الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهاد، السّعادة والخلاص الأبدي من منظور أركون

عبدالنور شرقي
كاتب وباحث

2020 / 10 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أهمية فكر أركون(1928-2010) تكمن في مطارحته العقل الإسلامي على جبهات عدّة. هو مشروع فكري يبتعد عن القراءات التبجيلية الإسلامية أو الاستشراقية، مشروع تفكيكي يهدف لكشف وزعزعة اللامفكّر فيه وغير القابل للتّفكير. ومن بين الإشكالات التي عالجها نجد مسألة الجهاد.

جاء في الأثر أن «أسمى أشكال الجهاد هو أن تقول الحقيقة في وجه حاكم غير عادل». لكن اليوم نشهد مصادرة لهذه الكلمة – الجهاد – من طرف حركات إرهابية، وهي الكلمة التي قادت لزمن طويل المعركة الرّوحية الصّوفية في طريق الوصول إلى الاتحاد مع الله.

إن مفاهيم مثل الجهاد، السّعادة والخلاص الأبدي، هي أقطاب ثلاثة في علاقة حتميّة تستدعي الواحدة منها الأخرى وهي تُمارس عملها بشكل تركيبي، فموضوع مثل السّعادة لا يمكن تناوله من دون العودة إلى التّقاليد الدّينية الكبرى، والأديان والفلسفات الكلاسيكية تقيم التضاد بين السّعادات العابرة (أي الأرضية الدنيوية)، وبين السّعادات الحقيقية المثلى التي تمثل انتصارًا على الموت(السّعادة الأخروية).

أما بالنسبة للحاضر فإننا نجد انقطاعات متتالية هي من تصنع الوعي الإسلامي اليوم، وعي غير قادر على إيجاد خطاب صادق وشافٍ نفسيًا عن السّعادة المدركة فلسفيا وعن الخلاص المأمول روحيًا والمقنّن لاهوتيًا. في المقابل، الأنوار الأوروبية كانت قد وعدت في السّابق بتأسيس سعادة ملموسة، تصبح في متناول جميع البشر خارج كل الحدود الدينية والعرقية والسياسية، لكن لم نتعرّف معها إلا على حروب عالمية فضحت العقل الغربي وأظهرت حقيقته المتوحّشة.

مع نهاية الحرب الباردة وسقوط الشّيوعية، وقع صراع وبشكل جديد، واسع النّطاق، بين الجهاد من جهة والعولمة الأمريكية من جهة أخرى، حيث انخرط الغرب في عملية السّيطرة الجغرافية السياسية والجغرافية الفضائية. ولأن الغرب لا يستطيع أن يعيش من دون عدوّ تاريخي يقف في مواجهته، فإنه عمل على إحلال صورة من التّضاد بين العالم الحرّ صاحب القيّم الكونية في مواجهة البربرية الجديدة. هذه هي الصّورة التي يتم التّرويج لها من خلال وسائل إعلامه العملاقة. «عدو ديالكتيكي» يُسمى ﺑ «محور الشّر» عالم إسلامي جزء منه وكلّه «خطأ في خطأ أو شرّ في شرّ!» وغرب كلّه خير ولا يُعاني من أيّ خلل أو نقص، لهذا أخترع ما يُسمى بـ«جنود القانون» أي الجنود الذين يُدافعون عن القانون الدّولي لحمايته، في حين نجد أن الجماعات الإسلامية يعتقدون أنهم «جنود الله»، أي الذين يُدافعون عن حقوق الله والدّين.

محمد أركون
بالتّالي، فإنّ الغرب له مسؤولية عن انفجار هذا العنف وهذا الاقتتال، وسياساته الظّالمة والمتغطرسة هي من الأسباب الأساسية التي تُغذّي العنف وتعقّد المشاكل ولا تحلّها، والنّقطة المركزية في الموضوع تتمثّل في كون العالم الغربي لا يريد ديمقراطية في العالم العربي أو الإسلامي، بل فقط تخلفًا وجهلاً وتبعية، ونجد القوى الغربية تدعم أنظمة قمعية وتُساندها فعليا، لكن سرعان ما تتخلّى عنها وتنقلب عليها لما يتعلق الأمر بالحفاظ على مصالحها. وهذا يعني أن العنف ناتج عن المتطرفين من كلا الجانبين.

إلى جانب هذا المتخيّل الغربي في خلق عدوّ جديد نجد أن جميع الأديان قد اُستخدمت لتبرير العنف من طرف بعض أتباعها في فترة من فترات التّاريخ، وهذا ما حدث في المسيحية إبان فترة محاكم التّفتيش والحروب الصّليبية، والأمر نفسه نشهده الآن في دول ذات غالبية مُسلمة من اقتتال طائفي ومذهبي وظهور لجماعات إرهابية تُقاتل باسم الدّين قصد بسط شريعة وحكم الله.

الدّين الذي يتحوّل إلى سياسة خالصة ويبرّر القتل أو يدعو إليه لكي يُحافظ على احتكاره لممارسة العنف الشّرعي يفقد إلى الأبد أحقيته في تأسيس أيّ نوع من أنواع الأخلاق أو إلهامها. هذا ما نكتشفه مع شيوخ التّطرف الذين يستغلون هيبتهم الدّينية لإطلاق فتاوى تبيح الاغتيالات والتفجيرات معتمدين في ذلك على الوعد والوعيد، أي الوعد بالخلاص الأبدي، والسّعادة للأبرار في الجنة. والوعيد بالعقاب الشّديد في نار جهنم للكفار وأعداء الله. هؤلاء المشايخ يعيشون خارج نطاق الأخلاق كلياّ. هم يعتقدون أن التّفجيرات بمثابة أعمال بطولية ومنفذوها شهداء. كل هذه المخيالات يراد تعبئتها في صراعات عنيفة، بعيدة كل البعد عن شعائر خلاص الرّوح وسعادتها في الآخرة.

ويتساءل محمد أركون كيف يُمكن التّعايش في ظلّ إسلام يلجأ إلى تحقيق مهمتين:

– محاربة أعداء الإسلام حتى النّصر الأخير.

– ضمان النّجاة الأبدية في الدّار الآخرة.

الإرهابيون يتسلّحون بالدّين ويتمسكون بأفكار ساذجة تعدهم الجنة والسّعادة والخلاص الأبدي في الدّار الآخرة. وبعملهم هذا يضعون الدّين في خدمة أيديولوجيات أخرى هم أنفسهم يناضلون من أجل التّخلص منها. يُضاف إلى هذا وجود أنظمة الحزب الواحد التي استلمت الحكم بعد موجة الاستقلال، هي الأخرى تقع عليها مسؤولية في هذا التّقهقر والتّدهور والتّراجع. هذه الأنظمة فشلت في مجالي التّنمية والتّعليم، مما جعل شعوبًا بأكملها تغوص في «الجهل المقدّس»، جهل مرسّخ مؤسساتيا من طرف المؤسسات التعليمية والدينية والسّياسية التابعة لهذه الأنظمة.

هل يُجدّد المسلمون طريقة تفكيرهم
ويصل أركون إلى أنّ مأزق الفكر الإسلامي مأزق تام اليوم، بسبب تظافر عوامل ثلاثة في الوقت نفسه:

– رؤية غير نقدية للتّراث السنّي والشّيعي تميّز العقل الإسلامي.

– أنظمة سياسية جعلت كل المجال الدّيني والتشريعي مجرد إدارة خاضعة للإرادات الديكتاتورية.

– غرب متجبّر يتصرّف في العالم حسب مصالحه وأهوائه.

وللخروج من هذا المأزق وسوء التفاهم بين الطّرفين – العرب والغرب – لابدّ من تغيير الصّورة المشوّهة والخاطئة التي يشكّلها كل طرف عن الآخر.

لهذا، يدعوا أركون إلى تشكيل فكر نقدي حرّ ومستنير في الجهة العربية والإسلامية لكي يحدّ من مخاطر التّيار الأصولي الشّعبوي الديماغوجي الذي يهيمن على الشّارع الإسلامي، في المقابل يدعو الغربيين إلى تغيير الكليشيهات القديمة الموروثة عن الإسلام والعدائية بشكل مسبق. باعتبار أن التّطرف ليس فعلا بل هو ردّة فعل عكس ما يروّج له الإعلام الغربي.

في النّهاية، لن يحدث شيء إذا لم يُجدّد المسلمون طريقة تفكيرهم وفهمهم لدينهم وتراثهم. ولن يحصل كل هذا سوى بعد مراجعة جذرية للأيديولوجية العربية الإسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا الأميركية تهدّد ب«طرد» الطلاب الذين يحتلّون أ


.. دونالد ترامب يحمل نتنياهو مسؤولية هجمات 7 أكتوبر 2023| #مراس




.. ما تداعيات ومآلات تدخل شرطة نيويورك لفض اعتصام الطلاب داخل ج


.. مظاهرة لأهالي المحتجزين أمام مقر وزارة الدفاع بتل أبيب للمطا




.. الرئيس الأمريكي جو بايدن: سنعمل مع مصر وقطر لضمان التنفيذ ال