
كتاب الرسالة للإمام الشافعي نموذجاً
يقول آركون نحن نعلم أن المشرع أو الفقيه يشتغل على نص محدد يحتوي على آليات وأحاديث ضمن مضمون تشريعي. ولكي يتوصل إلى أحكام قاطعة لا لبس فيها ولا غموض فإن عليه أن يبتدئ بدراسة النصوص الأصلية عن طريق التحليل الفللوجي والبلاغي الصارم والدقيق. ولكنه لا يهمل المشاكل العامة الخاصة بالتفسير. وهو يستمر في مشاطرة عالم الكلام التيولوجي على ترسيخ فكرة تعالي الوحي المعطى وتماسكه (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 69).

ويشير آركون في تقديمه أو عرضه لرسالة الشافعي أنه ليس المهم إذا كانت الرسالة قد ألفت جواباً على شخص يدعى عبد الرحمن بن مهدي (مات عام 198 ه / 813 م) أو من أجل توضيح مشكلات التنافس الحاد بين مختلف المدارس الفكرية الإسلامية. ما يقدمه آركون لاحقاً ملاحظات هامشية جداً بالمقارنة مع وزن الرسالة الهائل في مجال الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والعلوم الإسلامية، خصوصاً أصول الفقه، فكل ما يقدمه آركون عنها أنها غير خاضعة للقواعد والتصنيفات والتقسيمات منذ القرن الرابع الهجري تحت تأثير الفلسفة الأرسطاطاليسية [الملاحظة التي نقدمها هنا أن رسالة الإمام الشافعي لها بنائها المنهجي الخاص الذي يختلف عن الفلسفة الأرسطاطاليسية]، فرسالة الإمام الشافعي، بحسب آركون، عبارة عن مجموعة خواطر متعلقة بمسائل مستقلة قليلاً. الترتيب الداخلي لنص الرسالة جرى بسبب تدخل أحمد محمد شاكر (القاهرة 1940)، [وكأن رسالة الإمام الشافعي لم يتم بحثها ودراستها أكثر من عشرة قرون، بل أن تدخل أحمد شاكر هو الذي أنقذ البناء المنهجي للرسالة]، ونشرة أحمد شاكر تفتت الوحدات النصية المتماسكة إلى نوع من الفقرات والمقاطع الإصطناعية [قبل قليل جداً كان أركون يرى أن الرسالة يغيب عنه التماسك المنهجي لأنه عبارة عن مجموعة خواطر]، ثم يعرج آركون على نشرات أخرى للرسالة. مثل نشرة محمد سيد كيلاني للرسالة بالقاهرة عام 1969 م، وتقسيمها إلى (1821) فقرة. ثم ترجمة خضوري بالإنكليزية للرسالة وتقسيمه إياها إلى _ 852)، فقرة (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 67 – 68).

والمهم في نظرة آركون وتقييمه لعمل المسلمين حول الرسالة هو قوله: " إن مبدأ قراءة الرسالة والكتب الكلاسيكية بشكل عام لم يتغير منذ عصر الشافعي وحتى يومنا هذا. لا يزال الناس يستمرون حتى اليوم في الإهتمام بالتشكلية الظاهرية للكتابة تماماً كمستمعي الشافعي في زمنه. أقصد بالصيغ الظاهرية هنا أساليب المحاجة والدحض والتحديدات والأحكام القانونية إلخ ... إنهم لا يحاولون إستكشاف المبادئ التحتية أو الضمنية التي تشكل كل خطاب الرسالة وتنتجه... إنها تعالج جميعها موضوعاً أساسياً ومركزياً واحداً هو: أسس السيادة العليا أو المشروعية العليا في الإسلام (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 68).

يرى آركون أن الشافعي قد إستطاع، بأسلوب المحاجة المرتكزة على السيادة العليا للآيات والأحاديث كافية لترسيخ وتقوية اليقينات لعدد أكبر من الناس أو العامة. وقد إستطاع الشافعي عن طريق هذا الأسلوب البسيط في تركيب الحقائق أن يعمم الصيغ والقوالب التيولوجية الشعبوية العنيدة والرازحة ويجعلها فاعلة ومؤثرة حتى يومنا هذا، وذلك على هيئة أحكام مسبقة جماعية وناشطة. كان الخطاب القانوني التشريعي قد ساهم في نشر هذه الصيغ الثيولوجية والحفاظ عليها وخصوصاً أن الفقه قد استمر يفرض نفسه طيلة فترة التكرار السكولاستيكي بصفته العلم الأول بامتياز في حين إبتليت العلوم الأخرى بالإنحدار أو بالإندثار. ويقصد آركون بالعصر السكولاستيكي الفترة الواقعة بين القرنين السابع والثالث عشر الهجريين أو الرابع عشر والتاسع عشر الميلاديين (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 73 – 74).

يعتقد آركون أن الشافعي في كتابه: " الرسالة " قد ساهم في سجن العقل الإسلامي داخل أسوار منهجية معينة سوف تمارس دورها على هيئة إستراتيجية لإلغاء التاريخ. إن الشافعي بترسيخه للمحاكمة أو المحاججة القانونية المطبقة على النصوص القطعية عن بيئتها الأصلية الأولى التي ظهرت فيها وعن الحاجيات العابرة الخاصة بزمن الشافعي في آن، يقول آركون، أن الشافعي إذ فعل هذا أراد الحط من قيمة الإجتهادات الشخصية من رأي وإستحسان. في حين أن هذه الإجتهادات كانت ستسوعب التراثات المحلية الحية السابقة على الإسلام وتبتعد قليلاً أو كثيراً عن المعيار الأصلي النموذجي والمثالي. ولم يكتف، أي الشافعي، بشحن القانون بالقيم الأخلاقية الدينية، وإنما جعله متعالياً ومقدساً عن طريق تقنيات الإستدلال: أي إستنباط القواعد التشريعية والقانونية بالإعتماد على مجموعة نصية ناجزة إلهية أو نبوية (ينظر: محمد آركون: " تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، ص 74).

ويكفي لمعالجة أفكار آركون النقدية حول منهج الإمام الشافعي العام أو منهجه خصوصاً في كتاب " الرسالة " العودة إلى الكتب التي ألفت حول سيرة الإمام الشافعي ومناقبه ومنهجه الفقهي والأصولي ودوره في الفكر الإسلامي والحضارة الإٍسلامية.

جاء في " مناقب الشافعي " لابن أبي حاتم: أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا عبد الرحمن، حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، قال: سمعت الحميدي، يقول: سمعت الزنجي بن خالد يعني: مسلم بن خالد الزنجي، يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله فقد والله آن لك أن تفتي، وهو ابن خمس عشرة سنة (ينظر: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم (المتوفى: 327هـ): " آداب الشافعي ومناقبه"، كتب كلمة عنه: محمد زاهد بن الحسن الكوثري، قدم له وحقق أصله وعلق عليه: عبد الغني عبد الخالق، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، 1424 هـ - 2003 م، ص 29).

وكتب البيهقي " مناقب الشافعي "، (ينظر: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: " مناقب الشافعي"، تحقيق السيد أحمد صقر، ط1، مكتبة دار التراث - القاهرة، 1390هـ - 1970م) وكتب الأبري " مناقب الشافعي" (ينظر: محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم، أبو الحسن الآبري السجستاني (المتوفى: 363هـ): " مناقب الإمام الشافعي"، تحقيق د / جمال عزون، ط1، الدار الأثرية، 1430 هـ - 2009 م)، وغيرها مما لا يسع هذا البحث لذكره.

أما عن منهج الشافعي في كتابه: " الرسالة " فيكشف النص الآتي عن غاية الشافعي وهدفه النهائي من تأليف الكتاب نفسه، يقول: " فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل بما علِم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونَوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة " (ينظر: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204هـ): " الرسالة"، تحقيق أحمد شاكر، ط1، مكتبة الحلبي، مصر، 1358هـ/1940م، ص 19).

وقال الشافعي: " فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها". واستدل بالآيات القرآنية الآتية:
قال الله تبارك وتعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (إبراهيم: 1).
وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44).
وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89).
وقال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52) (ينظر: الشافعي: "الرسالة"، ص 19).
أما عن السنة النبوية فذكر الشافعي " أنه لما نَدَب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظِها وأدائها امرأً يؤديها، والامْرُءُ واحدٌ: دلَّ على أنه لا يأمر أن يُؤدَّى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يُؤدَّى عنه حلال وحرام يُجتَنَب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دينٍ ودنيا. ودل على أنه قد َحمل الفقهَ غيرُ فقيه، يكون له حافظاً، ولا يكون فيه فقيهاً. وأمْرُ رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يُحتج به في أن إجماع المسلمين - إن شاء الله – لازمٌ" (ينظر: الشافعي: " الرسالة "، ص 401).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على