الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات في فلسفة غاستون باشلار (١)

وليد المسعودي

2020 / 10 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فيلسوف العلم وصديق الشعراء ركز حياته على ثلاثة عناصر تلخص رؤيته وفلسفته كما يقول جون ليشته وهذه العناصر هي

١_ اهمية نظرية المعرفة ( الابستيمولوجيا)
٢ _ تفكيره فيما يتعلق بتاريخ العلم
٣ _ تفكيره فيما يتعلق بتحليل اشكال الخيال

نظرية المعرفة واهميتها لدى باشلار ينبغي ان تكون محايثة للواقع والعقل للعلم والفلسفة وكل تصوراتنا وجميع مجريات الاحداث والاشياء من حولنا يبغي ان ترتبط بالواقع والعقل ، بالعلم والفلسفة ضمن رؤية تطبيقية جدلية لا تنفك عن احداث التزاوج فيما بينهما اي بين العلم والواقع التجريبي.

تفكيره فيما يتعلق بتاريخ العلم ، جاء من خلال وجود التطورات العلمية للمكان والزمان عند هايزنبرغ واينشتاين تلك التي احدثت القطيعة مع العلم النيوتوني ، ووجود القطيعة يعني ان تاريخ العلم تحول من ان يكون ذو سلسلة متواصلة واحدة تكمل الاخرى الى القطع والتجاوز اي تجاوز النظرية السابقة باكملها ومعارضتها كليا حيث التصورات السابقة للهندسة الاقليدية ترى ان السرعة هي دالة الكتلة ومع اينشتاين تحول الامر الى العكس هو ان الكتلة هي دالة السرعة كما يقول جون ليشته

٣_ اما عن دوره في تحليل اشكال الخيال فيحدد الاخير ارتباطه العضوي بالانسان وليس باي جهة خارجية ، وان بامكان الانسان السيطرة على الخيال والاخير مرتبط بعلاقة الصورة والمادة والحركة والقوة والحلم مع ما يتغير من صور متعلقة بالماء والنار والهواء والتراب

اهمية نظرية المعرفة في العلم


بعد ان بينا بشكل مختصر اهمية ابرز العناصر الخاصة في تفكير غاساون باشلار نأتي الان على التفصيل أكثر فأكثر ، وفي كل عنصر على حده من هذه العناصر وسوف نبدأ بالعنصر الاول الا وهو اهتمامه بنظرية المعرفة في العلم وامكانية ارتباطها بالمنتجات العلمية الجديدة ، حيث كل مفهوم علمي يتمتع بالظرفية الخاصة بالواقع التجريبي صاحب الانشاء والخلق له ، ولا يوجد اي خلود لاي مفاهيم علمية او لاحسن الطرائق العلمية ، وكل مفهوم علمي يتبدل مع اكتشاف التجارب العلمية الجديدة المختلفة بحيث تصبح التجربة العلمية هنا صانعة للمفاهيم الجديدة ومنتجة للتغيير الجديظ ، هذا ما تؤكد عليه نظرية المعرفة الحديثة ، اذ يقول باشلار في هذا الصدد " ان كل اخفاق تجريبي هو عاجلا او آجلا تغير منطق ، تغير عميق في المعرفة " ( ١)
هذا بالنسبة للاخفاق لانه من المؤكد موجود في صورته المؤقته والعلم في تواصل اكتشافي متزايد متنام وبعدها يأتي النجاح وسيكون التغيير اعمق في المعرفة نفسها .

ان نظرية المعرفة التي يتبعها باشلار هي نظرية ( لا ديكارتية) اي تغادر المنهج الديكارتي حيث الايمان بالمطلق والعناصر المطلقة المعطاة في العالم الموضوعي الذي لم يستطع الشك المنهجي لدى ديكارت زعزعته رغم الرحلة الطويلة التي قام بها ديكارت في الكوجيتو ( انا افكر انا موجود ) وهو عودة البداهة في صورتها الاولية البسيطة ، والتي يركز هنا باشلار في ادانتها في نظريته اللاديكارتية ، في ادانة مذهب الطبائع البسيطة المطلقة ، وكل ما يقوله باشلار مرتبط بالاكتشافات العلمية الحديثة تلك التي قادت الى الانقلاب بالفكر العلمي الجديد ، حيث التصويب مباشرة على مشكلة الحدس الذي لا ينطلق من بداهته الاولية كما هو الامر موجودا عند ديكارت بل من اعتبار كل حدس يتمتع بالارتباطات المنطقية القائمة على الدراسة المسبقة لمادة العلم او الموضوع المراد الاشتغال عليه ، حيث نستطيع هنا اجراء مقارنة بسيطة بين ديكارتية المعرفة ولا ديكارتية المعرفة كما يراها باشلار كالتالي: _

ديكارتية المعرفة

١_ اقرب الى البداهة والوضوح
٢_ كل العالم معطى بشكل خارجي
٣ _ تنطلق من البسيط الى المعقد
٤ _ وجود الشك المنهجي ضمن صيغة معدة مسبقا بشكل لا يفعل التجربة كنشاط اصيل في صناعة المفاهيم العلمية الجديدة
٥ _ الانتهاء حيث البداية الاولية في رحلة الشك المنهجي والمفعل بشكل مقصود

لا ديكارتية المعرفة

١_ ابعد عن البداهة والوضوح
٢ _ كل عناصر الواقع ليست معطاة بكامل كيانها
٣_ الانطلاق من المعقد الى البسيط
٤_ وجود التجربة قبل اي شك منهجي
٥ _ ان البحث العلمي لا ينتهي ضمن بدايته الاولية ما دام تجريبيا و كما قلنا اعلاه حول امكانية التجربة هي صانعة المفاهيم العلمية الجديدة

ان نظرية المعرفة عند باشلار تنطلق من احتواء الجديد للقديم معرفيا وهذا الاحتواء في النهاية قراءة وتجاوز في الوقت نفسه ، اذ يقول " اذا القينا نظرة على العلاقات الابستيمولوجية بين علم الفيزياء المعاصر وبين العلم النيوتوني رأينا انه ليس ثمة نمو ينطلق من المذاهب القديمة شطر المذاهب الجديدة بل وجدنا بالاحرى احتواء الأفكار الجديدة للافكار القديمة " (٣)
وهذا الاحتواء والتجاوز يعني فقدان المفهوم القديم لفائدته وشروطه التجريبية ، اذ ان المفاهيم والافكار نفسها تصبح غير ذي جدوى عندما تفقد فاعليتها التجريبية وهنا يقول على الفكر العلمي ان يتبدل حيال التجربة الجديدة (٤)
وبالتالي مع تبدل الفكر نفسه تتبدل الحقيقة ليس على اساس البداهة الاولية بل على اساس البرهان المقترن بالتجربة اذ " لابد للتجريب ان يذعن للبرهان ولابد للبرهان ان يرجع للتجربة "
(٥) بحيث تغدو الحقيقة المعاشقة تجريبيا اقرب الى علم نفس معياري وليس الى تربية معصومة من الزلل والخطا وهذا ما تروج له المعرفة السائدة (٦)
ومع هذا التبدل تصبح كل ظاهرة هي عبارة عن تجمع ظروف وعلاقات واشكال تعامل حيث لا توجد طبيعة بسيطة بل ان " الجوهر هو ترابط صفات " (٧)
ان نظرية المعرفة عند باشلار تجريبية بامتياز بل هي اساس الافكار بمجملها اذ ان الابتعاد عن التجربة سرعان ما يؤدي تثبيت وتجميد الظواهر المتحولة لتصبح قابلة للعصمة والاعتياد مع مرور الزمن ، ومع هذا التجريب تصبح المعرفة ذاتها مكملة ، مصححة للاخطاء مؤسسة للاطر السائدة ، مدينة للماضي والحاضر على حد سواء من اجل مستقبل غير ثابت على وتيرة واحدة ومن اجل عدم تأسيس " معرفة متداولة لا تستطيع مغادرة تجريبيتها الاولى " (٨)

وهذه التجريبية للمعرفة قائمة على فلسفة دائما ما تؤسس اعتبارها وتفكيرها على المجهول وليس المعلوم ، وذلك لان الاخير اي المعلوم اصبح محصلة منتهية الفاعلية واكيدة التطبيق لذلك لابد من البحث عن متناقضات جديدة عن اختبارات جديدة وهذه الاختبارات الجديدة قائمة بدورها على فلسفة الرفض بشكل غير نهائي ، اذ يحدد باشلار هذه " اللاّ الفلسفية " بانها " ليست نهائية في نظر عقل يعيد مجادلة اصولة ويكون بذاته وفي ذاته بينات نوعية جديدة " (٩)

وهذه المجادلة ايجابية لانها تنطلق من داخل وخارج الظواهر ، من نشاطاتنا الفاعلة تلك التي تعتبر العقل العامل هو عامل من اجل التطور ، وبالتالي هنالك مزاوجة بين العقل والواقع دون اي امتياز لكليهما على الاخر ، فالعقل يستنير بالوعي والتأويل والواقع يعطي ويزود العقل بالتجربة وهكذا نحو عقلانية تطبيقية تجريبية الى حد بعيد ، فالعالم او فيلسوف العلم الذي يضع نفسه خارج العقل سوف يكون فيلسوفا مختبريا فقط لا غير ويرى العالم من خلال مختبره دون وعي لاي اصول عقلية بالمساءلة للواقع وتغير الظواهر، وبذلك يكون هذا الفيلسوف مصدرا لما يسميه باشلار " بالتعالي الاختباري " وهنا تصدير واعلاء للتجربة ، للمختبر اكثر من العقل والتأويل ودونما ترابط بينهما اي بين الواقع والفكر او بين العقل والتجربة ، حيث يشرح باشلار هذا الترابط الوثيق الذي يزيل القطع بين المعرفة الحسية والمعرفة العلمية من خلال مثال الحرارة وذلك بانها ترى فوق الميزان لكنها لا تحس ولا تلمس وبالتالي تأتي النظرية لتحل الاشكال من خلال قدرتها على التطابق فيما بين الرؤية والاحساس تطابق بين الظواهر عينها (١٠)

وهذا التطابق هو من قاد الفكر العلمي الى الانتقال من فلسفة " كما لو " التي تدعي امتلاك كل صنوف التعبير في القرن التاسع عشر الى فلسفة " لم لا " الجدلية التي تميز العقل العلمي الجديد (١١)

وهنا التغيير والقطيعة مع جميع المفاهيم القائمة داخل العقل النيوتوني كثوابت ومطلقات ابدية من مثل زمان ثابت مكان ثابت جرم ثابت.. الخ الى زمان ومكان نسبيين مع العقل الاينشتيني الذي بدأ حقا السيطرة على الواقع ضمن حدود النسبي وليس المطلق ضمن الاطار النظري والاخير يقول عنه باشلار بانه " الحقيقة الرياضية التي لم تجد بعد تحققها الكامل ويتوجب على العالم البحث عن هذا التحقق الكامل " (١٢)

المصادر : _

١ _ باشلار ، غاستون / الفكر العلمي الجديد / المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع / الطبعة الثانية / بيروت _١٩٨٢ / ص ١٣٨
٢_ المصدر نفسه / ص ١٤٢

(٣) باشلار ، غاستون / الفكر العلمي الجديد /
المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر / بيروت، الطبعة الثانية ، ١٩٨٢ ص ٦٠
(٤) المصدر، نفسه، ص ١٣٧
(٥) ليشتة ، جون / خمسون مفكرا اساسيا معاصرا من البنيوية الى ما بعد الحداثة / المنظمة العربية للترجمة / الطبعة الاولى ، ٢٠٠٨ / ص ٢٣ .
(٦) باشلار، الفكر العلمي الجديد ، ص ١٣٨
(٧) المصدر نفسه، ص ١٤٨
(٨) باشلار، غاستون / العقلانية التطبيقية / المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر / بيروت ١٩٨٤ ص ١٩٥

٩ _ باشلار ، غاستون / فلسفة الرفض ، مبحث فلسفي في العقل العلمي الجديد / دار الحداثة / بيروت ، الطبعة الاولى ١٩٨٥ ، ص ١٢.

١٠_ المصدر ، نفسه ، ص ١٢
١١_ المصدر ، نفسه ، ص ٣٧
١٢_ المصدر ، نفسه ، ص ٣٨








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس