الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة -استحضار أرواح الماضي في الحاضر-!

جواد البشيتي

2020 / 10 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في التاريخ، نرى، عادةً، "الماضي" يَحْضُر في "الحاضر"..
حتى "الموتى"، مع كثيرٍ مِمَّا مات، وشبع موتاً، يُسْتَحْضَرون؛ وكأنَّ حُكْم الأموات للأحياء، الذين يتوَّفرون على صُنْع التاريخ، لَم ينتهِ بعد.
إنَّه "تناقُض" يُلازِم، عادةً، كل انعطافٍ لعربة التاريخ بنا؛ فالبشر المنشغلون بخلق شيء جديد كل الجدة.. بخلق شيء لم يكن له وجود من قبل، يُبْدون ميلاً قوياً إلى "استحضار أرواح الماضي"، وكأنَّ الحدث التاريخي الجديد، بمحتواه الواقعي، يحتاج إلى "شكلٍ" يَسْتَمِدُّ جمالاً من "الماضي"، أي مِمَّا مضى واندثر وأصبح أثراً بعد عين؛ ولكنَّ "ظلاله"، من فكر، ولغة، وأزياء، وشعارات، لم تَفْقِد بعد نفوذها في عقول وأفئدة الأحياء، صُنَّاع الحدث التاريخي، الذي يكتسي جديده، وهو "المحتوى"، بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم"، و"القِدَم".
وعندما يُعْرَف "السبب"، أي عندما يُفسَّر هذا التناقض، يبطل "العجب"؛ فالبشر لا يستحضرون الماضي، أو أرواح الماضي، إلاَّ خدمةً لمقاصِد وأهداف الحاضر، أي خدمةً لمقاصدهم وأهدافهم.
ومن أجل ذلك فحسب، نراهم يستعيرون من الماضي الأسماء، والشعارات القتالية، واللغة، والأزياء، فيبدأون العمل، أي عملهم التاريخي، وكأنَّهم يمثِّلون مسرحية على مسرح التاريخ؛ فهذا القائد الجديد نراه يرتدي رداء ذلك القائد القديم؛ وهذا الحدث الجديد نراه يلبس لبوس ذلك الحدث القديم، فيجتمع في العمل التاريخي الكبير "الخلق" و"التمثيل".
وهؤلاء الصُنَّاع للتاريخ يشبهون المبتدئ في تعلُّم لغة جديدة (لغة أجنبية) فهو يقوم بترجمة هذه اللغة، أو مفرداتها، عبر ذهنه، بلغته الأصلية؛ وغنيٌ عن البيان أنَّه لن يغدو ضليعاً في اللغة الجديدة إلاَّ عندما يكفُّ عن هذه الترجمة الذهنية، أي عندما يغدو قادراً على التفكير بواسطة "الكلمات الأجنبية" نفسها.
كَسْو "محتوى" الحدث التاريخي الجديد، أو الذي قَيْد الصُنْع، بجمال وجلال وهيبة ووقار وقدسية "القديم" هو عملٌ، لا يخلو، على أهميته وضرورته الواقعيتين، من الوهم والخداع؛ فالباحث، في جدٍّ وموضوعية وعلمية، في التاريخ، بأحداثه المهمَّة، وشخوصه الشهيرة، سيقف على أنماط من التفسير والتعليل والفهم غريبة كل الغرابة عن التاريخ، منطقاً وواقعاً؛ وهذا ما يؤكِّد أنَّ لكل عصرٍ حقائقه وأوهامه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البشر المتدينين
طاهر المصرى ( 2020 / 10 / 3 - 22:51 )
الأستاذ/ جواد البشيتى
يسعدنى قراءة مقالاتك الدسمة لكنى فى هذا المقال القصير جداً لم أستوعب جيداً القصد من بعض العبارات، لذلك أود لو سمح وقتك بأجابتى عنها، مثل عبارة البشر المنشغلون بخلق شئ جديد..، واضح أنك تقصد البشر الجادين فى عملهم وليس البشر المتدينين أو الهزليين، هؤلاء البشر الذين لا يريدون بذل الجهد فيلجأون إلى الماضى وإلباسهم كساء أرواح القادة والمعارك والغزوات لتبدو فى حلة جدية ويضفى عليها القداسة والهيبة والوقار والجمال الصناعى لأرواح ماضوية يحييها للحاضر!!
وأعتقد أن من يلجأون إلى تلبيس شخوص الحاضر بأرواح شخوص الماضى، ليسوا إلا دجالون للتاريخ لا يجيدون صناعته ولا يملكون الأبداع ليصنعوا حاضرهم بعقولهم العصرية، والذين يفعلون عملاً كهذا ويقوم بتزييف التاريخ ويخدع نفسه وغيره معه، فهؤلاء هم أناس التاريخ لم يموت بالنسبة لهم بل التاريخ ما زال حياً يعيشونه بكل تفاصيله لذلك ما زلوا يعيشون فى التخلف والنكوص إلى الماضى الحاضر أبداً معهم.
أستاذ/ جواد, أرجو أن تصحح ما فى كلامى من فهم خاطئ وتوضح لى ما غاب عن فكرى.
مع خالص شكرى


2 - رد على السيد طاهر المصري
جواد البشيتي ( 2020 / 10 / 4 - 07:26 )
تحية،
.. صحيح تماماً، وعلى وجه العموم، ما تفضَّلْتَ به

اخر الافلام

.. بعد الهدنة التكتيكية.. خلافات بين القيادة السياسية والعسكرية


.. دولة الإمارات تنفذ عملية إنزال جوي للمساعدات الإنسانية على غ




.. تشييع قائد عسكري إسرائيلي درزي قتل في عملية رفح


.. مقتل 11 عسكريا في معارك في شمال قطاع غزة 8 منهم في تفجير است




.. بايدن بمناسبة عيد الأضحى: المدنيون الأبرياء في غزة يعانون وي