الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة عكسية بين التعليم في العراق والتطور العلمي والتقني

شهد سعد

2020 / 10 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


يشهد العالم ثورة تكنولوجية عظيمة وتقدم في العالم الرقمي لم يسبق له مثيل في تاريخ الإنسانية، حيث تقوم الكثير من الدول بتكييف مؤسساتها ومواردها البشرية مع هذا الغزو التكنلوجي من خلال تدريب الكوادر العاملة بطرق حديثة لتلائم العصر الحالي واستحداث مناهج قائمة على أساس البحث العلمي الرصين وارسال البعثات الى الدول المتقدمة في هذا المجال لتنمية المهارات من اجل استغلالها من قبل البلد المرسل
اخذت المؤسسات التعليمية نصيب من هذا التقدم فمنذ اختراع الحاسوب في القرن التاسع عشر والانترنيت في القرن العشرين، اخذ التعليم منحى وتوجه اخر وأصبحت المعلومات متنوعة ومتاحة بضغطة زر بدون عناء البحث بين سطور الكتب وتطورت الوسائل التعليمية وطرائق التدريس واخذت بالتكييف مع هذا الوضع الجديد
اما في العراق، فوزارة التربية لم تحرك ساكن او حتى تلوح لهذا التغيير فكان ذلك من الأسباب التي أدت الى تراجع التعليم في العراق بعد ان كان يعتبر من أفضل الدول في هذا المجال، فان العراق لم يوظف التطور التكنلوجي والتقني الحاصل في العملية التعليمية وسببه الكثير من الأمور منها الفساد المالي والإداري وعدم وجود إدارة رصينة وواعية تعمل على وضع خطط طويلة الأمد
تقوم العملية التعليمية على أربع عناصر أساسية وهي المنهج والمدرسة والمعلم ولطالب، فعلى الرغم من تغيير المناهج مع كل دورة انتخابية جديدة ووزير جديد الا ان هذا التغيير لم يسمن او يغني من جوع، لم يكن تغيير المناهج مبني على أسس حقيقية تلبي حاجات الافراد والمجتمع والنهضة الفكرية الحاصلة، قامت الوزارة بتغيير المواد الدراسية دون مراعاة الحاجات الأساسية للأفراد ومدى تلائمها مع التطور التكنلوجي والتقني ثم لماذا تقوم الوزارة بتغيير المناهج وتثقل كاهل الطالب بمواد لا طائل منها ولا تشجع على التفكير والتحليل النقدي. اذ ان هذه المناهج أصبحت معوقا للتفكير بسبب انشغال الطالب بحشو المعلومات في عقله دون التفكير واستخدام المنطق لتفسيرها وبسبب كثرتها فمثلا مادة الرياضيات للصف الثاني الابتدائي مليئة بالمسائل المعقدة والصعبة تعيق قدرة الطفل على التفكير لان عمره وادراكه لا يتلأم مع هكذا عمليات حسابية كما ان مادة الاجتماعيات للصف السادس الابتدائي المحشوة بالمعلومات التي توْرق الطالب والتي تتحدث عن مدن العراق جميعها بشيء من التفصيل ، حيث لا توجد فيها معلومات متنوعة وسهلة لتجذب الطالب وتجعله يفهم ويعرف محافظات بلده بيسر وعدم استخدام الوسائل الحديثة في التدريس منها استخدام السبورة الالكترونية او أدوات عرض البيانات (data show)، اليس من الأفضل تخصيص رحلات مدرسية للمحافظات حتى يكون التعلم عملي وليس مجرد حفظ معلومات بدون فهم ما هو السهل وماهي الهضبة كما حدث معي، انا لم افهم هذه المواد الا عندما دخلت الكلية بسبب التعليم النظري وتفضيل طريقة الحفظ على الفهم والاستيعاب، بمجرد عبوره المرحلة يرمي الطالب الكثير من الأحجار خلفها او حتى استخدام التطبيقات الحديثة كيوتيوب وغيره لمشاهدة الفيديوهات القصيرة التي تحبب الطالب بالمادة الدراسية
اما مادة الإسلامية فهنا تكمن الطامة الكبرى اذا انها أصبحت عقدة الكثير من الطلبة بسبب المعلومات المتدفقة كشلالات نياجرا والتي تستخدم فقط للحفظ بدون الفهم او التطبيق، توجد في مادة الإسلامية الكثير من المفاهيم الراقية والتي تهذب الاخلاق وتطور السلوك النفسي والجسدي للإنسان اذ انها تشجع على التعايش واحترام الاخرين والنظافة وغيرها من السلوكيات الا ان الغلو والسرد بدون دروس تطبيقية عملية أفقد هذه المادة أهميتها وصارت عبارة عن شروحات واسئلة ولم تنمي أي سلوك إيجابي في الفرد حيث ان العراق مليء بالصراعات الطائفية ولا يقبل الاخر وشوارعه مليئة بالنفايات والاوساخ وغيرها من السلوكيات الهدامة الطبيعية .
كانت هنالك محاولات خجولة للوزارة لإضافة مواد تواكب التطور الحاصل حيث قامت باستحداث منهج الحاسوب حيث انها سنة 2004،أي بعد قرنين من اكتشافه، الى المدارس وصار يدرس من صف الرابع الاعدادي الا ان تدريسه بقي مقتصرا على مدارس معينة فقط بسبب عدم توفر بنى تحتية او أدوات تدريس هذه المادة كالمختبرات و أجهزة الكومبيوتر ومعلمين متدربين لتدريس هذه المادة ، لم تبذل الوزارة أي جهود تذكر لتطوير المدارس بما يلائم هذه المادة حتى انها لم تعي اهمية هذه المادة للأجيال القادمة . وهنا لدي تساؤل بسيط لماذا لم تشرع الدولة بتدريس مادة الحاسوب بدل صرفها الكارثي على تغيير المناهج ما كان من الأولى ادخال الحاسوب بمناهج المدارس الابتدائية بصورة محببة تجذب الطالب وتطور من مهاراته لتخريج جيل يعي التطور التقني الحاصل بدل التخبط بإنتاج مناهج مليئة بالكلمات الرنانة لا يفقه الطالب منها شي حتى انه لا يستطيع لفظها فتسبب له الما جسديا بسبب عقاب المعلم والما نفسيا بسبب الاحراج
لا يملك العراق بنى تحتية ليحتضن التغيير في هذه المناهج، حيث قامت الوزارة التربية بهدم المدارس القديمة المتهالكة وبناء اخريات لتواكب التطور الا انها أصبحت مدراس كرفانية تقطر في الشتاء وتشوي في الصيف والبعض الاخر أصبح مكب لنفايات مثلما يقول مجتبى الحسيني أحد التلاميذ السابقين في مدرسة المصطفى ببغداد وهو ينظر إلى المدرسة بتحسر، حيث هدمت وسويت بالأرض لتتحول بعد ذلك إلى مكب للنفايات.
"قال الحسيني للجزيرة نت إن هذه المدرسة لم تكن بحاجة للهدم، فأروقتها وصفوفها كانت مشيدة بطريقة جيدة تواكب الحداثة نوعا ما فكان الأجدر تحديثها.
وأضاف أن أرض المدرسة باتت مكباً للقمامة التي تبعث منها الروائح الكريهة بعد أن كان المكان ينشر العلم والمعرفة "فالعراق يحتاج ما يقارب لأكثر من 20 ألف مدرسة بحلول العام 2022 نتيجة النمو السكاني السنوي والأزمات السياسية والفساد المستشري الذي أدى الى النمو المتباطئ في بناء المدارس لمدة 17 عاماً
وفي مقال أعدته السومرية نيوز حيث يوجد اليوم نحو عشرة ملايين طالب موزعين على 16 ألف مدرسة فقط في العراق، وهو عدد غير قابل لحل أزمة الدوام الثنائي والثلاثي، ويكشف حجم النقص الكبير لعدد الأبنية المدرسية، إذ إن أكثر من 600 طالب يضطرون للدوام في المدرسة الواحدة المهيأة لاستقبال مئتي طالب فقط
اما وضع المعلم في العراق ، فان المعلم لا يخضع الى اختبار يحدد مدى اهليته للتعامل مع الطلبة ،يصبح معلم فقط لأنه تخرج من كلية التربية او معاهد المعلمين سابقاً وكثير من المعلمين يوْدون مهنة التعليم بدون مهارة او رغبة وهذا يودي الى عدم قدرة المعلم على التطور واكتساب مهارات جديدة او مواكبة الاكتشافات والنظريات وتطبيقها في مجال عملهم كما ان وزارة التربية لا تقدم الدعم المادي والمعنوي المناسب لموظفيهم فعندما يبدأ العمل في المدرسة يشارك بين الحين والأخر بدورات تطويرية تدغدغ معلومات وسلوك المعلم فهي مجرد اسقاط فرض واحيانا يتكاسل المعلم للمشاركة فيها. وتعد رواتب المعلمين في العراق هي الاسوء مقارنة بالجهد المبذول، نشر موقع أسواق العربية اعلى اجر للمعلمين في 10 دول وجاءت لوكسمبورغ في المرتبة الاولى، حيث يبدأ راتب المعلم في المدرسة الابتدائية ممن ليس لديه أي خبرات سابقة ولا مهارات إضافية بـ 79 ألف دولار سنوياً (6583 دولارا شهريا)، على أن راتبه يصل عند الذروة إلى 137 ألف دولار سنوياً (11 ألفا و400 دولار شهريا) وبالتالي فان كل هذه الأسباب تودي الى عدم قيام المعلم بواجبه على أكمل وجه
اما الطالب فهو الحلقة الأضعف في هذا التفاعل فيجب على المسؤولين عن هذه الوزارة المتكلسة الانتباه الى الخطر المحدق الذي يواجه الطالب وكيف تقوم هذه الوزارة بهدر مستقبل الطالب وتغييبه من خلال سياستها الهدامة التي تتبعها بقصد او بدون قصد وعلى الوزارة ان تعي ان الاستثمار في الانسان هو الاستثمار الانجح والاكثر استمرارا فيجب ان تعمل على خلق افراد اسوياء يعملون على تكوين مجتمع متطور والعراق لا تنقصه موارد بشرية اذ انه يصنف كمجتمع فتي أي ان نسبة الشباب تعد هي النسبة الأكبر حيث صدر تقرير عن وزارة التخطيط 2016مبيناً أن "نسبة السكان في سن العمل، أي بعمر 15-64 سنة، بلغت نحو 57%، ما يعني أن المجتمع العراقي مجتمع فتي يتميز بمعدل نمو سكاني مرتفع يصل إلى 3%" وبالتالي يجب تنمية هذه الطبقة مساعدتها من خلال استحداث مناهج تواكب التطور وتساعد في استخدام العقل والمنطق والنقد والتحليل ويجب ان تأخذ العبرة من المجتمعات السابقة ومنها اليابان التي لا تملك الكثير من الموارد الطبيعية الا انها استثمرت في الانسان وعملت على تنمية الموارد البشرية فجميع الموارد الطبيعية ممكن ان تجف وتنضب الا عقل الانسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم