الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الغزوات بين بدر وأحد: نحو اصلاح كرنولوجيا ضلالة النسي الجاهلي (1)

محمد بن ابراهيم

2020 / 11 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


انتهينا في المقالات السابقة إلى تحقيق قاطع ونهائي لمعركة بدر الكبرى في يوم الجمعة 17 صفر العدة على رأس 12 شهرا من الهجرة الفعلية -السنة الثانية للتأريخ العمري- المواطئ برمضان النسي من الطور 14 من دورة النسي الأخيرة في حياة الرسول - على رأس 19 شهرا من التوطين الفاسد للهجرة عند كل من ابن اسحاق والواقدي (في ربيع الأول النسي/ مارس622)، الموافق 22 غشت 623 م.غ، وهو توطين يتوافق والظروف الزمنية والمناخية الداخلية الواردة في روايات المعركة، ويتناسب مع شهادة عبدالله بن مسعود بأن يوم بدر كان يوما حارا غيرت فيه الشمس جثث القتلى من المشركين، وشكلت المقاربة التي اعتمدناها في معالجة فساد الكرنولوجيا من خلال استعادة ضلالة النسي الجاهلي وتوزيعه على الكلندار النبوي من 570 الى 632 م. غ، أحد المفاتيح الأساسية التي تمكنا عبرها من تحقيق غزوة بدر تحقيقا تاريخيا دقيقا متضامنا مع المساقات الترتيبية، ومع رواية أنس بن مالك عن تحويل القبلة على رأس 9 أشهر أو 10 أشهر من الهجرة الفعلية، وبفضل هذا التوطين الجديد تمكنا من موافقة الأيام المحفوظة في شأن معركة بدر موافقة تامة ، و قد توقفنا على طول اشتغالنا على الكلندار النبوي الشريف وفق تقويم الليالي العددية الموحد -الذي استنبطناه استنباطا من كتاب الله- وبما لا يدع مجالا للشك أن الرسول لم يكن يستهل الشهور القمرية بالرؤية المجردة، وأن الأحاديث الواردة في هذا الشأن على تعددها وتشعبها لا يمكن أن تكون صحيحة أبدا، إلا بغض البصر عن الحق وتجاهل الحقائق المنظورة، ونعرف جيدا أن من شأن هذا القول أن يدفع بالجمهور الأعظم من الشيوخ إلى الاستمرار في الدفاع عنادا وتعصبا عن كون معركة بدر الكبرى في رمضان العدة على رأس 19 شهرا، ولو خرج الرسول فأخبرهم لكذبوه وذلك ظني بهم.
سنعرض في هذه السلسلة من المقالات- بعدما تمكنا من فهم المنطق الكرنولوجي للمصادر- للغزوات بين بدر وأحد وفق مقاربة منهجية تأخذ بعين الاعتبار:
• خطأ التوطين الزمني للهجرة النبوية عند كل من ابن اسحاق والواقدي في يوم الاثنين 12 ربيع الأول النسي المواطئ لشعبان العدة الموافق مارس 622 م.غ، قبل محرم التأريخ العمري، وقبل الهجرة الفعلية للرسول في يوم الاثنين 16 شتنبر 622 م.غ.
• صحة التوطين السائد للهجرة في ربيع الأول العدة من السنة الأولى للتأريخ العمري، الموافق الاثنين 16 شتنبر 622 م.غ.
• تأريخ المصادر ( ابن اسحاق والواقدي ومن تابعهما) للسيرة النبوية بقالب كرنولوجي من شهور ضلالة النسي الجاهلي على أساس أنها شهور عدة مستقيمة فأثبتوا المحرم مطلقا واختلطت عليهم شهور العدة بشهور ضلالة النسي الجاهلي.
• استعادة ضلالة النسي الجاهلي وتوزيعها على الكلندار النبوي الشريف لموافقة أشهر العدة بأشهر النسي.
• الاعتماد على دراسة الظروف الزمنية الجوانية الواردة عرضا في متن روايات الغزوات والنظر في مدى تطابقها مع الشهور التي أرخت بها.
• حرمة القتال في الأشهر الحرم: / ذو القعدة العدة/ ذو الحجة العدة/ محرم العدة/ رجب العدة/ الا ما اتصل بحرب قائمة او ما كان صدا لاعتداء او بعثا سلميا او سرية عين.
• الانفتاح على المصادر الأخرى غير ابن اسحاق والواقدي وإن كانا العمدة المعتمدة في التأريخ.
• مراعاة مطابقة التواريخ والأيام المحفوظة -ان وجدت- ما أمكن، وإن في غير اسماء الشهور التي أرخت بها أصالة وفق ضلالة النسيء وخطأ التوطين الزمني للهجرة تحرزا من أن تكون محفوظة.
• تفعيل السياقات الترتيبية الداخلية والاعتماد عليها متى تحقق ورودها على لسان الرواة معزوة إلى الفاعلين الأساسيين.

1. غزوة بني سليم ( قرارة الكدر):

أرخ ابن اسحاق لغزوة غزة بني سليم في عقب بدر القتال، بشوال (على رأس 20 شهرا من تأريخه للهجرة)، وقال: فلما قدم [رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة "من بدر"] لم يقم بها إلا سبع ليال [حتى] غزا بنفسه، يريد بنى سليم.
رجع الرسول من بدر بحسب ما حققناه و وافقناه كلنداريا يوم الاربعاء لثمان بقين من صفر العدة/ رمضان النسي، فأقام بها تسع ليال وخرج يوم الجمعة فاتح شوال النسي، المواطئ للثاني من ربيع الأول العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 13 شهرا من الهجرة الفعلية، وهو شوال النسي من الطور 14 من دورة النسي الأخيرة في حياة الرسول، والموافق 5 شتنبر 623 م.غ، وأسماء الأيام المذكورة محفوظة عند الطبري والبغدادي. ( انظر العام 54 من الكلندار).
خرج الرسول في التأريخ المذكور إلى بني سليم بقرقرة الكدر حين بلغه اجتماع بنى سليم وغطفان للإغارة على المدينة، فغاب عند ابن اسحاق 3 ليال أقامها على مائهم ثم رجع إلى المدينة فتكون بذلك مدة غيبته =3×3 =9 ليال. وهو التقدير الذي يتوافق مع ما أورده البغدادي والطبري عن بعضهم (لعله البغدادي) من أن الرسول "رجع من غزوة الكدر إلى المدينة وقد ساق النعم والرعاء ولم يلق كيدا، وكان قدومه منها فيما زعم لعشر خلون من شوال وبعث غالب بن عبد الله الليثي يوم الأحد لعشر ليال مضين من شوال إلى بنى سليم وغطفان في سرية فقتلوا فيهم وأخذوا النعم وانصرفوا إلى المدينة بالغنيمة يوم السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر." وهذه الأيام المذكورة متوافقة كلنداريا مع شوال النسي المذكور موافقة تامة، وعليه فإن الرسول عاد منها يوم الأحد 11 ربيع الأول العدة لعشر ليال خلون من شوال النسي، الموافق 14 شتنبر 623 م.غ. وبعث من يومه سرية عبدالله بن غالب الليثي إلى بني سليم وغطفان، وانصرفوا إلى المدينة يوم السبت 17 ربيع الأول العدة/ الموافق 20 شتنبر 623 م.غ، لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال النسي ولثلاث عشرة ليلة بقين من ربيع الأول.
أرخ الواقدي في شوال النسي المذكور هذا، وعلى رأس 20 شهرا من تأريخه الهجرة بربيع الأول النسي (مارس 622 ) لغزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف منه، فيما جعلها التوطين السائد عند الجمهور حاليا في شوال على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية في شتنبر 622، فوافقت بذلك غزوة بني قينقاع محلها الحقيقي بمجرد الصدفة الحسابية الناتجة عن متابعته في رأس الشهر واسمه فيما كان شواله على الحقيقة غير شوالهم، فهو يقصد شوال النسي الذي بعد بدر وهم يقصدون شوال العدة على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية.
ذهب الواقدي خلافا لابن اسحاق إلى توطين غزوة قرارة الكدر في المحرم على رأس 23 شهرا من تأريخه للهجرة في مارس 622، وللنصف منه، وهو قول لا محل له في الطور 15 من النسي، إذ كان طور حل وترك للمحرم، فلم يكن مذكورا أساسا، وإنما قدر المحرم على أساس أن القالب الكرنولوجي بشهور العدة المستقيمة، وهو محرم تركه ابن اسحاق وتخطاه فيما ألزمه به غيره (انظر غزوة ذي أمر عند ابن اسحاق في سيرة ابن هشام وسكوته عن ذكر المحرم) فيما برر الواقدي خروج الرسول للقتال فيه بإقحام جملته الأثيرة: وكان الذي هاجه على رواية الراوية، وهو في الأصل شهر ضلالة.
فيما أرخ لما أسماه سرية قتل عصماء بنت مروان بخمس ليال بقين من رمضان، مرجع النبي من بدر، وهو رمضان النسي المذكور المواطئ لصفر العدة. ولما أسماه أيضاه بسرية قتل أبي عفك اليهودي في ليلة صائفة من شوال، وهو شوال النسي/ ربيع الأول العدة على رأس 13 شهرا من الهجرة، ولا نعلم ليالي صائفة ينام فيها الانسان بفناء الدار في شوال العدة على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية فقد كان موافقا لشهر أبريل 624، وقد حفظ لنا شعر هبيرة حالة الطقس بالمدينة في ليالي أبريل 625 م.غ زمن نزوله مع قريش بأحد.
وردت في متن غزوة قرارة الكدر ظروف زمنية تفيد أن الزمن الموسمي كان صيفا: وجد المحال فارغا والناس قد ارتبعوا إلى مياههم، والغلام يسار يورد النعم كل خمسة أيام، فالزمن زمن قل فيه الماء بعدما جفت مياه الغدران، وارتفع فيه الناس إلى مياههم، وتركوا الرعاء عزابا في النعم، فنستأنس بهذه الحيثيات على صحة التوطين الكلنداري للغزوة في ربيع الأول العدة من السنة الثانية على رأس 13 شهرا من الهجرة الفعلية، الموافق شتنبر 623 م.غ، وبناء على ما سبق فان التوطين السائد حاليا للأحداث المذكورة توطين زمني فاسد ذهب ضحية النسي الجاهلي، وخطأ توطين المصادر للهجرة النبوية، بماهي منطلق عد رؤوس الشهور، الا ما صح لهم بمحض الصدفة الحسابية والكلندارية كغزوة بني قينقاع وغزوة أحد...

2. غزوة السويق في ذي الحجة النسي:
أرخ الواقدي للغزوة في ذي الحجة على رأس 22 شهرا من توطينه الفاسد للهجرة في مارس 622 وقال :
خرج رسول الله يوم الأحد لخمس ليال خلون من ذي الحجة فغاب خمسة أيام.
صرح ابن اسحاق من حيث يدري أو لا يدري أنه يؤرخ بضلالة النسي الجاهلي لما قال وولى تلك الحجة المشركون من تلك السنة، وهذه مفارقة لا تقبلها أشهر العدة المستقيمة، لأن مبدأ حج المشركين إنما كان على ضلالة النسي، فكيف يتم تأريخ هذه الغارة على المدينة بشهر ذي الحجة العدة من السنة الثانية للهجرة والمصادر تصرح أنها من حج المشركين؟
خالف البغدادي في تأريخه للغارة بيوم الأحد لسبع ليال بقين من ذي الحجة كما عند الطبري، وإن كان الذي في المحبر مشكلا: خرج الأحد لسبع بقين من ذي الحجة ورجع لثمان بقين من ذي الحجة ؟ ولعله خرج لسبع بقين ورجع لثمان بقين، أو خرج لسبع خلون ورجع لثمان بقين. وعلى أي خال فان الأيام المحفوظة عند الواقدي والطبري والبغدادي لا يمكن موافقتها في ذي الحجة العدة المستقيمة من السنة الثانية للتأريخ العمري الذي أرخت به الغزوة.
اتفقت روايات الغزوة عند كل من ابن اسحاق والواقدي على حيثية الحرث وإن التف عليها ابن سعد في طبقاته بالتبن لما علم أن الحرث لا يحرق مخالفا ما في مغازي شيخه الواقدي، وهي حيثية تفيدنا في ضرورة موافقة الشهر القمري المؤرخ به للغارة، لموسم الحرث البوري، وهذا معطي لا نعلمه في شهر يونيو الذي يوافق شهر ذي الحجة العدة السائد كتاريخ للغزوة عند الجمهور.
إن تأريخ المصادر لغزوة السويق بذي الحجة منصرف والحالة هذه إلى ذي الحجة النسي من الطور 14 على رأس 22 شهرا (من تأريخ الهجرة بربيع الأول النسي/ مارس 622) وقد كان مواطئا لشهر جمادى الأولى العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 15 شهرا من الهجرة الفعلية، وموافقا لموسم الحرث البوري تماما، وكان الأحد فاتح شهر جمادى الأولى العدة، فيما كان الاثنين أول ذي الحجة النسي، فوافق قولهم لسبع ليال خلون منه يوم الأحد 7 جمادى الأولى العدة / لسبع ليال خلون من ذي الحجة النسي، الموافق : 9 نونبر 623 م.غ، فإن غاب الرسول خمسة أيام كما قال الواقدي فان رجوعه منها كان يوم الجمعة لثنتي عشرة ليلة خلت منه، أما إن رجع لثمان بقين من ذي الحجة النسي كما يحتمل ذلك قول البغدادي، فقد كان رجوعه فعلا يوم الأحد لثمان بقين من ذي الحجة النسي/ جمادى الأولى العدة، الموافق 23 نونبر 623 م.غ، وعلى هذا فان التوطين السائد عند الجمهور حاليا توطين فاسد وجب اصلاحه إن كانوا يعقلون.

3. سرية زيد بن حارثة الى القردة في جمادى الآخرة النسي:

علق ابن اسحاق تأريخ السرية لما استهلك الشهور في تمطيط الاقامة، واختلطت عليه شهور النسي بشهور العدة، أما الواقدي فأرخها بمستهل جمادى الآخرة، على رأس 27 شهرا من تأريخه للهجرة (بربيع الأول النسي، مارس 622). وفي متن الروايات ما يفيد أنها كانت بعد هزيمة قريش في معركة بدر 17 صفر العدة/ رمضان النسي، وجمادى الآخرة المذكورة عند الواقدي هي جمادى الثانية النسي من الطور15 المواطئ لشوال العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية. وقد كانت هزيمة بدر وموادعة الرسول لقبائل الطريق الساحلي سببا في تفكير قريش بطريق أخرى نحو الشام بعد " أن عور عليهم محمد وأصحابه متجرهم" فاستأجر صفوان بن أمية دليلا يسلك بهم طريق العراق في رحلة تجارية زمن الشتاء، وقَالَ صَفْوَانُ: "فَهَذِهِ حَاجَتِي، أَمّا الْفَيَافِي فَنَحْنُ شَاتُونَ وَحَاجَتُنَا إلَى الْمَاءِ الْيَوْمَ قَلِيلٌ. فَتَجَهّزَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَبُو زَمْعَةَ بِثَلَاثِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَنُقَرِ فِضّةٍ".
تفيدنا المعطيات الزمنية الواردة في ضرورة موافقة الشهر القمري الذي أرخت به السرية لفصل الشتاء من جهة، وأن تكون السرية بعد بدر من جهة أخرى، ومعركة كانت وفق التحقيق في شهر صفر العدة على رأس 12 شهرا من الهجرة الفعلية، فوجب أن يكون اسم شهر جمادى المذكور في الأصل شهر عدة مستقيمة فكانت السرية على ذلك في :
مستهل جمادى الثانية العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 16 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشهر صفر النسي مستهل الطور 15 من دورة النسي الأخيرة في حياة الرسول، والموافق 2 دجنبر 623 م.غ فيتفق بذلك مع كونها رحلة شاتية، ويكون التأريخ السائد للسرية عند الجمهور في جمادى الثانية من السنة الثالثة للهجرة العمرية فاسدا خارج الزمن الفعلي للسرية.
والحق أن هذا التوطين الجديد يجعلنا نعرف الفعل من رد الفعل، فقريش أغارت على المدينة في غزوة السويق ونزل أبو سفيان عند صاحب كنز بني النضير فتحالف معم، فلعلهم مدوه بما يتمول به هذه الحرب من أواني فضة، فطرحوا أزوادهم في الحرث ليحملوها ونجوا بها، ثم خرجوا بها للتجارة إلى الشام زمن الشتاء، فتبصر الرسول بالأمر وأرسل السرية لاعتراض القافلة، فغنم منها المسلمون أموالا عظيمة وأواني فضة، وذهبت أموال بني النضير وجهود قريش حسرة، وكاد هذا السياق أن يكتمل لو أمكن توطين غزوة بني النضير فيما بعد السرية مباشرة أو مزامنا لها غير أنه لم يظهر لنا سبيل إلى ذلك فيما لدينا من القرائن، والذي تحصل لنا أنها بعد بني قينقاع وراوية جابر بن عبدالله عن أول عيد أضحى شهده المسلمون بالمدينة فاصلة في ذلك، وان أغرب الحاكم فجعل أمرهم واحدا. وسياق ابن اسحاق لأمر بني النضير متعلق عنده ببئر معونة، ولم نعلم أحدا قدم غزوة بني النضير على بني قينقاع، ويبدوا مما لدينا من الروايات أن بني قينقاع تخصصوا بالذات في الصياغة فيما كان النضريون مهرة في زراعة النخيل، ولا يمتنع أن تكون أواني الفضة هذه منهم كيهود، فلم نعهد لقريش صاغة وصناعة فضة؟ ولا نستسيغ أن يكون هدف قريش من غارة السويق قتل رجل أو رجلين، وتخريب نخل وحرث وحرق تبن ودار، ثم الفرار طلبا للنجاء، فالخسائر ليست على قدر العزم، والغارة منسقة بشكل جيد من حيث التوقيت، وأهدافها تمويهية توارت في سذاجة الروايات تحت اسم البر بالنذر، ولولا تبصر الرسول بها لكان لهذا الحدث ما بعده.


4. أمر بني قينقاع في شوال:

علق ابن اسحاق تاريخ الغزوة وتركها فيما كان بين بدر وأحد، فقد ضاق به الوعاء الزمني لما اقترب من شواله لأحد. وبالمقابل أرخها الواقدي مباشرة بعد بدر في شوال النسي المذكور والذي أرخ فيه ابن اسحاق لغزوة قرارة الكدر، وكان أمر بني قينقاع عند الواقدي يوم السبت للنصف من شوال على رأس 20 شهرا من تأريخه للهجرة بربيع الأول النسي/ مارس 622. وكون أمر بني قينقاع في التأريخ السائد والصحيح عند الجمهور حاليا على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية محض صدفة كلندارية لما عدوا مبدأ الهجرة من ربيع الأول، أما البغدادي في المحبر فذهب إلى أن أمر بني قينقاع كان يوم السبت لسبع خلون من صفر، والفصل في هذا للسياق أعلاه ولرواية جابر بن عبد الله عن أول عيد أضحى شهده المسلمون بالمدينة لما رجعوا من بني قينقاع، بما يفيد استبعاد صفر بشكل نهائي سيما وأن ابن اسحاق إنما علق التاريخ لاستهلاكه شوال النسي بقرارة الكدر ووصوله الى شوال أحد النسي على وهمهم أنهم يؤرخون بشهور العدة وأن بين بدر وأحد عام واحد، وعلى التحقيق الكرنولوجي والكلنداري فان:
أمر بني قينقاع كان يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشهر جمادى الثانية النسي من الطور 15، الموافق 10 أبريل 624 م.غ. وجمادى النسي هذا هو الذي أرخ به الواقدي على الحقيقة سرية زيد بن حارثة إلى القردة. أما التاريخ الذي قدمه البغدادي فهو موافق كلنداريا ليوم السبت لسبع ليال خلون من صفر العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري على رأس 24 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشوال النسي الذي أرخ به ابن اسحاق والواقدي معركة أحد على رأس 32 شهرا من تأريخهما الهجرة في ربيع الأول النسي (انظرالعام 56 من الكلندار) وتحول بيننا وبين صفر المحبر رواية جابر بن عبد الله.

5. بعث بئر معونة وسرية ( عين) الرجيع:

أرخ الواقدي لبعث بئر معونة بصفر على رأس 36 شهرا من تأريخه الهجرة في ربيع الأول النسي/ مارس 622 م.غ، بعد أحد المؤرخة عندهما بشوال النسي من الطور15 المواطئ لشهر صفر على رأس 24 شهرا من الهجرة الفعلية، و قدم بعث معونة على سرية الرجيع التي أرخها أيضا بنفس الشهر لما استقر عنده من أن خبر المأساتين قد بلغ إلى علم رسول الله في ليلة واحدة، وهو شهر صفر النسي من الطور 16 المواطئ لجمادى الثانية من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 28 شهرا من الهجرة الفعلية.
أما ابن اسحاق فقد علق تأريخ سرية الرجيع وقدمها على بعث معونة، وذكرها مباشرة بعد معركة أحد وحمراء الأسد التي أرخها بشوال النسيء المذكور آنفا، وذهبت الروايات إلى القول بأن خبيب ظل أسيرا عند مشركي قريش إلى انقضاء الأشهر الحرم، فقتلوه ثأرا لقتل أحد المشركين في احدى المعارك الفاصلة واضطربت الروايات في ذلك تارة ببدر وتارة بأحد والتحقيق الكرنولوجي يحسم الأمر لصالح معركة بدر، وبحسب سياق ابن اسحاق فإن بعث الرجيع مؤرخ عنده سياقيا بذي القعدة النسي من الطور 15 على رأس 33 شهرا من تأريخه للهجرة بربيع الأول النسي/ مارس 622.
وفي متن سرية ( عين) الرجيع أخبار متضاربة لا يتحصل من ورائها فائدة تذكر، اللهم ما كان من أمر الزنابير أو الدبابير التي حالت بين المشركين وبين جثث أحد شهدائها من المسلمين، وهذه على غير ما زعموا حشرات طائرة تتكاثر في الصيف وتنجذب طبيعيا للجثث، وقد يقضم منك قضمة على غفلة منك وأنت حي، وهو من الآفات الفتاكة بالنحل، وقد ساق الواقدي هذه السرية سوقا عجيبا فقال على لسان الرواة أنها كانت لما قتل سفيان بن خالد بن نبيح بما يفيد أن سرية عبدالله بن أنيس لقتل سفيان بن خالد بن نبيح الهدلي كانت سببا في مأساة الرجيع، وفي نفس الوقت أرخ الواقدي لسرية عبدالله بن أنيس التي من المفروض أنها سبب فيما وقع لأصحاب الرجيع بعد غزوة بني قريظة، بالمحرم على رأس 54 شهرا من تأريخه للهجرة، وكرر ذلك في مغازيه مرتين، وأمام هذا الاشكال عمد ابن سعد في طبقاته إلى تغيير تأريخ سرية عبدالله بن أنيس فجعلها على رأس 35 شهرا لاستحالة أن يكون محرم العدة المعروف على رأس 54 شهرا من الهجرة الفعلية للرسول، مما يؤكد أنه أرخها بمحرم النسي الجاهلي، فالتواريخ التي رويت عنده على لسان عبدالله بن أنيس صحيحة ، لكن محلها ليس محرم العدة ولا النسي، لان القوم وإن أرخوا بغير وعي بشهور النسي الجاهلي فقد وطنوا الهجرة مبدأ العد في ربيع الأول النسي/ مارس 622 وأثبتوا المحرم مطلقا على أساس المعمول به في شهور العدة المستقيمة.
تبلغ المفارقات ذروتها في متن سرية الرجيع فيما أورده الواقدي من اتصال بني لحيان لما قتل صاحبهم سفيان بن خالد، بعضل والقارة على أن يقدموا على رسول الله فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الاسلام فيقتلون من قتل صاحبهم ويأسرون من بقي منهم، ثم يخرجون بهم إلى قريش بمكة فيصيبون بهم ثمنا "فَإِنّهُمْ لَيْسُوا لِشَيْءٍ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ، يُمَثّلُونَ بِهِ وَيَقْتُلُونَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ". فسياق الرواية يفيد أمرين:
ان سرية الرجيع كانت بعد سرية عبدالله ابن انيس لقتل خالد بن نبيح الهدلي.
ان سرية الرجيع كانت بعد بدر وقبل أحد.
وكلا الأمرين لم يعتد بهما أحد من أصحاب السير فسرية الرجيع عندهم بعد أحد، غرهم على ذلك ما زعمه الواقدي من أن بعض شهداء البعث شهد أحدا، وأحد عند الواقدي مؤرخة عنده بشوال النسي قبل زمنها الفعلي، وعلى ما ذكرنا وتأسيسا على التحقيق الكلنداري والكرنولوجي نقول أن:
سرية عبد الله بن أنيس لاغتيال خالد بن نبيح الهدلي، وكان جمع الجموع لحرب المسلمين بعرنة أو عرفة: كانت في شعبان العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري على رأس 18 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ لشهر ربيع الثاني من الطور15، الموافق فبراير624 م. غ خرج يوم الاثنين لأربع خلون من شعبان فغاب 12 ليلة، وقدم المدينة يوم السبت لسبع بقين من شعبان، فاستغرقت المهمة 19 ليلة.
سرية بئر معونة: وهو بعث سلمي من القراء غدر بهم في شهر محرم العدة من السنة الثالثة للهجرة، على رأس 23 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشهر رمضان النسي من الطور 15. وقد نقل صاحب تاريخ الخميس ان بئر معونة كانت في المحرم (تاريخ الأمم والملوك ج 2 ص 545 وسيرة مغلطاي ص 52 وتاريخ ابن الوردي ج 1 ص 158 وتاريخ الخميس ج 1 ص 451 و 452).
6. غزوة ذي أمر:

قال ابن اسحاق: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها، ثم غزا نجدا، يريد غطفان، وهي غزوة ذي أمر، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فيما قال ابن هشام.
يؤرخ الجمهور ممن تابع ابن اسحاق لغزوة ذي أمر في المحرم من السنة الثالثة للتأريخ العمري ، ورغم أن ابن اسحاق تجاهل تسمية هذا المحرم وتخطاه ولم يسمه لاعتبار ما يؤكد أن قالبه الكرنولوجي قالب من شهور النسي، فضلا كون منطلقه في التأريخ كان وفق توطين الهجرة النبوية في ربيع الأول النسي/ مارس 622 م.غ وليس في ربيع العدة السائد والصحيح كتاريخ للهجرة النبوية.
المحرم المذكور نسبة لابن اسحاق لم يقل به ولا محل له في الطور 15 من دورة النسي الأخيرة في حياة الرسول، فقد كان طور حل وترك للمحرم، وهو المحرم نفسه الذي اتخذه الواقدي شهر عدة فأرخ به غزوة قرارة الكدر، فيما كان في الأصل شهر صفر النسي مستهل الطور 15، المواطئ لشهر جمادى الثانية العدة على رأس 16 شهرا من الهجرة الفعلية، الموافق دجنبر 623 م.غ، وهو الذي حققنا فيه سرية زيد بن حارثة إلى القردة، ما يفيد أن غزوة ذي أمر لم تكن في هذا التأريخ، وانما اقحمت فيه كونها بعد بدر وقبل أحد التي أرخت عندهم في شوال النسي غير شوال العدة السائد والصحيح.
أورد ابن اسحاق فيما وصلنا من سيرته خبرا في متن الغزوة عن فراخ طائر وجدت في غيضة، وتنقصنا المعلومات الكافية عن نوع الطائر ومواسم تكاثرها لنستطيع الاستئناس بهذه الحيثية كظرف زمني.
أما الواقدي فسماها غزوة غطفان بذي أمر وأرخها بربيع الأول على رأس 25 شهرا من الهجرة في ربيع الأول النسي/ مارس 622 م.غ، وقال: خرج رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ من ربيع، فغاب أحد عشر يوما.
التاريخ الذي ذكره الواقدي يستحيل موافقته كلنداريا في ربيع الأول العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري، وهو التاريخ الفاسد والسائد عند من تابع الواقدي من الجمهور، حتى أن الصالحي الشامي والمقريزي قلبا التاريخ الذي ذكره فجعلاه الثامن عشر من ربيع الأول حتى يوافق الخميس فيكون بينه وبين نصفه فسحة من الزمن تسمح للرسول بالتواجد بالمدينة حتى يبعث سرية قتل كعب الاشرف ويدعوا لأصحابها بالنصر حين ودعهم، وقولهم الثامن عشر مخالف لما دأب عليه أصحاب السير من التأريخ بالليالي لا بعدد الأيام.
أما ربيع الأول الذي أرخ به الواقدي هذه السرية فهو في الحقيقة ربيع الأول النسي من الطور 15، المواطئ لشهر رجب العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 17 شهرا من الهجرة الفعلية، الموافق يناير 624 م.غ.
وسواء تعلق الأمر بتأريخ ابن اسحاق أو الواقدي فان الظروف الزمنية لمتن الغزوة تحيل على الصيف، وان كان بين متونها ومتون غزوة ذات الرقاع تداخل روائي يعسر فكه. واسترسل راوية الواقدي إلى أن قال بأنه أصابهم في الغزوة مطر كثير بلت منه ثياب الرسول فنشرها على شجرة واضطجع تحتها في انتظار أن تجف، وهي رواية تتفق مع ما ورد فيما وصلنا من سيرة ابن اسحاق محمد بن يسار المطلبي أن صاحب فراخ الطائر وجد الرسول تحت شجرة بسط له فيها كساء جالس عليه، وان كان ابن اسحاق لم يذكر شيئا عن المطر وقصة دعثور الذي حاول اغتيال الرسول خلال هذه الغزوة كما عند الواقدي، على أن الواقدي أورد قصة شبيهة لقصة فراخ الطائر لكن في غزوة ذات الرقاع.
تؤكد رواية جابر بن عبد الله كما في الموطأ (2/910)، وعند ابن حبان (5418)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/244) انه خرج مع رسول الله في غَزوةِ بني أنْمارٍ وبينما كان جالسا تحت ظل شجرة مر به رسول الله فدعاه الى الظل، فالتمس شيئا يؤكل يقدمه للرسول فلم يجد الا جرو قثاء فكسره وقدمه الى رسول الله، ويبدوا ان اهل السير والمغازي مختلفون اختلافا كبيرا في ماهية غزوة انمار هل هي غزوة ذي أمر ام غزوة مستقلة بذاتها ام تبع لغزوة بني المصطلق ام هي غزوة ذات الرقاع، وما اورده جابر بن عبدالله في حديثه عن غزوة انمار جعله الواقدي في متن غزوة ذات الرقاع، وغزوة ذات الرقاع هذه مشكلة في حد ذاتها لدرجة انهم زعموا انها تعددت وان هناك غزوة ذات رقاع أخرى. اما البغدادي في المحبر فقد سماها غزوة بني انمار بن بغيض بذي أمر في عقب المحرم ورجع لخمس خلون من صفر، وأمام هذا التداخل النصي والتشويش الاسمي فلا يتحصل لنا شيء نستفيده في التوطين الكرنولوجي لغزوة ذي أمر الى نجد وثعلبة وبني محارب من غطفان، والقوم أعرف بالذي فيه، وانطلاقا من فهمنا للمنطق الكرنولوجي لكل من ابن اسحاق والواقدي، وتأسيسا على ما ورد عند الواقدي من ظروف زمنية تحيل على الصيف فان:
الرسول خرج في غزوة ذي أمر على التحقيق الكرنولوجي والكلنداري يوم الخميس لثنتي عشرة ليلة خلت من صفر العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري على رأس 24 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشوال النسي من الطور 15، الموافق ل 5 غشت 624 م.غ. فغاب كما قال الواقدي أحد عشر يوما.

7. سرية الرجيع :
سرية عين بعثها الرسول ليستخبروه خبر قريش، وندر بهم أعراب عضل والقارة من صغر نواة تمر المدينة (العجوة) فانكشف أمرهم، وقتل بعضهم وسيق بعضهم الآخر أسيرا إلى قريش ليصيبوا بهم ثأرهم ببدر، "فَدَخَلَ بِهِمَا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَحُبِسَ حُجَيْرُ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا مَاوِيّةُ، مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَحَبَسَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ زَيْدَ بْنَ الدّثِنّة عِنْدَ نَاسٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ" فكانت السرية على التحقيق الكرنولوجي والكلنداري في شهر ربيع الأول العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري على رأس 25 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بذي القعدة النسي من الطور 15 ومكث الأسرى بأيديهم الى انقضاء الاشهر الحرم النسيئة ثم قتلوهم بقتلاهم ببدر ومنوا عليهم بأنهم لا يقاتلون في الشهر الحرام غمزا ولمزا، وقد امتد ربيع الأول العدة المواطئ بذي القعدة النسي هذا من 23 غشت الى 21 شتنبر 624 م.غ، فوافق ذلك الظروف الزمنية الواردة في متن السرية سواء من حيث السيل او من حيث الدبابير او من حيث تمر العجوة فهو أول التمر صرما بالمدينة.

8. قتل كعب بن الأشرف:

علق ابن اسحاق تأريخ قتل كعب بن الأشرف فيما كان بين بدر وأحد، فيما ذهب الواقدي الى أن قتله كان في ربيع الأول على رأس 25 شهرا، وهو ربيع الأول النسي من الطور 15، (على رأس 25 شهرا من تأريخه الهجرة مارس 622) المواطئ بشهر رجب من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 17 شهرا من الهجرة الفعلية، وهو رجب العدة الذي يؤرخ فيه الجمهور تحويل القلبة.
تفيد الروايات الواردة ان كعبا هذا خرج في عقب بدر إلى قريش والقبائل يحرضها على قتال المسلمين لعلهم ينتدبون فيخرج معهم، فيصيب من المسلمين، ولا نستفيد شيئا فاصلا من الحيثيات الواردة إلا ما كان من حديث عن وسق التمر/ الملحفة / والخروج للتمشي إلى شعب العجوز في ليلة مقمرة/ ويستفاد من تركيب مجموع الروايات الواردة أن الرجل كان على علم تام بأنه مطلوب الدم، أنذر بالقتل، فتحصن في حصنه ورفض النضريون تسليمة أو دفع الدية عنه إلى أن استزله منه من تجمعه معه روابط الدم، وربما روابط الدين القديم "وَهُوَ مُتَغَيّرُ اللّوْنِ مَرْعُوبٌ" فاغتر لذلك ونزل، وقتل جزاء وفاقا، فالدية الواردة في سياق بئر معونة لدى ابن اسحاق لا معنى لها وصحيفة المدينة تنص على خلاف ما تزعمه الروايات في شأن التعاون على دفع الديات، والحس الأنثوي الثاقب لحجاب الغيب ليس إلا تقريرا لأمر معلوم كونه "امرؤ محارب"، ولا يبعد أن يتعلق الأمر كله بثأر بينه وبين بني عبد الأشهل سواء كان ذلك بعلم الرسول وتوجيهه بعدما استنفذ معه الوسائل السلمية، أو كان ذلك من محض أنفسهم، فالقرءان لا يحب الخائنين وواضح وصريح يفرض نبذ العهد أولا واعلان الحرب ثانيا، والرجل في أمان الصحيفة ما لم يأتي فعلا تبرأ به منه ذمة الله ورسوله، وقد أتاه فعلا بنص الروايات وعلى لسان زوجته لا شعرا وهجاء فقط.
ويهمنا من هذا كله قول كعب بن الأشرف: "أَمَا إنّ رِفَافِي تَقْصِفُ تَمْرًا، مِنْ عَجْوَةٍ تَغِيبُ فِيهَا الضّرْسُ" وهي مقالة طالما كررها عبر التاريخ من غره امتناعه في حصنه، وقوله تمر من عجوة ويغيب فيه الضرس يفيدنا في تقرير الزمن الموسمي للعملية، فكونه يغيب فيه الضرس يعني أنه حديث عهد بجني، فكان قتله على ذلك ووفق التحقيق الكرنولوجي والكلنداري في نفس الشهر الذي كانت فيه سرية الرجيع، ليلة الاثنين - الثلاثاء 15 ربيع الأول العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري على رأس 25 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بذي القعدة النسي من الطور15، الموافق ل 6 شتنبر 624 م.غ. وقد أرخ الواقدي لقتله بليلة الرابع عشر من ربيع الأول، على أن ربيعه ربيع نسي، وربيعنا ربيع عدة، وتوطيننا غير توطينه، وان كان ربيع الأول هذا هو السائد عند الجمهور كتاريخ للعملية بمحض اتفاق حسابي وكلنداري، لما عدوا رؤوس الشهور من الهجرة الفعلية للرسول في شتنبر 622 م.غ وتبعوه في اسم الشهر، فليعلم هذا وليفهم.
ذهبت بعض الروايات المؤسسة -ضمن ما أسست عليه- على شعر منسوب لعلي بن أبي طالب، إلى جعل قتل كعب بن الأشرف واجلاء بني النضير أمرا واحدا، وفي الشعر أيضا أن المسلمين قطعوا نخل بني النضير ولم يصرم، ولا يمكن التعويل على الشعر في التأريخ بالحيثيات لغلبة الصنعة عليه وقفزه على الزمن، فيجمع الأحداث المتباعدة لوحدة الموضوع (اجلاء اليهود والوقيعة بهم) وليس من همه الترتيب الكرنولوجي للأحداث. وقول كعب بن مالك كما عند ابن هشام عن ابن اسحاق: "فدلت بعد مصرعه النضير" يفيد الترتيب لا المزامنة، وقد ساق الواقدي بعد مقتله ارجاف اليهود بقتل سيدهم غيلة بلا جرم ولا حدث علموه، فتوعد الرسول من لم يقر منهم كما قر من هو على رأي كعب بالسيف ودعاهم إلَى "أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إلَى مَا فِيهِ". ولا نطمئن إلى الروايات المنسوبة إلى الزهري والسيدة عائشة من كون أمر بني النضير على رأس 6 أشهر من بدر لما فيها من اضطراب، ونسبة عبارة تقنية من صميم صنعة أصحاب السير والمغازي إليها " على رأس". كما تحقق عندنا فوق هذا بما لا مجال للطعن فيه على ضوء المقاربة المعتمدة، أن معركة بدر كانت في شهر رمضان النسي/ صفر العدة على رأس 12 شهرا من الهجرة الفعلية، على أن روايات الزهري تقرر احدى صيغها العكس تماما، وهي رواية أخرجها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في حديثه عن عروة قال: "كانت وقعة أحد على رأس ستة أشهر من وقعة بني النضير، المصنف"( 5/ 363) ولا يمكن أن تكون على رأس 6 اشهر من بدر ومن احد في نفس الوقت الا بتمحل ، والذي نجزم به أن اجلاء بني النضير كان قبل أحد، وفي جميع الأحوال فان الروايات لم تسم الشهر بقدر ما تم تقديره في ربيع الأول بناء على كونه على رأس 6 أشهر من بدر(بالعد من شوال) التي كانت في رمضان، وهو رمضان النسي لا العدة، ومثل هذه العبارة التقنية مشكل في حد ذاته مالم تعلم يقينا هل عد قائلها الشهر الذي وقع فيه الحدث أم الذي بعده، وإن كان الحديث صحيحا على منهج المحدثين وفي البخاري فإنه غير قابل للتطبيق الكلنداري كما هو.

9. غزوة بني النضير:
أرخ ابن هشام لغزوة بني النضير بناء على سياق ابن اسحاق بشهر ربيع الأول، وهو ربيع الأول النسي من الطور 16 المواطئ لشهر رجب العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري، على رأس 29 شهرا من الهجرة الفعلية، وجعل من محاولة النضريين اغتيال الرسول ورفضهم المساهمة في دفع دية رجلين قتلهما أحد المسلمين في أعقاب بعث بئر معونة سببا في اجلائهم، وقد تحقق عندنا أن بئر معونة كانت قبل أحد، كما تحقق عندنا أن أمر بني النضير كان فيما بين بدر وأحد.
ذهب الواقدي أيضا إلى توطين أمر بني النضير في نفس ربيع الأول النسي المذكور على رأس 37 شهرا من تأريخه الهجرة في ربيع الأول النسي (مارس 622)، وقال ان الرسول خرج إليهم يوم السبت ليعينوه في دية الرجلين المقتولين، على أن الروايات متضاربة في شأن هذه الدية ولا ندري هل استعانهم أم سألهم كيف الدية عندكم، وكون بني النضير حلفاء لقوم الرجلين المقتولين يجعلهم أولى بقبضها من دفعها؟
ورد في متن روايات الغزوة قول سلام بن مشكم صاحب كنز بني النضير ناصحا لقومه: فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الثّمَرِ جِئْنَا أَوْ جَاءَ مَنْ جَاءَ مِنّا إلَى ثَمَرِهِ فَبَاعَ أَوْ صَنَعَ مَا بَدَا لَهُ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَيْنَا فَكَأَنّا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ بِلَادِنَا إذَا كَانَتْ أَمْوَالُنَا بِأَيْدِينَا، إنّا إنّمَا شَرُفْنَا عَلَى قَوْمِنَا بِأَمْوَالِنَا وَفِعَالِنَا، فَإِذَا ذَهَبَتْ أَمْوَالُنَا مِنْ أَيْدِينَا كُنّا كَغَيْرِنَا مِنْ الْيَهُودِ فِي الذّلّةِ وَالْإِعْدَامِ. وهذه الحيثية تجعلنا نطمئن إلى أن زمن بني النضير لم يكن في موسم اقتراب صرم التمر كما يمكن أن يفهم من قول شاعرهم أن المسلمين قطعوا النخل ولم يصرم.
وقال البغدادي في المحبر أن غزوة بني النَّضِيـر في سنة أربع خرج إليهم يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول فحاصرهم ثلاثة وعشرين يوماً حتى أجلاهم ، ورجع لخمس خلون من شهر ربيع الآخر. و قوله سنةأربع بتأريخ الهجرة من ربيع الأول النسي، أما التواريخ التي ذكرها فلا تتوافق كلنداريا مع أي من الربيعين.
وعند البيهقي: وكان إِجْلَاءُ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَقَامَتْ قُرَيْظَةُ فِي الْمَدِينَةِ فِي مَسَاكِنِهِمْ لَمْ يُؤْمَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ بِقِتَالٍ وَلَا إِخْرَاجٍ حَتَّى فَضَحَهُمُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بحييّ بن أخطب".( دلائل النبوة – الجزء 3 الصفحة 182) وفي التاريخ الكبير: حَدَّثَنَا إبراهيم بن الْمُنْذِر، عن ابن فُلَيْح، عن موسى، عن ابن شِهَاب، قَالَ: وكان أمر بني النضير في المحرم سنة ثلاث. ( التاريخ الكبير تاريخ ابن ابي خيثمة، الجزء 2 الصفحة 8 ). وقال صاحب الامتاع : ثم كانت غزوة بني النضير في ربيع الأول على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقال: كانت في جمادى الأولى سنة أربع. (إمتاع الأسماع - المقريزي - ج 1 - الصفحة 188).
إن المعول عليه في تحقيق تأريخ غزوة بني النضير هو التبصر في سورة الحشر التي تذكر أمرهم، وأساسا قوله تعالى: كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ۖ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. فالسياق في اليهود وموضوع الخطاب يهود بني النضير، والذين من قبلهم قريبا يهود بني قينقاع، وحققنا أن أمرهم كان في شوال على رأس 20 شهرا من الهجرة الفعلية للرسول، فكان بينها وبين أمرهم الدنيوي: شوال / ذو القعدة/ ذو الحجة/ المحرم/ صفر/ ربيع الاول/ ربيع الثاني/ جمادى الأولى وهو الذي كان فيه أمرهم وفق التحقيق الكرنولوجي والكلنداري، وهو:
جمادى الأولى العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري، على رأس 27 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بمحرم النسي من الطور 16 . وبحسب التواريخ التي ذكرها البغدادي في المحبر - على أن محلها عنده ربيع الأول- فقد خرج الرسول لحصارهم يوم الثلاثاء لثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، الموافق 2 نونبر 624 م.غ ( انظر العام 56 من الكلندار أسفله) فحاصرهم كما قال 23 يوما، فكان انقضاء امرهم يوم الاربعاء لخمس خلون من جمادى الثانية. وقد وافقنا الأيام والتواريخ التي ذكرها كلنداريا وفق تقويم الليالي العددية العالمي الموحد، وعلى هذا التوطين الجديد لغزوة بني النضير يكون بينها وبين بدر 15 شهرا وبينها وبين بني قينقاع 7 أ شهر، وبينها وبين أحد 5 أشهر، وعليه فان الرواية التي أخرجها عبد الرزاق الصنعاني صحيحة على هذا التحقيق باحتساب جمادى الأولى وشوال:( جمادى الأولى، جمادى الثانية، رجب، شعبان، رمضان، شوال أحد).

10. سرية ابن عتيك إلى أبي رافع اليهودي:
أرخ الواقدي لما أسماه سرية ابن عتيك لقتل أبي رافع اليهودي بعد بدر الموعد في ذي الحجة على رأس ستة وأربعين شهرا ( من تأريخه للهجرة بربيع الأول النسي)، وهو ذو الحجة النسي من الطور 16 المواطئ لشهر ربيع الثاني العدة من السنة الرابعة للتأريخ العمري، على رأس 38 شهرا من الهجرة الفعلية. وقال في آخر الرواية ويقال انها كانت في رمضان سنة ست.
ورد في متن الرواية أن زادهم "كان جرابا مملوء تمرا كبيسا وخبزا" والتمر الكبيس في لسان العرب تمر النخلة التي يقال لها أُمُّ جِرْذان، وإِنما يقال له الكبيس إِذا جف فإِذا كان رطباً فهو أُمُّ جِرْذان". وأم جرذان: آخر نخلة بالحجاز إدراكا ولذلك قال الساجع: إذا طلعت الخراتان أكلت أم جرذان، وطلوع الخراتين في أخريات القيظ بعد طلوع سهيل وفي الحديث ذكر أم جرذان، وهو نوع من التمر كبار. (لسان العرب - ابن منظور - ج 3 - الصفحة 480).
في تنبيهات الصالحي الشامي: انهم اختلفوا في توقيت السرية فذكرها البخاري قبل أحد، وقال الزهري انها كانت بعد قتل كعب بن الأشرف، وقال ابن سعد عن الواقدي كانت في رمضان سنة ست، وقيل في ذي الحجة سنة خمس، وقيل في ذي الحجة سنة أربع، وقيل في رجب سنة ثلاث.
وقال حسان بن ثابت يذكر بقتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق: لله در عصابة لاقيتهم يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف يسرون بالبيض الخفاف إليكم مرحا كأسد في عرين مغرف حتى أتوكم في محل بلادكم فسقوكم حتفا ببيض ذفف مستبصرين لنصر دين نبيهم مستصغرين لكل أمر مجحف. (سبل الهدى والرشاد - الصالحي الشامي - ج 6 - الصفحة 105نقلا عن ابن اسحاق ). و قالوا كان أبو رافع قد أجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم الجعل العظيم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم (عيون الأثر - ابن سيد الناس - ج 2 - الصفحة 66).
ذكر الطبري هذه السرية بعد سرية زيد بن حارثة إلى القردة وقال وكان سبب قتله أنه كان فيما ذكر عنه يظاهر كعب بن الأشرف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه إليه فيما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النصف من جمادى الآخرة من هذه السنة عبد الله بن عتيك. (تاريخ الطبري - الطبري - ج 2 - الصفحة 182).
وطن ابن اسحاق سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع بعد انقضاء شأن الخندق وأمر بني قريظة وقال: وكان سلام بن أبي الحقيق - وهو رافع - فيمن حزب الأحزاب، وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق. وهو بخيبر فأذن لهم"، وهو وإن ساقها بعد ما ذكره من أمر الخندق فقد ربطها بقتل كعب بن الأشرف وجعلها في سياق التصاول والتنافس بين الاوس والخزرج على الفضل. "فلا تصنع الأوس شيئا الا قالت الخزرج والله لا يذهبون به فضلا". ولوكان ما قاله من كون أمر قتله بعد الخندق بسبب تحزيبه للأحزاب معتبرا، لكان ذلك سببا كافيا في اجلاء يهود خيبر مع بني قريظة "لإيوائهم محدثا" وتورطهم في تحزيب الاحزاب، وهذا كاف لخرق الصحيفة وابراء ذمة الله ورسوله منهم، وهو السبب الذي عجل بأمر بني قريظة فكيف يتركون وميزان الكيل واحد؟
النقطة الثانية هي الاختلاف في مكان تواجد سلام بن أبي الحقيق فابن اسحاق يقول أنه كان في خيبر، وعند البخاري، بحصن له في أرض الحجاز، وعلى هذا ايضا الطبري ؟ كما أن هناك أيضا اشكال في تحديد اسمه. وتأسيسا على التحقيق الكلنداري والكرنولوجي، وحيث أن الطبري والبخاري ذكراها قبل أحد، وحيث أن السياقات تشير الى صلتها بقتل كعب بن الأشرف والتنافس بين الأوس والخزرج، وحيث أن الذي تولى قتله قد صرح أنه وقع في ليلة مقمرة فانكسرت رجله، فان ما ذكره الواقدي من تأريخه لخروج السرية بليلة الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة غير متسق مع أي من الحجتين ولا مع كون ليلة العملية ليلة مقمرة - كما عند البخاري وغيره- فقد قال أن الغيبة كانت عشرة ليال؟ وعليه فان مقتل ابي رافع كان بعد قتل كعب بن الأشرف واجلاء بني النضير في النصف من جمادى الآخرة من السنة الثالثة للتأريخ العمري على رأس 28 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشهر صفر النسي من الطور 16 فكانت غيبتهم عشر ليال (5×2) كما قال الواقدي، وعلى كونهم رجعوا يوم الجمعة، كان خروجهم يوم الاثنين لعشر خلون منه، فكانت العملية ليلة الأحد لست عشرة ليلة خلت منه، وعادوا يوم الجمعة 21 جمادى الآخرة الموافق 10 دجنبر 624 م.غ. وقول الواقدي أن غيبتهم كانت 10 ليال يفيد بأنهم قطعوا ما يقارب 250 كلم على الأقل ذهابا ومثلها ايابا ما يؤكد أن العملية لم تكن في خيبر بل في حصنه بالحجاز، ولا عبرة بما ورد بانهم مكثوا يومين ينتظرون أن يسكن عنهم الطلب لأن اكثر السير في الصحراء انما يكون في جزء كبير منه بالليل سيما ان كان القمر بدرا. وقد تابعنا الطبري في اسم الشهر على اساس انه شهر عدة لما تحقق عندنا ان جمادى الاخرة الذي ارخت به سرية زيد بن حارثة الى القردة شهر عدة مستقيمة وان خالفناه على مستوى توطين سرية زيد تبعا لمخالفتنا الجمهور في توطين بدر بناء على المقاربة المبينة أعلاه.

11. غزوة الفرع من بحران:

اجتهد ابن اسحاق في استهلاك الزمن بين بدر وأحد عبر تمطيط مدد اقامة الرسول بالمدينة وبالمحال التي غزاها، وجعل هذه الغزوة آخر الغزوات قبل معركة أحد. وقال: ان الرسول غزا يريد قريشا حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع، وأرخ لهذه الغزوة ببعض ربيع الأول وبكل ربيع الآخر وجمادى الأولى، وهي شهور نسي من الطور 15 موطئة لرجب العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 17 شهرا ولشهر شعبان على رأس 18 شهرا ولشهر رمضان العدة على رأس 19 شهرا من الهجرة الفعلية، وهي الشهور التي أرخ بها الجمهور لتحويل القبلة وغزوة بدر
أرخ الواقدي لغزوة بني سليم ببحران بناحية الفرع بمستهل جمادى الأولى على رأس 27 شهرا (من تأريخه للهجرة بربيع النسي المذكور)، وكانت غيبته عشر ليال، وجمادى الأولى المذكور هو جمادى الأولى النسي من الطور 15 المواطئ لشهر رمضان العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 19 شهرا من الهجرة الفعلية للرسول، وهو الذي أرخ به الجمهور لمعركة بدر القتال.
قال البغدادي خرج لمستهل ربيع الآخر حتى بلغ بحران بناحية الفرع، ورجع ولم يلق كيدا. وربيع الآخر المذكور في المحبر هو ربيع الآخر النسي من الطور 15 المواطئ لشهر شعبان العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري على رأس 18 شهر من الهجرة الفعلية، وهو الذي أرخ به الجمهور تحويل القبلة. اما صاحب الامتاع فقال ان الرسول خرج الى بحران من ناحية الفرع في سادس جمادى الأولى على رأس 27 شهرا (من تأريخهم للهجرة بربيع الاول النسي) وهو جمادى الأولى النسي المواطئ لرمضان العدة على رأس 19 شهرا من الهجرة الفعلية، ووافق الواقدي في مدة غيبة الرسول، وبناء على هذا التحقيق الكلنداري والكرنولوجي، وبناء على ترتيبهم الغزوة قبل معركة أحد نقول أن:
غزوة الفروع من بحران كانت في مستهل شهر شعبان العدة من السنة الثالثة للتاريخ العمري، على رأس 30 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بربيع الثاني النسي من الطور 16 والموافق يناير وفبراير 625 م.غ وليس في متن الروايات ما نستدل به على التوطين الموسمي للغزوة.

12. معركة أحد وغزوة حمراء الأسد في شوال/ جمادى النسي

انطلق كل من ابن اسحاق والواقدي من تأريخ الهجرة بيوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول النسي من الطور 13 المواطئ لشهر شعبان العدة المستقيمة، الموافق 622، واعتمدا قالبا كرنولوجيا من شهور ضلالة النسي الجاهلي فأثبتا المحرم مطلقا في جميع أطوار النسي وهما منهما أنها شهور عدة مستقيمة، فكانت المعركة عندهم على هذا في شوال النسي من الطور 15 على رأس 32 شهرا من تأريخهما الهجرة (بربيع الأول النسي المذكور) والمواطئ لشهر صفر العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 24 شهرا من الهجرة الفعلية، فأما ابن اسحاق فقال أن المعركة وقعت يوم السبت للنصف منه، وقوله فلما كان الغد من يوم أحد وذلك يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، يفيد انه ارخ للمعركة بيوم السبت 15 شوال وهو تأريخ يوافق 14 شوال النسي المذكور بحسب تقويم الليالي العددية العالمي الموحد ( انظر العام 56 ). فيما أرخها الواقدي بيوم السبت لسبع خلون منه، وهو تاريخ دقيق كلنداريا وفق تقويم الليالي العددية، وشوال النسي الذي أرخا به للمعركة يوافق يوليوز وغشت 624 م.غ، أي أنهما أرخا لمعركة أحد مباشرة بعد 5 أشهر من التوطين السائد والفاسد عند الجمهور لمعركة بدر في رمضان العدة على رأس 19 شهرا، وتوطينهما لمعركة أحد في شوال مفارق للظروف الزمنية الجوانية الواردة في متن المعركة، من استواء الزرع، ونزول جيش قريش بالوطاء وَقَدْ شَرِبَ الزّرْعُ فِي الدّقِيقِ، فَقَدِمَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى زَرْعِهِمْ وَخَلّوْا فِيهِ إبِلَهُمْ وَخُيُولَهُمْ- حَتّى تَرَكُوا الْعِرْضَ (منطقة زراعية بالمدينة) لَيْسَ بِهِ خَضْرَاءُ. وقد سرحت قريش الظهر والكراع في [زروع] كانت بالضيعة من قناة فقال رجل من الأنصار حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال أتُرعى زُروع بني قيلة ولما نُضارب. (سيرة ابن إسحاق - محمد بن إسحاق بن يسار - ج 3 - الصفحة 305/ المغازي، ص207). وفي شعر شاعر المشركين يومئذ هبيرة ابن أبي وهب المخزومي، وهو على دين قومه من قريش، تأريخ دقيق ووصف مستفيض للظروف المناخية الشديدة البرد التي أحاطت بالمشركين في ليالي أحد حين قال: قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحّا لَا حِسَابَ لَهُ *** وَنَطْعَنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيهَا. وَلَيْلَةً يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا *** يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا. وَلَيْلَةً مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ *** جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ أَسْرِيهَا. لَا يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ *** مِنْ الْقَرِيسِ وَلَا تَسْرِي أَفَاعِيهَا. أَوْقَدَتْ فِيهَا لِذِي الضّرّاءِ جَاحِمَةً *** كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الْأَرْكَانِ أَحْمِيهَا. وفي شعر أبي سفيان تأكيد على أن الموسم الزمني لمعركة أحد كان ربيعا، فلما تخلف عن بدر الموعد هجاه حسان بن ثابت فرد عليه قائلا: أقمت على الرس النزوع تريدنا (بدر الموعد) * وتتركنا في النخل عند المدارك (أحد). على الزرع تمشى خيلنا وركابنا * فما وطئت ألصقنه بالدكادك. أقمنا ثلاثا بين سلع وفارع * بجرد الجياد والمطي الرواتك. (السيرة النبوية - ابن هشام الحميري - ج 3 - الصفحة 698).وعلى هذا التحقيق الكلنداري والكرنولوجي وبناء على الظروف الزمنية الجوانية وعلى تأريخ هبيرة المخزومي لمعركة أحد بجمادى النسي نقول أن:
معركة أحد كانت حسب تقويم الليالي العددية يوم السبت 9 شوال العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري، على رأس 32 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشهر جمادى الثانية النسي من الطور 16، والموافق 26 مارس 625 م.غ. والسبت لسبع خلون الذي ذكره الواقدي لا يمكن موافقته في شوال العدة هذا كيفما قلبت الأمر إلا بجعل أول الشهر آخره، ونفس الشيء ينطبق على تأريخها في بعض المصادر والسير بيوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال، وهو تأريخ لا ينطبق على أي من الشوالين، أما البغدادي في المحبر فذكر خروج الرسول إلى أحد يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شوال (فكانت المعركة عنده يوم السبت 15 شوال) ثم خرج الى حمراء الأسد يوم الأحد لأربع عشرة بقيت من شوال، وهو قول مشكل فان تنزلنا إلى مبدأ الرؤية واليوم الغروبي فان 15+ 14 ليلة = 29 ويستحيل أن يكون شهر شوال 29 يوما لأن الاقتران الفلكي لشهر ذي القعدة وقع بتوقيت مكة يوم الجمعة على الساعة 20 :04 فكيف رأوه؟؟؟ وقد جمع الصالحي الشامي في تنبيهاته الأقوال في تاريخ المعركة: فقال: وقيل لتسع ليال وقيل لثمان. وقال البلاذري: لتسع خلون من شوال (عمدة القاري - العيني - ج 17 - الصفحة 139) والسبت لتسع خلون متوافق كلنداريا مع شوال العدة الذي جرت فيه المعركة، أما السبت لإحدى عشرة ليلة فمحله شوال العدة من السنة الرابعة للتاريخ العمري، وعليه فان:
التأريخ الذي ذكره ابن اسحاق والبغدادي ( السبت للنصف من شوال/ ولأربع عشرة بقين) متطابق كلنداريا مع شوال النسي من الطور 15/ صفر العدة من السنة الثانية للتأريخ العمري، على رأس 25 شهرا من الهجرة الفعلية.
التأريخ الذي ذكره الواقدي ( السبت لسبع خلون ) متطابق كلنداريا مع شوال النسي/ صفر العدة من السنة الثانية.
التأريخ الذي قال به قتادة ( السبت لإحدى عشرة ليلة خلت ) لا محل له في أي من الشوالين، ومتطابق كلنداريا مع شوال العدة من السنة الرابعة للتأريخ العمري.
التأريخ الذي ذكره البلاذري ( السبت لتسع خلون) متطابق كلنداريا مع السبت لتسع خلون من شوال العدة من السنة الثالثة للتأريخ العمري على رأس 32 شهرا من الهجرة الفعلية، و شوال هذا هو التأريخ السائد والصحيح على ضوء التحقيق الكرنولولوجي والكلنداري لمعركة أحد.
أما السبت لثمان خلون فلا محل له كلنداريا . وبهذا يكون الفارق الزمني بين بدر وأحد 20 شهرا، وصح للجمهور توطينها في شوال بمجرد صدفة كلندارية لما عدوا 32 شهرا من ربيع الأول العدة الذي شهد حدث الهجرة اجماعا و تحقيقا، فليفهم هذا وليدرك. وحيث ان الرسول خرج من غده في أثر قريش على التحقيق يوم الاحد 10 شوال، وحيث ان غيبته كما قال الواقدي كانت 5 ايام فقد دخل المدينة يوم الجمعة 15 شوال الموافق 1 أبريل 625 م.غ لخمس عشرة ليلة بقيت منه.

13. سرية ابي سلمة بن عبد الأسد الى قطن ( بني الأسد)

أرخ الواقدي هذه السرية بعد أحد وحمراء الأسد بشهر المحرم على رأس 35 شهرا (من تأريخه للهجرة بربيع الأول النسي) وهو محرم النسي مستهل الطور 16، المواطئ لجمادى الأولى العدة من السنة الثالثة للهجرة العمرية، على رأس 27 شهرا من الهجرة الفعلية، وهو جمادى الذي كان فيه على التحقيق أمر بني النضير.
وذهب الرواة، ومنهم سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الى ان أباه شهد أحدا وجرج فيها جرحا على عضده، وخرج من غده مع الرسول في اثر العدو الى حمراء الأسد ولما رجع أقام شهرا يداوي جرحه حتى رأى أنه قد برأ منه، ودمل الجرح على بغي على يدرى به، فلما كان هلال المحرم دعاه الرسول للخروج في سرية للإغارة على ارض بني أسد الى أن قال الواقدي والذي هاجه وهو تعبير كرره الواقدي على طول سيرته كلما أرخ لسرية او غزوة بشهر حرام؟ وهما منه أنه شهر عدة مستقيمة وهو في الأصل محرم النسي. ولا علاقة له بالمحرم الذي يؤرخ به الجمهور هذه السرية بعد أحد.
فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ انْتَقَضَ الْجُرْحُ، فَمَاتَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَغَسَلَ مِنْ الْيَسِيرَةِ- بِئْرِ بَنِي أُمَيّةَ- بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ الْعَبِيرُ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَسِيرَةَ، ثُمّ حُمِلَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ فَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَاعْتَدّتْ أُمّي حَتّى خَلَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمّ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَخَلَ بِهَا فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوّالٍ.
ومن المفارقة فيما أورده الواقدي قوله: فلما قدم المدينة انتفض الجرح فمات لثلاث بقين من جمادى الاخرة، وبدون تمحلات وعلى البداهة فان الرجل قد ظل يكابد جرحه الذي انتفض عليه بالفاء فمات منه على نفس الفاء بعد 5 أشهر من عودته ؟؟
الخلاصة ان المحرم مدخول مقحم على كل الروايات والاحاديث التي ورد فيها عن ابنائه بشأن هذه السرية وزواج الرسول من أرملته، فالرجل على التحقيق التأريخي والكرنولوجي خرج في سريته الى قطن مستهل جمادى الأولى العدة من السنة الرابعة للتأريخ العمري على رأس 39 شهرا من الهجرة الفعلية، المواطئ بشهر صفر النسي من الطور17، والطور طور حل وترك للمحرم.
خرج في فاتح صفر النسي المذكور/ جمادى الأولى العدة، فغاب بضعة عشرة ليلة أو 29 ليلة؟؟ ، ثم دخل المدينة، ومات من جرحه لثمان خلون من ربيع الاول النسي / جمادى الآخرة العدة، كما عند الحاكم في المستدرك: (فَمَاتَ مِنْهَا لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَىِ الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ 6844). وفيه قول ابنه فاعتدت أمي وحلت لعشر ليال بقين من شوال، وعلى الفهم السائد فان العدة اربعة أشهر و10 أيام كما زعموا. فاذا عددنا من 8 ربيع الأول النسي/ جمادى الآخرة العدة الى 10 بقين من شوال العدة كان مجموع ذلك من الأيام 130 يوما (وهي محصلة 30 × 4 + 10) أما ما ذكره الواقدي في مغازيه من أن وفاته كانت لثلاث بقين من جمادى الآخرة ومن زواج أرملته ام سلمة من الرسول في ليال بقين من شوال فلا يستقيم وكون ام سلمت قد حلت لعشر ليال بقين من شوال ولا مع قوله في ليال بقين من شوال وفق مفهوم العدة السائد، والذي أراه ان التوريخ المذكورة تواريخ مستعادة حسابيا وليست محفوظة، ويكفي انها حجة على فساد كرنولوجيا السير والمغازي، والقصة ككل شاهدة على الحيرة الناجمة عن اختلاط شهور العدة بالشهور النسي على كتاب السير والمغازي وعوار توطينهم الكرنولوجي للأحداث والوقائع النبوية.
المرفقات : الكلندار النبوي وفق تقويم الليالي العددية العالمي الموحد
https://drive.google.com/drive/folders/18Rfe2SwMAd60Gwch0r5p1falHvGVh37c?usp=sharing








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قتلة مخدّرون أم حراس للعدالة؟.. الحشاشين وأسرار أول تنظيم لل


.. وكالة رويترز: قطر تدرس مستقبل المكتب السياسي لحركة حماس في أ




.. أوكرانيا تستهدف القرم.. كيف غيّرت الصواريخ معادلة الحرب؟| #ا


.. وصول وفدين من حماس وقطر إلى القاهرة سعيا لاستكمال المفاوضات




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - وفد من حماس يصل إلى القاهرة لاستكم