الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمة فهد سليمان في تأبين الراحل المصري الكبير أحمد نبيل الهلالي

فهد سليمان

2006 / 7 / 11
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


(1)

الحديث عن أحمد نبيل الهلالي سهل وصعب في آن؛
سهل لأن الراحل الكبير اتسم بالصراحة والشفافية والوضوح والشجاعة .. في زمنٍ باتت فيه الصراحة جالبة للمتاعب، والشفافية مخاطرة، والوضوح مغامرة، وباتت فيه الشجاعة مكلفة.
وصعب لأنه كان موسوعة في السياسة، وفي الفكر، كما في مجال اختصاصه كرجل محاماة ..
من هنا، تكوّنت شخصية أحمد نبيل الهلالي المميّزة، وكانت له مكانته المرموقة هنا في مصر، في صفوف الحركة الشعبية، مناضلاً سياسياً صلباً، ذا نظرة موضوعية، وإرادة ثابتة، ووعي متجدد.
كما كانت له مكانته المرموقة كقومي، عروبي ينظر إلى قضايا الأمة من منظاره الخاص، مدركاً حقيقة الموقع الذي تحتله مصر في حياة هذه الأمة، وحجم تداعيات القرار السياسي المصري على مصالحها.
كما كانت له مكانته كأممي حريص على استقلالية وعيه، وقدم في هذا الميدان نموذجاً جديداً يستحق تقدير المناضلين.
وإذا ما حاولنا أن نذهب بعيداً في قراءة شخصية الراحل الكبير، لوجب علينا أن نقول الكثير. فالإحاطة بالصديق والرفيق أحمد نبيل الهلالي مهمة تحتاج إلى جهد جماعي، يرتقي إلى مستوى الرجل، يشارك فيه صف ممن عرفوه، وخبروه، وعايشوه، وواكبوا مسيرته الكفاحية الطويلة والثرية والمتنوعة، ممن أيدوه في مواقفه، وكانوا حلفاء وشركاء له في نضاله، وممن خالفوه في رأيه، لكنهم على الدوام ينظرون إليه باحترام شديد …
فهو حليف وفيّ لمن حالفه، وهو خصم شريف لمن لدّه الخصومة. وهو في كل الأحوال نبيل … وبقي على الدوام نبيلاً.
(2)

كان الراحل الكبير شديد الانسجام مع معتقداته الأيديولوجية ومفاهيمه وقيمه السياسية. وقد رأى أن الانحياز لليسار، من موقعه المعروف، يفترض الانسلاخ الطبقي، بمعناه الفكري ومعناه العملي، لذلك لم يكتفِ بأنه حمل فكر الطبقة العاملة، وانحاز إلى الفقراء والعمال والفلاحين في بلده، بل خطا خطوات جريئة تنسجم إلى أبعد حدود مع انحيازه هذا … فتخلى عن موقعه كابن لباشا كان يوماً ما رئيساً لحكومة هذا البلد، وتخلى عن أملاكه وثروته وعن كل ما يرمز إلى انتمائه الطبقي السابق، وعاش حياة هي أقرب إلى حياة الزهد، حتى أنه استحق عن جدارة لقب قديس الفقراء والمناضلين.
هذا الزهد وهذا التقشف، وهذا الانحياز الطبقي، بالفكر والممارسة وبمظاهر الحياة اليومية، ترك أثره الكبير في وعي المناضل أحمد نبيل الهلالي ..
لذلك كان في سلوكه يقدم نموذجاً آخر في انتماء المناضل إلى الحركة الوطنية في بلاده.
لم تتغلب على مشاعره يوماً العصبوية الحزبية، ولم تمنعه الخلافات والتباينات السياسية عن مد الجسور نحو باقي القوى السياسية في الحركة الوطنية المصرية، حتى مع تلك التي كان بينه وبينها سجالات فكرية وسياسية، إذ رفض أن تتحول هذه السجالات، على أهميتها وغناها، إلى مادة للخصومة.
لذلك كان في مقدمة المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن المناضلين من أبناء الحركة الوطنية المصرية في مواجهة القضاء …
كان محامي الجميع دون تمييز في الانتماء لهذا المناضل أو ذاك، بما في ذلك من انتسب إلى اتجاه الإسلام السياسي، ودون أي تأثر بخصومة سياسية قد تكون نشبت بينه وبين هذه الفئة السياسية أو تلك. كان يعتبر كل المناضلين في صفوف الحركة الوطنية المصرية أبناء الخندق الواحد، وكان يعتبر نفسه محامياً لهذا الخندق.
(3)

كان حزبياً، نعم، لكنه كان حزبياً من طراز آخر. لم يسمح لحزبيته أن تتحول إلى عصبوية تنظيمية تقود أصحابها إلى الانغلاق على الذات والانعزال عن الآخرين.
ولعل روحه الديمقراطية وإيمانه العميق بأن الديمقراطية هي السبيل إلى بناء العالم الجديد هو الذي حرره من تلك العصبوية، وسلحه بروح الانفتاح على الآخرين.
وقد ترجم مواقفه هذه في أكثر من محطة وفي أكثر من موقف، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، دعوته في الجمعية العامة لنقابة المحامين لأن تكون النقابة إطاراً جامعاً لكل التيارات السياسية في صفوف المحامين، بما في ذلك تيار المستقلين.
إن دعوته هذه، كما أوضح، لم تكن لنزع الصفة السياسية عن نقابة المحامين، بل لتعزيز هذه الصفة من خلال تحصين النقابة بالقوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية كافة، معترفاً لأصحاب الأغلبية في الانتخابات النقابية بحقهم في التمتع بهذه الأغلبية داعياً إلى صيغة توازن بين احترام نتائج الانتخابات وبين ضرورات البناء الديمقراطي والتعددي للنقابة.
والسبيل إلى ذلك كما كان يرى هو بناء تحالفات للقوى السياسية الوطنية والتقدمية، وللتيارات الوطنية المستقلة، بما يحصّن النقابة، ويمدها بعناصر القوة خاصةً وأنها تحتل موقعاً مميزاً في الحياة السياسية في البلاد، وفي الدفاع عن الديمقراطية.
وفي السياق نفسه تحلى راحلنا الكبير بنظرة وحدوية لعمل القوى الوطنية والديمقراطية في مصر …
ففي مواجهة الطرف الآخر، بصفوفه المنتظمة، وقواه المتعددة، دعا الهلالي إلى بناء إطار خاص بالقوى الديمقراطية والوطنية هو أشبه بالائتلاف الوطني العريض، يضع حداً لحالة الشرذمة والتفتت في صفوفها، ويقدمها إلى المجتمع المصري في صيغة جديدة، تعيد تقديم العمل الحزبي بصيغته الحقيقية، نضالاً وتضحية لأجل الوطن والمواطن، وليس بحثاً عن مكاسب فئوية ضيّقة.




(4)

إن دعوة أحمد نبيل هلالي هذه، تتجاوز في رؤيتها الموضوعية حدود مصر، لتشكل لنا نحن الفلسطينيين درساً غنياً، في بناء مؤسساتنا الوطنية على أسس تعددية ائتلافية وديمقراطية جامعة إن على مستوى المؤسسات السياسية للسلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية.
وكذلك الأمر في الأطر المهنية والمنظمات الشعبية، خاصةً وأننا نعيش مرحلة تحرر وطني في مواجهة عدو شرس لا يرحم، كما تؤكد ذلك يوميات الاحتلال والاستيطان، نقوى في مقاومته بقدر ما نعزز وحدتنا الوطنية بمضمونها الديمقراطي والتعددي.
كما أن دعوته لبناء إطار ينظم صفوف أطراف الحركة الوطنية المصرية، هي أيضاً دعوة لنا، نحن الفلسطينيين، لنوحد قوانا، ونبني ائتلافنا الوطني في السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير سواء بسواء.
لقد جاء الحوار الوطني الفلسطيني في محطته الأخيرة بين رام الله وغزة متوجاً بـ "وثيقة الوفاق الوطني" ليوفر البرنامج الذي ستنهض عليه حكومة الاتحاد الوطني كضرورة وطنية غير قابلة للتأجيل، والتي وحدها ستكون بمستوى التحديات التي تعترض سبيل القضية الفلسطينية …
والأمل يحدونا أن نستكمل هذا الحوار خارج الوطن في فترة قريبة جداً، امتداداً لمؤتمرات الحوار الثلاثة التي استضافتها القاهرة وآخرها في آذار (مارس) العام المنصرم، ليتم الاتفاق على الخطوات الملموسة الآيلة إلى تفعيل منظمة التحرير وتطويرها في سياق إعادة بناء مؤسساتها، إطاراً جامعاً لعموم الحركة الفلسطينية بكل مكوناتها.
(5)

لقد احتفظ راحلنا الكبير لنفسه، أمام المتغيرات الدولية، ببوصلة شديدة الحساسية تقوده إلى الاتجاه السليم.
البوصلة هي القضية الفلسطينية والصراع ضد المشروع الصهيوني. ومن هنا انطلق في محاكمة مواقف الأصدقاء ومواقف الأعداء، مدركاً أن القضية الفلسطينية هي المدخل الصحيح إلى نسج العلاقات على أُسس موضوعية.
ومن جهة أخرى بقي فهمه للصراع ضد الإمبريالية، يقوم على رؤية لم تزعزعها الدعوات الأمريكية إلى الإصلاح والديمقراطية وغير ذلك من الشعارات، التي تحاول أن تخفي وراءها المقاصد الحقيقية للهيمنة الأمريكية على المنطقة.
وتبدو لنا، العودة إلى ما قاله المناضل والمفكر أحمد نبيل الهلالي، في هذا المجال، مصدراً من مصادر تحصين الفكر، وتصليب المواقف، وإغناء القدرة على التحليل والتخطيط، وشق الطريق الذي يفترض بنا أن نشقه، معبّراً عن مصالح العمال والفلاحين وعموم الشرائح الفقيرة والمهمشة، فضلاً عن المثقفين الثوريين.

(6)

وأخيراً، ها هي مصر تودع هذا الرجل ابناً باراً من أبنائها المخلصين، يحتضنه ترابها، وهو الذي كرس حياته فداءً لتراب مصر وشعب مصر.
رحل الهلالي، لكن تراثه سيبقى، فلنعمل جميعاً لصونه، ولنبقى أوفياء له.
إن كنا قد اتفقنا معه، أو اختلفنا، علينا أن نعترف أننا خسرنا برحيله مناضلاً ولا كل المناضلين ورجلاً ولا كل الرجال.
لكن العزاء أن الأرض التي أنجبت الهلالي، ستنجب غيره … فمصر هي بلد العطاء، وهي أرض الوفاء …


الخلود للراحل الكبير
والمجد لمصر وشعبها العظيم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية