الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هو الدّين بيقول ايه؟

زاهر رفاعية
كاتب وناقد

(Zaher Refai)

2020 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حيلة إسلاميّة هي ليست بالجديدة إلّا أنّه يعاد إحياؤها بين الفينة والأخرى, هذه الحيلة أنا شخصياً كنت أستعملها حين كنت داعية وأعلّمها لطلبة العلم الشرعي من الأطفال واليافعين في المسجد الذي كنت أعلّم فيه القرآن والعلوم الشرعية, قبل أن يمنّ الله على عقلي بالاطّلاع على المنطق والأخلاق. تستخدم هذه الحيلة لإسكات من يتّهمك كمسلم في أخلاقك استناداً إلى نصوص في الإسلام تخالف الضمير والخلق السوي وتشير بوضوح لعقيدة إجرام وإرهاب عند حامل هذا المعتقد, لاسيّما وإن كان الذي يتهمك هو إنسان غربي أو عربي من غير دينك أو بلا دين. تهدف هذه الحيلة للدفاع عن شخصك ضد التهم الموجّهة إليك بعبارة واحدة خلاصتها ومفادها كالتالي:
(لا تلم عليّ ما تسمع منّي فأنا لا أجيبك من عندي بل الإسلام من يقول ذلك.. الله من يقول ذلك.. أنا لا أخترع لك الأحكام بل أفتيك من الدّين بما أتى به الدين.. القرآن هو من يقول ذلك ولست أنا.. هذا كلام الشرع وليس كلامي يا أخي) .. الى آخر هذه الخدع اللفظيّة التي يردّ بها المسلم عن نفسه حين تحاصره قوانين العالم المتحضر وتتهمه بحمل الفكر الإجرامي والتحريض على الجريمة باسم الدعوة ونشر الدين.
أنا من موقعي هذا سأقسم بالنيابة عن كلّ مسلم على وجه الأرض بأن ما يتفوّهون به أعلاه لهو الحق الذي لا مراء فيه, فكلنا يعلم بأنّ الإسلام هو من ينصّ على كل هذا الحقد والإجرام بحق البشر جميعاً, ولكن يجدر بنا أيضاً أن نتفق معاً أخي المسلم بأنّ حامل الفكر الإجرامي ومقدّسه لهو مجرم مع وقف التنفيذ, ربما لضعف الإمكانات أو نقص الجرأة أو ضيق الوقت, أمّا من ينشر الفكر الإجرامي ويحرَض عليه لهو مجرم شأنه شأن المنفّذ بلا أدنى فارق, بينما من ينفّذ هذا الفكر فهو مجرم قولاً وفعلاً وعقيدة.
وعليه فهذه الحجة السخيفة لا تنفع في الضحك على العقول, بل تنفع فقط في المواربة والنفاق الذي ترومون من خلالها وضع قضاة المحاكم والمحققين في مواجهة مع الشارع الإسلامي باعتبارهم يحاربون ويحظرون "ما أنزل الله" وليس أنّهم يقومون بواجباتهم وذلك بمحاربة عقيدة البلطجة وتجريم حاملها وناشرها استناداً إلى الدستور والقانون, والذي يجب أن تكون مهمته حماية أمن وحرّيات أفراد المجتمع قاطبة.
ولإن اتفقنا على أنّ الإسلام هو المدان وليس المسلمون, فعلام المظلوميّة أخي المسلم حين تسمع دعوات حظر الإسلام بموجب القانون؟ أنت تقول أنّ هذه الكميّة من دعوات القتل والكراهية والتمييز والاحتقار هي أحكام الشرع وليست من عند أبيك -طبعاً والكل يصدّقك في ذلك- ولكن ذلك يستتبع أن يلحق بشرعك هذا الكثير من الاحتقار والتوجّس وربّما الحظر والمنع كما أسلفنا.
هذه الحجّة التي توردونها يجب أن يقبلها الآخرون حين تتعلّق بأي رجل تريد دخول المرحاض أخي المسلم أو أي نوع من أنواع اللحوم يحرّمها دينك وكم عدد ركعات صلاة الفجر, أمّا أن تطالب بقتل الآخرين واستعباد ذراريهم والسطو على أموالهم وممتلكاتهم ونزع الآدميّة عنهم بنعتهم بالقردة والخنازير والكلاب, كلّ ذلك لأنّهم انتقصوا من قدسيّة شخص أو كتاب هم عندك لا مساس بهم, ومن ثمّ بعد ذلك تأتي لتطالبهم بسدّ أفواههم والسماح لك بنشر هذا الأجرام لأنّه كلام الله وليس كلامك, فهذه فوق أنّها بلطجة فهي وقاحة مضاعفة, وقاحة احتقارك للآخرين, ووقاحة مطالبتك لهم باحترام وتقديس وقاحتك بحقهم.

قامت قائمة شيوخ الإسلام ومن خلفهم تابعيهم حين صرّح الرئيس الفرنسي "ايمانويل ماكرون" قبل ليس ببعيد حول مشروع محاربة الانغلاق عند المسلمين في المجتمع الفرنسي, ومن سمع كيف صرخ المسلمون من ألم التّهمة الموجّهة لهم ولإسلامهم من عند الحاكم الفرنسي لظنّ أنّهم خير من يمثّل القيم المنفتحة على العالمين, وأنّ العالم يظلمهم ويلصق فيهم ما ليس منهم. ما هي إلا بضعة أيّام ويقوم أحد المسلمين العاديين الذي ارتفع عنده منسوب الجرأة أكثر من غيره بتنفيذ حكم الشرع في مدرّس تاريخ فرنسي وعلى التراب الفرنسي بتهمة الإساءة لمحمّد نبي الإسلام. وبالعودة لحجّة "هو الدين بيقول إيه" نجد أنّه لم يختلف واحداً من الفقهاء ولا المفسرون لا في الماضي ولا في الحاضر على أنّ من شتم النبي يقتل بلا خلاف ولو تاب سواء أكان مسلماً أم غير مسلم, واختلفوا إن كان يستتاب قبل القتل أم يقتل من فوره, والأرجح أنّه يقتل من فوره دون استتابة وهذا بالضبط ما قام به المجرم الشيشاني بتاريخ 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بحق المدرّس الفرنسي "صامويل باتي" .
لا يمض يوم واحد إلّا وأشاهد في الصّحف الألمانيّة رسوماً كاريكاتوريّة أقل ما يقال عنها بأنّها مهينة تلميحاً وتصريحاً بحق رموز دينيّة وسياسيّة وشخصيّات عامة من الماضي والحاضر, لماذا لا نشاهد الإرهاب والأجرام من عند أتباع ومحبّي هذه الشخصيّات إلّا من عند أتباع دين الرّحمة للعالمين أتباع رسول مكارم الأخلاق الذين هم على استعداد لإراقة الدّماء من أجل "نكتة"!!
سألني أحدهم قائلاً: كن منصفاً, لو شتم أحد ما أمامك وعلى مسمع منك شخصاً أنت تحبّه حبّاً جمّاً, فهل ستلتزم الصمت؟ لماذاً إذن تعيب على المسلمين غيرتهم على دينهم ونبيّهم وتطالبهم أن يقبلوا الإهانة بحقّه؟
أجبته بما يلي:
بالطبع لن ألتزم الصمت ولا أطالب المسلمين أن يلتزموا الصمت بغضّ النظر عن موقفي الشخصي من شخص محمّد, ولكنّ صيغة السؤال تكشف مدى بداوة تعاليم الإسلام وفتاويه, فكل ردّات الفعل تبدأ بالعنف الأقصوي والقتل مهما كانت تفاهة المسألة, على طريقة الأعراب الذين كانوا يمتشقون السيف في كل الأوقات وعلى أهبة سلّه من غمده بقولهم "دعني أضرب عنقه يا رسول الله" فالقتل وإهراق الدماء ليس شيئاً يحدث وأن يمارسه المسلم أو يعتقد بوجوبه, بل هو الشيء الذي يمتاز المسلم عن بقيّة الخلق بإضفاء الوجوب والقداسة عليه, بل هو أحبّ الأعمال إلى الله من وجهة نظر صاحبنا.
الخلاصة: في المرّة القادمة التي ستستعمل فيها أخي الداعية هذه الحجّة الطرواديّة التي تقول "هذا كلام الشرع وليس كلامي" تأكّد من أنّ هذا الذي تسمّيه "شرع" هو شيء يخصّك أنت وحدك ولا يحقّ لك أن تبلطج على الآخرين بمطالبتهم تقديسه واحترامه , لاسيّما وإن كان هذا الشرع يتهددهم في أمنهم وحريّاتهم. وعليه فحين تقول أن هذا الإجرام هو من الإسلام فأنت تثبت النظريات التي تقول بوجوب تجريم تعاليمه وشرعه باعتباره آيديولوجيا مافيويّة إجراميّة.
لقد أصبح العالم قرية صغيرة وبمقدور أي امرئ على وجه المعمور أن يلج إلى الشابكة ويقوم بتعديل اعدادات اللغة في المتصفح ويقرأ بكلّ لغات العالم على موقع اسلام ويب الفتوى الإجراميّة الموثّقة التي تبيح دم الذي يلقي بنكتة حول شخص محمّد نبي المسلمين, وذلك على الرابط:
https://www.islamweb.net/ar/article/111861/
وبالتالي فلو قلت لي هذا كلام الشرع وليس كلام المفتي, فهذا لا يغيّر شيء من حقيقة أنّ هذا التشريع هو شرعة مجرمين, ومن يعمل على نشره فهو مجرم, وهي شرعة تتعارض حرفاً فحرف مع القوانين والدساتير الغربية التي تستند لشرعة حقوق الإنسان في عمليّة التشريع بهدف الحفاظ على أمن الجميع وصون حريّاتهم في التعبير والمعتقد, وليس إلى شرعة ابن تيميّة في الحفاظ على مشاعر المسلم الذي هو على استعداد لقتل الناس من أجل مزحة.
لذلك فحين تبدأ الحملات ضد المساجد في الغرب فليس لأنّهم يحاربون المسلم في صلاته وصدقاته وصيامه وقيام ليله, بل لأنّ هذه المساجد تنشر مثل تلك الفتاوى بين صفوف الشباب في الغرب وتعليها فوق قوانين الدولة وترسل بشبابنا إلى الجحيم كرمى لمموّلي هذه المساجد وتجنيداً لشبابنا في خدمة مصالحهم ومكاسبهم, ولتشكيل ورقة ضغط على الحكومات الغربيّة من داخل أراضيها لابتزازها ومساومتها سياسيّاً واقتصاديّاً... والمقصود بالكلام يعرف نفسه...
هذا ما يمكن أن نطلق عليه مناهضة مشروع الأسلمة, وليس كما يشيع عنها الإسلامويّون بأنّها مناهضة نشر الدّعوة الإسلاميّة, بل إنّ مناهضة الأسلمة تعني مناهضة مشروع فرض الإسلام على المجتمع. ولا يعني الفرض فقط القسر والإكراه, بل إنّ مطالبة المجتمع بتقبّل نشر الإسلام وفي الوقت ذاته عدم تقبّل نقد الإسلام من عند الآخرين لهو بلطجة بامتياز, وهذا ما يسمّى بالأسلمة, وهذا بالضبط ما سينهض مشروع الحكومة الفرنسيّة لمجابهته.
في الختام: افتح مواقع التواصل الاجتماعي واقرأ تعليقات الكثير من المسلمين حول مقتل صامويل باتي على يد الإرهابي الشيشاني.. اذهب وتحاور مع أي مسلم عادي.. اذهب واستفت أي شيخ مسلم متوسّط المعرفة الدينيّة.. افتح أي كتاب فقه .. ثم تعال وأخبرني إن كان ما قاله "إيمانويل ماكرون" حول الانعزاليّة عند المسلمين وفرض الظلاميّة والسعي لإقامة دولة ومجتمع موازيين هو حقيقة أم ظلم وافتراء على الإسلام.
سأضع لكم روابط بعض المقالات في موقع الحوار المتمدّن كنت كتبتها قبل مدّة أتناول فيها قضيّة نزعة المسلم لإعلاء مشاعره فوق حقوق الآخرين أيّاً كانت.. بدءاً من حقّ الحياة وانتهاء بحقّ التعبير ..
كيف تخلق الحريّةُ أعداءَها؟
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=693052
حريّة التعبير تشمل حرق الكتب أيضاً
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=691083
عفواً سيّد مكرون! الإسلام لا يعيش أزمة
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=695296








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأحمق الغربي فتح الأبواب على مصاريعها للمصروعين
صباح شقير ( 2020 / 10 / 24 - 05:38 )
الأستاذ زاهر رفاعية المحترم

تحياتي للشاب الشجاع
مبروكة حياتك بهذه النقلة النوعية في عقليتك
قرأت بعض مقالاتك ولم أدري أنك كنت داعية اسلامي تلقّم الأطفال واليافعين المبادئ التي تنشر التفرقة والكراهية ونبذ المختلف

وقفتُ عند أهم نقطة في مقالك الممتاز قولك الكريم في منتصف الفقرة الثانية منه
(حامل الفكر الإجرامي ومقدّسه لهو مجرم مع وقف التنفيذ ربما لضعف الإمكانات أو نقص الجرأة أو ضيق الوقت, أما من ينشر الفكر الإجرامي ويحرَض عليه لهو مجرم شأنه شأن المنفّذ بلا أدنى فارق, بينما من ينفّذ هذا الفكر فهو مجرم قولا وفعلا وعقيدة)

يا سيد رفاعية
من أدخل الدب الى كرمه؟
هل يظن أحد أن الغرب لا يعلم فختاتنا؟
أصلا هم الذين كشفونا في العصور الماضية وشرّحوا أدياننا وفضحوا أنبياءنا وأبانوا اقتباسات عقائدنا من الميثولوجيات القديمة
وكان يزيد بن معاوية الأجرأ عندما قال
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
والسيدة عائشة التي قالت
ما أرى ربك إلا يسارع في هواك

الاسلام ليس في أزمة
وليس الأزمة
فهو منسجم مع تعاليم إلهية واضحة
الأزمة هي الغرب الذي( أغرق نفسه بنفسه) في بحيرة عطنة ولم يعد يستطيع الخلاص من العفن


2 - القانون الموحد و القانون متعدد الطوابق 1
هانى شاكر ( 2020 / 10 / 24 - 12:26 )

القانون الموحد و القانون متعدد الطوابق 1
__________


استخدمت الأمم و القبائل عبر التاريخ القانون متعدد الطوابق ... قانون للناس اللى فوق و آخر للناس اللى تحت .. و قوانين أخرى للناس اللى بره .. الغريبة او الغريمة

فى الإمبراطورية الرومانية .. صاحبة القوانين و التشريعات التليدة .. تمتع فقط الاحرار ذوى الجنسية الرومانية .. بالمزايا القانونية و سمو نظام المحاكم و المحاماة و التقاضى ... باقى الناس كانوا عبيد

و فى التشريع الإسلامى .. و فى الوطن الواحد .. هناك قوانين للمسلمين و قوانين اخرى لأهل الذمة من المواطنين .. مثل دفع الجزية و المنع من الإشتراك فى المناصب .. و القتل دون دية او عقاب .. و إجازة حرق و تدمير دور العبادة ... الخ

...


3 - القانون الموحد و القانون متعدد الطوابق 2
هانى شاكر ( 2020 / 10 / 24 - 12:26 )

القانون الموحد و القانون متعدد الطوابق 2
__________


ثم هناك القانون متعدد الطوابق فى الدولة الواحدة حتى بين المسلمين انفسهم ... بحسب نوع البشرة ، او ضرورة وجود الكفيل للعمل ، إجازة إهانة و سحل و قتل الشريك فى العمل إن كان من جنسية اخرى غير اولاد البلد

مع توق البشرية لحقوق الإنسان .. سعت دول كثيرة لتوحيد قوانينها و دفن الماضى و إصلاح اخطاؤه و مخازيه ... و مع الهجرات الكثيرة ، سعت بلاد الغرب ( اوروبا و كندا و استراليا كأمثلة ) الى تطبيق قانون موحد مستمد من دستور مُعلن يسرى على جميع المواطنين ( مولود البلد و المهاجر المتجنس ) سواسية

مُعضلة عدم توافق المسلم المتجنس فى الغرب من ناحية و قوانين و دساتير وتقاليد دول الغرب من ناحية اخرى ... هى ان تلك الدول تؤمن بمبدأ القانون الواحد الموحد للدولة و جميع افرادها ... بينما المسلم المستوطن بتلك البلاد يتمسك بمبدأ القانون متعدد الطوابق ، و يتمتع ( المسلم المستوطن ) بتعضيض غير محدود و غير مشروط من شيخ الأزهر ... رغم انه ( شيخ الأزهر ) ليس فرنسياََ او بريطانياََ !

حل هذه المعضلة صعب و مُكلف و يحتاج لوقت طويل

....


4 - حين يصبح الله و رسوله
ماجدة منصور ( 2020 / 10 / 25 - 10:55 )
حين يصبح الله و رسوله مصيبة و كارثة على البشرية قاطبة فلابد من تجريم هذا الدين من الألف الى الياء0
هذه عقيدة ضارة بالإنسانية كلها و قد رأينا مرأى العين الاثار الكارثية لتلك العقيدة و ليس من سلاح تستعمله سوى ما تخطه يداك من كتابات صادمة...و لكنها حقيقية جدا فلا يعرف الدين الإسلامي إلا من إكتووا بناره0
احترامي أستاذ زاهر

اخر الافلام

.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي


.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا




.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني