الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة التغيير – تكنولوجياتها ومستقبلياتها عند العلماء والمفكرين 4/4- فى طبيعة التغيير بواسطة العلماء والمفكرين:

محمد رؤوف حامد

2020 / 10 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لأن توجهات العلماء والمفكرين هى بطبيعتها تغييرية يكون من الأهمية التعرف على أبعاد تكنولوجيا ثقافة التغيير فى أعمالهم.

فى هذا الخصوص نحاول فيما يلى التعرف على الملامح المعرفية لثقافة التغيير , (أو الخلفيات المتعلقة بها) كما تظهر فى توجهات بعض الشخصيات الفذة فى العلم والفكر:

1) البرت أينشتاين (1879-1955):
لأبرت أينشتاين, أشهر وأهم علماء القرن العشرين, مقولة تصف الى حد كبير توجهه الثقافى التغييرى, والذى يمكن رؤيته كخلفية (أو آلية) لبحوثه, والتى فتحت للمعارف العلمية والتكنولوجية آفاق جديدة, وأدت الى حصوله على جائزة نوبل, حيث يقول:
"لإكتشاف أسئلة جديدة وممكنات جديدة, وللإنتباه الى مشكلات قديمة من زوايا جديدة, يحتاج الأمر الى تخيل ابداعى. ذلك يقود الى تقدم حقيقى فى العلم"

تمثل هذه المقولة ترجمة لآلية مركزية فى المعرفة الفنية (أى المعرفة التكنولوجية) الخاصة بثقافة التغيير, وهى "التقييم وإعادة التقييم".

هنا تجدر الإشارة الى أن أينشتاين كان أيضا مفكرا, خاصة فى المجال السياسى, ومما يذكر فى هذا الخصوص أن قد تبين بعد وفاته وجود ملف خاص به لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية FBI, بحجم حوالى 1500 صفحة.

كانت العقلية التغييرية (التلقائية) عند أينشتاين غريبة على النظام التعليمى التقليدى. درجاته فى نهاية التعليم الثانوى كانت متوسطة, ولم يُقبل كطالب فى الجامعة إلا بعد المحاولة الثانية.

ومن الملفت للإستغراب أن ناظر مدرسته فى ميونيخ كان قد ذكر عنه عام 1894: " لن يحدث أبدا أن يكون أى شىء ".

2) برتراند راسل (1877-1970):
هو أستاذ فى الرياضيات, غير أن مساهماته فى الفلسفة والسياسة واللغويات كانت غاية فى التميز.

هذا, ويعرف عنه فى صغره أن رغبته فى معرفة المزيد من الرياضيات قد حمته من الإنتحار, الأمر الذى يمكن النظر اليه كالتحام مبكر مع الفكر على أرضية الرياضيات.

من بين مؤلفاته المتنوعة بحثا فلسفيا فى اللغويات (1905), وكتاب "التطبيق والنظرية فى البولشوفية" (1933), وآخر بعنوان "فلسفة القوة" (1937). وكمفكر سياسى وفيلسوف كانت له محاضرات عامة وأحاديث إذاعية, بحيث قد عرف عند العامة كسياسى بارز.

وربما يكون من أهم مايميز شخصية برتراند راسل اعتداده بحرية الفكر الى حد نضالى, الأمر الذى يتضح مما يلى:
- دخوله السجن لمدة 6 أشهر (عام 1918) نتيجة محاضرة له ضد دخول أمريكا الحرب الى جانب بريطانيا.
- إيفاده عام 1920 الى روسيا فى بعثة حكومية لفحص تداعيات الثورة الروسية.
- توجهه الى تغيير رأيه السياسى إذا ماجد مايعمق (أو يغير) من فهمه للأمور, ومن أمثلة ذلك:
● تعضيده للصهيونية عام 1943, ثم إدانته لها قبل وفاته بأيام (1970).
● تعاطفه مع هتلر عام 1937, ثم إدانته له أثناء الحرب العالمية الثانية.

- مراسلاته لزعماء روسيا وأمريكا عام 1957 بخصوص العيش المشترك, وعام 1962 بخصوص أزمة الصواريخ الكوبية.
- مخاطبته عام 1969 لسكرتير عام الأمم المتحدة لمنع الإرهاب الدولى فى فيتنام.
- حصوله على نوبل عام 1950 فى الآداب عن "مجمل كتاباته التى يجعل فيها البطولة للمثاليات الإنسانية ولحرية الفكر".
وهكذا, يمكن الإنتباه الى أن راسل قد مارس الثقافة التغييرية بكل ما يستطيع من إمكانات, حتى أن سيرته تعد نموذجا لثقافة التغيير وللتفاعل الحر من أجل الإنسانية.

3) جوزيف شومبيتر (1883-1950):
إقتصادى نمساوى أمريكى, عُرف عنه مفهوم "الهدم الخلاق" Creative Destruction , والذى اشتقه من أعمال كارل ماركس.

وبإيجاز, فى النظرية الإقتصادية لماركس يختص مفهوم الهدم البناء بعموم العمليات المرتبطة بتراكمية وفنائية الثروة فى ظل الرأسمالية. وأما عند شومبيتر فالهدم البناء يمثل الطفرة الصناعية (أو التكنولوجية) التى تحدث فى البنية الإقتصادية من داخلها, محطمة البنية الأقدم, ومبتكرة (أو مبدعة) لأخرى جديدة. بمعنى آخر, يعتبر الهدم البناء عند شومبيتر بمثابة طريقة طبيعية لإحداث تغيير اقتصادى.

شيوع مفهوم الهدم البناء عن شومبيتر قد جعله الإقتصادى المؤسس لما يمكن تسميته بالإقتصاد البزوغى (أو التطويرى) Evolutionary Economy , خاصة وقد قدم مساهمات فكرية أساسية بخصوص نشاط ريادة الأعمال ( أو Enterpreneurship ) , باعتباره مدخلا للإبتكار والتغيير.

وهكذا, يمكن استيعاب جوهر المساهمات المعرفية لشومبيتر كنموذج لحركية الإرتقاء التطويرى (أو التحسينى) لمعرفة سابقة.

4) توماس كون (1922-1996):
هو أحد أهم فلاسفة العلم فى القرن العشرين. فى الأصل هو فيزيائى حصل على الدكتوراة فى الفيزياء عام 1949 من جامعة هارفارد. وبعد حصوله على الدكتوراة تحول الى الإهتمام بالتاريخ عندما كُلف بتدريس مقرر كان موضوعه دراسات لحالات تاريخية عن تطور العلم, والذى استمر فى تدريسه حتى 1956.

لقد أعطى له تدريسه لهذا المقرر فرصة للتركيز فى تاريخ العلوم, المجال الذى إنجذب اليه واهتم به حتى أنه قد حصل عام 1961 على وظيفة أستاذ تاريخ العلوم فى قسم الفلسفة بجامعة كاليفورنيا (فى بركلى).

وهناك, أصدر كتابه الأشهر "بنية الثورات العلمية".

الفكرة المكزية فى "بنية الثورات العلمية" أن العلم ينمو من خلال التغيير فى الباراديم Paradigm , أى فى النموذج الإسترشادى. إنه تغيير يطرأ نتيجة أزمة تتولد من تراكمات لأسئلة ومشكلات يعجز العلم القائم Normal Science عن إيجاد حلول (أو معالجات) لها, مما يستدعى تغيير ثورى فى العلم Revolutionary Science , بمعنى التغيير فى النموذج الإسترشادى القائم (بما يتضمنه من تقنيات وبنية وعلاقات ..الخ). وهكذا, تتوالى ثورات العلم.

لقد غيرت نظرية توماس كون طريقة فهم تطورات المعرفة العلمية, وصار لمفهوم "النموذج الإسترشادى" الذى أتى به تأثيرا كبيرا على فهم التطورات المعرفية بوجه عام.

ما يميز انجاز "كون" من منظور تكنولوجيا ثقافة التغيير هو أن توصله الى نظريته عن بنية الثورات العلمية قد جرى من خلال عملية "التنقيب" بشأن المحطات التاريخية المتتابعة فى تطور العلم. وبرغم عدم سبق تأهله أكاديميا كمتخصص فى التاريخ, إلا أنه قد مارس هذا التنقيب باستمتاع ومثابرة, وبالإرتكاز عل منسوب معرفى أساسى ومتميز فى العلوم. ولقد أدى به ذلك الى تصاعد كبير فى منسوب معرفته بتاريخ العلوم, بحيث قد نشأت لديه حركية ذهنية, نقدية تطويرية, قادته الى توليد رؤية معرفية جديدة تماما صاغها فى نظريته بخصوص الباراديم والتحول فى الباراديم, ..الخ. وهكذا, توصل الى إضافة نظرية أصيلة.

5) جيمس بلاك (1924-2010):
هو طبيب اسكتلندى متخصص فى علم الأدوية, حصل على نوبل عن عام 1988, اعترافا بأهمية انجازين تاريخيين له, وهما التوصل الى ابتكار دواء بروبرانولول, فى مطلع الستينات, لعلاج الذبحة الصدرية, ثم التوصل فى مطلع السبعينات الى دواء سيميتيدين لعلاج قرحة المعدة.

التوصل للدواء الأول وُصف بأنه نموذج فذ لإكتشاف معملى يتحول الى علاج اكلينيكى غاية فى الفائدة العلاجية, وبأنه أهم المساهمات الدوائية فى القرن العشرين, حيث يعتبر أعظم اختراع لعلاج أمراض القلب منذ اكتشاف "الديجيتاليس" فى القرن ال 18.

ولقد أدت الخبرة التى اكتسبها من توصله الى البروبرانولول الى معرفة فنية لإكتشاف المستقبلات الدوائية Drug receptors (أى المواضع المكانية التى يتفاعل معها الدواء) , وابتكار أدوية مضادة لها, والى التوصل الى دواء معاكس (أو مضاد) لأحد المستقبلات الخاصة بالهستامين من أجل علاج قرحة المعدة, سيميتيدين, والذى يعتبر أول دواء من نوعه فى هذا الصدد.

تُرى ماهى العوامل (أو الأسباب) التى يمكن أن تكون قد ساهمت فى دفع "بلاك" الى التصميم والمثابرة بشأن بحوثه, والتى صنعت ارتقائين دوائيين تاريخيين؟

فى ظننا أن من أهم هذه العوامل والأسباب مايلى:

1- أنه قد نشأ فى مجتمع مناجم, وكان التعليم بالنسبة لوالده هو الوسيلة التى ارتقى بها هو نفسه من عامل مناجم الى مهندس مناجم. لقد زرع الوالد, كقدوة, فى أبناءه روح المضى فى التحسين الذاتى Self Improvement , خاصة وأنه كان لايريد لهم مصير العمل فى المناجم.
2- أنه كان قد دخل التعليم العالى من خلال منحة جامعية, وقد كان ممنونا لذلك لأن الجامعة -حسب قوله- كانت ستكون أبعد من مستوى عائلته فى غياب هذه المنحة. لقد جعله ذلك فيما بعد "مُدافع قوى عن مجانية التعليم".
3- أنه كان قد لاحظ, باستغراب واستمتاع, أثناء دراسته فى كلية الطب وجود فارق كبير بين اثنين من المحاضرين, أحدهما يقدر على التوصل الى تشخيص المرض بالإرتكاز على تاريخ بسيط جدا للمريض, أو على الأعراض. بينما الآخر نادرا مايصل الى التشخيص برغم أخذه لكل الأشياء فى الإعتبار. وهكذا, ملاحظة كهذه ربما تكون قد أكسبته وعى بضرورة وبقيمة تحول المعرفة الى أداة للإنجاز (أو الى حركية).
4- أن وفاة والده بسكتة قلبية, بعد حادث طريق, قد أدت الى تركيزه على إشكاليات الإجهاد وضغط الدم, وما ينجم عنهما من خلل فى الجهاز الدورى للجسم, كخلفية ذهنية لمنظوراته وآماله البحثية.

هذه الأسباب مجتمعة كانت كفيلة بدعمه وتوجيهه ثقافيا, مما قاده الى ما توصل اليه من إكتشافات.

6) أحمد زكى عاكف (1894-1975):
كانت هذه الشخصية متعددة الأبعاد والأركان, حيث جمعت بين ممارسات وخصائص المعلم والعالم والأديب و الكاتب ورجل الدولة.

لقد اجتهد وناضل أحمد زكى كمدرس (وناظر) فى التعليم قبل الجامعى, ثم اجتهد وناضل كطالب (وكباحث) فى علم الكيمياء فى بريطانيا حتى حصل على أعلى درجة علمية (دكتوراة فى العلوم). وبعدها ارتقى فى المهام الجامعية حتى منصب رئيس الجامعة (جامعة القاهرة). كما ارتقى فى مهامه خارج الجامعة حتى منصب الوزير.

أيضا تنقل أحمد زكى فى مهام الإدارة للمؤسسات العلمية خارج الجامعة, وقد كان مؤسسا لماعرف بعد ذلك بالمركز القومى للبحوث.

ليس فقط, فقد كتب المقالات وقام بتأليف الكتب الثقافية والفكرية, بل وقد عُهد اليه برئاسة تحرير الهلال فى مصر, وبعدها تأسيس ورئاسة تحرير مجلة العربى الكويتية (1957), والتى تعد منذ صدورها أهم المجلات العربية وأكثرها شيوعا.

الإشارة الموجزة السابقة تشير الى تفرد هذه الشخصية فى مجالات العلم والفكر والإدارة. فى هذا الخصوص تمثل مقولة عباس العقاد عنه وصفا بليغا لتفرده, حيث قد قال: "إننى لا أقرأ للدكتور أحمد زكى شيئا, إلا وأتصوره وبيده قلم وبيده الأخرى مسطرة وبرجل", مشيرا الى تفكره العلمى فى الكتابة.

مقولة العقاد عن أحمد زكى تشير الى إندماج العلم والفكر فى شخصيته.

وهكذا, الشخصية العلمية النضالية لأحمد زكى قد جعلت منه رائدا فى مجالات عدة, من بينها مجال الفكر. وربما تكون الأبعاد العلمية فى شخصيته هى سر نجاحه, وأيضا هى التى تدفعنا الى الإعتقاد بأن نضالية هذا الرجل كانت فى حد ذاتها حركية معرفية عظيمة, تصنع منه, أو يصنع منها, ماتكون هناك حاجة اليه فى بلاده – مصر والمنطقة العلربية.

7) أحمد مستجير (1934-2006):
بالإضافة لتميزه كأستاذ للهندسة الوراثية كان أيضا متميزا كمترجم لعشرات من الكتب (خاصة فى الثقافة العلمية), وكذلك كشاعر, وكمفكر فى مجال الشعر, حيث أصدر كتابا بعنوان "مدخل رياضى الى عروض الشعر العربى".

وقبل وبعد كل ذلك كان مهموما بالمشكلات والتحديات التى تواجه الإنسان المصرى, والعربى عموما, والإنسانية بوجه عام.

فى سياق الهمْ الإنسانى العربى أصيب الدكتور مستجير بجلطة أثناء متابعته لمآسى الحرب الإسرائيلية على لبنان, من خلال وسائل الإعلام, مما أدى الى وفاته فى 16 أغسطس 2006.

وأما عن الهم الوطنى كأستاذ للهندسة الوراثية فقد قادته ملاحظاته أثناء سفرياته على الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية الى نمو نبات الغاب فى مياة الملاحات. مرتكزا على هذا الإنتباه توصل الى التفكير فى استنباط سلالات من القمح والأرز, تتحمل الملوحة والجفاف, من خلال التهجين الخضرى مع الغاب. وقد بدأ بالفعل مشروعه هذا فى أواخر ثمانينات القرن العشرين.
كان أحمد مستجير يدرك رسالة استخدام التكنولوجيا لسد حاجات الفقراء,ولحل المشكلات الإقتصادية. من هنا, كان فى مجاله عالما مفكرا.

8) الفريق عبد المنعم رياض (1919-1969):
لم يكن عبدالمنعم رياض مجرد خبير (أو قائد) عسكرى, وإنما كان عالماً فى الشأن العسكرى, ومفكراً استراتيجيا. ذلك ما جعله متفردا بين أقرانه.

تظهر عبقرية هذا الرجل (أى عبقرية الشهيد عبدالمنعم رياض) عندما قال لمحدثه أثناء حرب الإستنزاف, بينما كانا يمدا بصريهما الى الجانب الآخر من قناة السويس: "المعركة القادمة هى معركة المستقبل .. إنها ليست معركة فى المكان المحدود, وإنما معركة فى الزمان غير المحدود".

وهكذا, معركة الزمان غير المحدود تعتمد على موقفنا من الزمن .. درجة إبداعنا (وإبداع غيرنا) فى التعامل معه والاستفادة منه.

التعامل الفاعل فى الزمان غير المحدود يحتاج الى الإبداع .. الى الفكر .. الى قوة الفكر .. الى الديالكتيك الإيجابى بين "الفكرة" و "القوة" (المستقبل بين فكر القوة وقوة الفكر –كراسات مستقبلية- المكتبة الأكاديمية- القاهرة-2006), وبالتالى هو يحتاج الى المعرفة الفنية الخاصة بثقافة التغيير.

9) حسن فتحى (1900 - 1989).
تخرج من هندسة القاهرة (قسم العمارة) واشتغل بالتدريس فى قسم العمارة بكلية الفنون الجميلة. ابتدع اسلوب خاص فى العمارة يقوم على الأخذ فى الإعتبار لخصائص البيئة المحلية, وعلى وجه الخصوص مايتعلق بخامات البناء وبطبيعة السكان.
عُرف عنه اهتمامه بعمارة الفقراء, الأمر الذى قاده للتوصل الى فكر معمارى ابتكارى أصيل, والذى تُعد قرية القرنة الجديدة غرب الأقصر من أهم نماذجه. وفى هذا الصدد منحته انجلترا لقب "معمارى الفقراء"(1973).
حصل على العديد من الجوائز المحلية والعالمية كمفكر معمارى متميز, والتى كان من أبرزها جائزة نوبل البديلة (السويد - 1980), والميدالية الذهبية من الإتحاد الدولى للمعماريين (باريس - 1984) ومن المعهد الملكى للمعماريين البريطانيين (1985).
من مؤلفاته التى تشرح فكره المعمارى كتاب "عمارة الفقراء" (1969), وكتاب " الطاقة الطبيعية والعمارة التقليدية" (1988).
ومن أقواله التى تعكس فكره المعمارى:
" هناك 800 مليون نسمة من سكان العالم محكوم عليهم بالموت المبكر بسبب سؤ السكن. هؤلاء هم زبائنى".
" كمهندس, طالما أملك الوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر لى مطلقا أن أرفع الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية متعمدا".
"إن الله قد خلق فى كل بيئة مايقاوم مشكلاتها من المواد – وذكاء االمعمارى هو التعامل مع المواد الموجودة تحت قدميه لأنها المواد التى تقاوم قسوة بيئة المكان.


الخاتمة - مستقبليات تكنولوجيا ثقافة التغيير:

وبعد, .. الإشارات السابقة أعلاه لبعض الملامح والأبعاد والخلفيات المعرفية لنفر من العلماء والمفكرين تساعد على جذب الإنتباه الى أن البعض منهم يمكن اعتباره عالما, لكنه مفكر فى مجال العلم. بينما البعض الآخر يمكن اعتباره مفكرا, لكنه عالم فى مجال الفكر.

ممن تنطبق عليهم -الى حد كبير- الحالة الأولى, حالة "عالِم, لكنه مفكر فى مجال العلم", يمكن الإشارة الى كل من أينشتاين, و توماس كون, و جيمس بلاك, وأحمد مستجير, وعبد المنعم رياض (كعالِم فى العلوم الإستراتيجية), و حسن فتحى.

وممن تنطبق عليهم -الى حد كبير- الحالة الثانية, حالة "مفكر, لكنه عالم فى مجال الفكر", يمكن الإشارة الى كل من برتراند راسل, وجوزيف شومبيتر, وأحمد زكى.

لهذا الإعتبار أهمية غير عادية بالنسبة للعالِم, حيث قدر جودة المسافة بينه كمتخصص أكاديمى من ناحية, وقدرته على تحقيق إنجاز علمى أصيل, من ناحية أخرى, مرهون - الى حد كبير- بأن يكون مفكرا فى مجال العلم.

وبالمثل, نفس الأهمية تنطبق على المفكر, حيث قدر جودة المسافة بينه كمفكر من ناحية, ومستوى أصالة ما يقدمه من فكر, ناحية أخرى, مرهون - الى حد كبير- بأن يكون عالِما فى مجال الفكر.

إنها المسافة التى تسبح فيها المعرفة الفنية (أو التكنولوجيا) الخاصة بثقافة التغيير, والتى قد سبق الإشارة اليها بقدر من التفصيل فى المقالات الفرعية الثلاث السابقة.

بمعنى آخر, أن كل من العلماء والمفكرين الكبار, الذين جرت الإشارة اليهم والى اكتشافاتهم وأفكارهم فى السطور أعلاه, كانت إمكاناته التغييرية التى قُدر له أن ينطلق منها فى إنجازاته أكبر من مجرد استيعاب أُحادى لنوع واحد فقط من الأنواع الثلاث لأدوات أو أشكال التغيير التى جرت مناقشتها كمكونات لثقافة التغيير.

كانت ذهنياتهم واهتماماتهم وسياقات أعمالهم تتشكل داخل, وبواسطة, وبالإعتماد على ماقُدر لهم أن يكتسبوه من خليط المعرفة الفنية (أى التكنولوجيا) الخاصة بثقافة التغيير.

بدون ذلك تتضائل احتمالية توصل العالِم أو المفكر للنجاح مهما توفر له من علاقات أو مصادفات أو سياقات مساندة, أو أموال أو رحلات, ..الخ.

المسألة إذن ليست فقط أي من المنهج العلمى فى التفكير, أو التكنولوجيا (بمعنى المعرفة الفنية), أو حركية المعرفة, وإنما هى المجمل المتوحد (أو المنصهر) فيما يمكن اعتباره "تكنولوجيا ثقافة التغيير".

من هذا المنظور تكون هناك حاجة غير عادية لإنسان الجنوب عموما, ومنهم الإنسان العربى, الى اكتساب المعرفة الفنية بثقافة التغيير, فى أبعادها الثلاثية.

الإنسان المقصود هنا هو الإنسان العادى, وكل انسان. وليس بالذات المشتغل بالعلم أو بالفكر. إنه الإنسان أينما يكون, طبيبا, أو مدرسا, أو عاملا, أو قانونيا, أو مزارعا, أو إعلاميا, أو مدربا رياضيا, أو شُرطيا , أو عسكريا, أو موسيقيا, أو مصورا .. الخ ..الخ.

هذا, ويمكن الظن أنه بدون إرتقاء الإنسان العادى (خاصة فى مجتمعات الجنوب) الى مايستطيع اكتسابه من "تكنولوجيا ثقافة التغيير", مهما تفاوتت إمكاناته ومستوياته فى هذا الصدد, فإن الصعوبات والتحديات والمخاطر على مستقبل الجنوب, والإنسانية بوجه عام, ستتفاقم, خاصة فى ضوء تزايد عالمى مكثف فى التعقيديات Complexities الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. وكذلك فى ضوء التعددية والتنوعات والتسارعات فى التطويرات التكنولوجية, وفى تضخم التشبيكات والإنعكاسات بين كافة منظومات الحياة, بيئيا, وأمنيا, وماليا, ..الخ.

من هنا, يكون لتكنولوجيا ثقافة التغيير, فى أبعادها الثلاثة, شأن رئيسى فيما يتعلق بالمستقبليات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر


.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.




.. غزيون يبحثون عن الأمان والراحة على شاطئ دير البلح وسط الحرب


.. صحيفة إسرائيلية: اقتراح وقف إطلاق النار يستجيب لمطالب حماس ب




.. البنتاغون: بدأنا بناء رصيف بحري في غزة لتوفير المساعدات