الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هامش حول فرضية التحقيب الابستمولوجي

عبد الناصر حنفي

2020 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1- بصفة عامة لا تصدق الابستمولوجيا، أو ربما لا تستطيع أن تصدق، أنها تطورت داخل مسارات تكونت في التاريخ على نحو أدى إلى منحها شكلها أو طبيعتها الحالية -والتي لم تكن تبدو دوما كما تقدم نفسها لنا الآن- وهذا لا يعني بالطبع ان الابستمولوجيا تنكر مفهوم التغير أو التطور التاريخي تماما؛ بقدر ما يعني انها لا تكاد تفكر فيه إلا بوصفه أمرا يحدث داخلها وطبقا للطرق والمسارات التي تتيحها هي ذاتها لذاتها، أي أن كل ما يظهر أو يكون في "الحدث" لا يصبح كذلك إلا تحت فضاءها وطبقا لحدوده القصوى التي قد تتقلص أو تتمدد تحت ضغط تفاعلاتها الخاصة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن ثمة ما هو خارجها.
2- غير أن وصف الابستمولوجيا على هذا النحو باعتبارها ما يحفظ نفسه عبر الحدث وبرغمه دون أن يطاله أي تغيير ممكن؛ هو نفسه تعريف "ما هو انطولوجي"، إن لم نقل انه تعريفه الوحيد أو ما يشكل الحد النهائي لماهيته التي تصبح عرضة للتلاشي والتفسخ إذا ما اهتز هذا التعريف، وهو ما يعني أننا هنا أمام حالة من التطابق شديد العمق والجذرية بين مجالي الابستمولوجيا والانطولوجيا.
3- ولكن إذا كان لا يمكننا تعريف "ما هو انطولوجي" أو التفكير فيه إلا باعتباره ما قد اكتسب القدرة على مقاومة الحدث والعبور خلاله دون أن يفقد ذاته أو تتغير طبيعته الجوهرية، فهذا لا ينطبق بالضرورة على "ما هو ابستمولوجي" والذي لا يزال بإمكاننا التفكير فيه خارج هذه الفرضية، فنحن نعلم؛ بالعودة إلى تاريخ الفلسفة والعلم على الأقل، أن ما يحدث هو أمر لا يمكن الإحاطة به على نحو قاطع أو نهائي، فالتاريخ المعرفي من هذه الزاوية يكاد يقتصر على حركة انتقالية متكررة يتحول بمقتضاها ما كان يبدو لنا بوصفه حدثا بسيطا وأوليا إلى حدث مركب وبالغ التعقيد، وهو ما يعني أن "ما يحدث" لا زال في حالة انكشاف لا تنتهي بحيث يعاد تعريفه المرة تلو المرة؛ وبالتالي فإن أي فكرة تطرح على نحو قاطع تعريفا مجردا لما لا يطاله الحدث هي في احسن الاحوال مجرد فرضية لا أكثر، وما دامت كذلك فليس بمقدورها –ابستمولوجيا على الأقل!- أن تلغي تماما غيرها من الفرضيات التي قد تتباين معها أو حتى تناقضها، وهو ما يعني ان المسارات التي يمكن للابستمولوجيا ان تسلكها هي في كل الأحوال أكثر تنوعا واختلافا من ذلك المسار الذي تحدده الفرضية المؤسسة للانطولوجيا.
4- ولكن بالعودة إلى التاريخ –مرة أخرى- سنجد أن مجال الابستمولوجيا قد سعى دائما –وحتى الآن- إلى مطابقة ذاته مع تلك الفرضية الانطولوجية، أي أنه تحرك نحو حسم مسار على حساب مسارات أخرى كانت محتملة؛ ولا زالت.
5- وهنا إما أن نفسر هذه الاشكالية بالقول أن الابستمولوجيا هي مجال متماسك داخليا ويمتلك القدرة على توجيه حركة ذاته بذاته، وهو ما يعني أننا نغلف هذه الإشكالية ونضعها فوق رف ميتافيزيقي مرتفع لا نريد أن تطاله أيدينا بسهولة (وهو ما حدث كثيرا على مدار التاريخ سواء في مواجهة هذه الإشكالية أو إشكاليات أخرى).
وإما أن نقر بأن إمكانية الحراك التي قد تسمح للمجال الابستمولوجي بالميل تجاه مسار على حساب غيره تعود في أصلها إلى طبيعة أو نمط استجابة هذا المجال للعالم، أي انها مجلوبة إليه من خارجه.
6- ولكن بما أن الاستجابة للعالم لا تكون إلا في "حدث"، فهذا يجعلنا نعود مرة أخرى بكل "ما هو ابستمولوجي" إلى فضاء "الحدوث"، أي حيث تصبح الفرضية الانطولوجية ذاتها مجرد "حدث ظهور".
7- وهنا يصبح تلاقي "ما هو ابستمولوجي" مع الفرضية الانطولوجية هو حدث طارئ ومحدد بتاريخه الخاص؛ أي أن له ما يسبقه وما يلحقه، وبعبارة أخرى يصبح هذا التلاقي بكل ما ينشأ عنه مجرد سلسلة من الاحداث الممتدة التي يمكن إعادة تعريفها بوصفها حقبة في التاريخ.
8- وبالتالي فإن الذهاب إلى تحليل ما كان قبل حدث التلاقي الابستمولوجي/الانطولوجي يمكن أن يفتح الباب أمام انكشاف حقب ابستمولوجية أقدم، مثلما أن التفكير في امكانية تفسخ هذا التلاقي وانفصاله قد يضعنا أمام احتمالية ظهور حقب ابستمولوجية أخرى مستقبلا.
9- وبالقطع فإن المضي في إخضاع فضاءات الابستمولوجيا للتحقيب على هذا النحو واجبارها على الانفتاح أمام التاريخ سيقتضي من الفلسفة إعادة فتح العديد من الملفات التي كانت تظن أنها قد حسمتها، بالإضافة إلى العودة لمعالجة الكثير من المعطيات والأسئلة والاشكاليات التي تم اسقاطها في الماضي، ناهيك عن ضرورة الالتفات إلى ما كانت الفلسفة تعتقد أنه لا حاجة بها إلى رؤيته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة