الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


19 عاما بعد خطاب -أجذير- وماذا بعد...؟

سعيدي المولودي

2020 / 10 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


19 عاما بعد خطاب "أجذير"
وماذا بعد..؟

مع سنة 2020 تكون انقضت تسعة عشر عاما كاملة على الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس يوم17 اكتوبر 2001 بأجذير بأعالي الأطلس المتوسط، واعلن فيه الاعتراف والإقرار باللغة والثقافة الأمازيغية كإحدى مقومات التاريخ الجمعي لبلادنا، وإحدى المكونات الأساسية لثقافتنا الوطنية، وهو قرار لم يشهد تاريخ المغرب الأقصى مثيلا له حتى في ظل سيادة الامبراطوريات أو السلالات الحاكمة التي كانت على درجة عالية من القوة، وتعاقبت على حكم البلاد وأجمع المؤرخون انها سلالات أمازيغية، ومع ذلك لم يرق وعيها التاريخي للإقرار والاعتراف باللغة الأمازيغية وتعزيز دورها في بناء القيم الثقافية والاجتماعية في المجتمع.
وبدون مبالغة فإن خطاب أجذير يشكل نقطة تحول جذري وعميق في مستويات رؤية الواقع المغربي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، وهو إعلان صريح لثورة ثقافية أرست أسسا جديدة لبناء مقومات الهوية المغربية وتشكيل عناصرها، و نقطة تقاطع كذلك بين التاريخ ، وبين الذاكرة والواقع، بالقدر الذي يشكل أيضا لحظة قطيعة تفتح الباب على إمكانات إضفاء الوحدة على التعددية وجعل التاريخ والشخصية المغربية " كُلِّياً" متميزا تتحدد فيه الحدود المشتركة بين مختلف عناصره وأجزائه.
وقد ارتبط الخطاب بمكان خاص هو "أجذير" الأفق المتعالي الذي يجسد بهويته التضاريسية والطبيعية وخصائصه الجمالية فضاء استثنائيا مأهولا بأبعاد متباينة تجعله إطارا جغرافيا وثقافيا لبناء الذات، وشاهدا على هويتها وعلى امتداداتها التاريخية، واختياره من ثمة يشكل إحدى مظاهر التحيز والدفاع عن كيان هذه الهوية التي يشكل عنفوانها وشموخها، ويحمل أعظم الدلالات العالقة بها، وكأني بالمكان هنا يعلن بكل ملموسية " هذا هو الإنسان الأمازيغي"، وبهذه الصورة / الصيغة يحقق ماهيته وهويته. الزمن والمكان هنا لهما دلالتهما المشعة، فكلاهما يكتب ويرسم ويجسد نقطة انطلاق سيرة الإنسان الأمازيغي المتجددة واستعادة ذاته المبددة الضائعة في ثنايا التاريخ الرحب الذي احتواها، ولذلك لا يمكن النظر إلى " أجذير" كبنية او فضاء استقبال فقط بل إحدى العناصر الأولية والمركزية المساهمة في خلق الشخصية الأمازيغية وترسيخ معالمها التاريخية والاجتماعية والثقافية، والربط بين المكان والزمن في الجوهر إنما يحيل إلى إدراك نافذ يسمح باختراقهما واستيعاب تدفقاتهما وإيحاءاتهما المتباينة.
ونؤكد مرة أخرى أن خطاب أجذير هو بمثابة " ثورة ثقافية" تهيء أرضية فكرية وموضوعية لإعادة النظر والتحقق من مقومات تنظيم الذات وإعادة بناء وتكوين وتقويم الهوية الوطنية في سياق التفاعل الممكن والقائم بين الكل والأجزاء، الهوية تاريخ جمعي، ولكنها عبر مراحل تاريخية طويلة كانت تتجاذبها أطراف وهوامش مسلحة في غالب الأحيان بمنطق التقطيع والانفصال والاستئصال ورصد حدود الارتباط او التجميع والتكامل، وسقطت خلالها الأمازيغية بمعظم تجلياتها ضحية اختلال التوازنات وإيقاعات الثقافات المتصارعة ، والتوترات التي كانت تغذيها القوى السائدة التي احتكرت صناعة التاريخ وكتابته و كان من الصعب تجاوزها.
والآن بعد 19 عاما على زمن الخطاب يبدو أننا ما زلنا في مفترق الطرق، لأننا على صعيد الملموس لم نستوعب بعد الدلالات العميقة التاريخية والثقافية والاجتماعية لخطاب أجذير ورهاناته القريبة والبعيدة، والثقافة الأمازيغية عمليا لم تكتسب إطارها المعرفي الصحيح والشاسع لتنصهر في نسيج الوعي الحقيقي بالهوية وسياقاتها التاريخية واشتراطات التجادل المفتوح الذي كان يغذيها، ولم تتحول إلى فعل اجتماعي وثقافي وتاريخي حاسم لتسهم في تقويض الترسبات التاريخية المنحازة التي تقود الهوية المغربية إلى الطريق المسدود. ولهذا لكي نقترب من أفق الانتصار لدلالات خطاب أجذير ينبغي العمل على حشد مزيد من الجهود والمساعي أيضا ومضاعفتها من اجل إضفاء المصداقية المعرفية والثقافية على الأمازيغية وربطها بحركية التطور التاريخي والاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال