الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرتكزات الحداثة في أوروبا

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2020 / 10 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعتبر إشكالية الحداثة من بين الاشكاليات التي استأثر باهتمام الباحثين العرب والأجانيب، في حقول الاجتماع والتاريخ والفلسفة، غير أن هذا الموضوع بحكم طبيعته، يبقى متشعبا وشائكا لكونه يثير تساؤلات التي ما زالت مثار خلاف بين الدارسين بحكم تباين منطلقاتهم، وتصوراتهم، حول موضوع الحداثة، وتعارض وقائعهم الاجتماعية والسياسية والايديولوجية، بل أن أمثال بعض هذه القضايا، مازال لم يحسم فيها ولو داخل الحقل المعرفي الواحد. ويبقى مفهوم الحداثة غامضا وملتبسا ولم تحدد مدلولاتها وتوحيد مفاهيمها، لأن كلما حاولوا وضعها في السياق الأبستمولوجي (المعرفي) تنزاح من المفهوم المفرد الى أن تشمل التجريدي، ويبقى طبيعة المفاهيم عامة لكن مفهوم الحداثة بشكل خاص فهو من أعوص المفاهيم تحديدا بين الباحثين.
ويبقى موضوع الحداثة يحتل مكانة مهمة وانتشارا واسعا حتى شملت جميع المجالات ، ونستحضر في المقال ثلاثة نماذج من الباحثين ( محمد سبيلا ـ عز الدين عبد المولى ـ طيب بوعزة) المهتمين بإشكالية الحداثة كموضوع، حيث نجد كل واحد منهم يناقش من زاوية خاصة. إذن ماهي الحداثة من وجهة نظر الباحثين؟ وما هو السياق التاريخي للحداثة؟ وماهي نقاط تشابه والاختلاف بينهم؟
اهتم الدكتور محمد سبيلا اهتماما بالغا بموضوع الحداثة حيث ناقشها من جوانب عدة من خلال نشره للكتب والمقالات، لكن يبقى مفهوم الحداثة مفهوما واسعا وشاملا، ولهذا يصعب ضبطه. كما يحث أيضا إلى عدم خلط بين الحداثة والتحديث، فالأول مرتبط بالبنية الفكرية والثقافية أما الثاني مرتبط بالجانب المادي التحولي.
ويعرف محمد سبيلا الحداثة بأنها" مجمل التحولات الفكرية التي حدثت في أوروبا ابتداء من القرن 15م. لينتقل بعدها للعالم كافة، الشيء الذي جعل هذا المفهوم شاسعًا كالعالم، هذا وقد شملت هذه التحولات مستويات عدة منها القانوني، الاقتصادي، الاجتماعي، الفكري والفلسفي، فانبثقت لنا رؤية جديدة للعالم، وبشكل أكثر تحديدًا، نظرة جديدة للإنسان، للطبيعة وللتاريخ.. فأصبح الإنسان في إطار هذه النظرة هو المركز والكائن الفاعل. .
حيث تتبع الدكتور سبيلا في مقاله تحولات الفكرية للحداثة في عدة مستويات، ولقد حاول أن يميز بين المستوى الإبستيمولوجي والمستوى الفلسفي، وذلك على الرغم من تداخل هذين المستويين وتشابكهما. فعلى مستوى المعرفة فهناك انتقال التدريجي ذات انطباع قيمي الذي يقوم على الجماليات، إلى المعرفة التقنية التي تعتمد على الحس النقل الحسابي التجريبي. كما نجده يربط الحداثة بكل التحولات المجتمعية، ففي المعرفة مثلا أصبحت المعرفة التقنية بعيدة عن التأمل حيث تسعى إلى السيطرة على الإنسان والطبيعة معا، أكثر من ماهي نظرية تأملية التي تعطي الأولوية للأخلاق القيمية، حيث طغى الجانب العلمي التقني على الفلسفة باعتبارها متجاوزة. وفي ظل عجز المعرفة التقنية السيطرة أنماط أخرى في الحياة، تحولت الى ايديولوجية حلت محل ثقافة التقليدية ومحافظة على الانتماء الهوياتي. حيث استرسل سبيلا الحديث تحولات الحداثة على مستوى الطبيعة فالحدث الذي أحدث زوبعة في التاريخ الغربي الحديث هو معايشة العصر العلمي الذي استطاع أن يخرج من الدائرة المغلقة إلى العالم اللانهائي،(الكون)، فقد استطاع أن يحول الطبيعة إلى معادلات رياضية وأشكال هندسية وأصبحت تنظر إلى الطبيعة كامتداد كمي هندسي وحسابي خاضع إلى قوانين الرياضية.
أما الدكتور عز الدين عبد المولى، يؤكد أن هناك ترادف المجتمع الحديث والمجتمع الصناعي في المجتمع الأوروبي ولهذا يعرف الحداثة بأنها ذلك التحول والانتقال من عصر الانحطاط في القرون الوسطوية إلى عصر الصناعة وفكر الأنوار، حيث ساهم في هذا الانتقال مجموعة من خصائص الفكرية والسياسية والاقتصادية.
فظهرت مجموعة الحركات الفكرية جعلت قطيعة مع العهد السابق لتعيش مرحلة الحداثة على مستوى الفكري من خلال تنظيرات عديدة من قبل فلاسفة الأنوار التي ترتكز على العقل كأداة الوحيدة للوصول الى الحقيقة. التي أسس لها ديكارت في فلسفته.
والدكتور عبد المولى يرجع السياق الذي جاءت فيه الحداثة إلى عصر الأنوار أو التنوير الذي شكل في التاريخ الأوروبي حلقة التأسيس الفكري والفلسفي والعلمي للعصر والتجاوز الكيفي لحقبة التخلف الشامل، تميزت بوجه خاص سلط الكنيسة واستبداد الملكيات المطلقة وهيمنة الاقطاع.
ونستحضر في هذا السياق الرأي الدكتور طيب بوعزة الذي يوكد في مجمل مقاله المعنون ب" الحداثة و الوعي التاريخي الغائب" أن ميلاد الحداثة الأوروبية كان ثمرة مخاض تاريخي طويل، والصراع الفكري العقلي مع الفكر الكنسي الديني المتسلط . الذي انتهى بانتصار العقل حيث خضع هذا الأخير جعل سلسة من التحولات المجتمعية خاضعة له، حيث امتد هذا الفكر مند النهضة الاوروبية إلى وقتنا الراهن، تعاقبت فيه مجموعة من المفكرين والفلاسفة الذين ساهموا بشكل أو بأخر في بلورة الحداثة في الرؤى الغربية ، بدء من الاصلاح الديني مع مارتن لوثر مرورا جان جاك روسو في العقد الاجتماعي، وصلا إلى ديكارت الذي جعل العقل الركيزة الأساس في التفكير، حيث حضي هذا الاتجاه بنوع من النصر والاهتمام.
من الملاحظ أن هؤلاء الباحثين الثلاث تطرقوا جميعا إلى أن السياق التاريخي للحداثة في أوربا بدأ منذ عصر النهضة. حيث تطرق الدكتور محمد سبيلا في مقاله إلى تحولات الحداثية التي يعرفها العلم على مستوى الطبيعي و التاريخي والمعرفي والإنساني، حيث غطى الدكتور سبيلا التي انفتحت عليها الحداثة، كما استطاع كذلك الدكتور عز الدين عبد المولى أن يوفي في نقاشه عن الحداثة بالمطوب فتتبع محطاتها
ومسارها التي انطلقت منه، إلا أنه أضاف محور على " ما بعد الحداثة" وهذا لا يعني أن الدكتور سبيلا أغفل هذا الجانب بل اهتم به في أبحاث أخرى التي صدرها كتابا تحت عنوان" الحداثة وما بعد الحداثة". أما الدكتور طيب بوعزة اقتصر على السياق التاريخي للحداثة وأسس قيامها، وأعرض نماذج من الفلاسفة المساهمة بالنهوض الفكر الحداثي.

لكن نقطة التي لم ترد في المقالات الثلاث هي الحداثة وكيف تقدم لنا نفسها كوصفة لتحظر على مستوى الكوني أو اعتبارها ايدلوجية الكونية لتغير الكوني الشامل سواء بنسبة للمجتمعات التي تعتبر نفسها موطنها الأصلي لها أو المجتمعات التقليدية؟













لائحة المراجع

ـ عز الدين عبد المولي، " في الرؤية الغربية لتاريخ الحداثة"، مجلة إسلامية المعرفية، العدد 4، 1996، 93ـ 133.
ـ سبيلا محمد،" التحولات الفكرية الكبرى للحداثة: مساراتها الابستمولوجيا ودلالتها الفلسفية"، مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 110/111، 1999، ص30ـ 37.
ـ سبيلا محمد ، الحداثة وما بعد الحداثة، سلسلة المعرفة الفلسفية، دار توبقال للنشر، المغرب، الطبعة 2، 2007م.
ـ طيب بوعزة،" الحداثة والوعي التاريخي الغائب"، مؤسسة مؤمنون بلا حدود،29ـ 01ـ 2008م.








.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة