الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تكون -الوحدة الجدلية العليا- بين الفلسفة والعلم؟

جواد البشيتي

2020 / 10 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تأكيداً وإبرازاً لأهمية الفلسفة في وعينا وثفافتنا وحياتنا أقول إنَّ الفلسفة هي كيف ينظر المرء إلى العالم، وكيف يفهمه ويتصوَّره.
الفلسفة لا يمكن أبدا أن تنتفي حاجة البشر إليها، فهي عِلْم الواقع الذي ضاق به كل عِلْم.
إنَّها عِلْم القوانين الموضوعية العامة للعالَم، فللواقع في شموله وكُلِّيَتِه من القوانين الموضوعية ما يُوَلِّد الحاجة إلى الفلسفة، عِلْماً تُكْتَشَف فيه وتُصاغ تلك القوانين.
وكل من يضرب صفحا عن الفلسفة العِلْميَّة إنَّما هو إنسانٌ اختار أن يَجْهَل الواقع الموضوعي في كُلِّيَتِه، أو أنْ يَفْهَم "العالَم" على أنَّه أجزاء، مُنْفَصِلٌ بعضها عن بعض، لكلِّ جزء منها قوانينه الموضوعية؛ ولكن ليس من قوانين موضوعية عامَّة، تَشْتَرِكُ فيها أجزاء العالَم جميعاً.
ويكفي أنْ نُقِرَّ بالحقيقة الموضوعية الكبرى، وهي أنَّ "العالَم" واحدٌ موحَّد، على تنوُّعه وكثرة أجزائه وجوانبه، حتى لا نَجِد مناصاً من عِلْمٍ يسعى في اكتشاف ومعرفة القوانين الكونية العامَّة، الأوسع نطاقا من قوانين الفيزياء والكيمياء والميكانيك.. وهذا العِلْم لا يمْكِنه إلا أن يكون الفلسفة، على أن تكون "عِلْمِيَّة"، تَبْحَثُ عن "الحقيقة"، بمقياسها العِلْمي ـ الموضوعي.
كل عِلْم إنَّما يتوفَّر على دراسة جانب (أو جزء) من الواقع الموضوعي، أمَّا الفلسفة فتتوفَّر على دراسة الواقع الموضوعي في كُلِّيَتِه.
ما هي "الصاعقة"، وما سببها، وكيف نتغلَّب عليها؟
إذا فهمنا "الصاعقة" على أنَّها "ظاهرة مادية"، لها "سبب مادي"، فإننا سنسعى في التغلُّب عليها بـ "وسيلة مادية (مانعة الصواعق)"؛ أمَّا إذا فهمناها فهما مثاليا، وعلى أنَّها من مظاهر غضب الله (علينا) وقوَّته، فسوف نلجأ إلى "الصلاة" بصفتها وسيلة للتغلُّب عليها.
من دون صلاة يمكننا التغلُّب على خطر الصاعقة؛ لكن بالصلاة وحدها لا يمكننا ذلك أبداً.
وبما يوافِق هذا المعنى قال شاعر: لكل امرئ في ما يحاول مذهب.
وفي شأن إشكالية "الحقيقة" لا بدَّ من جلاء أهمية التجربة العملية، فمن هذه التجربة ليس إلا تَعلَّم الإنسان أمرا في منتهى الأهمية وهو أنه لا يمكنه فعل أي شيء يرغب في فعله، أي لكونه فحسب يرغب في فعله؛ فثمَّة قوانين موضوعية مادية ينبغي للإنسان موافقة فكره معها إذا ما أراد لفعله النجاح.
الإنسان، في سعيه المعرفي، إنَّما يستهدف الوصول إلى "الحقيقة"، أي إلى فهم الأمور فهما يمْكن، عبر الممارسة والتجربة العملية، إقامة الدليل على صحَّته.
وتوصُّلا إلى "الحقيقة" لا بدَّ من إنشاء وتطوير منهج، يتأكَّد، عبر الممارسة والتجربة العملية، أنَّ أخْذَنا به يُوْصلنا إلى "الحقيقة"، التي ليس من ميزان نزنها به سوى ميزان الممارسة والتجربة العملية.
وهذا المنهج هو ما تواضع الفلاسفة على تسميته "المنطق"، متوفِّرين على إنشاء وتطوير قواعد ومبادئ له.
و"الفكر"، أو "التفكير"، ينبغي له أن يراعي، تلك القواعد والمبادئ، وأن يستمسك بها ويتقيَّد، إذا ما أراد صاحبه الوصول إلى "الحقيقة"؛ فمِنْ أين جاء "المنطق"، بقواعده ومبادئه، إلى رأس الإنسان؟
لم يجئ إلا من مَصْدَرٍ واحد هو "التجربة العملية (الممارسة)" للإنسان في سياق صراعه مع الطبيعة.
إنَّ "النجاح" و"الفشل" في التجارب العملية للإنسان هما ما فرضا عليه أن يكون "منطقيا في تفكيره".
"والمنطقية في التفكير" لم تنشأ لدى البشر إلا بصفة كونها "شرط بقاء".
كل جماعة من الناس تميل إلى الوقوف، فكرا وعملا، ضد كل تغيير لحال اجتماعية يعود عليها بقاؤها واستمرارها، بالنفع والفائدة، فكيف إذا كانت تلك الحال تعطيها "حصَّة الأسد" من ثروة المجتمع المادية، الاقتصادية والمالية؟!
وينطوي موقف ذوي المصالح الفئوية الضيِّقة من "الواقع" على التناقض الآت:
السعي في حماية وإدامة "الواقع" الذي كالناقة تدر عليهم بلبنها، وإنكاره في الوقت نفسه، فاعترافهم به يتعارض مع مصالحهم، ويُحرِّض المتضررين منه على السعي إلى تغييره.
ما السبب الحقيقي لهذا الشيء، أو لهذه الظاهرة؟
كل الناس، ومهما اختلفت، أو تضاربت، مصالحهم وغاياتهم ودوافعهم، لا بدَّ لهم من أن يسألوا دائما هذا السؤال، وأن يسعوا في إجابته إجابة موضوعية؛ لأنَّ "الإجابة الموضوعي" هي الشرط الأولي لإنجاز كل عمل، ولو كان الشيطان هو الذي يقوم به.
وبعد ذلك، يتقرَّر الموقف من "الإجابة الموضوعية"، إيجابا أو سلبا، فإذا قضت "المصلحة" بنشر وإبراز تلك الإجابة، نُشِرت وأُبْرِزَت، وإذا كانت ضدَّ ذلك، حُجِبَت، بوسائل شتى، بعضها فكري، عن الأبصار والبصائر.
قد تسأل عن سبب "الفقر"، فتَشْرَع تحاول "إجابة موضوعية". وقد تتوصَّل إليها؛ ولكنَّ مصير هذه الإجابة تُقرِّره "مصلحتكَ"، فإذا كانت تقضي بمحاربة الفقر، وتغيير الواقع الموضوعي المُنْتِج والمنمِّي له، فإنَّكَ تسعى، عندئذٍ، في نشر وإبراز تلك الإجابة؛ أمَّا إذا كانت تقضي ببقاء وإدامة الفقر فإنَّكَ، عندئذٍ، تتوفَّر على مسخ تلك الإجابة، وحجب الحقيقة التي تنطوي عليها عن أبصار وبصائر الفقراء، مُسْتَخْدِما في سعيكَ هذا كل ما تستصلحه من أفكار ومعتقدات منافية للعِلْم، ومجافية للحقيقة الموضوعية.
وعندما يَعْجَز الإنسان، أو يُعْجَز، أي يُجْعَلَ عاجزا، عن فهم ومعرفة أسباب المصائب التي تحلُّ عليه، يَسْهُلَ جعله يَنْظُر إليها، ويفهمها، على أنَّها مُقَدَّرة عليه، أو قضاء مُقَدَّر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفلسفة ليست علما
منير كريم ( 2020 / 10 / 5 - 06:25 )
تحية للاستاذ جواد
يتميز العلم عن المعارف الاخرى بطريقته في التوصل للحقائق وهي التجربة الحسية والرياضيات والمنطق , وحقائق العلم قابلة للتعديل وحتى للتخطيء
الفلسفة محاولة الفهم العقلاني للعالم وطرقها المنطق والمحاججات العقلية وهي بهذا ليست علما ولا تاتي بحقائق علمية جديدة فمثلا فلسفة الرياضيات لا تاتي باية معادلة رياضية جديدة
اما ان الفلسفة تدرس القوانين العامة للعالم فما هي هذه القوانين العامة ؟ هل هي الديالكتيك فكيف نثبت قوانين الديالكتيك؟ واين هي القوانين العامة في فلسفة اللغة او التاريخ او الاخلاق او الجمال
الفلسفات التاملية كالمدية الديالكتيكية والمثالية تضع نفسها فوق العلوم
الفلسفة التجريبية الوضعية تحصر مهمة فاسفة العلوم في دراسة المفاهيم العلمية والتجربة العلمية وطرق البحث العلمي والمنطق والقوانين العلمية اضافة لحدود المعرفة العلمية و التمييز بين الميتافيزاء والعلم كدراسة السببية مثلا اذا كان السبب يولد النتيجة ام ان السبب والنتيجة في علاقة اقتران
شكرا لك


2 - رد على السيد منير كريم
جواد البشيتي ( 2020 / 10 / 5 - 22:47 )
تحية،
أحد القوانين العامة (الفلسفية) للعالم يقول: التغيُّر يعتري كل شيء؛ وما التغيُّر إلاَّ تحوَّل الشيء إلى نقيضه. هل لك أن تنفي وجود هذا القانون الفلسفي الموضوعي العام؟ هل لك أن تأتي ولو بمثال واحد تثبت فيه أنَّ التغيُّر لا يعني تحوُّل الشيء إلى نقيضه؟ مثال واحد فقط. وشكراً


3 - قد لايتغير الشيء الى نقيضة
منير كريم ( 2020 / 10 / 6 - 07:03 )
تحية للاستاذ جواد
كل شيء يتغير ملاحظة قالها القدماء وهي بحاجة الى برهان منطقي
قد لايتغير الشيء الى نقيضة فتوجد العديد من الامثلة
اذا سخن الماء يتحول الى بخار فماوجه التناقض بين الماء والبخار
في الرياضيات وفي تتبع تطور الجبر نرى مايلي
تطور الحساب الى الجبر البسيط وتطور الجبر البسيط الى الجبر المجرد ثم من الجبر المجرد الى الجبر الشامل, كل هذا تم بلا فكرة التناقضات وانما تطورت المفاهيم بفعل التجريد والتعميم
لم تقدم المادية الديلكتيكية برهانا على اطروحاتها سوى الوصف بامثلة , والبرهان غير الامثلة وفي المنطق تستخدم الامثلة المضادة فقط لدحض مقولة لا اثباتها
وانا لم اجد يوما برهانا على قوانين الديالكتيك
شكرا جزيلا لك


4 - رد على منير كريم
جواد البشيتي ( 2020 / 10 / 6 - 08:08 )

تحية،
سألتَ عن أوجه التناقض بين الماء والبخار. كل أوجه التناقض بينهما. الجزيئات تحوَّلت من حالة تركُّز نسبي إلى حالة تشتت (في البخار). كان الماء في خاصية -أخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه-؛ أمَّا البخار فقد فقدها (إنه مادة منتشرة عديمة الشكل متغيرة الحجم، بخلاف الماء). يمكنك شرب الماء؛ أمَّا البخار فلا يمكنك. الملح يذوب في الماء لكنه لا يذوب في البخار. تستطيع الطفو على الماء لكنك لا تستطيعه على البخار.. وكثير من أوجه التناقض الأخرى. أمَّا -التغير- فليس -ملاحظة منطقية تحتاج إلى برهان-؛ إنه -قانون موضوعي شامل مطلق فلسفي الطابع-. وشكرا


5 - مفارقة رسل
منير كريم ( 2020 / 10 / 6 - 08:27 )
تحية ثانية
مفارقة رسل في بداية القرن الشرين ادت الى الى ازمة حقيقية في بناء اسس الرياضيات, مما حدى بالرياضيين الى تغيير برامج بناء اسس الرياضيات
نطبق الان مفارقة رسل على مبدا التغير (كل شيء يتغير)ه
هل هذا المبدأ يتغير ؟ اذا تغير فيسقط المبدأ نفسه واذا لا يتغير فقد وجدت شيئا لا يتغير
مصدر التعارض المنطقي هنا يكمن في كلمة (كل) فهي مصدر الاطلاق في الحكم
من هنا لايمكن البرهنة المنطقية على مبدأ التغير دونما تعدبل
شكرا


6 - الماء والبخار
منير كريم ( 2020 / 10 / 6 - 08:45 )
انت قارنت خواص فيزيائية باخرى وماذا عن الخواص الكيميائية هل تغير التركيب الكيمياوي ؟
وماذا عن مثال تطور المفاهيم بالتجريد والتعميم بدون فكرة التناقضات كما في مثال الجبر
شكرا لك


7 - رد على منير كريم
جواد البشيتي ( 2020 / 10 / 6 - 09:10 )
تحية،
الجدلي يقول: كل شيء يتغير إلاَّ -تجريد الحركة-، أي التغير على وجه العموم. تسألني عن
-التغيير الكيميائي-. يا أخي ارجع لهيجل نفسه لتعرف معنى -النفي الجدلي-؛ فهذه النفي يتضمن: إلغاء واستبقاء وإضافة. بتحول الماء إلى بخار يُستبقى التركيب الكيميائي. وشكرا


8 - لايوجد قانون فلسفي
منير كريم ( 2020 / 10 / 6 - 10:27 )
القوانين في فلسفة العلوم ياسيد على اربعة انماط
اولا القانون الرياضي وهو استدلالي
ثانيا القانون التجريبي ويثبت بالتجربة
ثالثا النظرية وهي قوانين تتضمن افتراضات والنظرية قابلة للتغير والتعديل كنظرية الانفجار العظيم
رابعا القانون الاحصائي الذي يقيس معدلات الارتباط
لايوجد قانون فلسفي
ماتذكره فقط بديهيات لااكثر
اثقلت عليك وما كان القصد ذلك
الى لقاء وشكرا


9 - الماء
عبد الحسين سلمان ( 2020 / 10 / 6 - 12:43 )
تحية الى الاستاذ جواد والى الزميل منير
يقول السيد جواد :

سألتَ عن أوجه التناقض بين الماء والبخار. كل أوجه التناقض بينهما. الجزيئات تحوَّلت من حالة تركُّز نسبي إلى حالة تشتت (في البخار). كان الماء في خاصية -أخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه-؛ أمَّا البخار فقد فقدها (إنه مادة منتشرة عديمة الشكل متغيرة الحجم، بخلاف الماء). يمكنك شرب الماء؛ أمَّا البخار فلا يمكنك. ....الخ

سيدي الكريم :
الماء في درجة حرارة عادية يتكون من جزئين من الهيدروجين و جزء واحد من الاوكسجين H2O .

وسواء تحول الماء الى جليد او تحول الى بخار , فأن تركيبه يبقى ثابتاً وهو جزئين من الهيدروجين و جزء واحد من الاوكسجين.
مع الشكر


اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو