الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟

جمال علي الحلاق

2006 / 7 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- 1 -

هل يؤسّس - الذي يدعو الى الموت - حياة ؟
وعندما يكون الموت هو الحياة ، ألا يعني هذا ان الحياة هي ليس كل شيء في الحياة ؟ وأن الذين يقيمون فيها موجودون أصلا في غيرها ؟ ثم هل يكفي هذا تفسيرا لشحوب الحياة عند من يروّج للموت فيها ؟

لا اريد الخوض في التجريد ، ما يهمني الآن هو أن أطرح سؤالا مغايرا - يهيمن عليّ كحكّة مزمنة - وضروريا جدا في اللحظة الراهنة ( كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ )

ها أنا في الأربعين وأجدني أحبو ، ولا أطمع أن أكون معلّما لمادة أجهلها .

لكن ، وبحكم تجربة – لا أظنّها ضحلة تماما – يمكنني القول ، ان ثقافتنا كانت مكرّسة دائما تحت سؤال : كيف نموت ؟

لم تكن الحياة هي ما يهم ثقافتنا ، بل الموت ، وكان التركيز دائما على الآخرة التي لن تكون في الحياة ابدا .

لا زال الوعي السومري والفرعوني يعيد انتاج ذاته عبر مسمّيات أخرى كالإسلام مثلا . كلّ ما هنالك اننا استبدلنا أسلوب الدفن السومري ، حيث كان الدفين يأخذ شكل جنين - في رحم هو القبر - منتظرا ولادته في العالم الآخر ، وضيّقنا سعة الرحم الفرعوني ، فأصبح الدفين يأخذ شكل الاستقامة دلالة على التوحيد ، تحت هرم هو الاعتقاد .

وبقيّ الانسان موجودا في الحياة لأجل الآخرة ، ومن هنا نسينا تماما ان ننتبه للحياة أصلا ، ومن هنا جاء جهلنا في ان نعرف كيف نعيش ؟

وبالتأكيد ، لم تكتف ثقافتنا بأن تروّج للآخرة ، بل تمادت ذلك حتى جعلت التخلّص من الحياة تحت هرم الاعتقاد هو الحياة الحقّة ، ومن هنا جاء ( تمجيد الانتحار ) بعد أن تمّت قراءته على انه استشهاد .

سألتني صديقة فلسطينية وكنا معا نشارك في بحث ميداني لتقييم أوضاع العراقيين في الأردن : لماذا لا تصلّي ؟
قلت : ولماذا أصلّي ؟
قالت : أحب ان يكون الذين أحبهم معي في الجنة .
قالت بخباثة : في القرآن " وإن منكم إلا واردها " ، وهذا يعني أنك ستمرّين بي وانا في الجحيم ، الا انك لن تقيمي طويلا ، ومع هذا فإننا سنلتقي ، وربما نكمل بحثنا الميداني في الجحيم .

ضحكنا يومها ، وكانت تدرس علم اجتماع ، حتى انها اصبحت مديرة لجمعية هدفها تنمية الطاقات النسائية او ما يشبه ذلك ، واتصلت بي هاتفيا وقالت : اتمّنى ان تزورنا ، ومنحتني العنوان ، وكانت المفاجأة ان الجمعية تقع بعد مقبرة ، فلما وصلت ، قلت لها : لقد وضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب ، عرفوا انك معنيّة بالآخرة فجعلوك خلف المقبرة .

كانت معنيّة ب ( تأثيث الآخرة ) ، لذا كان سلوكها الاجتماعي محدّدا ب ( شروط الآخرة ) ، في الثلاثين من تفتّحها ، أو فوقها بقليل ، ولم تتزوّج بعد ، تصحو يوميّا على عنوسة تتراكم ، قُتل فيها الجانب الأنثوي ، فقدت العمود الفقري لحياتها ، فأحبّت أن لا تفقد الآخرة .

هذا المشهد المتراكم على حياتنا اليومية ، يصلح ان يكون نافذة لقلب سؤال الثقافة من كيف نموت ؟ الى كيف نعيش ؟

أعي تماما ان الأمر ليس بهذه البساطة ، لكن ، هذا لا يعني ايضا أن نقف متفرّجين وكأن حياتنا هي لغيرنا ، وأننا مجرد أشباح ركبوا قطارا لا يعنيهم .

وبالتأكيد ، فإن صياغة السؤال في ( كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ ) يعلن منذ البداية الى انه ليس سؤالا مكتبيّا ، وليس بحاجة الى تثاقف تنظيري ، السؤال يبدأ من السلوك وينتهي اليه ، فالقضيّة إذن في جوهرها قضيّة ممارسة ، وأعتقد أن تكريس بعض المشاهد المتراكمة بشكل يومي قد يؤدي الى انتباهات فردية بدءا ، لكنها في النهاية لن تكون إلا خطّا اجتماعيا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤانسات أدبية- د. العادل خضر: يوتوبيات العبور


.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية




.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل


.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا




.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا