الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات على هامش لفظة - ثِيكَّْلثْ - الأمازيغية

سعيدي المولودي

2020 / 10 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ملاحظات على هامش لفظة " ثِيكَّلْثْ " الأمازيغية
منذ فترة غير قصيرة اتسع سياق توظيف كلمات و ألفاظ ومفاهيم ومصطلحات خاصة وتم توطينها عبر قاموس ما يمكن أن نسميه "الأمازيغية المستحدثة " انطلاقا من الإيمان الصريح بضرورة الحرص على تقويم اللسان الأمازيغي وتأصيل عناصره ومكوناته، ودعم طاقاته الخاصة في التعبير واستعادة مقوماته لمواجهة التبدلات المؤثرة التي اعترته عبر تموجات الزمن. وهي كلمات وألفاظ غالبا ما تصدم أفق انتظار المتكلم الأمازيغي العادي، الذي يعتبرها غريبة عن قاموسه ونشاطه اللغوي السائد والمتداول، خاصة وأنها غالبا ما تكون منتشلة أو مستعارة من ركامات لغات أمازيغية خاصة ومحلية خامدة، ويتم إحياؤها باعتبارها تجسد الأصالة أو النقاء اللغوي أو الفصاحة المثلى، تضافرت عوامل متباينة لتجعلها غائبة عن الإفصاح ومجال التداول، وحلت محلها ألفاظ أخرى دخيلة أو شبهها استقطبتها جدليات العلاقات الاجتماعية والثقافية الناجمة عن تمازج الأمازيغية ولغات أخرى.
وعلى الرغم من أن عملية الإحياء هذه ونفث الروح في كلمات داهمتها عوادي النسيان واسباب الغفول وعدم الاستعمال لها دورها الحيوي والإيجابي في التركيز على أصالة الكلمات ودلالاتها المعبرة عن واقع خصوصيات اللغة في تطور استعمالاتها المختلفة، إلا أن العملية أحيانا إذا لم تكن حصيلة بحث لغوي وتاريخي ودلالي مقارن عميق تسقط ضحية خيار "جاهزية" عشوائية تستند إلى توصيفات دلالية سطحية عابرة قد لا يتسع مداها لأداء واستيفاء الدلالات القصوى واستنفاد أبعادها جميعها.
في هذا الباب اود أن أشير إلى أن "الأمازيغية المستحدثة" على مستوى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية بالأخص، توظف على نطاق واسع لفظة " تِيكـَّلْتْ/ ثِيكـَّلْثْ" بمعنى " الـمَــرَّة " أي الحركة أو المرة الواحدة من وقوع الفعل، وهي صيغة المفرد المؤنث وجمعها " تِيكَّالْ/ ثِيكَّالْ" ( المرات) وقد تنطق " ثيشلت / ثيشَّال" في ما إذا اعتبرنا حرف الكاف مخففا وأقرب في نطقه إلى حرف "الشين". ويعسر علينا العود إلى أصول الكلمة أو جذرها.، ولكن بمقدورنا أن نفترض أن الجذر ينبغي أن يتألف أساسا من الحرفين الكاف واللام، وتكون صيغة الفعل مثلا " إِيكَّلْ" أو ما هو قريب منها، وفي حدود اطلاعنا لا نعرف معنى لهذه الصيغة، غير أنه بالمقابل هناك صيغة أخرى متداولة قريبة لهذا الجذر هي "إِيكْلَا" بالكاف المخففة، وتوظف كذلك بصيغة " إِيشْلَا" بمعنى مكث طول النهار، ظَلَّ. ومن ثمة يقال مثلا " إيكْلَا سْ لَازْ " بمعنى ظل طيلة النهار جائعا، وتختزل الصيغة في الغالب فيقال" إيكْلا إِيسْ" ( ظلَّ به) أي ظل طيلة النهار جائعا، ويقابله "إينْسَا إِيسْ " ( بات به) بمعنى بات الليل كله جائعا، ويكون مصدر الفعل هو" ثِيكْلي /أو مّْكْليتْ " وقد صاغه محمد شفيق في معجمه على هذا المنوال" ثاكلَّاوث" ولكن يبدو أن الصيغتين " ثِيكْلي /أو مّْكليتْ " هما أقرب إلى القياس، إذ الأفعال التي تتأسس على صيغة بناء "إيكلا" غالبا ما يأخذ مصدرها إحدى الصيغتين، مثل " إِينْغَا ( قتَل) فمصدره " ثِينْغِي / مَنْغِيتْ"،و إِيرْزَا ( كسر) ثِيرْزِي / مَرْزِيتْ،. مع مراعاة التلوينات الدلالية للصيغتين. والواضح أن دلالة الفعل " إيكلا" ذات أبعاد ومرجعيات زمنية ومنه اشتقت على ما يبدو لفظة " إِيمَكْلي/ إِيمَشْلِي" التي تعني الظهيرة أو وقت ووجبة الغداء، فهل يكون الأصل هنا كامنا، وتكون "ثيكلت " هي المرة الواحدة من الفعل " إيكلا" ومع تطور التدرج والتوظيف الدلالي غدا معناها أشمل ليعني "المرة" بشكل عام . على الرغم مما نلاحظه من فارق خفي ودقيق بين الدلالتين، ففي حين تحيل " ثيكلث" إلى الحركية وضرب من الصيرورة، فإن الفعل " إيكلا" يحيل إلى الثبات والثبوت والاستقرار والديمومة، ولكن ذلك لا يحول دون احتمالات تعالق وتكامل الدلالتين في امتداداتهما المختلفة.
وليس مستبعدا في هذا السياق أيضا أن يكون أصل الكلمة هو " ثيكَّرْث" حيث استبدلت الراءُ لاماً في خضم التغيرات والتحولات التي شهدتها اللفظة عبر مراحل ومستويات تداولها، وتكون " ثيكَّرْث" في هذه الحال إحدى مشتقات الفعل "إِيكَّرْ" الذي يعني نهض ، قام ، انتصب،نبت ، نما ..وهو سياق وارد ويعزز احتمال كون فعل القيام والنهوض أصلا للدلالة خاصة وان دلالاته في بعض من مستوياتها تتقاطع مع دلالات " ثيكلث". حيث تشكل الإحالة على الحركية والصيرورة قاسما مشتركا بينهما.
وقد وظفت كلمة " ثيكلث" لتحل محل لفظة " المرة" العربية الأصل والتي اكتسبت في التداول الأمازيغي صيغة " لـْمَرْثْ" وجمعها " لـْمـَـرَّاثْ" وصيغة "ثِيمَرْطْ/ تْ" وتجمع على " ثِيمَرَّاثْ" وبفعل التداول وإخضاع اللفظة العربية لسياقات بناء الأمازيغية ساد استعمالها بشكل واسع بحيث تم تغييب اللفظة الأصلية المحتملة وحجبها في كثير من اللغات الأهلية المحلية. قال أحد الشعراء:
آ وَايَنْ حُوبَّانْوْ لـْمَرَّاثْ آيِي تْـﯖـاذْ
مَرَّا ثِيرِيذَاخْ مَرَّا ثْـﯖـذْ إِيلَـﯖـْنَانْ
( أنت يا حبيبي متقلب الهوى
مراتٍ تهيم بي، وأخرى تتدلل.)
وفي كل حال قد يكون ثمة ما يفرض انتقال دلالات " ثيكلث" من حقل دلالي لآخر لتأخذ صيغتها النهائية أو القريبة من ذلك وتحضن دلالة " المرة" لكن هذا الأمر مما لا يمكن حسمه في تقديرنا، خاصة وان اللفظة، وهذا هو المثير، تكتسب دلالة أخرى مغايرة ففي بعض مناطق الأطلس المتوسط تطلق لفظة "ثيكال/ ثيكلث" على السائل المنوي أو المني أو ماء الذكر، وهو ما يطرح إشكالا عميقا ويضعنا أمام مفارقة مذهلة تشوش على إدراكاتنا، خاصة وأن إمكانات التقاطع بين الدلالتين تبدو معقدة ومحاولات الربط أو الجمع بينهما غير عملي في غياب الكثير من المعطيات، كما أن الاشتغال في مجال الاختلاف بين الدلالتين قد لا يقود إلى أية نتائج حقيقية ودقيقة، وقد يكون لخيار فرض الدلالة الأولى مبرراته اللغوية والتاريخية التي أفرزت ورعت هذا المعنى الخاص، لكن بروز وقيام الدلالة الثانية يطرح التساؤل بحدة عما إذا كان الخيار الأول يقوم على أساس لغوي أو دلالي صلب، وعلى افتراض أن الدلالتين تنتميان إلى جذر أو أصل واحد وتفرعت عنه كل منهما في اتجاهها المعلوم فإن الكشف عن هذا الأصل وصيرورته التاريخية والثقافية يبدو صعب المنال.
ونسوق هذا المثال بالضرورة للتنبيه إلى أنه يتوجب علينا التسلح بالحيطة والحذر في توظيف وإشاعة وتعميم ونشر بعض الألفاظ أو المصطلحات والمفاهيم الأمازيغية والعمل على فرض حضورها المكثف دون التحقق العريض والرصين من جذورها وأبعادها وتلويناتها الدلالية العامة والخاصة. ويتراءى لنا أن آليات الارتجال وعدم التروي وغياب عناصر الاستقراء والبحث والتنقيب الدقيق هي التي تتحكم في الترويج لكثير من الإنجازات في هذا الباب، وفي اعتقادنا أن التهافت على المعيار والاستماتة من أجل بسط نفوذه واستغراقه لمجالات ومجاري الأمازيغية لن يسهم إطلاقا في إضفاء الشرعية على ما لا يمتلك الشرعية التاريخية واللغوية والثقافية، وهو لون من مركزية عمياء تنحو بنا نحو الانغلاق، ( والانغلاق يعني الانتهاء) وخطوة مفتوحة على الهاوية وسيضاعف من مظاهر تدمير وإتلاف رصيد اللغة الأمازيغية اللغوي وحرمانها من استعمالاته العديدة، إن المعيار لا يمكن أن يكون مسوغا أو أداة للقتل المتعمد لأطراف أو أجزاء أو شظايا من اللغة بهدف فرض سطوته وهيمنته علاوة على أنه لا ينبغي أن يكون استفزازيا لأنه لن يسهم إلا في خلق التوترات والمنافسات غير الهادفة وتوسيع دائرتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟