الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خِنجرٌ قرآنيٌّ يطعنُ في صُلبِ العقيدةِ

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنتُ قد عزمتُ على ألا أخوض في تراثنا الإسلامي، وأنا من أكثر الناس علماً به ودراسة له ومعرفةً ببواطن كافة أموره/ شئونه ومكامن قوته وضعفه؛ وذلك لحكمةٍ كنت دوما ما أقنع نفسي بها؛ لمصلحة المجتمع أو للصالح العام. ولكن؛ بعد أن ناطحني السفاء من جهلة المسلمين بالوراثة؛ وزاد تسلطهم وتدليسهم واندفاعهم الأرعن خلف ألسنتهم السليطة بمنتهى "قِلة الأدب"؛ قررت: الخوض -بأدب- في هذا التراث – وبمنتهى الموضوعية وبهدوءٍ غاضب- تلك الموضوعية التي تنتفي بالكلية في أغلب شعوب هذه الأمة وتتطابق –تطابق التِرس على التِرس- مع موضوعية علماء الغرب.
ولأن قدرتي على تحمل كل المتخلفين، في كل مكانٍ وزمان، بترهاتهم، في الفترة الأخيرة من حياتي؛ باتت شبه معدومة؛ خاطبتُ هؤلاء السفهاء، قائلاً لهم:
اعلموا.. لو تم جرِّي إلى حوارٍ ما، فحواري يهدف دوما إلى الوصول إلى الحقيقة؛ لا للتباهي أو المجادلة أو المغالبة؛ وإن فَرضَ علينا المحاورون المغالبة أو الاقتتال؛ فليس أمامنا سوى قتال الشعراء!
فرجاءً؛ إن أردتُم أن تُحاوروني؛ فتسلَّحوا أولا بالعلم وبالفكر المستنير؛ حتى لا تُجبروني على أن أحاوركم على قاعدة: "وخاطبوا الناس على قدر عقولهم".
وأنت يا هذا؛ لا تكن متعصباً طفولي العقلية؛ واحذر حُجتي؛ فمنطِقها صادم؛ لأنها تلامس الحقيقة، تلك الحقيقة التي لم تألفوها - كأُمة- وتخشون مواجهتها؛ واعتدتم على مضاجعتها سرا في أحلامكم وأوهامكم؛ خِيفة أن تعقلوها!

وأبدأ هذه السلسة بوقائع بعض النقاشات على النحو التالي:

دارت عدة حوارات مسائية بيني وبين أحد وكلاء وزارة الأوقاف المصرية على شواطئ البحر المتوسط في الفترة من 2002 – 2004، وأراها حوارات تنويرية (إلى حدٍ ما) وسط رائحة عرق التعصب النتنة التي تعبئ أجواء هذه المنطقة المنكوبة بعقولها. والحكم بالتنوير النسبي عليها نابع من تقبُل السيد وكيل الوزارة لحُجَجي المنطقية القوية، وإن أبدَى امتعاضه في بعض الأحايين من فرط قوتها؛ لدرجة أنه اضطر أكثر من مرة إلى الاعتراف بإعجابه الممزوج بالغيظ منها ومني.
لكنه بشكل عام كان من أوسع المتدينين صدراً على الإطلاق. ولذا؛ قد نعته بـ "السيد"؛ فضلاً عن كونه منفتح وأزهري "صايع"، ولا أقصد بنعتي الأخير الوجه السيء من المعنى، بل أقصد: أنه كان من أكثر الناس فهماً وتفتحاً.
فقط؛ ما كان يعيبه أحياناً، أنه عندما أحشره في زوايا المنطق؛ يتمترس على الفور، بأمورٍ أحَطتُ أنا بها علماً لا حقاً؛ حتى أقطع عليه تحصيناته وذرائعه، ومن هذه الأمور تمترسه خلف السياق التاريخي (الذي لم يتفق عليه الجمهور)، وأسباب النزول (مع أن العبرة فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، والناسخ والمنسوخ، الذي يرفضه البعض ويؤكد وروده في القرآن بمعنى الكتابة والإثبات، لا بمعنى الإذالة والإبطال.
واتفق الجمهور على نسخ الحُكم وبقاء التلاوة على وجه العموم، في أنواع النسخ الكلي والجزئي والصريح والضمني والنسخ بدون بديل أو ببدل مساوٍ أو أخف أو أثقل، واعتبر كثيرون أن القرآن المكي ينسخ القرآن المدني... الخ، وأغلب الآيات المنسوخة مَسَّت موضوعات في تحريم الخمر والزواج بسبب الرضاعة والرجم بسبب الزنا وعدة المرأة المتوفى عنها زوجها وتحويل القِبلة والمواريث وإلغاء التبني... الخ.
وهناك آيات نسختها الأحاديث! وأحاديث نسختها الآيات، وآياتٌ أخرى أوحى بها الشيطان ونسخها الله بعد لوم وتعنيف نبيه في مواضع كثيرة بالقرآن... الخ. والناسخ للمنسوخ يكون في أغلب الأحوال مؤكداً على الفكرة لا نافياً لها، كما في الآيات التي تحت أيدنا الآن.
وقد جمع الفقهاء القدامى مثل بن الجوزي، المتوفي في عام 1200 م نحو 247 آية منسوخة، بينما لم يجمع السيوطي، المتوفي في عام 1505م، سوى 22 آية فقط! والمتعمق في مثل هذه الأمور بعقلية مُتجردة؛ يتأكد من أن وجود الناسخ والمنسوخ، في حد ذاته، يشيرُ بوضوح إلى وجود شُبهة ما، ويؤشر على وجود خلل ما؛ كفيلٌ بأن ينسف القضية الإيمانية برمتها من جذورها.
وكان الموضوع الموسع لهذه الجلسة هو: "الناسخ والمنسوخ". وتجولنا لمدة الساعتين بين الآيات المنسوخة. وتوقفنا طويلاً عند الآيات من 65 – 67 من سورة الأنفال. وتعني الأنفال: الغنائم. في اشارة واضحة ومباشرة إلى "شرعنة" السلب والسطو وسرقة ممتلكات الغير بالإكراه في شريعة محمد. حيث قال: "فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا"؛ فأحل الله لهم الغنيمة! والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: أي إلهٍ هذا؟ هل يمكن أن توجد ألوهية وضيعة مقززة بهذا الشكل المقزز؟!
والآيات هي: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون 65) ) الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ((66 ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67).
بغض النظر عن تباين التفسيرات وأسباب النزول والسياق التاريخي والناسخ والمنسوخ. وكلها ملآى بالتدليس والتلبيس والمخاتلة. وبصرف النظر عن التحريض الصريح/المباشر على القتل والاقتتال، ومخالفة "حقوق الأسرى" التي تحفظها المواثيق المتحضرة الحديثة، ورغبة هذا (العزيز الحكيم) في أن تكون مقتلة أو مجزرة؛ فإن الآيات تكشف عن فضيحة عقائدية تضرب بقوةٍ وعنف شديدين في كلية "الصفات الإلهية" المطلقة وكمالها وتعاليها الذي اعتدناه.
فقوله: "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا..."؛ لا يعني سوى: {{أن الله قبل "الآن" في الآية لم يكن يعلم!}} فطَعَنتْ بقوة في "عِلمه الكُلي" ولم يَعُدْ "الواسع العليم" وما كان أبداً، في يوم من الأيام؛ قد "وسِعَ كل شيءٍ علما" فكشف لنا محمد بقوله هذا عن مصيبة من العيار الثقيل، مصيبة تطعن في صلب العقيدة ولم يلحظها أحد من المفسرين القدامى والمعاصرين (بدليل أنهم ظلوا على استسلامهم، ولم يرتابوا).
ألم تكن تعلم – يا واسع العِلم- أن بمؤمنيك ضعفاً؛ فراجعتَ حسابات عُدتك الإرهابية/الدموية؟ والإشارة هنا بوضوح إلى عدم علم الله المُسبق بضعف مؤمنيه، حسب ما ورد في الآيات من معانٍ صريحة وواضحة في قوله: "الآن... وعَلِمَ أن فيكم ضعفاً"، لها دلالاتها الخطيرة. وإلا لما اضطر إلى اللجوء إلى النسخ (أي إلغاء أمر قد أمر به ورجع عنه وألغاه) وهذا يتعارض تماماً مع إيماننا بأن الله كُليّ العلم والمعرفة، وبأنه الواسع العليم الذي وسِعَ كل شيءٍ علما، كما أشرنا مسبقاً.
وقضية أخرى هي: أن من أهم صفات الله؛ أنه لا يسهو ولا ينام أبداً؛ إذ يقول: "لا تأخذه سِنة ولا نوم" والآية تشير هنا إلى حالة سهو إلهي؛ نتج عنها أنْ أمَرَ بشيءٍ ثم رجع عنه وألغاه (أي نسْخِهِ بأمرٍ أخَف).

وعلى وجه العموم؛ ومن الناحية العقلية/المنطقية؛ مجرد وجود "الناسخ والمنسوخ"؛ لا يعني سوى: "أن الآلهة ترجع في كلامها"؛ وتلك صفة بشرية، ولا يصح أن يكون الإله تافه إلى هذا الحد؛ الذي "يِلْحَس فيه كلامه". كما ويعكس عدة حالات من "الربكة والتردد" التي أصابت "مؤلِف القرآن". ووجود المنسوخ من الأساس؛ يُعد اعترافاً ضمنياً بوجود نقص/خلل ما؛ ينسف بالمعتقد من جذوره. ومن هنا نلحظ بأن الأديان التي دعا إليها أدعياء النبوة غير الفطينين؛ قد أساءوا كثيراً حتى للآلهة التي تقولوا عليها.

ومثل هذه القضايا الشائكة تُثير آلاف الأسئلة التوليدية. وعندما وصل حواري مع الشيخ المذهول إلى هذه النقطة المفصلية؛ قلت له: "لا تتمترسوا بأشياءٍ إن تُبْدَ لكم تسوؤكم، بل ويمكن أن تضعكم – مع أرزاقكم ومستقبل عقيدتكم- في مهب رياح المنطق العاتية؛ فقوموا بالمراجعة والتنقيح يرحمكم إلهكم.
وكالعادة؛ وكغيره من الشيوخ؛ عندما يتبين لهم بأنك – يا من تناقشهم- على علمٍ ببواطن فقههم؛ ينسحبون من النقاش مُتذرعين بأنهم في حاجة إلى المزيد من القراءة في مثل هذه المواضيع؛ وعندها يُصاب النقاش بالشلل التام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah