الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لم يرفع المسيح السيف ؟

منسى موريس

2020 / 10 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رغم أن حياة " السيد المسيح " تعد تعبيراً حياً عن الحب والتسامح والغفران والرحمة وهو بعيد كل البعد عن السيف بل نهى تماماً عن القتل والحروب وهذا واضح كل الوضوح في أقواله وأفعاله العملية وحتى في حياة تلاميذه وتاريخ الكنيسة المُبكر يؤكد على هذه النظرة ، إلا أن هناك نظرية يطرحها الكثير من الناس على إختلاف توجهاتهم الفكرية ومضمونها أن
"المسيح " لم يكن عنيفاً ولم يحمل السيف يوماً ولم يدعو إلى العنف نظراً للظرف التاريخي الذى عاش فيه حيث كانت الإمبراطورية الرومانية تُسيطر على كل شيء ولم يكن لديه أتباع كثيرين للإنقلاب على هذه السُلطة ولوكان يمتلك جيشاً وسلاحاً لكانت حياته مليئة بالحروب والعنف وكان من المرجح أن ينشر رسالته بالقوة.
وقبل تحليل ونقد هذه النظرية التى نختلف معها جملةً وتفصيلاً نتفق مع القائلين بهذه النظرية على أمر مهم وضرورى ألا وهو أن حياة " المسيح " وأقواله وأفعاله لا تتضمن أي محتوى يدل على العنف بشكل مباشر أوغير مباشر بل كانت رسالته تدور حول " الحب والتسامح والغفران " ونأتى الآن لتفكيك ونقد هذه النظرية .
أولاً : هذه النظرية تقوم على تخمينات وإفتراضات غير واقعية فلايمكن عقلاً الحكم على أي شخصية تاريخية لمجرد إفتراضات لاتمت بحقيقة الشخصية التاريخية لامن ناحية القول أو الفعل والسلوك ، ومن المفترض أن النظرية العلمية تكون مبنية على حقائق ونصوص ووقائع وليس على تخمينات وإفتراضات ليس لها اصل بواقع الشخصية لأنه سيكون هناك ثمة تناقضاُ بين القول بأن المسيح لم يحمل السيف يوماً وكان ضد هذا المبدأ وفى نفس الوقت نقول لو إمتلك القوة والسلطة لكان سيصبح عنيفاً .
ثانياُ : هذه النظرية تتخطى حياة الشخص الظاهرة الواقعية وتطعن فيه من الناحية النفسية لأنها مبنية على إعتقاد جازم وهو أن " المسيح " كان في نيته إستخدام السيف حتى و لو ضحى بحياته في سبيل الإنسان وكانت حياته نموذجاً للحب سيظل هؤلاء لديهم نفس الإعتقاد لأنهم إفترضوا منذ البدء أن نفسية المسيح كانت تميل إلى العنف فبالتالى لو إمتلك زمام الأمور لكان سيظهر على حقيقتة التي تميل إلى العنف ؟! طبعاً هذا المنطق مريض وسقيم لأنه مبنى مزاعم سيكولوجية وفى نفس هذا المنطق من السهل جداً أن نستخدمه ونطعن في كل الشخصيات التاريخية وعلى سبيل المثال " سقراط " ضحى بحياته في سبيل أفكاره ودفاعه عن الفضيلة لأنه كان ضعيفاً ولو كان يمتلك من القوة والعتاد لكان نشر أفكاره بالسيف ؟ً! و " غاندى " لم يختار مذهب اللاعنف حباً فيه لكنه كان مُستضعفاً ولو إمتلك القوة لفرض آرائه عنوة ، وقيس على ذلك نماذج أخرى كثيرة غير " سقراط وغاندى " ، فمنطق هذه النظرية هو إفتراض آراء نفسية ونوايا غير حقيقة لم تظهر في حياة الشخصية و إقحام هذه المزاعم وفرضها بأى شكل حتى ولو كانت حقيقة الشخصية التاريخية تبدو عكس ذلك تماماً ؟! فكيف يمكن لنا أن نقبل بنظرية تقوم على إفتراضات نفسية مسبقة ومن المفترض أن تكون النظرية العلمية خالية من كل الآراء النفسية المسبقة والأهواء ويكون جُل تركيزها حياة الشخصية التي هي موضوع البحث .
ثالثاً : جوهر هذه النظرية يقوم على متلازمة الضعف واللاعنف والربط بينهما بشكل أساسى فهل فعلاً كل من لايمتلك القوة بالضروة تكون رسالته وحياته مبنية على الحب ؟ بالطبع لا فهناك الكثير من الذين لايمتلكون القوة لكن في نفس الوقت يرتكبون أفظع الجرائم سواء بالفكر أو بالسلاح أو بالسلوك البشرى البسيط ن وهناك من يعيش حياته بسلام لأنه مُقتنع بمبدأ السلام فالضعف لا يخلق قناعات ولايمكن منطقياً الحكم على كل إنسان بأنه مُسالم لأنه مُستضعف فهذا تعميم باطل .
رابعاً : الربط بين السُلطة والعنف من أركان هذه النظرية القول بأن لو إمتلك " المسيح " السُلطة لكان أكثر عنفاً ، بغض النظر على أن " المسيح " لم يكن ملكوته أرضى ولم يسعى لأى سُلطة زمنية وأنه كان دائماً يفصل بين الروحى والسياسى لكن دعونا نسير وفق هذا الإفتراض فهل فعلاً لو كان إمتلك " المسيح " سًلطة زمنية لكان أصبح عنيفاً ؟ حسب هؤلاء الجواب بكل تأكيد نعم لأنهم ربطوا بين " السًلطة والعنف " كما ربطوا بين " الضعف واللاعنف " لكن في الحقيقة هذه مغالطة لأنهم فرضوا وقبلوا بتفسير مستقبلى واحد وحيد وربطوا بين العنف والسُلطة لكن ألا يوجد أيضاً تفسيرات أخرى ؟ أليس كان من الممكن أن يستخدم " المسيح " السًلطة في تدعيم رسالة الحب ؟ أليس من الممكن أن تكون السُلطة تعبيراً آخر لتسامحه وغفرانه؟ أليس كان من الممكن أن يستخدم مركزه ومكانته لتوطيد وتدعيم قيم المساواة والعدل والخير؟ كل هذه التفسيرات تكشف خطأ الربط بين السُلطة والعنف .
خامساً : ماذا لو طبقنا هذه النظرية على أصحابها وقلنا لهم أنتم طيبون وتدعون للتسامح وقبول الآخر لأنكم مستضعفون وفى حين إمتلاككم للسُلطة ستفرضون آرائكم بالقوة وربما تنشرون أفكاركم بالسيف ؟ أليس يُعد طعناً في نواياكم الداخلية الخفية بدون دليل ؟ أليس هذا يُعتبر إتهاماً باطلاً ؟ بكل تأكيد لن تقبلوا هذه الإتهامات وهذا يكشف مدى زيف هذه النظرية لأنها تُفسد أبسط العلاقات الإنسانية وتقتل الثقة بين بنى البشر فكيف لنا أن نستخدمها ونطبقها على شخصيات تاريخية لم نرى منها إلا كل الخير؟
أخيراً : مثال واحد بسيط من حياة " المسيح " يكشف لنا وبكل وضوح على أن نواياه الداخلية كانت تميل إلى الغفران والتسامح وأبعد ما يكون عن العنف والحرب ، حين عُلق على الصليب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة قال لقاتليه " يا ابتاه أغفر لهم لأنهم لايعلمون ماذا يفعلون " ولك أن تتخيل شخص يطلب الغفران لمن قتلوه في لحظاته الأخيرة هل لو كان هذا الشخص له ميول متطرفة تميل إلى العنف أليست كانت هذه الميول تظهر في هذه اللحظة بالذات ؟ لماذا لايحرض أتباعه للأخذ بالثأر ؟ لماذا حتى لم يُفرغ كبته الملىء بالعنف ويخرجه على هيئة شتائم لمن قلتوه ؟ لماذا يطلب الغفران وهو في إمكانه أن يصب عليهم اللعنات ؟ أليس الإقتراب من الموت يكشف البشر على حقيقتهم ويُظهر ميولهم الحقيقية؟
إن " المسيح " لم يحمل يوماً سيفاً ولم يفكر فيه أصلاً لأنه رسالته مؤسسة على مواجهة الشر بالخير والكراهية بالمحبة والعنف بالرحمة لذلك ضحى بحياته في سبيل مبادئه ، وفى الأخير أقول العيب كل العيب أن نفترض إفتراضات خيالية ليس لها وجود ونُلصقها بشخصية غيرت حياة الملايين عبر العصور للأفضل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال